سيد عمر معلم عبد الله
كاتب ودبلوماسي صومالي
Sayidomar2013@gmail.com
يبدو أن الاتفاقيات التي وقعتها الصومال مؤخرا مع دولتي تركيا ومصر، وانضمام الصومال إلى مجتمع شرق إفريقيا بداية هذا العام الجاري بالإضافة إلى المحادثات غير المباشرة الجارية بين الصومال وإثيوبيا عن طريق وساطة تركيا، وكذلك القرار الصادر من مجلس الأمن والسلم للاتحاد الإفريقي في بداية الشهر المنصوص بإعادة تشكيل القوات الإفريقية المتمركزة في البلاد مع بداية العام المقبل باسم AUSSOM؛ تمثل كلها معطيات جديدة ومهمة في المشهد السياسي الصومالي، وستعطي الصومال موقعا جديدا في المعادلة الإقليمية التي هي في طريقها إلى إعادةالتشّكل باتجاه مغاير. وتؤشر تلك المعطيات دلالات مختلفة من بينها تعافي الصومال المتنامي من الوضع غير المستقر السائد فيها سابقا وتحولها إلى دولة مدافعة عن حقوقها السيادية في المنصات الإقليمية ومصرّة على التمسك بثوابتها الوطنية (الوحدة والهوية) وتثبت كذلك عدم الارتباط اللازم بين العجز السياسي وتوافر الإرادة الوطنية السياسية في الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين على الدولة، وعدم التراجع عن الحد الأدنى من طموحهم رغم التحديات الحقيقية المكتنفة بالدولة.
والمتابع للشأن السياسي الصومالي عن كثب يدرك وجود حركة سياسية تقدمية نحو بناء الدولة الوطنية وتغيرات بنيوية في توجهات الرأي العام المحلي وسط مسار سياسي مضطرب في بعض الحالات يدعو إلى اتخاذ خطوات إصلاحية فاعلة وذلك من أجل بناء نظام سياسي أكثر تماسكا في المرحلة المقبلة الفاصلة في تاريخ البلاد. ومن المؤكد أن الصومال تجاوزت المراحل الصعبة للغاية التي انفرط فيها عقد العمل السياسي المشترك وأصبح السلاح هو المحتكم الوحيد إلى التواصل المجتمعي، ومعظم الحلول المطروحة في شأنها السياسي كانت مفروضة من الخارج وتعقد فيها المؤتمرات المصيرية والانتخابات البرلمانية على مختلف مستوياتها خارج حدودها، وتمرّ الآن بمرحلة مختلفة تماما تملك هي قرارها السيادي وقواعد لعبة القوى السياسية فيها مؤطرة عبر الحدود التي يرسمها دستور البلاد، وتعقد فيها الانتخابات والمؤتمرات في داخلها بما في ذلك الانتخابات المباشرة في بعض ولاياتها الفيدرالية.
ولا يوجد خلاف على أنه كان بالإمكان قيام جهود أكبر نحو العمل من أجل دولة أكثر فاعلية في مؤسساتها الحكومية وقادرة على تقديم خدمات أوسع لمواطنيها من قبل الأنظمة السياسية التي تعاقبت في الحكم سابقا وذلك مع إعادة ترتيب أولويات المرحلة وتعميق المصالحة السياسية بين المكونات السياسية للدولة وجعل الأغلبية السكانية في البلاد شريكا معتمدا في صناعة القرار السياسي. ومع ذلك فإن الأنظمة السياسية بمافي ذلك النظام الحالي تمكنت من تحقيق إنجازات مشهودة في بعض الجوانب الرئيسية في بناء الدولة الوطنية مثل كتابة الدستور وتأسيس الولايات الفيدرالية وبناء المؤسسات الوطنية ودحر الإرهاب وذلك من باب الاستجابة لمستوى الحد الأدنى من توقعات المواطن بشكل عام. وفي الأصل، مسؤولية بناء الدول مازالت جدلية بين الباحثين في المسائل السياسية، وتركت أسئلة بلا أجوبة حاسمة عن المسؤولية الافتراضية في إعادة بنائها من جديد خصوصا بعد تعرضها للانهيارشبه الكامل مثل الحالة في الصومال، ولم يجزم بعد فيما إذا كانت مسؤولية الإعمار تلك مسؤولية قيادية أم هي مجتمعية أم هما معا، وإذا كانت معا فهل هما على درجة من التساوي في المسؤولية، وإذا كانت فرضا مسؤولية مشتركة بين الطرفين، فمن له النسبة الأكثر أوالعبء الأكبر، وهل هذه النسبة متغيرة أم ثابتة مع تقدم الزمن أم لا، إلى غير ذلكمن الأسئلة الافتراضية ذات الطابع الجدلي.
وقضايا الاتفاقيات الموقعة مع تركيا ومصر، والمحادثات غير المباشرة الجارية بين الصومال وإثيوبيا، وإعادة تشكيل قوات حفظ السلام كلها محاور سياسية متوالدة نشأت من مخاطرة إثيوبيا في تحدي السيادة الصومالية حيث عجلت بتقارب الصومال الاستراتيجي مع تركيا والتحالف الدفاعي مع مصر، وأدت إلى التفاتة سياسية جديدة من السعودية في قضية الصومال، ودفعت إلى مراجعة الأخيرة قرار موافقتها السابق على وجود قوات إثيوبيا على أراضيها وربط ذلك بالتراجع عن خطوة المخاطرة. ونتيجة ما تحمل تلك الاتفاقيات الموقعة بين الصومال وتركيا من مصالح حيوية مختلفة وعوائد اقتصادية، فإن تركيا قرّرت قيام دور الوساطة بين الدولتين وذلك بطلب من إثيوبيا وبسبب وجود مصالح حقيقية تربط بينها وبين الدولتين المتوترتين.
الاتفاقيات الموقعة مع تركيا ومصر
وقعت الصومال مع تركيا ومصر اتفاقيتين دفاعيتين منفصلتين في الشهور الأولى من العام الجاري وهي بطبعها اتفاقيات دفاعية خاصة في مجال الأمن البحري وبناء قدرات الجيش والتعاون الأمني، وأخرى اقتصادية بين الصومال وتركيا ومهتمة في قضايا الاستفادة المشتركة من الموارد البحرية الطبيعية عندها. وتعكس الاتفاقيتان الخاصة مع تركيا اهتماما مشتركا في ضرورة نقل علاقات بلديهما من الطابع السياسي التقليدي إلى العلاقة الإستراتيجية المتقدمة والتعاون على درء المخاطر المحدقة بأمنهما القومي على المدى المنظور وأن يكون الاقتصاد والأمن دعائم تلك العلاقة في المرحلة المستقبلية. وبالإضافة إلى ذلك اتخذت تلك الاتفاقيتين مع تركيا كنوع من طابع المبادلة بين الدولتين في اهتماماتهما الأولية، حيث أن قضايا الدفاع والأمن البحري تدخل في الاهتمامات الأولية للصومال، بينما مسألة الطاقة تدخل في ضمن الاهتمامات الأولية لتركيا، وهي رغبة حقيقية كانت تراودها قديما، وتمثل عنصرا مفقودا من عناصر القوة الأساسية عندها. والاتفاقية الخاصة بالطاقة تشتمل على إنتاج النفط والغاز الطبيعي في المناطق البحرية والبرية، وتنظم على عمليات التنقيب والتكرير والمبيعات والخدمات اللوجستية الملحقة بها، وتمنح تركيا حصة ثابتة من العوائد المالية (30%) وامتيازات كبيرة في مسؤولية نقل الطاقة إلى خارج البلاد. وبموجبها، سيتم البدء بالبحث والتنقيب في ثلاثة أحواض بحرية مختارة في شهر سبتمبر التالي على أن يتم استخراج النفط خلال عامين من بداية توقيع الاتفاقية.
ومرّت الاتفاقيات مع تركيا على المحطّات التي تضفي عليها الطابع القانوني، ومدتهاعشر سنوات قابلة للتمديد في حال الموافقة المتبادلة بين الدولتين. والبنود التي تتكون منها غير منشورة بعد في المنشورات الحكومية الرسمية المعتمدة ولكن مضمونها العام يوحي على أن تركيا سوف يكون لها حضورا عسكريا في المياه الصومالية، وأنها ستعمل مع الصومال على تقوية قدرة قواتها البحرية، وعن طريقها، سيكون هناك تنسيقات ميدانية في الملاحة البحرية ودوريات مشتركة مجهزة لمكافحة جميع أنواع التهديدات المتوقعة في المياه البحرية. ويأتي توقيع الاتفاقيات مع تركيا ومصر كرّد مباشر على توقيع مذكرة تفاهم بين صومالاند وإثيوبيا تضمن للأخيرة– في حالة تطورها إلى الاتفاقية- على استئجار مساحة 20كم في مياه خليج عدن لاستخدامها كقاعدة لقواتها البحرية وذلك لمدة خمسين عاما مقابل منحها الاعتراف وحصة من شركة الطيران المملوكة لإثيوبيا، ووسط وجود توتر متصاعد ناتج من الاستهداف الحوثي على السفن العابرة في مدخل الجنوبي في البحر الأحمر التابعة للدول الداعمة لإسرائيل في حرب غزة.
وتتسق الاتفاقيات مع مصر وتركيا مع تزايد الدول الـ(12) التي تتخذ قواعد عسكرية في جمهورية جيبوتي لحماية مصالحها الحيوية في المنطقة، وتتزامن في فترة يوجد فيها مخاوف جدية ناتجة من نتائج الاتصالات المتقدمة بين حركة الشباب الإرهابية وجماعة الحوثيين تستهدف تحقيق التعاون في مجال نشاطاتهما المشتركة وقلق تأثير ذلك على حركة التجارة الدولية العابرة في مياه المنطقة. وتحقق تلك الاتفاقيات للبلاد مكاسب سياسية محسوسة ، وضمنت لها موقفا مؤيدا للاستقلالية في قرارها السياسي وحماية الوحدة الترابية لأراضيها وجعل موقفها في جولات المحادثات الأخيرة مع إثيوبيا قويا، كما أنها تؤدي إلى إنعاش اقتصادها البطيء الأداء(3.7%) وتراجع مدّ الإرهاب البحري وتوقف شبح عودة القرصنة البحرية وانتشار جرائم الصيد الجائر القائم في المياه الصومالية. والاتفاقيات أعطت تركيا ورقة سياسية رابحة في علاقاتها السياسية مع واشنطن وبالذات في موضوع التعاون بينهما في مجال الطاقة والأمن في الإقليم وشجعت قيام دور الوسيط الموثوق بين إثيوبيا والصومال في الأزمة الحالية بينهما باعتبار أن الجارتين شريكتان رئيسيتان لها في منطقة القرن الإفريقي وارتباطهما مع إثيوبيا بعلاقات متعددة المستويات وأنها ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الصين. ويوجد في إثيوبيا حوالي 200 شركة تركية تقوم باستثمار3 مليار دولار، وتوفر لسوق عملها لأكثر من 50 ألف فرصة عمل والتبادل التجاري بينهما وصل إلى 650 مليون دولار عام 2022، وهو أمر مكّن لها التوسط بين الطرفين لاستخدام نفوذها السياسي في احتواء تبعات المخاطرة الإثيوبية الأخيرة ضد السيادة الصومالية .
ومن اللافت للنظر، أن الاتفاقيات مع مصر وتركيا رفعت مستوى خوف بعض الدول الناجم من الحضور التركي الشرعي والقانوني في المياه الصومالية وتحالف الصومال مع مصر في بعض المجالات الرئيسية وتقطع الطريق أمام أملهم من تحقيق الأجندة التقويضية ضد الوحدة السياسية للدولة الصومالية، وتتوجس أن تكون هذه الخطوات بداية العودة إلى دولة صومالية موحدة وحضور تركي مستدام ونفوذ مصري متزايد في المنطقة يؤدي معا إلى تغيير موازين القوة في المنطقة. والغريب أنه توجد دول داعمة لفكرةحصول إثيوبيا منفذا بحريا في مياه الصومال بأي ثمن وتعتبر مسألة عودة الوحدة السياسية للبلاد ضياعا مؤكدا للمكاسب الإستراتيجية التي حققتها تلك الجبهة في فترات زمنية متوالية، وتتفاعل تلك الدول مع نزعة انفصالية محلية متطرفة، وجهات سياسية محدودة الحجم غلبتها الأنانية المفرطة في تفكيرهم السياسي. وينبغي الإشارة على أن الاتفاقيات ليست معناها اتفاق الصومال مع تلك الدولتين على رفع سلاحهما ضد أية دولة أوجهات تريد الاعتداء على السيادة البحرية للصومال، أوتحاربان بالنيابة عن الصومال بقدر ما هو تعبير سياسي من الدولتين عن التزامهما المشترك في دعم الوحدة الوطنية للصومال والوقوف إلى جانب الخيار السياسي للدولة الوطنية وتقوية دور الجيش في تأمين البلاد وتوفير المعدات والتقنيات اللازمة التي تساعدها على النجاح في مهامها العملياتيه .
انضمام الصومال إلى مجتمع شرق إفريقيا
تعدّ كتلة مجتمع شرق إفريقيا المعروف اختصارا باسم EAC واحدا من الاقتصاديات الأكثر نموا على مستوى العالم حيث يفوق ناتجة الإجمالي بما يقدر حوالي 312.9 مليار دولار سنويا وبنمو يعادل بـ 6.2% في فترة ما قبل أزمة كوفيدـــــــ19 في السنة. وتحتوي هذه الكتلة على تعداد سكاني يناهز 302.2 مليون نسمة، وتقع فوق مساحة أرضية تقدر قرابة 5.4 مليون كم2. ويؤكد انضمام الصومال إلى هذه الكتلة تحركها بالاتجاه نحو العمق الجنوبي الذي تمثله المنطقة الجغرافية التي تضم هذه الدول، وتوحي استدراك الصومال بأهمية التوازن الدائم في علاقاتها بين المنظومة العربية والمنظومة الإفريقية، ويثبت تعددية الانتماء في هويتها السياسية الناتج من موقعها الذي يشكل جسراً بين قارة آسيا وإفريقيا. وستمنح هذه الحركة امتيازات كبيرة للجالية الصومالية الكبيرة الفاعلة في مجال التجارة والمقيمة في معظم أراضي دول الكتلة، وترفع عنهم بعض القيود التجارية المفروضة عليهم، كما أن هذا الانضمام يؤدي إلى تسهيل الحركة البشرية والتجارية في الأسواق المختلفة للدول الأعضاء في تلك الكتلة، ويسهم في تحفيز روح المنافسة وترسيخ ثقافة الجودة في البيئة العملية المحلية في البلاد .
و الصومال لم تستثمر من قبل في ثنائية الهوية الطبيعية المتوفرة لديها بما ينبغي، ومن ثمّ عالج قرار الانضمام قضية الالتباس السائدة في هويتها السياسية المزدوجة منذ الأزل. والتعددية أو التنوع في الهوية السياسية، تعطي الدول ميزة إضافية في سلاسة حركتها السياسية وتترك لها هوامش واسعة للمناورة الدبلوماسية ومساحة واسعة في خياراتها الاستراتيجية. والبعض من أشقائنا العرب يرون على أن الصومال دولة ملحقة بالنظام العربي في ظروف عابرة، وأنها واقعة أصلا خارج الحدود الجغرافية للنظام العربي المترابط بريا ببعضه البعض، وأن اللغة العربية عندها ليست لغة أصلية بقدرما هي لغة مكتسبة يتعلمها الفرد الصومالي في المرافق التعليمية المختلفة . وفي مقابل ذلك تجد في إفريقيا السوداء من يعتبر الصومال متنصلا عن هويته السياسية الأصلية المتجذرة عنده، وأنها تنظر باتجاه الشمال أكثر من الجنوب، والأوراق عندها ملتبسة بين انتمائهاالإسلامي الأصيل وانتمائها العربي السياسي الجديد غير المتناقضين من الأساس، وبالتالي فان القرار ينهي أمرا معلقا منذ العقود في الحسابات السياسية للصومال .
والصومال لم تنجح في الاندماج الطبيعي مع محيطها الإقليمي والتعاون الإيجابي مع جوارها الجغرافي بما يجب نتيجة ما ورثته عن الاستعمار الأوروبي من تمزيق عدواني في أراضيها الواحدة المترابطة، وسلكت طرقا مختلفة لتغيير الوضع لصالحها، وأصبح مسعاها نحو تغيير خريطتها السياسية ضد وفاق منظمة الوحدة الأفريقية وحسابات الدول الكبرى. ومن الصعب تحقيق التنمية الاقتصادية من دون التمكن من الاستقرار السياسي في البلاد، ولا يمكن تحقيق أحدهما إلا مع توافر الأول، الذي هو نفسه مرهون بتحسين الاندماج الإيجابي مع الدول المجاورة. وأغلب الدول النامية التي حققت معدلات تنموية مشهودة في القارة الإفريقية وغيرها استطاعت تحقيق ذلك الاستقرار بعد أن فازت بالاندماج الطبيعي في محيطها الإقليمي. ولدى الصومال ماتقدمه لدول الكتلة حيث أنها تملك أرضا شاسعة وخصبة بدرجة كبيرة بالنظر إلى عدد سكانها القليل بالمقارنة مع الدول الأخرى التي من بينها الكونغو البالغ عدد سكانها إلى109 مليون نسمة، وتنزانيا بـ 69.4 مليون نسمة وكينيا بـ 56.2 مليون نسمة وكذلك أوغندا50.05 مليون نسمة. والصومال أصبحت الدولة الثالثة في ترتيب دول الكتلة من حيث المساحة بعد الكونغو وتنزانيا والخامس من حيث عدد السكان بعد الكونغو وتنزانيا وكينيا وأوغندا، ولديها الكثير ما يمكن أن تقدمه لدول الكتلة سواء على مستوى الثروة الحيوانية الهائلة والموارد البحرية المتنوعة والإنتاج الزراعي المتعدد، إضافة إلى جانب قطاع الخدمات المالية والخبرة في مجالات عديدة وحيوية، وبالتالي يخلق انضمامها إلى هذه الكتلة الكثير من الفرص الواعدة على المستويات المختلفة وهي فرص لا تخلو بالتأكيد من بعض التحديات الرئيسية .
المحادثات الجارية بين الصومال وإثيوبيا
طبيعة المحادثات الجارية بين الصومال وإثيوبيا أنها غير مباشرة، أي أنها لا تجري بين وفدي البلدين وجها لوجه، وتجري في أراضي تركيا وبوساطة منها. وهدف تركيا من تسهيل المحادثات هو إنهاء القطيعة الدبلوماسية الناتجة من توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع صومالاند غرة هذا العام واستعادة العلاقة المنقطعة إلى طبيعتها بين البلدين، وخفض التوتر الإقليمي الناجم من الخطوة الإثيوبية المجازفة. وانقضت إلى الآن ثلاث جولات من المحادثات بين الدولتين، حيث جرت اثنتين منهما في تركيا في شهري يوليو وأغسطس، بينما الأولى تمّت في نيروبي بوساطة من كينيا في شهر مارس الماضي ولا توجد بعد أي نتائج محددة تم التوصل إليها بين الطرفين. والدولتان ملتزمان بالعودة إلى جولة رابعة على المستوى العام أوثالثة في تركيا مجدولة في17 سبتمبر المقبل، وأعلنت تركيا على أن المحادثات الأخيرة كانت أكثر ايجابية من سابقتها وتمّ إحراز تقدم في بعض القضايا الرئيسية، وتعمل على تحقيق اتفاق مقبول بين الطرفين في المحادثات التالية. وتقوم تركيا باستضافة المحادثات وتجسير الفجوة بين الدولتين وتقديم حلول عملية قابلة للتوافق والاتفاق عليها. والصومال تريد من المحادثات أن تراجع إثيوبيا موقفها المرتبك وتتوقف عن الاعتداء المستمر على سيادتها الوطنية والمرور عبر القنوات الرسمية إذا كانت تريد فعلا ميناء تجاريا وليس قاعدة عسكرية غير وارد عندها، وأن يتم مرورها ذلك متوافقا مع مبادئ القانون الدولي ومنسجما مع الاتفاقية الدولية المعروفة باسم (UNCLOSE) المنظمة لطريقة الانتفاع المشترك بين الدول المجاورة التي إحداهما حبيسة والأخرى بحرية.
ويستند الموقف الصومالي من المحادثات على مجموعة من الحقائق التالية:
1. إن موقفها يأتي ترجمة عملية لنص القانون الذي تمّ الاعتماد عليه من قبل المنصات الدستورية للدولة في شهر يناير، وبموجبه تعتبر مذكرة التفاهم الموقعة مع صومالاند عملا لاغيا وباطلا وذلك انطلاقا على أن صومالاند تشكل جزءا من الصومال الموثقة حدودها الجغرافية السياسية في المؤسسات الدولية، ومن ثمّ فإن إثيوبيا هي بمثابة دولة معتدية على سيادتها الوطنية.
2. إن محتوى المذكرة يتناقض مع المواثيق التأسيسية لمنظمة إيغاد والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة التي تنص جميعها على حرمة سيادة الدول والحفاظ على وحدتها السياسية، وهي كلها دوائر تشترك الدولتان في عضويتهم معا، مما يعني أن إثيوبيا متعمدة لنقض مواثيق تمثل هي طرفا رائدا في تأسيسها أوإنشاءها.
3. إن الصومال لا ترفض من حيث المبدأ التعاون مع إثيوبيا في موضوع تأمين مصالحها التجارية المرتبطة بالمياه البحرية ولكنها ترغب أن يأتي ذلك وفق القوانين الدولية المعروفة المصدروليس بناء على توهمات واهية ومطامع إمبراطورية بالية .
ويقابل هذ الأسانيد الواضحة الأساس موقف إثيوبي لا يتسق مع أي سند قانوني معروف المرجعية أوتاريخي معلوم المصدر ولكنه يرتكز على تبريرات سياسية واهنة ومغالطات تاريخية واهمة. ومن ضمن تلك التبريرات، أنها دولة حبيسة، وتعدادها السكاني في حالة الانفجار(126مليون) وأنها تريد تصحيح خطأ تاريخي سابق جعلها تفقد منفذها البحري في البحر الأحمر. وإثيوبيا تعلم أنه يوجد غيرها من الدول الحبيسة في القارة(12دولة) التي لا تريد الاعتداء على سيادة جوارها بسبب أنه تملك ما تحتاجه من مياه بحرية، وتعرف أن عددها السكاني المنفجر سببه هو ابتلاع شعوب حرّة تمنعها هي من تقرير مصيرهم المستقبلي المنصوص في الدستور الفيدرالي وتترك لهم حرية الاختيار، وتمّ بمساعدة من الدول الاستعمارية الأوروبية بالأمس القريب. وأكثر من ذلك فإن مياه البحر الذي خسرته هو مياه البحرالأحمر في اريتريا وليس مياه خليج عدن في الصومال وسبب خسارتها هو تنصلها من الالتزامات الموضحة في قرار الأمم المتحدة الذي جعل اريتريا وحدة مستقلة متوحدة فيدراليا مع إثيوبيا وصدر في ديسمبر 1950 ولا علاقة بين هذا وطمعها الجديد في المياه الصومالية.
وإثيوبيا، تميز موقفها بالمراوغة والازدواجية، وتؤكد احترامها للسيادة الصومالية من وقت لآخر وفي نفس الوقت لا تقبل الانقياد للقرار الحكومي بإغلاق قنصلياتها في هرجيسا وجروي، وتكرّر من حين لآخر رغبتها في التوصل إلى اتفاق وفي نفس الوقت لا تقدم طرحا مستندا على حجة قانونية في طاولة المحادثات، ومستمرة في تدريب القوات لـ صومالاند بعد توقيع المذكرة معها وحشد الجيوش في الحدود مع الجنوب والتواصل مع الولايات الصومالية من وراء الدولة وفي نفس الوقت تكرّر دعهما لمبدأ السيادة الكاملة في الصومال على أراضيها. وإثيوبيا تريد بقاء قواتها في الأراضي الصومالية وتعبّر مناوئتها بالتحالف الدفاعي الجديد بين الصومال ومصر خوفا على أمنها القومي وفي نفس الوقت لا تعير اهتماما على دعوة الصومال إليها في التوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية ، وتعلن على أن موقف الصومال من المذكرة هوعبارة عن سوء فهم تريد معالجته في المحادثات الجارية، وأن ما بينها وبين الصومال هو مجرد فروق في وجهات النظر بينهما، وتختزل خطوتها الاعتدائية هذه بمجرد اعتراض حكومي يمكن تهدئته، وتعتمد على فرضية حدوث تحول في الموقف الرسمي للدولة مع إطالة أمد المحادثات أوتغير في قيادة النظام السياسي للدولة في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعني بأنها غير مستعجلة على أمرها وتراهن على عنصر الزمن في تحقيق رغبتها الجائرة.
وإثيوبيا تدافع عن موقفها التعسفي من أنه لم تعد خزينتها المالية تحتمل كلفة ارتفاع التعريفة الجمركية التي تدفعها إلى جيبوتي (1.5 مليار دولار) وأن اقتصادها يعتمد على التجارة الدولية ونموها الاقتصادي مرتبط بإيجاد منفذ بحري لا يتطلب منها دفع رسوم جمركية، وقدمت للصومال تضحيات جسيمة في سبيل العمل على استقرارها السياسي والأمني، وتتبني مبدأ المنفعة المتبادلة في العلاقة السياسية مع الدول، ومن ثمّ هي تريد أن تأخذ صومالاند من مياه البحر الذي تحتاج إليه وتعطيها مقابل ذلك الاعتراف الذي تنشده إليه وحصة من طيرانها الوطني وليس لديها مانع من أن تشرعن الدولة الفيدرالية على رغبتها تلك، أوان توفر لها بديلا أفضل. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تروّج بأنه لا يوجد هناك حضورا عمليا للصومال يؤكد على سيادتها الميدانية في صومالاند مع أنها تعرف على أن الحضور الميداني للدول غير مرتبط على ثبوت حق السيادة في أراضيها، وهي تدري على أنه يوجد عندها أراض واسعة في الشمال والغرب تحديدا تدخل في عداد سيادتها وفي نفس الوقت لا يوجد لها حضورا ميدانيا مؤكدا. وإثيوبيا ترى موضوع المذكرة خطوة مكملة من علاقات خاصة قديمة قائمة بينها وبين صومالاند منذ العقود وليست خطوة مفاجئة، وكان التعامل معها متميزا عن تعاملها المنفصل مع بقية الولايات والمناطق في الصومال بشكل عام بدأ من وجود اعتماد دبلوماسي متبادل بينهما وختم في جوازها المحلي وعلاقات تجارية متنوعة وتعاون أمني مطرد دون أن يكون هناك احتجاج رسمي منتظم من الصومال .
والمعضلة الحقيقية القائمة في المحادثات الجارية بين الدولتين هي أنه لا يوجد مساحة مشتركة في مواقف الدولتين، وأن أدنى وأقل ما تريده إثيوبيا من الصومال هوآخر ما يمكن أن توافقه الصومال أو تقبل بها كفكرة مبدئية، وعدم القبول للفكرة أورفضها من حيث المبدأ ليست قاصرة على الموقف الرسمي للدولة بل هي فكرة لن يقبلها حتى أولئك الذين في الشمال واللذين حاولت إثيوبيا أن تستخف عقولهم اليقظة بالدخول معهم في صفقة غير متكافئة، لأنها تكون مبادلة أصول منقولة بأخرى غير منقولة أوبيع ثروة وطنية وممتلكات ثابتة بأخرى غير ثابتة تديرها هي باستقلالية كاملة عن الطرف المفترض أن يكون معها شريكا في الصفقة. وربما ما تريده إثيوبيا قد يختلف تماما من حيث الغاية والهدف عما تحاول أن تطرحه على طاولات تركيا وهرجيسا، وتريد من الصومال منفذا بحريا دائما وليس منفذا مؤقتا مستأجرا بحيث تأخذ ذلك المنفذ لنفسها وتستخدم لأغراضها التجارية وغير التجارية باستقلالية تامة، كما أنها تريد شريطا أرضيا أوممرا بريا يربط ذلك المنفذ مع حدودها البرية، وبعدها تكون قادرة على تأمين مصالحها المنقولة بريا، على أن يتمّ تحديد موقع هذ المنفذ من أقرب نقطة برية من خريطتها السياسية، وسيتم إنشاء ذلك المنفذ بترتيبات إقليمية مسبقة بينها وبين بعض شركائها الأساسيين في الفكرة، وسيكون مجهزا بقدرة استيعابية كبيرة للاستيراد والتصدير بما في ذلك تهيئته من تصدير الغاز الذي تمّ اكتشافه في الأراضي الصومالية المبتلعة سابقا.
وفي مقابل ذلك تريد الأولى من الأخيرة أن تكون حق السيادة الكاملة على أراضيها ونصوص القوانين الدولية المتعلقة في حدود الدول والبحار أرضية في المحادثات الجارية بينهما وأساسا للعلاقات السياسية المستقبلية بينهما، وأن قضية منح المنافذ والمواني البحرية مسؤولية سيادية للدولة لايحق لأحد في أن ينتزع منها أو أن ينتقص من شأنها، والأبواب مفتوحة من جانب مقديشو على الأقل للتفاهم مع هرجيسا على أية صيغة تساهم في التنمية الاقتصادية وتحسّن مستوى البنية التحتية والمرافق الخدمية في منطقتها، وأن أية محاولة لتجاهل إثيوبيا لتلك الحقيقة الناصعة تحول العلاقة بينهما من علاقة حسن الجوار الطبيعي إلى علاقة المعتدي مع المدافع عن حقه الطبيعي المكتسب المنصوص في القانون الدولي.
وشجع اتخاذ إثيوبيا تلك الخطوة المتهورة الأسباب الثلاثة التالية:
الأول اعتبار الصومال بأنها هي الحلقة الأكثر ضعفا في الحزام الجغرافي المحيط بها وذلك من بين الدول البحرية الخمسة المجاورة بها، أوبمعنى آخر فإن الصومال تكون هي الأقل كلفة في حالة لجوئها إلى خيار القوة القائم عندها في الوصول إلى مياه البحر .
الثاني اعتقادها الواهم على أن المكونات الاجتماعية والسياسية في الصومال منشطرة ومنقسمة ، ومن ثمّ قد لا تواجه إجماعا وطنيا مضاد لتحركها أو رفضا شعبيا أفقيا يقف دون الحيلولة إلى وصولها إلى المياه الصومالية
الثالث افتراضها غير الصائب على أن العالم منغمس بأزمات دولية كبرى تجعله منشغلا بحلّها ويعمل الكلّ على تأمين بقائه في الوجود وسط نذر حرب دولية مخيفة، وبالتالي قد تكون الفرصة مواتية حاليا من أي وقت آخر
إعادة تشكيل قوات حفظ السلام الإفريقية في البلاد
في غرة شهر أغسطس الجاري، اتخذ مجلس الأمن والسلم للاتحاد الإفريقي قرار الموافقة على تمديد بقاء القوات الإفريقية في الصومال في العام المقبل بعد انتهاء صلاحية القوات الموجودة حاليا في البلاد وإعطائها باسم بعثة الدعم والاستقرار للاتحاد الإفريقيAUSSOM بدلا من قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال المعروفة باسم (ATMIS) وذلك بطلب من الصومال، واعتمد مجلس الأمن في نيويورك بصيغته النهائية لاحقا. والصومال تعتبر تناقص عدد تلك القوات غير الصومالية الباقية في أراضيها وإخلاء قواعدها الميدانية وتسليم مقرعملياتها إلى القوات الصومالية مؤشرا إيجابيا في تحسن وضعها الأمني للبلاد واقترابها نحو الوقوف على قدميها، ومن ثمّ تسعى أن يكون حجم تلك القوات متوافقا مع خططها الأمنية ودورها العملياتي منسجما مع رؤيتها في استتاب الاستقرار وفرض النظام في المناطق المستهدفة. والصومال تريد من الاتحاد الإفريقي تغيير مهام قواته من قوات حفظ السلام إلى قوات مساهمة في استقرار الوضع الأمني وأن تقوم بدور أكثر فاعلية في محاربة الإرهاب وفرض الاستقرار الأمني وأن يكون بقائها مساهما في تحسن جاهزية قواتها على تحمل المسؤولية الأمنية الكاملة في البلاد .
وتمّ أخذ قرار إعادة التشكيل بناءا على تقييم استراتيجي مشترك بين الاتحاد الإفريقي والصومال في شهر مارس وقدمتا معا إلى مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا وشدد التقييم على ضرورة تجنب حدوث فراغ أمني في البلاد وركز على أهمية تناسب تناقص عدد القوات الحالية مع تنامي القدرات العسكرية المختلفة التي اكتسبتها القوات الصومالية على مرّ السنوات الماضية. ويتوقع أن تأتي تلك القوات الجديدة من سبعة دول أغلبها من الدول الأعضاء في كتلة مجتمع شرق إفريقيا والدول المجاورة غير المعادية للصومال بإعداد متفاوتة وذلك باستثناء مصر التي هي مساهم جديد في التشكيلة الجديدة، وجيبوتي التي سيكون لها قوات إضافية، وسيكون عددها في حدود 10 آلاف جندي بدلا من قوات ATMIS البالغ عددها إلى 14626 جندي مقسم بين الجيش والشرطة وعناصر أخرى مدنية داعمة على مهامه القتالية .
وشجع قرار مصر في الانضمام إلى القوات الجديدة المشكّلة هو توليها المرتقب لرئاسة مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي وتحول العلاقة بينها وبين الصومال إلى مسار معاكس على العلاقة المتوترة بين الصومال وإثيوبيا وذلك بعد توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بين الدولتين في شهر يناير الماضي وتوقيع برتوكول تعاون عسكري آخر مكمل للاتفاقية الأولى في يوم 14 أغسطس الجاري ووافقها مجلس الوزراء في الصومال في شهر يوليو. وسيترتب على تلك الاتفاقيات والبرتوكولات الموقعة بينهما دعما مصريا في الأجهزة الأمنية للصومال وتعاونا في المجالات الاستخباراتية والأمنية للبلدين. وإلى جانب ذلك، فإن هناك تفاعلات أخرى سارية في هذا الاتجاه مثل تدشين خط طيران جديد مباشر يربط بين القاهرة ومقديشو وفتح مصر سفارة جديدة لها في مقديشو وتقدمها بطلب فتح بنك تجاري في مقديشو وتبادل تجاري وصل خلال العام الجاري في حدود 59 مليون دولار وهو خط سياسي مكمل للاتفاقية التي وقعتها الصومال مع تركيا وليس مناقضا لها أو منافسا معها .
والهدف من إعادة تشكيل القوات هو تعديل مهمة وجودها التقليدي في البلاد، وتجنب حدوث فراغ أمني يمكن أن يهدد وجود الدولة على المدى القريب وسد العجز والنقص العددي الناتج من استمرار القوات الحالية في انسحابها المخطط له سلفا. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما الشركاء الأساسيين مع الإتحاد الإفريقي في عملية تمويل وجود تلك القوات في الصومال، ودعم الاتحاد الأوربي في حدود 2.8 مليار دولار في هذ الخصوص ويدفع حاليا لـقوات ATMIS)) بـ 100 مليون دولار منذ2007، وبالمثل دفعت الولايات المتحدة في نفس الفترة مبلغ2.5 مليار دولار غير شاملة للتكاليف الجانبية الخاصة بوجودها الميداني ومحاربة الإرهاب والعمليات الاستخباراتية والقصف الجوي في أهدافها المحددة.
ويسود عند الطرف الممول والصومال نوعا من الشعور بالملل في الاستمرار في تقديم الدعم المالي بسبب وجود أولويات أخرى ضاغطة من جهة الطرف الممول أو رغبة الصومال في صرف تلك المبالغ في بناء قواتها الوطنية ومؤسساتها الوطنية ويوجد بينهما قناعة موحدة على وجود تباين هائل بين حجم تلك المبالغ الذي تمّ صرفها وبين النتائج الميدانية التي حققتها تلك القوات في تحقيق الاستقرار الأمني على المدى الزمني الـ 17 سنة التي كانت متمركزة فيها في الأراضي الصومالية. والصومال تريد من القوات الجديدة مساهمة فاعلة في الحفاظ على الإنجازات السياسية وحماية المكاسب العسكرية التي تحقق قواتها في الجبهات القتالية والعمل على تأمين المرافق الحيوية الأكثر أهمية، وتسهيل الحركة المرورية في الطرق البرية التي تربط بين المدن الرئيسية وذلك من أجل تمكين الجهود الإنسانية الجارية في المناطق المحرّرة من الإرهاب وهي مهام تأمل الصومال رؤية نتائجها مع بدابة العام المقبل.
خاتمة
يبدو أن خطوة المخاطرة التي استهلتها إثيوبيا اليوم الأول من بداية هذ العام أصبحت فرصة ذهبية توحيدية جديدة للصومال من دون أن يخطط ذلك أبي أحمد أو ربما لم يأخذها في الحسبان. والقرار السياسي الذي لم يأخذ في الغالب مجراه الطبيعي من التفكير والاستشارة الكافيين غالبا ما يعود إلى صاحبه على ثقل لا يستطيع حمله باستمرار ولا يستطيع في الوقت ذاته تركه بسهولة وتلك هي حالة مقترنة بالحالة التي يمرّ بها أبي حيث أنه لايعرف كيف ينسحب من الخطوة بعد مغامرته ولا يعرف هو أيضا كيف يمكن أن يستمر بعد انسداد الأفق عنده. والخطوة قلّصت سريعا مساحة الانقسامات الاجتماعية بين الصوماليين وغذت وعيهم الجمعي الذي كان في حالة سكون ومنحتهم جرعات إضافية من اليقظة والاتجاه نحو الوحدة المجتمعية. وقد يكون ارتفاع الأصوات المتناغمة في الشمال والجنوب ضد الخطوة واستباق تعليق حركة الشباب على الخطوة قبل الدولة مؤشرا كافيا على الارتداد العكسي التي تركتها الخطوة في المشهد السياسي للبلاد. وإلى جانب ذلك، فان هذه الخطوة عطلّت مسارات التنمية وخطط التعاون الإقليمي السائرة في الإقليم سابقا وجعلت العلاقات الدبلوماسية فيما بين الدول شبه متوقفة وحولت صورة أبي إلى سلوك إمبراطور لا يفكر في عواقب فعله بقدر ما يهتمّ بإشباع سيطرته في الحكم. وبالإضافة إلى ذلك فان الخطوة خلقت اصطفافات جديدة في المنطقة وقسّمت بين الدول في المنطقة برمتها إلى دول أعضاء في محاور متناقضة وضمنت للصومال دعما دوليا وإقليميا قويا غير مسبوقين في قضية وحدتها السياسية والحفاظ على السيادة الكاملة على أراضيها كما أنها قرّبت مواقف دول إقليمية كانت في حالة تنافس مرئي في المنطقة وجعلتهم ملتزمين في التنسيق الميداني فيما بينهم في دعم حق الصومال الطبيعي في حماية السيادة الكاملة على أراضيها.
ومن أجل تحصين تلك الوحدة السياسية، فان الصومال وقعت اتفاقيات دفاعية مع تركيا ومصر وربما ستوقع مع دول أخرى في الفترة المقبلة، وأن دخولها في هذه الاتفاقيات هو نتيجة لاعتداء إثيوبياعلى أرضها وليس سببا تريد من خلالها السعي إلى تغيير الخريطة السياسية في المنطقة لصالحها، وقطعت إلى الآن شوطا بعيدا في تحقيق أهداف مرحلية في هذ الاتجاه، وعضويتها المعتمدة قريبا في مجلس الأمن على مدى السنتين القادمتين سيكون عاملا مساعدا إضافيا في تحصين موقفها السياسي. والصومال كانت تأمل من جارتها أن تمضي قدما في سياسة الوفاق الإقليمي وإنهاء الصراعات الطويلة في الإقليم ودفع تحقيق التكامل الاقتصادي إلى الأمام وتعميق التعاون الأمني وتمكين التعايش السلمي في دول المنطقة، وإطلاق مبادرات السلام بين الفرقاء من أبناء المنطقة بما في ذلك الصومال والتي بدأها أبي في السنوات الأولى من حكمه في 2018م، ولكن الخطوة الأخيرة تؤكد تحوّل موقفها إلى اتجاه مختلف يعيد ذاكرة الدول في الإقليم إلى ماقبل عقود ماضية ومريرة. والصومال، كانت تتوقع أن إثيوبيا مدركة على أن الاستقرار في المنطقة ضمانه هو الوفاق السياسي بين الصومال وإثيوبيا حيث أن الأولى تمثل الأهمية الجيوسياسية في المنطقة بينما الثانية تمثل الثقل السكاني والسياسي في الإقليم، أو بمعنى آخر أن الدولتين هما الركيزتان الأساسيتان في الإقليم برمته والذي من دون الوفاق المتين فيما بينهما ينغمس الإقليم في بحر من اللا استقرارويتحول الإقليم برمته إلى كتلة بشرية هائمة على وجها.
والصومال، كانت تطمح من انضمامها الجديد إلى مجتمع شرق إفريقيا تحقيق اندماج إقليمي أوسع وتعاونا ثنائيا أوثق يساعدها من تجاوز التحديات الأمنية الذي بسببه تواجه الإرهاب وتطلب تمديد وجود القوات الإفريقية على أراضيها إلى فترة زمنية إضافية، ومن ثمّ تتوقع من إثيوبيا طرح رؤية مستساغة غير تبريرية لاحتياجاتها حتى يتفرغ كل منهما لترتيب أوضاعه الداخلية وهي ترتيبات تحتاج منهما بعض التركيز ولا تشملها قرع طبول الحرب وتتصدرها بالتأكيد موضوعات التنمية والمصالحة السياسية في دولتيهما. وإذا كانت إثيوبيا مستعدة للمضي قدما في سياساتها الاستفزازية أوالعدائية بالمعنى الأدق، فان الصومال ماضية في اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على حقوقها السيادية وغير مستعدة لمبدأ المياه مقابل الأمن التي استنسخته إثيوبيا من إسرائيل (الأرض مقابل السلام)، واتبعتها هي في مفاوضاتها المضنية مع الدول العربية المحيطة بها .
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات