تحليلات

محاولة انقلابية جديدة في بوركينا فاسو

تحليل الأسباب والدوافع والنتائج

شهدت البلاد يوم 16 أبريل 2025 محاولة انقلابية في بوركينا فاسو، حين حاولت مجموعة من الضباط والعسكريين المتواطئين مع عناصر متطرفة إلى إسقاط النظام الانتقالي بقيادة الكابتن إبراهيم تراوري. وقد كشف إحباط هذه المحاولة عن حجم التحديات الأمنية والسياسية التي لا تزال تهدد استقرار البلاد في مرحلة انتقالية دقيقة تهدد مسارها الانتقالي.

تفاصيل المحاولة الانقلابية وأهدافها

خطط الانقلابيون لتنفيذ عمليات منسقة تشمل:

  • اقتحام القصر الرئاسي في العاصمة واغادوغو.
  • تنفيذ هجمات إرهابية في مدن رئيسية لبث الفوضى وزعزعة الاستقرار.
  • تعطيل المؤسسات العسكرية والأمنية لإسقاط النظام في وقت وجيز.

تم كشف المؤامرة بفضل يقظة بعض عناصر الجيش الوطني، إضافة إلى دعم استخباراتي من حلفاء إقليميين. ووثائق مسربة أكدت تورط عناصر متطرفة وضباط كبار في التخطيط والتنفيذ.

الشخصيات المتورطة وأبرز الاعتقالات

كشفت التحقيقات التي قامت بها الأجهزة الأمنية عن تورط أسماء بارزة، أبرزها:

  • بليز كومباوري: الرئيس الأسبق الهارب إلى المنفى منذ 2014.
  • فرانسوا كومباوري: شقيق الرئيس السابق وأحد العقول السياسية الداعمة للمحاولة الانقلابية.
  • ألفا باري: وزير الخارجية الأسبق المرتبط بشبكات إقليمية مشبوهة.
  • نعيم توري: نائب مدير الاستخبارات السابق.
  • الكومندان (رتبة عسكرية بالفرنسية تعني رائد أو مقدم) جواني كومباريه: ضابط متهم بالتنسيق الميداني للعمليات.
  • الليفنتنانت (رتبة عسكرية بالفرنسية ملازم أو نقيب) عبد الرحمن باري: ضابط نشط في تحريك الوحدات المشاركة في المحاولة الانقلابية.

إضافة إلى ذلك، أعلن وزير الأمن عن اعتقال نحو 10 ضابط وعدد من ضباط صف متورطين مباشرة، ومن بينهم:

  • القائد ويدراوغو فريدريك: أحد القادة العسكريين الميدانيين.
  • النقيب إليزيه تاسيمبيدو: قائد فوج المشاة الثاني عشر ومجموعة قوات الأمن الشمالية في “أواهيغويا”، والذي كانت وسائل إعلام فرنسية قد كشفت اعتقاله قبل الإعلان الرسمي.

بالموازاة، لذلك فرّت بعض القيادات الأخرى إلى ساحل العاج بمساعدة خارجية، مما كشف عن دعم إقليمي للمؤامرة.

المحاولات الانقلابية في بوركينا فاسو في عهد تراوري

منذ تولي الكابتن إبراهيم تراوري السلطة في بوركينافاسو في سبتمبر 2022 عبر انقلاب عسكري، واجهت حكومته محاولات انقلابية عديدة، عكست مدى الانشقاقات داخل القوات المسلحة لبوركينا فاسو، وحجم التدخلات الخارجية.

ففي سبتمبر 2023، أحبطت السلطات مؤامرة تضم ضباطا من المستوى المتوسط، بمن فيهم القائد جواني كومباوري والملازم عبد الرحمن باري، الذين كانوا غير راضين عن جهود الحكومة لمكافحة الإرهاب.  وتبع ذلك محاولة أخرى في يناير 2024، بقيادة فصيل داخل الجيش يقال إنه تم تنسيقه من قبل القائد ويدراوغو فريديريك والكابتن إليسي تاسيمبيدو، وذلك بغية استغلال الإخفاقات الأمنية المستمرة وعدم اليقين السياسي.

تم افشال المحاولتين بسرعة من قبل القوات البوركينية، وتم اعتقال العديد من الضباط أو فصلهم من مناصبهم. وتشيير هذه المحاولات المتكررة إلى الطبيعة الهشة للانتقال السياسي في بوركينا فاسو وإلى التوترات والتنافسات والانشقاقات المستمرة داخل أجهزتها الأمنية.

الأبعاد الإقليمية والدولية

تتهم بوركينا فاسو بشكل مباشر نظام الرئيس الحسن واتارا في ساحل العاج بتوفير ملاذ آمن للفارين والضالعين في التخطيط لعدد من الانقلابات ورغم خطورة الاتهامات، لم تصدر حكومة أبيدجان أي رد رسمي حتى اللحظة.

ومن جانب آخر، تتصاعد الشبهات حول دور جهاز المخابرات الفرنسية الخارجية (DGSE) في حماية بعض الشخصيات المتورطة وتسهيل حركتها، خاصة في ظل العلاقات المتوترة مؤخرا بين بوركينا فاسو وفرنسا.

الأسباب والدوافع

تشير المحاولات المتكررة للانقلابات في بوركينا فاسو لحجم الارتباك الذي تعيشه بروكينا فاسوا إضافة إلى حالة الاضطرابات التي تواجهها بسبب توسع أعمال العنف الذي تقوم بع الجماعات المتطرفة هناك مع فشل بين للأجهزة الأمنية المحلية وحلفائها الخارجيين من تحقيق تقدم على المستوى الميداني.

  • الإقصاء السياسي: إبعاد الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق دفعهم إلى محاولة العودة عبر العنف.
  • الهشاشة الأمنية: استمرار الانفلات الأمني وتدهور الوضع في المناطق الشمالية ساهم في تغذية التمرد الداخلي.
  • التنافس الإقليمي: محاولة بعض القوى الإقليمية والدولية استعادة نفوذها التقليدي وسط تحولات السياسة الخارجية البوركينابية، وحالة الارتباك التي تعيشها البلاد.
  • دوافع شخصية وانتقامية: رغبة عائلة كومباوري وحلفائها في استعادة مواقعهم بعد فقدان السلطة.

النتائج والتداعيات

  • تعزيز سيطرة النظام: تمكن الكابتن تراوري من استثمار فشل المحاولة لإحكام قبضته السياسية والعسكرية، في ظل تحليلات ذهبت بأن الأمر لم يكن انقلابا بقدر ما كانت إجراءات تحوطية من تراوري للمزيد من القبضة الحديدية على الوضع في البلاد.
  • تصعيد الأزمة مع ساحل العاج: الاتهامات العلنية فتحت الباب أمام أزمة دبلوماسية قد تتفاقم لاحقًا.
  • زيادة العداء تجاه فرنسا: تصاعدت مشاعر العداء الشعبي والنخبوي ضد فرنسا، مما قد يدفع بوركينا فاسو لمزيد من التقارب مع قوى بديلة كروسيا وتركيا، مع الحد من الوسائل والنفوذ الذي كانت تتمتع به فرنسا في مختلف الأصعدة والمجالات.
  • تشديد الرقابة على الجيش: أطلقت السلطات حملة تطهير واسعة داخل المؤسسة العسكرية لضمان الولاء وإعادة ضبط الهياكل الأمنية.

خلاصة

تكشف المحاولة الانقلابية في بوركينا فاسو عن هشاشة البنية السياسية والأمنية للمرحلة الانتقالية، وعن عمق الانقسامات الداخلية والتدخلات الإقليمية التي تهدد المسار الوطني. ورغم تمكن السلطات من إحباط المخطط، فإن استمرار عوامل التوتر الداخلي والضغط الخارجي يفرض على النظام مراجعة بنيته الأمنية، وتعزيز مسار المصالحة الوطنية، وتحصين الدولة أمام محاولات التخريب المستقبلية. إن الحفاظ على الاستقرار في بوركينا فاسو اليوم لم يعد خيارا سياسيا فحسب، بل ضرورة حتمية لضمان بقاء الدولة نفسها في بيئة إقليمية متحركة وغير مستقرة.

تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

إيهاب العاشق

باحث مختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الأمنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى