يحدث الذكاء الاصطناعي تحولات سريعة في الصناعات والمجتمعات حول العالم، وإفريقيا ليست استثناء. إدراكا منها للتأثير العميق الذي يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي على تنمية القارة، استضافت رواندا القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي في إفريقيا يومي 3 و4 أبريل 2025 في كيغالي. وقد جمع هذا الحدث التاريخي أكثر من 1000 من صانعي السياسات وقادة الأعمال والخبراء لمناقشة سبل تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا.
دوافع وأهداف المؤتمر
كان الدافع الرئيسي للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في أفريقيا هو ترسيخ مكانة القارة كمشارك فاعل في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، والانتقال من مجرد مستهلكين إلى مساهمين مؤثرين ومبتكرين. وتضمنت الأهداف الرئيسية ما يلي:
صياغة السياسات ومواءمتها: وضع سياسات شاملة للذكاء الاصطناعي مصممة خصيصا للسياقات الاجتماعية والاقتصادية الفريدة لأفريقيا، بما يضمن توافق تبني الذكاء الاصطناعي مع أهداف القارة التنموية.
جذب الاستثمار: إبراز إمكانات أفريقيا كوجهة واعدة للاستثمارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مما يعزز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
تنمية المهارات: سد فجوة المواهب من خلال تعزيز معرفة الذكاء الاصطناعي وبناء قوة عاملة ماهرة قادرة على قيادة مبادرات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. نشر الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية وشاملة: ضمان تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها بطرق أخلاقية وشاملة ومفيدة لجميع شرائح المجتمع، مما يحول دون تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة.
سيادة البيانات والبنية التحتية: مناقشة استراتيجيات لتعزيز البنية التحتية للبيانات وتعزيز سيادة البيانات، مما يُمكّن الدول الأفريقية من التحكم في بياناتها واستخدامها بفعالية.
الواقع الحالي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إفريقيا
الفرصة الديموغرافية
يوفر سكان أفريقيا الشباب الذين تزيد أعمارهم عن 25 عاما، والذين يشكلون أكثر من 60% – كنزا هائلا من الإمكانات الرقمية. وبحلول عام 2035، سينضم عدد أكبر من الشباب إلى القوى العاملة في أفريقيا سنويا مقارنة ببقية دول العالم مجتمعة، مما يضع القارة في موقع ريادي في مجال الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي، شريطة الاستثمار الكافي في المهارات والمنصات.
تشهد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا ازدهارا متزايدا في مختلف القطاعات، مما يُظهر تنوع هذه التكنولوجيا وإمكاناتها:
الزراعة: تحلل الأدوات المُدعمة بالذكاء الاصطناعي الظروف البيئية، مثل أنماط هطول الأمطار وصحة التربة، مُزودةً المزارعين برؤى آنية لتحسين إنتاجية المحاصيل واستغلال الموارد.
الرعاية الصحية: يساعد الذكاء الاصطناعي في تتبع انتشار الأمراض المعدية، ويقدم معلومات طبية، مفيدا بشكل خاص المجتمعات الريفية ذات الوصول المحدود إلى مختصي الرعاية الصحية.
الخدمات المالية: يساهم ظهور روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي في تعزيز كفاءة خدمة العملاء، مما يمكن المؤسسات المالية من إدارة الاستفسارات والمعاملات بفعالية أكبر.
الحوكمة: يجري استكشاف الذكاء الاصطناعي لتحسين تقديم الخدمات العامة، وتعزيز عمليات صنع القرار، وتطبيق سياسات قائمة على البيانات تلبي احتياجات المواطنين بدقة أكبر.
اقتصاد الذكاء الاصطناعي الناشئ
من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي الأفريقي إلى 4.92 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب متوقع قدره 27.43% بين عامي 2025 و2030، مما يعكس تنامي ثقة المستثمرين.
على الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك تحديات قائمة:
عيوب البنية التحتية: تعيق محدودية مراكز البيانات وعدم موثوقية الاتصال بالإنترنت انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وفعاليتها في إفريقيا.
الفجوات التنظيمية: يمثل غياب سياسات وأطر عمل شاملة للذكاء الاصطناعي في العديد من الدول الأفريقية أخطار تتعلق بخصوصية البيانات وأمنها والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
نقص المهارات: هناك نقص ملحوظ في المتخصصين والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعوق تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصا للسياقات المحلية.
الفجوة الرقمية: يُعيق ضعف الوصول إلى الإنترنت ونقص الأجهزة بأسعار معقولة الوصول إلى الذكاء الاصطناعي.
عدم المساواة في التعليم: محدودية فرص الوصول إلى مناهج الذكاء الاصطناعي، وخاصة في المناطق الريفية.
التفاوت بين الجنسين: لا تزال المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا بشكل ملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي ومجالات التكنولوجيا الأوسع.
التصريحات الرئيسية للمسؤولين الأفارقة والدوليين
كان من أبرز ملامح قمة كيغالي العالمية للذكاء الاصطناعي 2025، تصريحات التي ألقتها الشخصيات السياسية والتي عبّرت عن أولويات أفريقيا في عصر الذكاء الاصطناعي. ولم تقتصر تصريحاتهم على صياغة أجواء المؤتمر فحسب، بل ركزت أيضا على مجالات حيوية للعمل السياسي.
ألقى الرئيس الروندي بول كاغامي كلمة خلال المؤتمر ودعا فيها إلى التعاون بين الدول الإفريقية: “دعونا نواصل العمل معا، وندفع عجلة الذكاء الاصطناعي للحد من عدم المساواة، وتمكين المزيد من مواطنينا من الاستفادة من المزايا التي يقدمها لنا جميعا.” وأضاف الرئيس الروندي “دعونا نعود إلى نقطة البداية ونبني أساسا متينا للاتصال.”
وتعكس تصريحات كاغامي دعوة إلى تحول رقمي شامل قائم على تطوير البنية التحتية والعدالة الاجتماعية، مما يضع رواندا في طليعة خطاب حوكمة الذكاء الاصطناعي في أفريقيا.
أما جيريمي يورغن – المدير الإداري للمنتدى الاقتصادي العالمي خلال كلمته أكد على ضرورة معالجة فجوة رأس المال البشري في الاقتصاد الرقمي الأفريقي، لا سيما مع تزايد الطلب العالمي على خبرات الذكاء الاصطناعي. “هناك نقص في الكوادر المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ويجب علينا الاستثمار في تطوير المواهب المحلية.”
وأشار بوسون تيجاني – وزير الاتصالات، نيجيريا خلال كلمته في المؤتمر إلى ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية للدول الإفريقية واستغلال الذكاء الاصطناعي عبر تحديد الأهداف الرئيسية من استعمالاته: “تحتاج الدول الأفريقية إلى توضيح ما تريد فعله بالذكاء الاصطناعي وما تقدمه. عندها يمكننا البدء في الحديث عن التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي دون المساس بسيادتنا.”
ويشدد تيجاني على أهمية الاستراتيجيات الوطنية للذكاء الاصطناعي كشرط أساسي للتعاون الإقليمي الهادف، مركزا على أساسية وشرط التوازن بين التكامل والاستقلالية.
آفاق ومستقبل الذكاء الاصطناعي في إفريقيا
يحمل مستقبل الذكاء الاصطناعي في أفريقيا وعودا كبيرة، ويعتمد على الإجراءات الاستراتيجية والتعاون:
إنشاء مجلس أفريقيا للذكاء الاصطناعي: تهدف مبادرات مثل تشكيل مجلس أفريقيا للذكاء الاصطناعي إلى تنسيق الجهود في جميع أنحاء القارة، وتعزيز التعاون بين الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية لدفع عجلة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير السياسات.
الشراكات الدولية: يمكن للتعاون مع شركات ومؤسسات التكنولوجيا العالمية أن يسهل نقل المعرفة، وتطوير البنية التحتية، والوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
الاستثمار في التعليم والبحث: سيسهم إعطاء الأولوية للتعليم والبحث في مجال الذكاء الاصطناعي في تنمية قوى عاملة ماهرة قادرة على تطوير حلول ذكاء اصطناعي محلية تعالج التحديات الفريدة التي تواجهها أفريقيا.
الأطر الأخلاقية والشاملة: سيضمن وضع وتطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في المجتمع، وتعزيز الشمولية، والوقاية من التحيزات وعدم المساواة.
تحسين البنية التحتية للبيانات: سيمكن الاستثمار في بنية تحتية قوية للبيانات والدعوة إلى سيادة البيانات الدول الأفريقية من تسخير كامل إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على سيطرتها على موارد بياناتها.
خاتمة
شكلت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في أفريقيا نقطة تحول في مسيرة القارة نحو تبني الذكاء الاصطناعي ودمجه في أجندتها التنموية. ومن خلال التركيز على صياغة السياسات، وجذب الاستثمارات، وتنمية المهارات، والنشر الأخلاقي، وتحسين البنية التحتية، تستعد أفريقيا لتسخير القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي. إن مواجهة التحديات القائمة من خلال الجهود التعاونية سيمهد الطريق لمستقبل شامل ومزدهر للقارة قائم على الذكاء الاصطناعي.
تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات