لطالما كان مطلب إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة موضوعا مهما للنقاش، وخاصة فيما يتعلق بالتمثيل الأفريقي. تاريخيا، تعتبر أفريقيا ممثلة تمثيلا ناقصا في المجلس، على الرغم من مساهماتها الهامة في حفظ السلام العالمي وعدد القضايا الأفريقية التي تناولها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومع إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية للقوة العالمية، صار إصلاح مجلس الأمن مطلبا متجددا. وفي هذا الإطار يأتي الاقتراح الأمريكي بإنشاء مقعدين دائمين للدول الأفريقية بدون حق النقض على الرغم من كونه لفتة جديرة بالملاحظة، لكن لابد وأن تُدرس في سياق الأحداث الجيوسياسية الأخيرة في أفريقيا. إذ أن النفوذ الروسي المتزايد في منطقة الساحل وليبيا والسودان، وتعزيز الصين علاقاتها الاقتصادية من خلال مبادرات مثل منتدى الصين وأفريقيا 2024. الأخير، يعكس المنافسة الدولية المتزايدة على التحالفات السياسية والاقتصادية في القارة.
يستقرئ هذا التقرير الآثار المترتبة على الاقتراح الأمريكي للتمثيل الأفريقي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع مراعاة وجهات نظر القوى العالمية الكبرى والاتحاد الأفريقي واللاعبين الإقليميين الرئيسيين. كما يدرس النفوذ المتزايد لروسيا والصين في أفريقيا وكيف قد تؤثر هذه التطورات على موقف أفريقيا من إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
1- خلفية المقترح الأمريكي:
يضم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خمسة عشر عضوا: خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض وهم روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ـ وعشرة أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لمدة عامين يمثلون القارات الغير ممثلة. وعلى مدى عقود من الزمان، كانت هناك العديد من المطالبات بالإصلاح وتوسيع المجلس لجعله أكثر تمثيلا للواقع الدولي اليوم.
وقد سعت أفريقيا منذ فترة طويلة إلى زيادة تمثيلها، فشكلت لجنة العشرة في عام 2005 للدفع نحو هذا الإصلاح بموجب إجماع إيزولويني. ويطالب هذا الإجماع بمقعدين دائمين لأفريقيا، بما في ذلك حق النقض، وخمسة مقاعد غير دائمة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الدعم الواسع للإصلاح، فإن الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين) قاوموا التغييرات التي من شأنها أن تخفف من نفوذهم.
المنظور الأميركي:
يدعم الاقتراح الأميركي الأخير، الذي أعلنته سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرين فيلد والتي عملت سابقا مستشارة لوزير الخارجية في مكتب الشؤون الإفريقية (2013-2017)، إضافة مقعدين دائمين لأفريقيا دون حق النقض. إذ يتماشى هذا مع استراتيجية الولايات المتحدة لإصلاح العلاقات مع أفريقيا، ومعالجة الانتقادات الموجهة إلى سياساتها الخارجية (مثل موقفها من الصراع في غزة)، ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في القارة. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة تعارض توسيع صلاحيات حق النقض، لأن القيام بذلك حسب منظورها من شأنه أن يجعل المجلس أكثر اختلالا.
مواجهة النفوذ العسكري الروسي:
يمثل الدور الروسي المتوسع في أفريقيا، وخاصة في مناطق الصراع مثل الساحل وليبيا والسودان، تحديا مباشرا للمصالح الغربية. ومن خلال المساعدات العسكرية والشراكات الأمنية ونشر القوات العسكرية وشبه العسكرية مثل مجموعة فاغنر، أثبتت روسيا نفسها كلاعب رئيسي في المناطق التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يتمتعون فيها بنفوذ كبير في السابق. فعبر تعزيز التمثيل الأفريقي في المؤسسات العالمية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة التأييد السياسي والحد من الاعتماد الأفريقي على المساعدات العسكرية والأمنية الروسية.
ففي حين قد يبدو الاقتراح الأمريكي وكأنه يدافع عن المصالح الأفريقية، فإنه في الوقت نفسه بمثابة وسيلة لتقويض نفوذ روسيا من خلال تزويد القادة الأفارقة بمنصة بديلة من خلال الدبلوماسية الدولية بدلا عن التحالفات العسكرية.
تحدي هيمنة الصين الاقتصادية:
لقد أدت الاستثمارات الضخمة للصين في البنية التحتية والتجارة والتنمية في أفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق إلى وضعها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا. كما أن منتدى الصين وأفريقيا خلال شهر سبتمبر 2024، الذي أكد على التعاون الاقتصادي، يعزز دور الصين كلاعب مهيمن في القارة. وبالنسبة للولايات المتحدة، يمثل هذا الترسيخ الاقتصادي تحديا لمصالحها الاستراتيجية، خاصة وأن الصين تكتسب نفوذا سياسيا من خلال استثماراتها.
وعبر دعم الإصلاحات التي من شأنها أن تمنح أفريقيا مقاعد دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تقدم الولايات المتحدة شكلا من أشكال المشاركة السياسية التي لا تستطيع الصين أن تضاهيها بالكامل، لأن نفوذ الصين في أفريقيا اقتصادي في المقام الأول. وقد تأمل الولايات المتحدة أن تنظر الدول الأفريقية إلى هذه المبادرة الدبلوماسية كأداة موازنة ضد هيمنة الصين، وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن جادة في معالجة المخاوف الأفريقية بما يتجاوز التجارة والتنمية فقط.
إعادة بناء العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا:
تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات بسبب مشاركتها غير المتسقة مع أفريقيا، وخاصة عند مقارنتها بالمساعدات العسكرية الروسية والاستثمارات الاقتصادية الصينية. لذلك يمثل اقتراح توسيع عضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو جزء من جهد أوسع نطاقا من جانب الولايات المتحدة لإعادة بناء علاقتها مع أفريقيا، وخاصة بعد الانتقادات الأخيرة للسياسة الخارجية الأمريكية، مثل موقفها من الصراع في غزة. فمن خلال تعزيز صوت أفريقيا في قرارات الأمن العالمي، تسعى الولايات المتحدة إلى إصلاح صورتها وتقديم نفسها كشريك رئيسي في مستقبل أفريقيا.
وفي هذا السياق، قد ترى الولايات المتحدة مشاركة الدول الأفريقية في صنع القرار العالمي وسيلة لمنعها من التحالف بشكل وثيق مع روسيا أو الصين. حيث أن هذه المناورة السياسية تضع الولايات المتحدة في موقف الوسيط لتطلعات أفريقيا العالمية، مما يميزها عن العلاقات التبادلية التي تتميز عن المشاركات الروسية والصينية.
2- المنظور الروسي والصيني:
تقف روسيا والصين في موقف المؤيد لإصلاحات مجلس الأمن من حيث المبدأ ولكن كانت روسيا متشككة في مقترحات الإصلاح التي يمكن أن تقلل من نفوذها، بما في ذلك توسيع العضوية الدائمة دون زيادة مقابلة في صلاحيات حق النقض. وقد انحازت موسكو تاريخيا إلى الدعوات إلى نظام عالمي أكثر عدالة، منتقدة الهيمنة الغربية. ومع ذلك، فإن موقفها من تمثيل أفريقيا أقل وضوحا. إن إحجام روسيا عن دعم الإصلاحات مثل تلك التي اقترحتها الولايات المتحدة يشير إلى تفضيل استراتيجي للحفاظ على الوضع الراهن، حيث تحتفظ بحصة كبيرة من حق النقض والنفوذ داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
الحفاظ على القوة والنفوذ
روسيا والصين من بين الدول الخمس دائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض، والذي يسمح لها بمنع أي قرار لمجلس الأمن لا توافق عليه. لذلك عملية توسيع العضوية الدائمة دون منح حق النقض يضمن احتفاظها بنفوذها المهيمن في صنع القرار العالمي، مع الحد من سلطة الأعضاء الجدد.
خطر تخفيف السلطة
تعتبر توسيع العضوية الدائمة من شأنه أن يضعف فعالية وسيطرة الدول الخمس الدائمة العضوية الحالية، مما يخفف من سلطتها. وتخشى كل من روسيا والصين من مجلس أكبر وأكثر تجزئة حيث يمكن للأعضاء الجدد وخاصة الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة تحويل ميزان القوة ضد مصالحهما.
المنافسة الجيوسياسية
تنظر كل من روسيا والصين إلى الاقتراح الأمريكي باعتباره خطوة استراتيجية لمواجهة نفوذهما المتزايد في أفريقيا والعالم. وهما قلقتان من أن إضافة أعضاء جدد من مناطق مثل أفريقيا والمحيط الهادئ قد يؤدي إلى إدخال أصوات أكثر انسجاما مع المصالح الأمريكية، مما يقوض أهدافهما الجيوسياسية.
معارضة الهيمنة الغربية
تدافع كل من روسيا والصين عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، ومقاومة الهيمنة الغربية في المؤسسات العالمية. وتخشى كل منهما أن يؤدي إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون منح حق النقض للأعضاء الجدد إلى تعزيز النظام القائم الذي تقوده الولايات المتحدة، بدلا من إضفاء الطابع الديمقراطي الحقيقي على صناعة القرار العالمي.
وباختصار، تعارض روسيا والصين الإصلاحات التي تدعمها الولايات المتحدة بسبب المخاوف تتعلق بالحفاظ على حق النقض، وتجنب تخفيف النفوذ، والتصدي للمناورات الاستراتيجية الأميركية.
3- المنظور الأفريقي:
لطالما دفع الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية باستمرار من أجل التمثيل الكامل، بما في ذلك حق النقض، بموجب إجماع إيزولويني. ويعتبر الاتحاد الأفريقي أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، باعتباره الهيئة المكلفة بالحفاظ على السلام الدولي، لا يمكن أن يكون شرعيا دون أن يكون لأفريقيا صوت دائم. إن إحباط أفريقيا من استبعادها من القرارات العالمية الكبرى على الرغم من استضافتها لغالبية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هو الدافع الرئيسي وراء هذا الطلب.
كما يُنظر إلى الاقتراح الأمريكي بمنح مقعدين دائمين دون حق النقض على أنه خطوة جزئية إلى الأمام. ومع ذلك، فإن العديد من البلدان الأفريقية غير راضية عن استبعاد حق النقض، لأنها تعتقد أنه يقلل من تأثير أي عضوية دائمة. ومع ذلك، فإن إدراج الدول الجزرية الصغيرة والمقاعد غير الدائمة الإضافية قد يساعد في معالجة المخاوف التمثيلية الأوسع في الجنوب العالمي.
دخول الاتحاد الأفريقي:
إن إدراج الاتحاد الأفريقي في مجلس الأمن، حتى من دون حق النقض، من شأنه أن يعيد تشكيل توازنات الدبلوماسية الدولية. ومن شأنه أن يوفر لأفريقيا منبر أكثر موثوقية لمعالجة الصراعات وقضايا التنمية التي غالبا ما تتجاهلها القوى الخارجية أو تسيء فهمها. كما أن هذا من شأنه أن يعزز من الثقل الدبلوماسي للقارة في المحافل الدولية والإقليمية، مما يسمح للدول الأفريقية بممارسة نفوذ أكبر في مفاوضات السلام، وقرارات العقوبات، والبعثات الأممية التي تؤثر بشكل مباشر على القارة.
ومع ذلك، فبدون حق النقض، قد ينظر إلى التمثيل الجديد لأفريقيا على أنه رمزي وليس تحويليا. ومن المرجح أن يواصل الزعماء الأفارقة والاتحاد الأفريقي الضغط من أجل إصلاحات شاملة تعكس الأهمية المتزايدة للقارة في القضايا الأمنية والاقتصادية العالمية.
خلاصة :
يعتبر الاقتراح الأميركي بتوسيع مجلس الأمن التابع من خلال منح مقعدين دائمين للدول الأفريقية التي لا تتمتع بحق النقض انعكاسا للاستراتيجيات الجيوسياسية لواشنطن التي تهدف إلى مواجهة النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا. وفي حين تم تأطير هذه المبادرة كخطوة نحو الشمولية، فإنها تعمل أيضا كمناورة دبلوماسية لإعادة تأكيد الزعامة الأميركية في القارة تشكلها بشكل متزايد التحالفات العسكرية الروسية والهيمنة الاقتصادية الصينية.
أما عن معارضة روسيا والصين فهي نابعة من المخاوف بشأن الحفاظ على امتيازات حق النقض ومنع تخفيف نفوذهما في صنع القرار العالمي. وتنظر كل من القوتين إلى الاقتراح الأميركي بريبة، خوفا من أنه قد يحول ميزان القوى لصالح الغرب، وخاصة في المناطق التي بنتا فيها نفوذا كبيرا. إذ أن تعقيد الموازنة بين التطلعات الأفريقية للتمثيل الحقيقي والمصالح الراسخة للدول الخمس الدائمة العضوية يعكس تحديات إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في المشهد الدولي التنافسي اليوم.
وفي نهاية المطاف، ورغم أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقديم نفسها باعتبارها مساند للمصالح الأفريقية، فإن نجاح هذا الاقتراح سوف يعتمد على مدى نجاحه في معالجة المخاوف العميقة التي تساور أفريقيا والقوى العالمية الكبرى على حد سواء.
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات