ندوات

حلقة نقاش حول الحرب في السودان: التطورات والأبعاد والمآلات

أقيمت حلقة نقاش حول الحرب في السودان، وبحثتْ عن تطورات الحرب وأبعادها ومآلاتها. حيث اشترك في بتنظيمها كل من المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفرو بوليسي) والمعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية (جسر) التابع لجامعة حمد بن خليفة، وذلك في 28 جانفي 2025 عبر تطبيق مايكروسوفت تيم، واستغرقت قرابة الساعتين ونصف.

وقد جمع هذا الحدث خبراء وباحثين وأكاديميين لمناقشة الديناميكيات المتطورة للحرب في السودان. ودارت المناقشات حول الأبعاد السياسية والأمنية والدولية للصراع وانعكاسته.

حيث بدأت الندوة بسلسلة من الكلمات الترحيبية للدكتور محمد علي شيحي، من معهد العالمي للدراسات الاستراتيجية (جسر)، والدكتور محمد صالح، رئيس المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفرو بوليسي)، ومدير هذه الجلسة. مهدت هذه الكلمات الطريق لاستكشاف متعمق للأزمة السودانية والصراع المسلح الدائر فيها.

تناول المحور الأول الأسباب التي تقف خلف الصراع الدائر حاليا في السودان، وكانت المداخلة في هذا المحور للندوة البروفيسور محمد حسين أبو صالح خبير استراتيجي ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة أم درمان الإسلاميةـ، وتطرق البروفسور أبو صالح خلال مداخلته إلى الأسباب العميقة والرئيسية الكامنة وراء اندلاع الصراع المسلح في السودان، إذ أشار إلى الأهمية الاستراتيجية للسودان من ناحية موقعها الجغرافي المطل على البحر الأحمر أو موقعها في شرق القارة الإفريقية وإلى الموارد الطبيعية الضخمة والغنية التي تحويها السودان.

كما تطرق إلى الفترة الاستعمارية طريقة نيل السودان لاستقلالها الذي اعتبره منقوص، وكل هذه العوامل التي تعمق الدكتور أبو صالح فيها جعله يستخلص بأن الصراع الدائر في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع لم يكن وليد هذه اللحظة وبأن كلا الطرفين مجرد آدوات والمشهد أكبر وأعمق من ذلك بكثير.

ومن بين النقاط الأخرى التي ذكرها البروفيسور أبو صالح تتعلق بأن السودان لم تنتج نظرة استراتيجية أو أن الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد لم تمتلك رؤية استراتيجية لكل العوامل التي سلف ذكرها كموقع اتسراتيجي وموارد ضخمة مما يجعل هذا الصراع اليوم نتيجة لذلك أيضا.

وقد أكد البروفيسور أبو صالح أن الانطلاق من كل هذه العوامل هو ضروري للتمكن من فهم والتعامل مع الملف السوداني.

وكانت المداخلة الثانية للدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك، أستاذ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة قطر، وتطرق خلالها الدكتور أحمد إلى المقدمات والسياقات السياسية في سودان خلال هذه الحرب الأهلية، وقدمها خلال عرض لأهم ثلاث ركائز للمشهد السياسي في سودان وانطلق من سؤال مركزي، وهو: ”

هل الاتفاق الاطاري هو القشة التي قسمت ظهر البعير؟”.

وانطلق الدكتور أحمد في مداخلته تحليلا منظما وعميقا للحرب الجارية في السودان، مؤكدا على أسبابها السياسية العميقة الجذور وعواقبها المدمرة. وكما أكد، فإن الأزمة الإنسانية تتفاقم، مع النزوح الجماعي، وتدهور الظروف الصحية، وتدمير البنية الأساسية الحيوية. كما أدى انهيار اتفاق جوبا للسلام، الذي كان ذات يوم حجر الزاوية للاستقرار، إلى تعقيد عملية الانتقال الهشة في السودان.

وتتبع جذور الأزمة إلى الانقلاب العسكري عام 1989، الذي رسخ الاستبداد، وعزز الفساد النخبوي، وفاقم المظالم الإقليمية. واعتبر الدكتور أحمد شوق أن الصراع في دارفور الذي لم يحل وانفصال جنوب السودان في نهاية المطاف من اللحظات المحورية التي شكلت عدم الاستقرار الحالي في السودان. كما سلط الدكتور أحمد الضوء على الانقسامات العميقة المحيطة بالاتفاق الإطاري، موضحا أنه في حين تسعى الجماعات المؤيدة للديمقراطية وأجزاء من الجيش إلى الإصلاح، فإن الموالين للنظام السابق والفصائل المتشددة يعارضون أي انتقال. وكما أكد الدكتور، فإن هذه التنافسات الراسخة جعلت التسوية السياسية بعيدة المنال بشكل متزايد.

وقد أثار الدكتور أحمد خلال مداخلته أسئلة بالغة الأهمية حول دور الجهات الفاعلة الدولية، وقدرة المجتمع المدني السوداني على الصمود، وإمكانية التوصل إلى تسوية تفاوضية وسط تصاعد الصراع. وفي الختام، أكد الدكتور أحمد أن حرب السودان ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي مظهر من مظاهر الضعف البنيوي الطويل الأمد. وبدون إرادة سياسية ذات مغزى ودعم دولي مستدام، ستستمر دورة العنف. وقد ترك تحليله للحضور تأملاً جادا حول مستقبل السودان، مؤكدا أن العملية السياسية الشاملة والجامعة فقط هي القادرة على كسر الجمود وتمهيد الطريق للسلام الدائم.

تناولت المداخلة الثالثة الأبعاد الإقليمية والدولية للحرب في السودان، وقدم خلالها الدكتور محمد إبراهيم عرفات أستاذ العلوم السياسية بجامعة حمد بن خليفة مداخلة فيها. وقد قدمت مداخلة الدكتور إبراهيم تحليلاً نقدياً للأبعاد الإقليمية والدولية لحرب السودان، مؤكداً على الشبكة المعقدة للتدخل الأجنبي. وكما أكد، فإن السودان يقدم بنية جذابة وسهلة للتدخل الخارجي بسبب غياب رؤية داخلية موحدة. وقد سمح هذا الفراغ لمختلف الجهات الفاعلة الدولية باستغلال الأزمة، وتشكيل الصراع وفقاً لمصالحها الاستراتيجية. إن بدوية التدخل الأجنبي في السودان، التي تتميز بالتحالفات السائلة والانتهازية، تزيد من تعميق عدم الاستقرار.

وأبرز الدكتور إبراهيم دور الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة فاغنر ودعم الإمارات العربية المتحدة لحميدتي، والذي غير ميزان القوى على الأرض. إن البنية الداخلية للصراع معقدة للغاية بالفعل، مع وجود فصائل مسلحة وجماعات سياسية متعددة، في حين أن البنية الخارجية معقدة بنفس القدر، وتتميز بالتناقضات والتقارب. وكما أكد، فإن مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تتنقل في مشهد من التحالفات المتغيرة، حيث يخفي التعاون الواضح غالبًا تنافسات جيوسياسية أعمق.

ومن النقاط الحاسمة الأخرى النفوذ المتزايد لشبكات الميليشيات الدولية، حيث لا تدعم البلدان الفصائل المسلحة فحسب، بل تساهم أيضًا في انتشار الميليشيات الجديدة، مما يؤدي إلى إدامة دورات العنف. وخلص الدكتور إبراهيم إلى أن هذا الواقع يزيد من تعقيد الأزمة السودانية، مما يجعل جهود الحل أكثر تحديًا. وشدد على أنه بدون رؤية داخلية متماسكة وإعادة ضبط التأثيرات الخارجية، فإن السودان يخاطر بالبقاء ساحة معركة للمصالح الإقليمية والدولية المتنافسة.

وكانت المداخلة الرابعة للدكتور معتصم السيد هاشم وزير سابق ومستشار الوكالة الإسلامية للإغاثة، وقد سلط الدكتور معتصم الضوء في مداخلته على التكلفة البشرية المدمرة للحرب الدائرة في السودان، مشدداً على حجم المعاناة والدمار. وكما أكد، أدت الحرب إلى انتهاكات خطيرة، حيث تأثر أكثر من 5 ملايين ضحية، بما في ذلك الرهائن الذين استخدموا كدروع بشرية. كما شهد الصراع انتشار العنف الجنسي على نطاق واسع، مع أكثر من 12000 حالة اغتصاب وبغاء قسري، إلى جانب تجنيد الأطفال في القتال، مما أدى إلى تعميق الكارثة الإنسانية.

وبغضّ النظر عن الخسائر البشرية المباشرة، أشار الدكتور معتصم إلى التدمير المتعمد للبنية الأساسية الأساسية، بما في ذلك قصف المستشفيات المدنية واستهداف الخدمات العامة الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، استغلت الميليشيات والشبكات الإجرامية الفوضى، وشاركت في تهريب الموارد، مما أدى إلى زعزعة استقرار البلاد. وكما أكد، لا يزال السودان في حالة من الأزمة الإنسانية المستمرة، مع وجود الآلاف من النازحين والمشردين، ولا توجد أي إغاثة فورية في الأفق.

وعلى الصعيد السياسي، أكد الدكتور معتصم أن السودان يعاني من فراغ في الحكم، مع عدم وجود اتجاه استراتيجي واضح. ومع ذلك، فقد حدد مسارا محتملًا للمضي قدما – فترة انتقالية تؤدي إلى حكومة منتخبة يمكنها في النهاية تحقيق الاستقرار في البلاد. كما أكد على مخاوف العسكريين بشأن دورهم في نظام ما بعد الحرب. وفي الختام، أكد الدكتور معتصم على الحاجة إلى علاقات خارجية متوازنة تعطي الأولوية للمصالح الوطنية للسودان مع تجنب الصراعات مع الدول المجاورة، وضمان مستقبل مستقر ومستدام للبلاد.

وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، واختتم الحدث بتحليل شامل للنتائج الرئيسية عبر فتح باب المداخلات أمام الحضور وهم ثلة من المختصين والمهتمين بالشأن السوداني للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول موضوع الجلسة، بحيث عملت هذه التعقيبات والمداخلات على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. كما أجمعت الجلسة على مجموعة من التوصيات للخروج من الصراع الدائر حاليا بالسودان.

ندوات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى