محمد صالح عمر
مدير آفروبولسي
منذ انسحاب الجيش الفيدرالي الإثيوبي من إقليم التقراي في يونيو 2021 ، وتمدد قوات دفاع التقراي في إقليمي العفار والأمهرا وتوغلها إلى مسافة 135 ميلا من العاصمة أديس، ومن ثم انسحابها من كل المناطق التي توغلت فيها في عملية وصفها البعض بأنه اتفاق بين الطرفين تمهيدا لانطلاق مفاوضات الحل السلمي للنزاع لم يحدث أي تقدم ملموس، بل توسعت الحرب وتفجرت المواجهات في جبهتين في اتجاه آخر وهو إقليم الأرورمو وجبهة مواجهة التقراي مع إرتريا فما هو طبيعة الموقف وإلى أين تتجه الأحداث في إثيوبيا؟.
تصدع حلف الأمهرا مع رئيس الوزراء
برز الخلاف بين الطرفين على إثر قبول أبي أحمد للسلام واستجابة لضغوط المجتمع الدولي وإفراجه عن بعض معتقلي التقراي من كبار السن، والخلاف الأبرز هنا هو بسبب رغبة الأمهرا في الاستمرار بالضغط العسكري على جبهة تحرير التقراي حتى الاستسلام لشروطهم، وهو ما لم يوافق عليه ابي احمد على عكس حليفه في أسمرا وهنا بدأ الأمهرا يخططون للعمل والتنسيق مع إرتريا تدريبا وتخطيطا، وتخرج الآلاف منهم في معسكر ساوا في ارتيريا كما نشطت قيادات الأمهرا في تجنيد الشباب. شعرت الحكومة بخطرة هذا التوجه واتهمت قيادات كبيرة على راسهم رئيس جهاز الأمن السابق الخاص بالإقليم بالتخابر لصالح جهات خارجية والتدبير للاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري وبدأت بعدد من الخطوات لكبح توجه الأمهرا:
– نقلت الحكومة القاعدة العسكرية الشمالية من بحر دار عاصمة إقليم الأمهرا إلى منطقة الأقو ( هي مجموعة إثنية ترفض الخضوع للأمهرا)
– اعتقلت السلطات ما يربوا على 4600 في حملة واسعة النطاق “أطلق عليها عملية إنفاذ القانون ” شملت كل العناصر المتهمة برفض توجهات الحكومة في الإقليم أو المركز من عسكريين وصحفيين وسياسيين وعناصر من قيادات المليشيات المحلية وهو ما زاد الوضع تأزما بهروب أعداد منهم إلى إرتريا بعتادهم العسكري وهو ما يمكن أن يشكل نواة لمعارضة عسكرية مسلحة ضد ابي في المستقبل.
– أمرت السلطات الإثيوبية بسحب القوات الأمهرية الرسمية والمليشيات من منطقة غرب التقراي تمهيدا لتسهيل عودة التقراي وهو ما أكدته عدد من المصادر الموثوقة.
مسرح إقليم الأرومو
ظل جيش تحرير الأرومو OLA الذي يعتبره البعض الجناح العسكري لجبهة تحرير الأرومو OLF التي تحولت الى حزب سياسي بعد وصول ابي للحكم يقوم ببعض العمليات في المناطق الجنوبية الغربية لإقليم الأرومو واستطاعت ان تجند الآلاف من شباب “قيروا” خاصة بعد اغتيال المغني الأورومي الثوري “هشالوا هونديسا في يونيو 2019، واستفاد جيش تحرير الأرومو من انشغال السلطات الفيديرالية بالحرب في التقراي ووسع عملياته التي وصلت الى مستوى قطع الطريق الدولي الرابط بين كينيا وإثيوبيا واقترابه من مدينة أمبو التي تبعد عن العاصمة حوالي 100 كلم فقط، ما اضطر الجيش بشن حملة عسكرية عنيفة منذ أواخر مارس الماضي أطلق عليها الحاسمة والنهائية:
– برزت احتجاجات من قبل الأرومو على الحملة وقساوتها وطالبت عدد من الجهات فتح مجال للحوار السلمي ولكن لم تثمر شيئا حتى الآن، والحملة متواصلة حتى كتابة هذا التقدير.
– هناك رغبة لدى الأروميين بمختلف توجهاتهم إلى تقليل المواجهات مع جيش تحرير الأرومو ولعل هذا يجد أذنا صاغية لدى أبي أحمد بهدف كسب الأغلبية التي يحتاجها في ظل تراجع تحالفه مع الأمهرا على الرغم من تطرف الجبهة في الاستجابة للحوار لانعدام عامل الثقة.
على صعيد جبهة التقراي:
توغلت قوات التقراي في إقليم العفار بعد انسحابها من إقليم الأمهرا واحتلت 6 محليات ولكنها انسحبت مؤخرا تحت ضغوط ومطالبات المجتمع الدولي والوسطاء، وانهمكت في الفترة السابقة في إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية:
– أطلقت قناة فضائية يشمل قسم للغة العربية كما بادرت بالتخطيط لتأسيس نظام مالي خاص بالإقليم عبر تأسيس بنك خاص بالإقليم وهو اتجاه يؤكد رغبة التقراي في الاستقلال وقد فصلوا الكنيسة من إدارة الكنائس المركزية في أديس أبابا من قبل والتي تدير الشأن الديني للأرثوذوكس على مستوى البلاد
– كثفت حملة تجنيد الشباب في الإقليم وهناك مصادر تفيد بأن الجيش بلغ تعداده مليون بعد الحملة الأخيرة.
– أطلقت 4000 من أسرى الجيش الفيدرالي لديها ما شكل ضغطا على الحكومة وحسن صورتها امام المجتمع الدولي.
– هددت جبهة تحير التقراي إرتريا بتسليم ما يزيد على 3000 أسير حرب من الجيش الإرتري للهيئات الدولية ما جعل افورقي يرسل وفودا على إثر وفود يوسط عدد من الدول لتسوية الأمر
– يضغط التقراي على ابي أحمد لسحب القوات التي تسيطر على غرب التقراي من الأمهرا والجيش الارتري ويشترطون هذا لبدء المفاوضات معه وهو أمر معقد لارتباطه بالعامل الخارجي.
– نجحت جبهة تحرير التقراي على إضعاف تحالفات خصومها الرئيسيين وتعمل على تفكيك تحالف الأمهرا وارتريا بالضغط على كل الأطراف
– تحاول عزل ارتريا ومواجهتها وإشغالها بمواجهات عسكرية محدودة ومستمرة بعيدا عن اثيوبيا وهناك تقارير ميدانية تفيد بسحب الجيش الأرتري جزءا كبيرا من قواته وعتاده خارج منطقة غرب التقراي وهو ما يحفز التقراي لخوض معركتهم الأخيرة كما ذكر رئيس الجبهة دبراسيون قبري ميكائيل.( وهو ما يعني استرداد غرب التقراي)
– فوز الرئيس حسن شيخ محمود بالرئاسة في الصومال يعتبر مكسبا للتقراي لجهة كسر التحالف الثلاثي الذي تأسس بين إثيوبيا وارتريا والصومال في 2018.
جهود الحل السلمي
– بذل وسيط الاتحاد الإفريقي جهودا كبيرة لبدء المفاوضات بين أطراف النزاع ولكن يبدوا أن اشتراط التقراي الانسحاب من كل المناطق التابعة لهم قبل 4 نوفمبر 2020 والتي احتلها القوات الإثيوبية او القوات الخاصة بالأمهرا وخروج القوات الارترية من المناطق التي تسيطر عليها بالتنسيق مع مليشيات فانو التابعة للأمهرا والكف عن التدخل في النزاع الإثيوبي يعقد من انطلاقاها في الوقت الراهن.
– جرت حوارات غير مباشرة بوساطة إفريقية ورعاية كينية في نيروبي ولم يعلن حتى الآن عما تم التوصل إليه، غير أن مجريات الأحداث تتحدث عن نفسها.
– اضطرت الولايات المتحدة إلى تغيير مبعوثين اثنين منذ تفجر الحرب في التقراي إضافة إلى السفير الإثيوبي وعدد من الأطقم العاملة في السفارة الإثيوبية في إثيوبيا لعدم احرازهم أي تقدم في ملف انهاء الحرب
إلى أين تتجه الأحداث
– بناء على حالة الاستعداد لدى التقراي وارتريا وتبادل البيانات والاتهامات وعدد من الاشتباكات على طول ثلاث جبهات تدل على ان المواجهة بين الطرفين حتمية غض النظر عن حجمها والنتائج التي يمكن ان تفضي إليها، تحدث مصدر دبلوماسي غربي ان عدد من السفراء لم يسمهم قالوا ان التقراي ستشن حربا على إرتريا، وهو ما تؤكده الأحداث في مسرح العمليات العسكرية بين الطرفين وارتفاع حدة التصريحات والتهديدات، إذا لم تحدث مفاجآت وهو أمر لا يتوقه أكثر المتفائلين.
– يتوقع ان يعزز الأرومو من وضعهم في الحكم واسناد ابي احمد في ظل تراجع التحالف بين الأمهرا ورئيس الوزراء، وتخفيف حدة المواجهات مع جيش تحرير الأرومو وفتح قنوات حوار مع الأحزاب المعارضة في إقليم الأرومو.
– في المشهد الإثيوبي الراهن ليس هناك ما يدل على قرب انتهاء الأزمات الإثيوبية المتعددة الأوجه والأسباب والفاعلين، وربما يراد لها ان تكون أزمة استنزافية بامتياز، وهو السيناريو الأرحج في ظل عجز القادرين والفاعلين ومن يهمهم الأمر من كبح هذا الصراع وإجبار الأطراف للجلوس على مائدة الحوار والبحث عن حلول سلمية.