التنافس الدولي في أفريقياملفات خاصة

عودة روسيا إلى إفريقيا: بين إرث الماضي وواقعية الحاضر

إن موضوع عودة روسيا إلى إفريقيا أصبح مثيرا للاهتمام والجدل في السنوات الأخيرة؛ لذا قرر فريق “أفروبوليسي” أن يقدم للقراء الكرام مادة علمية مفصلة حول الموضع.

مدخل تمهيدي عن عودة روسيا إلى إفريقيا

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، انحسر دور روسيا الخارجي، وانكفت على البناء الداخلي والتركيز على عمقها الآسيوي المتمثل في محيطها، وخسرت حضورها الإفريقي، تحديداً، في مجالات متعدِّدة ولا سيما المجال العسكري. خلال العقود الثلاثة الماضية، فضلا عن إعادة إحياء الاتفاقيات القديمة مع بعض الدول الإفريقية، عملت روسيا على اكتساب أصدقاء جُدُد في القارة الإفريقية من أجل بسط نفوذها السياسي، وتعزيز وجودها العسكري ضمن منظومة متكاملة رسمها الكرملين. إلا أنَّ جهودها كانت تصطدم غالبًا بمصالح الدول الغربيَّة الْمُنافسة لها تارة، وبمصالح الدول الأوروبية والفرنسية، المستعمرة لكثير من الدول الإفريقية، تارة أخرى.

ولعلَّ أبرز أمثلة الصدام؛ هو تدخُّل حِلْف “الناتو” في ليبيا عام 2011م، ودوره الحاسم في إسقاط نظام العقيد معمَّر القذافي، مما بدد مصالح روسيا وحَرم موسكو من عقود واستثمارات شملت قطاعات الطاقة والتسليح والبنى التحتيّة. ومن صور الاصطدام مع مصالح الدول الأوروبية وخاصة فرنسا كمستعمر تاريخي لبعض الدول الإفريقية؛ التدخل الروسي الصريح في جمهوريتي إفريقيا الوسطى ومالي الذي سلط الضوء على العودة الروسية القوية والمدروسة إلى إفريقيا.

منذ نهاية العقد المنصرم، بدأت روسيا عودتها إلى إفريقيا باستراتيجية مختلفة عبر منافذ جغرافيَّة متنوعة، وفي سبيل ذلك تبنَّت أساليب ومناهج تعاون يتداخل فيها النشاط الاقتصاديّ بالعسكريّ، والتعاون الحكوميّ العام مع القطاع الخاصّ، والنشاط والتنسيق الدبلوماسي بالتعاون الأمني، مستفيدة ممَّا يبدو تراجعًا للقوى الغربيَّة والأوروبية من ناحية، ومن ازدياد الصراعات الطائفية والإثنية والسياسية في كثير من دول القارة الإفريقية من ناحية أخرى.

وتُمَثِّل جمهوريتي إفريقيا الوسطى ومالي جبهة العمل الروسية المركزة في الوقت الراهن. في حالة جمهورية إفريقيا الوسطى بدأ التنسيق منذ نهاية العام 2017م عندما طلبت حكومة بانجي تجديد اتفاقية التعاون القديمة بينها وبين روسيا وتدريب الجيش الوطني وإعادة تأهيله بعد أن انهيار منظومة الجيش تقريبا. فتقدمت روسيا إلى مجلس الأمن الدولي بطلب رفع حظر امتلاك السلاح عن جمهورية إفريقيا الوسطى من أجل إرسال مساعدات على شكل حِزَم عسكرية وضباط روس ومدنيين روس لتدريب وإعادة تأهيل الجيش الوطني، وبالفعل تم ذلك، وبناء عليه نزلت روسيا بكل ثقلها في جمهورية إفريقيا الوسطى وما زالت حتى اللحظة.

ولم يلبث الأمر طويلا حتى يمّمتْ جمهورية مالي وجهها نحو الشرق بدلا من الغرب، وطلبت بشكل رسمي من روسيا مساعدتها عسكريا وأمينا في سدّ الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الأوروبية بقيادة قوات برخان الفرنسية التي كانت موجودة في مالي لأكثر من ثماني سنوات ولم تحقق أهدافها التي أتت من أجلها والمتمثلة في محاربة الإرهاب ومساعدة مالي في التغلب على أنشطة الحركات الانفصالية والجماعات الإرهابية ووأدِها في معاقلها. قرار الانسحاب هذا جاء نتيجة لسوء التفاهم بين فرنسا والسلطات المالية المتمثلة في المجلس العسكري الانتقالي الذي نفذ انقلابين في وقت قياسي، أولهما في 18 أغسطس 2020م للإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا حليف فرنسا، والثاني في 24 مايو 2021م للإطاحة بالرئيس باه نداو.(1)

عندما اشتد الخلاف بين المجلس العسكري وفرنسا، قررت مالي الاستعانة بالروس، وطلبت منهم بشكل رسمي سدّ الفجوة التي خلفتها قوات برخان، ومساعدتها في محاربة الإرهاب والحركات الانفصالية من أجل الحفاظ على وحدة أراضيها وحماية أمنها القومي. استجابت روسيا بسرعة فائقة وسجلت حضورها العسكري في قلب منطقة الساحل الإفريقي بشكل فوري وقوي؛ حيث أرسلت معدات عسكرية ومجموعة من المقاتلين الروس التابعين لوزارة الدفاع الروسية حسب السلطات المالية والروسية، ولكن فرنسا والإعلام الغربي ما زال يعتقد أنهم من مجموعة مرتزقة فاغنر.

عودا إلى بدء، فإن الوجود الروسي العسكري القوي في كل من جمهورية مالي وإفريقيا الوسطى، مهّدت له روسيا في وقت مبكر بتواصل دبلوماسي متعدد المستويات، ثم أعقبته بدعوة لإحياء الاتفاقيات القديمة بين الدول الإفريقية والاتحاد السوفيتي قديما، ما نتج عنه تقارُبٌ متزايدٌ بين روسيا ودول إفريقية مختلفة في المجال الدفاعي، العسكري والاقتصادي.

ونتيجة لذلك، فقد أبرمت روسيا بالفعل عدة اتفاقيات حول التعاون العسكري التقني مع دول إفريقية في وسط القارة وغربها وشمالها بشكل مكثف، وفي شرق القارة بدرجة تبدو أقل؛ لكن التركيز الأكبر كان على دول الساحل الإفريقي. ففي عام 2017م نفسه، وَقَّعَ وزير الدفاع الروسي “شويغو”(2) على وثائق حول التعاون العسكري مع كلٍّ من النيجر، نيجيريا، وتشاد. وقبل ذلك، تم توقيع اتفاقيات مع الكاميرون، بنين، تونس، رواندا، موزمبيق، زمبابوي وغيرها.

وفي بداية عام 2018م، وُقِّعَت اتفاقيات للتعاون العسكري التقني مع غينيا، إثيوبيا، وتنزانيا. أما مع شركاء روسيا التقليديين في إفريقيا -كأنغولا مثلاً- فلا تزال المعاهدات الموقَّعة في التسعينيات من القرن الماضي مفعّلة ومستمرة. هذه العودة الروسية القوية إلى إفريقيا، تمثل وجها واحدا فقط من أوجه التواجد الروسي في إفريقيا المتعددة، وهو الوجود العسكري والأمني. وقد سبق الوجود العسكري هذا إرهاصات وبوادر تعتبر اللبنات الأساسية لتوطيد العلاقات الروسية الإفريقية.
وبناء عليه، قُسِّمتْ هذه الورقة إلى خمسة أقسام رئيسة، وهي:

  •  أولا: دواعي عودة روسيا إلى إفريقيا مجددا.
  • ثانيا: العلاقات الروسية الإفريقية بين استدعاء الماضي والتركيز على متغيرات الحاضر.
  • ثالثا: مجالات التعاون بين روسيا وإفريقيا.
  • رابعا: تداعيات الحرب الأوكرانية على العلاقات الروسية الإفريقية.
  • خامسا وأخيرا: الخاتمة والتوصيات

أولا: دواعي عودة روسيا إلى إفريقيا مجددا

عودة روسيا إلى إفريقيا مجددا مرّتْ بمرحلتين رئيستين، المرحلة الأولى هي مرحلة الإرهاصات التي تعتبر بمثابة مقدمات مهّدت للمرحلة الثانية وهي العودة الروسية الحقيقية أو الفعلية إلى إفريقيا.

أ‌. إرهاصات عودة روسيا إلى إفريقيا

انكفاء روسيا على البناء الداخلي والذي فرضه عليها تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م لم يُلْغِ فكرة عودة روسيا إلى إفريقيا مجددا، وذلك لإدراك روسيا لحجم الخسائر التي تكبدتها جرّاء تخليها عن علاقاتها المتعددة المستويات مع دول القارة الإفريقية وانسحابها بشكل تام تقريبا، لا سيما دول جنوب الصحراء الكبرى. فما لبثت سوى ثلاث سنوات تقريبا حتى سعت إلى توجيه سياساتها الخارجية تجاه إفريقيا، وشرعت في وضع خطة محكمة تُجسّدُ هذا التوجه.(3)

في أواخر عام 1994م، عقد الوزير الأول الروسي فيكتور تشيرنو ميردين اجتماعا في موسكو مع السفراء الروس المبتعثين إلى الدول الإفريقية، وأكدّ لهم على أن قطع العلاقات مع إفريقيا والانسحاب من دولها له تأثيرات سلبية على مصالح روسيا القومية والاقتصادية، خاصة في مجال مبيعات الأسلحة. كما أكدّ أيضا على أن الفراغ الذي تركته روسيا في إفريقيا أتاح الفرصة لمنافسيها في الظهور في الساحة والاستفادة منه. (4)

وفي ذات الاجتماع، ذهب وزير الخارجية الروسي آنذاك، أندري كوزيريف، إلى ضرورة الربط العضوي بين التوسع الروسي في إفريقيا عن طريق بيع الأسلحة، وتحقيق الأمن والاستقرار في تلك الدول الإفريقية.(5) وهي المعادلة التي يصعب تحقيقها في ظل التنافس الشرس بين تجار الأسلحة الدوليين وخاصة في إفريقيا؛ حيث تقتضي مصالحهم وجود توترات أمنية، وبيئات حروب وقتال حتى يظل الطلب على الأسلحة قائم ومستمر!

فالإدارة الروسية بلا شك تدرك هذه القوانين الطبيعية؛ ولكنها ربما أرادت إثبات نفسها كشريك غير تقليدي يمكن الوثوق به في إنهاء الصراعات الداخلية للدول الإفريقية سواء الصراعات حول تقاسم السلطة أو الحروب الأهلية التي تهدد تماسك الدولة والحفاظ على وحدة أراضيها؛ فحاولت أن تلعب كلا الدورين؛ تاجر أسلحة وشريك فاعل في إنهاء الصراعات الداخلية.

ولعل أفضل نموذج يمكن الاستشهاد به في هذه النقطة تحديدا، هو الدور الذي لعبته روسيا في إنهاء الصراع الطويل حول السلطة بين الحكومة الأنغولية والمعارضة المتمثلة في حركة “يونيتا”. إذْ لعبت روسيا دورا محوريا ذات تأثير إيجابي في الوصول إلتوافق بين الحكومة والمعارضة، ومن ثم توقيع بروتوكول اتفاقية سلام في مدينة لوساكا في نوفمبر 1994م. (6)

على الرغم من قدم اتفاقية “بيسيس” الموقعة في البرتغال في 31 مايو 1991م وسَبْقِها، إلا أن بروتوكولات اتفاقية لوساكا تعتبر أهم خطوة جادة لإنهاء الصراع في أنغولا؛ حيث أصبحت النواة الأساسية لسلسلة مفاوضات واتفاقيات؛ لِتَرْسُو سفينة المصالحة الوطنية إلى اتفاق نهائي بين الحكومة الانغولية وحزب المعارضة الرئيسي يونيتا، وذلك بتوقيع اتفاقيات السلام والمصالحة الوطنية في 4 أبريل، 2002م التي أدت إلى إنهاء27 عامًا من الحرب. وقد احتفل الانغوليون بالذكرى العشرين لاتفاقية السلام هذه في يوم 4 أبريل 2022م.

وفي السياق نفسه، صادق البرلمان الروسي على طلب الرئيس يلتسين بإرسال سبع (7) مروحيات من نوع MI-8، و160 جندي روسي إلى أنغولا لينضموا إلى بعثة الأمم المتحدة الموجودة في أنغولا. وبهذا تعتبر أنغولا أول دولة تشهد عودة روسية عسكريا وإن كانت تحت مظلة الأمم المتحدة إلا أنها كانت تعتمد على العلاقات الثنائية في كل خطواتها تقريبا. (7)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التمدُّد الروسي في جنوب الصحراء الكبرى وخاصة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ما هو إلا نموذج للحضور الروسي في أنغولا مع الأخذ في الحسبان خصوصيات كل بلد. وبهذا، استطاعت روسيا أن تُسَوِق لنفسها كشريك استراتيجي غير تقليدي يستطيع إنهاء الصراعات والأزمات الطويلة التي تقلق الحكومات، وليس تاجر أسلحة فحسب.

ب‌. العودة الفعلية لروسيا إلى إفريقيا

إن عودة روسيا إلى إفريقيا الحقيقية بدأت مؤشراتها تبرز بشكل جليّ في عام 2000م عندما تولى فلاديمير بوتين قيادة روسيا معلنا عن رؤيته الإصلاحية التي عُرِفَتْ بـ “مبدأ بوتين”.(8) من خلال هذا المبدأ، قرر الكرملين أن يرسم سياسة خارجية جديدة لروسيا تقوم على أساس النظرة الواقعية للعلاقات الخارجية، وتفاعلات الحراك السياسي الدولي المرتبطة بمصالح روسيا السيادية.

هذه السياسة الجديدة لفتت انتباه العالم تجاه روسيا وأعطتها زخما غير مسبوق منذ تفكك الاتحاد السوفيتي ما حظيت بأوصاف متعددة أبرزها “استيقاظ الدّبّ الرّوسيّ” كدلالة على عودة روسيا إلى مصافّ الدول الكبرى ذات التأثير في صناعة القرار الدولي؛ بل وأن تكون حاضرة في كل منطقة من مناطق المعمورة.(9)

لم تكن القارة الإفريقية غائبة عن نطاق هذا التوجه أو مهملة في أي خطوة من خطوات الخطة التي تضمنها مشروع بوتين. واعتبر المراقبون والمحللون السياسيون أنّ عام 2001م هو عام تفاعلات العودة الحقيقية لروسيا إلى إفريقيا؛ حيث زار وزير الخارجية الروسي في هذه السنة كل من تنزانيا، وناميبيا، وأنغولا، واتحاد جنوب أفريقيا، وتنزانيا. وفي العام نفسه استقبل الرئيس بوتين بموسكو رؤساء دول إفريقية مثل نيجيريا، وغينيا، والغابون، والجزائر، ومصر.(10)

ولتعزيز الدبلوماسية الجديدة في إطار مبدأ تعدد الأقطاب الدولي الذي تبناه الكرملين، قام بوتين بزيارة تاريخية إلى المملكة المغربية وجنوب إفريقيا وذلك في عام 2006م.  ثم في العام 2009م، سلك الرئيس ميد فيديف “Medvedev” الذي خلف بوتين النهج نفسه، وسجل زيارة لكل من أنغولا، وناميبيا، ونيجيريا، ومصر، واصطحب معه حوالي 400 رجل أعمال روسي أغلبهم مديرون لشركات روسية عملاقة، مثل: غاز بروم (GAZPROM)، ولوك أويل (LUKOIL)، وروسا توم (ROSATOM).(11)
لقد أثمرت هذه الزيارة عن التوقيع على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات التجارية المهمة. دون أدنى شك، هذه الزيارات حملت دلالات واضحة على تطور العلاقات الروسية الإفريقية وعكست مدى اهتمام روسيا في التوسع تجاه القارة الإفريقية.

ثانيا: العلاقات الروسية الإفريقية بين استدعاء الماضي والتركيز على متغيرات العصر

إنّ العلاقات الروسية الإفريقية ليست من نتاج تفاعلات التاريخ المعاصر؛ بل لها صلات تاريخية تمتد إلى القرون الوسطى. إذْ رصد المؤرخون عوامل وأدوات مختلفة عززت التواصل بين روسيا وإفريقيا في وقت مبكر من التاريخ، والتي يمكن جمعها في أربع عوامل رئيسة، وهي: التواصل الروحي (الديني)، والرحلات الاستكشافية، والتواصل الدبلوماسي، والتواصل الأيدلوجي.

ويتمثل التواصل الروحي في العلاقات الدينية التي تجمع بين المسلمين الروس والأفارقة من جهة، والحجاج الروس الأرثوذكس والمسيحيين الأفارقة من جهة أخرى، وكانت نقاط ملاقاتهم هي الأراضي المقدسة لكلا الطرفين. وتعتبر الرحلات الاستكشافية من أهم عوامل التواصل بين روسيا وإفريقيا؛ حيث وصلت مجموعة من البحّارة والمستكشفين الروس إلى العديد من شواطئ الدول الإفريقية في وقت مبكر، مثل جمهورية الكونجو الديموقراطية، والمغرب، ومصر. في الواقع، هذان العاملان لقد مهدّا الطريق للتواصل الدبلوماسي والأيدلوجي.(12)

ففي نهاية القرن الثامن عشر، فتحت روسيا القيصرية قنصليتين في مصر، إحداها في القاهرة والأخرى في الإسكندرية. وفي عام 1889م تحديداً، أقمت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الترنسفال (جنوب إفريقيا حاليا)، وأثيوبيا، وفتحت قنصلية عامة في طنجة، المملكة المغربية. وظلت الاتصالات بين روسيا وإفريقيا متواصلة بدرجات مختلفة ومتفاوتة المستويات ولكنها في نطاقات ضيقة حتى بعد الثورة البلشفية عام 1917م، توسع نطاق التواصل الدبلوماسي ليشمل استقطاب مجموعة من الأفارقة إلى الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية من أجل التعليم والتكوين السياسي، وهي الخطوة التي أصبحت مدخلاً للتواصل الأيدلوجي (الفكر الاشتراكي).(13)

ونتيجة لهذا التبادل الثقافي الدبلوماسي بين إفريقيا وروسيا، اصطفّتْ أثيوبيا وجنوب إفريقيا مع الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية وأصبح هذان البلدان حليفين استراتيجيين لروسيا آنذاك. ومنذ العام 1950م وحتى فترات ما بعد الاستقلال، أصبحت روسيا أكبر داعم لحركات التحرر الإفريقي المناهضة للاستعمار، فقدمت دعما سخيا للمؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، والحركة الشعبية لتحرير أنغولا (MPLA)، والحزب الشعبي لجنوب أفريقيا (SACP)، واتحاد الشعب الإفريقي الزيمبابوي،وجبهة تحرير الموزمبيق (FRELIMO). (14)

بل وصل هذا الدعم أروقت الأمم المتحدة آنذاك، عندما أصدرت الأمم المتحدة إعلانها التاريخي بمنح الدول والشعوب المستعمرة استقلالها عام 1960م، وذلك بمبادرة من الاتحاد السوفيتي. على الرغم من اعتراضات بعض الدول الكبرى الغربية على هذا القرار، إلا أن روسيا كانت واضحة وصريحة في تأييدها لقرار منح الاستقلال للدول المستعمرة. إذْ صوتت 89 دولة لصالح هذا الإعلان، بينما اعترضت تسع دول وامتنعت تسع دول أخرى عن التصويت، وهي أمريكا، فرنسا، البرتغال، بريطانيا واتحاد جنوب أفريقيا، استراليا، بلجيكا، إسبانيا وجمهورية الدومينيك. (15)

باستثناء جمهورية الدومنيك وأستراليا، نجد بقية الدول التي امتنعت عن التصويت هي دول استعمارية، وهذا ما يفسر سبب امتناعها عن التصويت لصالح الإعلان عن منح استقلال الشعوب المستعمرة. واستمرت روسيا في دعم تلك الشعوب حتى أثناء فترة الحرب الباردة. فيا ترى، هل ما يحدث اليوم من تأييد للقضية الروسية في أروقة المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان من قبل الدول الإفريقية بأشكاله المختلفة هو ردٌّ لهذا الجميل أم أنه بحث عن تنويع خيارات التعامل وبالتالي بحث عن تخفيف الهيمنة الغربية ام خضوع للهيمنة الروسية الحديثة في إفريقيا؟

ومع كل هذا التقارب الروسي الإفريقي، ودعم روسيا المباشر للدول الإفريقية من أجل نيل استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم؛ إلا أن الفكر الاشتراكي (الشيوعي) لم ينتشر بشكل كبير في ربوع إفريقيا كأيدلوجية سياسية أو اقتصادية، إلا ما كان من بعض القادة الشباب المتحمسون للحرية، جلهم في دول غرب إفريقيا، الذين رفعوا شعار الشيوعية كردّ فعل مضاد للقوى الاستعمارية الإمبريالية المتمثلة في الفكر الرأسمالي الذي تتبناه الدول الغربية، الأمر الذي جعل الصراع بين روسيا والدول الغربية يحتدم ويتخذ منحى المنافسة الشرسة في جبهات مختلفة حول العالم.

ولقد شكّل مبدا التنافس الشرس والتجاذب الاستراتيجي بين الدول الكبرى حول فرض السيطرة والنفوذ على مناطق إقليمية بما فيها مناطق إفريقية، المحددات الأساسية في علاقة روسيا بإفريقيا. فالدول الإفريقية المتعاونة مع روسيا وقتذاك لم من الحلفاء الثانويين بالنسبة لروسيا؛ بل تعتبرها جبهات تصدي ومواجهة خارج حدودها ضدّ الرأسمالية المتوحشة.  وبناء عليه، أطّر الكرملين السياسة الروسية الخارجية تجاه إفريقيا بمجموعة من الأسس والمعطيات لتحقيق هذه الأهداف، والتي شكلّت مجالات التعاون بين روسيا وإفريقيا.

ثالثا: مجالات التعاون بين روسيا وإفريقيا

التعاون الروسي الإفريقي ينطوي على مجموعة من المعطيات، رسمتها السياسة الخارجية الروسية في أربع مجالات رئيسة، وهي: التعاون الاقتصادي والتجاري، والتعاون السياسي، والتعاون العسكري الأمني، وأخيرا التعاون المعرفي الثقافي. فيما يلي، سنتناول كل واحدة بشيء من التفصيل من أجل التعرف على دواعي عودة روسيا إلى إفريقيا.

1. التعاون الاقتصادي والتجاري

في منتصف الثمانينات، أبرم الاتحاد السوفيتي مع بعض الدول الإفريقية اتفاقيات متعددة الأغراض شملت الجوانب الاقتصادية والعسكرية، 37 منها اتفاقيات غطت مجالات تقنية، بينما 42 منها متعلقة بالأنشطة التجارية. ولكن مستوى التبادل التجاري بين روسيا ودول القارة الإفريقية كان ضعيفا للغاية حتى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه. ففي عام 1992م لم يتجاوز حجم التبادل التجاري الواحد مليار دولار أمريكي، وانخفض هذا الرقم بشكل كبير حتى ليصل 740 مليون دولار أمريكي بحلول عام 1994م.(16)

على الرغم من العقود التجارية الموقعة مع شركات روسية عديدة، إلا أن طبيعة العلاقات الاقتصادية بين روسيا والبلدان الإفريقية مبنية على أسس المساعدات والديون، ولم تشكل التبادلات التجارية الحقيقية إلا نسبا ضئيلة في الميزان التجاري. هذه الديون والمساعدات شكّلت عبئا وثقلا على الاقتصاد الوطني الروسي. حيث ذهب مجموعة من الخبراء إلى أن تفاقم المشكلات الاقتصادية والصعوبات الداخلية لروسيا وقتئذٍ ما هي إلا نتيجة لالتزامات روسيا المكلفة تجاه دول العالم الثالث بما فيها حلفاؤها من إفريقيا.(17)

تراكم ديون بعض الدول الإفريقية وعدم مقدرتها على السداد، فضلا عن تداعيات تفكك الاتحاد السوفيتي قرر الرئيس بوريس يلتسين تبني سياسة الانكفاء الداخلي والتخلص من الأعباء الاقتصادية والمشكلات الأخرى التي تتحملها روسيا جراء علاقاتها الخارجية. وبناء عليه، قرر الانسحاب من إفريقيا، وفي عام 1992م أغلقت سفارات وقنصليات روسية في العديد من الدول الإفريقية، بالإضافة إلى إيقاف مجموعة كبيرة من البعثات التجارية ونشاط 13 مركزا ثقافيا من بين 20 مركز في عموم إفريقيا.(18) وبهذا أعلنت روسيا بشكل ضمني توقف دعمها للأنظمة الإفريقية الحليفة لها؛(19) بل أوقف الرئيس يلتسين جميع اشكال الدعم والمساعدات تجاه إفريقيا، وطالبها بسداد ما بذممها من ديون تجاه روسيا.(20)

أما في عصر الرئيس فلاديمير بوتين وسعيه لتطبيق مبدئه سابق الذكر، وضع شروطا لإلغاء الديون عن الدول الإفريقية، وهي تتلخص في خيارين رئيسين لا ثالث لهما. فالخيار الأول الموافقة على تحويل أسهم بعض الشركات الوطنية الإفريقية إلى الشركات الروسية، أو منح روسيا تراخيص استغلال معادن من الدرجة الأولى لعقود طويلة. والخيار الثاني تُسْتَبْدَل تلك الديون بتوقيع صفقات وعقود جديدة في المجال العسكري أو الصيد البحري. وبهذا أصبحت الشركات الروسية تركز على الجانب الاقتصادي وبات لديها حضور قوي في مجال استخراج المعادن واستغلالها.(21)

ونتيجة لذلك، ارتفع مستوى التجارة بين روسيا وإفريقيا بنسبة 185 في المئة في الفترة 2005-2015م.(22) ومعظم التبادل التجاري كان مع دول شمال أفريقيا وخاصة الجزائر ومصر والمغرب. ولكن العلاقات التجارية لروسيا مدفوعة بالنفقات الرأسمالية من قبل الشركات المملوكة للدولة، والتي توفر الائتمان وتقوم بالاستثمارات في المقام الأول من خلال عمليات الدمج والاستحواذ والمشاريع المشتركة مع الشركات الأفريقية المملوكة للدول وغيرها من الشركات الأجنبية التي لها وجود في القارة الإفريقية والمرتبطة بسيادة الدول.(23)

في الوقت الراهن، لدى روسيا علاقات تجارية مع ما يقرب من عشرين دولة إفريقية، وبلغ حجم التجارة الروسية فيها 20 مليار دولار أمريكي حتى عام 2020م، وأكثر الصادرات الروسية من الأسلحة والحبوب إلى إفريقيا.(24) أما صادرات الدول الإفريقية إلى روسيا تتمثل في المعادن الثمينة مثل الماس والذهب، والنفط، وهي القطاعات التي تجلب فيها روسيا الخبرة الفنية والتمويل، والتفاصيل المحيطة بهذه العقود دائمًا ما تكون محاطة بالسرية التامة، مما يجعل من الصعب تقييم قيمتها الحقيقية أو المساهمات التي قد تقدمها إلى الخزائن الأفريقية.

على الرغم من هذا التوسع في العلاقات الاقتصادية الروسية الإفريقية، تظل روسيا لاعبًا ثانويًا في القارة مقارنة بالصين والهند وألمانيا والولايات المتحدة، وذلك نظراً لصغر حجم الاقتصاد الروسي وضعفه.(25) وتجدر الإشارة إلى أنّ مساعدات موسكو التنموية لحلفائها في القارة، على الرغم من توسعها في السنوات الأخيرة، تتخلف عن مساعدات المانحين الغربيين الرئيسيين. ففي عام 2016م، على سبيل المثال، وصلت المساعدة الإنمائية الرسمية الروسية الإجمالية إلى مليار دولار أمريكي فقط؛ هذا الرقم يعتبر ضئلا للغاية مقارنة بالصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى تركيا.(26)

2. التعاون السياسي

في ظل استراتيجيات عودة روسيا إلى إفريقيا، لقد توسعت الأنشطة السياسية الروسية في إفريقيا بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين من القرن الحالي. الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية لدى من أوروبا والولايات المتحدة، وبالأخص تزايد المحاولات الروسية للتدخل في المنافسات الانتخابية في القارة أحيانا. تشير التقارير الاستقصائية إلى أن القلة الروسية وحليف بوتين المقرب، يفغيني بريغوزين، الذي أنشأ وكالة أبحاث الإنترنت، التي شاركت في حرب المعلومات خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، قد وسع نطاق مشاركته في إفريقيا.

ويبدو أن بريغوزين كان يطور استراتيجية تجمع بين مبيعات الأسلحة والدعم الانتخابي والتعاون الأمني مقابل حقوق التعدين وفرص العمل والدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة. هذا ما جعل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني لروسيا في إفريقيا متشابك للغاية ويصعب فصل بعضه عن بعض.(27)

السياسة البوتينية الحديثة تلعب على التناقضات وتجاري الغرب في العديد من الممارسات الخارجية وخاصة في علاقاتها مع الدول النامية. في هذا المضمار، لوحظت محاولات روسية في التأثير على نتائج المنافسات الانتخابية للعديد من الدول الإفريقية، كما حدث في أنغولا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا، وغينيا بيساو، وليبيا، ومدغشقر، وموزمبيق، والسودان، وزيمبابوي. حيث أرسلت موسكو مراقبين موالين للنظام لمراقبة الانتخابات في هذه الدول، خاصة في زيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.(28)

إذْ قدم هؤلاء المراقبون تقييمات إيجابية للمنافسة الانتخابية التي اتسمت بعمليات التزوير والغشّ. وفي غينيا دعمت روسيا الرئيس في تغيير الدستور للسماح له بمُدَد إضافية في المنصب الرئاسي. هذه هي قواعد اللعبة التي تمارسها الدول الغربية في كثير من مستعمراتها السابقة في إفريقيا أو حلفائها الجدد في إفريقيا؛ حيث يدعمون الأنظمة الفاسدة والمستبدة ودعم الزعماء في تغيير الدساتير من أجل البقاء في السلطة من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة وليست مصالح الشعوب الإفريقية، وتعتبر جمهورية تشاد، والغابون، والكاميرون أفضل نموذج لهذه التناقضات الغربية.(29)

على عكس سياسات الدول الغربية في إفريقيا، تبدو السياسات الروسية أكثر ميلا إلى تفضيل الاستقرار السياسي على الحكم الديمقراطي، فهي لا تقدم الدعم لمنظمات المجتمع المدني، والجهود الأخرى لتعزيز الممارسات الديمقراطية؛ ولكنها تتفانى في تقديم كل الدعم للأنظمة الحاكمة حتى وإن كانت مستبدة. فاستراتيجية روسيا تركز على دعم الرجال الأقوياء المستبدين في الدول الغنية بالموارد الطبيعية وغير المستقرة. حيث يشعر هؤلاء الحكام الأقوياء بالقلق من “الثورات الملونة” المحتملة، ومطالبات شعوبهم بالإصلاح، وفي الوقت نفسه يجدون صعوبة في جذب كل من مساعدات التنمية والاستثمار الأجنبي المباشر من الدول الغربية.(30)

فتمكنت روسيا من سدّ هذا الفراغ من خلال تقديم المساعدات اللازمة لهؤلاء، مقابل حصول الشركات الروسية على الموارد الطبيعية والسيطرة على الأسواق المحلية. ففي عام 2019م على سبيل المثال، قدمت روسيا دعماً دبلوماسياً ومالياً وعسكريا للنظام السوداني، نظام عمر البشير، حيث واجه حركة احتجاج شعبية متنامية أدت في النهاية إلى إجباره على الاستقالة. والحال نفسه في جمهورية إفريقيا الوسطى، كانت شركات الأمن الروسية، بما في ذلك مجموعة فاغنر، تنشط في جميع مرافق الدولة تقريبا.

3. التعاون العسكري والأمني

التعاون العسكري الروسي الإفريقي ليس وليد اللحظة؛ بل هو ممتد منذ عهد الاتحاد السوفيتي الذي كان هو الممول الرئيس للتسليح الإفريقي خاصة في فترة الخمسينيات وحتى ثمانيات القرن الماضي. إذْ يقدر الخبراء نسبة السلاح المستخدم والمتداول في إفريقيا وقت ذاك 90% منه هو صناعة روسية؛ ولكنه قد تراجع حاليا إلى 60% تقريبا، بسبب ضعف قدرة الدول المستوردة للأسلحة على السداد من جهة، وتزايد المنافسة من قبل تجار السلاح سواء من الدول الغربية أو الدول التي استقلت من الاتحاد السوفيتي بعد تفككه،(31) ومع ذلك ما زالت تعتبر حصة روسيا هي الأكبر (60%).

في ظل حاجة روسيا إلى تعزيز مبيعاتها من الأسلحة وقطع غيارها، ومع تعثر بعض الدول الإفريقية على سداد ديون الأسلحة تحديدا؛ يلاحظ توجه روسيا إلى التعامل مع الدول المنتجة للنفط مثل ليبيا ونيجيريا، والدول المنتجة للسلع المطلوبة لدى روسيا كزمبابوي والدول التي تتمتع بموارد طبيعية ومعادن ثمينة كجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي. فبطريقة أو بأخرى تستطيع روسيا قبض مستحقاتها سواء نقدا أو مقاصة بموارد الطاقة والموارد الطبيعية. وهذا ما يفسر سبب قرار الرئيس يلتسين سنة 1994م بإلغاء جميع قيود مجلس الأمن التي فرضها على المعاملات مع تلك الدول في سبعينيات القرن الماضي.(32)

فمنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، انتهجت روسيا سياسة التواجد في القارة الإفريقية، أو ما يسمى بسياسة عودة روسيا إلى إفريقيا؛ لكن دون التورط في شؤون بلدانها السياسية أو العسكرية، وكانت تركز على الجوانب الاقتصادية بشكل أكبر مع التمسك بشعرة معاوية بينها وبين الكتلة الغربية. حيث أصبحت عضوا دائما في مجلس الأمن والأمم المتحدة وداعما لملفات حقوق الإنسان وبعثات حفظ السلام مع اختلافات بسيطة حسب رؤيتها الخاصة. وهذا ما صرح به الرئيس يلتسين قائلا: “باعتبارنا عضو دائم في مجلس الآمن، وعضو نشطا في المنظومة الدولية، سندعم كل التحولات الديمقراطية في إفريقيا، وسنعمل على جعل هذه المنطقة أكثر أمنا واستقرارا”. (33)

حسب هذا التوجه، أصبحتْ روسيا داعماً رئيساً لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ حيث تتيح فرص التدريب لقوات حفظ السلام في روسيا. في عام 2018م، كانت روسيا سابع أكبر مساهم مالي لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وذلك بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. على الرغم من هذا الدور الفعال في تعزيز دور بعثات حفظ السلام حول العالم، إلا أن لروسيا وجهة نظر مختلفة في كيفية تسيير وتنفيذ عمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.(34)

تعتقد روسيا أنّ عمليات حفظ السلام يجب أن تتم فقط بموافقة الدول المضيفة، ويجب أن تكون لها صلاحيات محدودة. لذا كانت تصطدم كثيرا مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في أكثر من مهمة تشارك فيها روسيا سواء بقوات عسكرية أو دعم مادي. حيث وصفها منافسيها بأنها تسعى إلى الحد من تعزيز حقوق الإنسان وتمكين النوع الاجتماعي وحماية البيئة في ولايات بعثات الأمم المتحدة، خاصة ما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان ومالي خلال المفاوضات حول مخصصات الميزانية.(35)

وبناء على هذا المفهوم، فإنّ روسيا تدعم “الحلول الإفريقية لمشاكل إفريقيا”، وتدعم تعزيز قدرات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الدرجة الأولى، بحجة أنّ الاتحاد الأفريقي يجب أن يكون مسؤولاً بشكل أساسي عن معالجة النزاعات في القارة، وبالتالي تعزيز الموقف الروسي المتمثل في احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وهذا يرجح أن يكون أحد العوامل التي تجعل الأفارقة يفضلون التعامل مع روسيا في القضايا الأمنية والعسكرية على شركائهم التقليديين الغربيين. (36)

ولكن خلال العقد الأخير، كانت روسيا المورد الرئيس للتكنولوجيا العسكرية إلى الدول الإفريقية. ففي عام 2018م، كانت روسيا أكبر مورد للأسلحة إلى القارة الإفريقية متجاوزة غريمتها التقليدية الولايات المتحدة؛ حيث ذهبت معظم المبيعات إلى الجزائر (58.64 في المائة)، ومصر (25.96 في المائة)، تليها أوغندا (5.17 في المائة)، والسودان (2.63 في المائة)، وأنغولا (2.11 في المائة). ولعل أبرز عامل يجذب هذه الدول إلى تفضيل الأسلحة الروسية هو أن مبيعاتها لا تعوقها شروط تتعلق بالالتزام بحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.(37) الجدول (1) يبين أكبر 4 دول موردة للأسلحة إلى إفريقيا في عام 2017م

جدول 1: أكبر موردي الأسلحة إلى إفريقيا في عام 2017م
<<>>>

ملفات الإرهاب ومكافحة التمرد الإسلامي والشبكات الإجرامية في إفريقيا أيضا حاضرة في أجندة السياسة الخارجية الروسية مثلها مثل الدول الغربية الأخرى. وتؤكد موسكو على أنّ العولمة تعني أن مكافحة القضايا العابرة للحدود -مثل الإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة وحالات الطوارئ الإنسانية، وكلها عوامل تزعزع الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي- تتطلب تعاونًا دوليًا.(38)

على هذا الأساس، رحّبتْ روسيا بإنشاء مجموعة الخمسة (G5) للقوة المشتركة لمنطقة الساحل في فبراير 2014م، وعززت تعاونها مع وكالات إنفاذ القانون التي تركز على مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة ووقعت على عدد من اتفاقيات مكافحة الإرهاب لتوفير التدريب والمشورة والأسلحة مع الدول التي تنشط فيها جماعات بوكو حرام وحركة الشباب الإسلامية. بينما تحاول كتلة الدول الغربية تفسير السلوك الروسي تجاه هذه القضايا بأنه مجرد حجج للتغلغل في العمق الإفريقي من أجل بيع أسلحتها ونهب خيرات تلك الدول من خلال دعم الأنظمة المستبدة.(39)

منذ منتصف عام 2019م، وقعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع 21 دولة أفريقية، بما في ذلك أنغولا وتشاد وإثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا وزيمبابوي، وهناك مفاوضات جارية حول إنشاء قواعد عسكرية روسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومصر، وإريتريا، ومدغشقر، وموزمبيق، والسودان. الأمر الذي أثار قلق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خاصة في ظل وجود الجماعات العسكرية الروسية المتزايد، مثل مجموعة فاغنر ومجموعة باتريوت – وهي منظمات سرية أنشأها الجيش الروسي والتي تسمح للكرملين بتوفير التدريب الأمني والعسكري للأنظمة المتحالفة مع روسيا، مع خلق إمكانية إنكار تورط الحكومة الروسية.(40)

هذه الشركات شبه العسكرية لا تدعم الأنظمة والجيوش المحلية فحسب؛ بل تقوم أيضًا بحماية رجال الأعمال والاستثمارات الروسية الخاصة في الدول التي تنشط فيها؛ حيث لا تستطيع قوات الأمن المحلية القيام بذلك بشكل فعال. وحسب تقديرات القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) أن هذه الجماعات العسكرية تنشط في 15 دولة في مختلف مناطق القارة الإفريقية.

وعلى عكس كل آراء الدول الغربية التفسيرية للحضور الروسي في إفريقياـ أو مبررات روسيا نفسها، تبقى وجهات نظر الحكومات الإفريقية مختلفة نسبيا؛ حيث ترى في روسيا الحليف الذي لا يطمح أن يبقى إلى الأبد جاثما على صدور شعوبها وناهبا لمواردها الطبيعي كما يفعل المستعمر التاريخي. وأيضا يمكن لروسيا أن تدعمها في مكافحة عملاء الدول الغربية المتمردين على الأنظمة تارة، والمطالبين بالانفصال عن الدولة المركزية تارة أخرى، ومن ثم التحرر من براثن الاستعمار كليا كما فعلت روسيا إبّان حركات التحرر الإفريقي في خمسينيات القرن المنصرم.

4. التعاون الثقافي

الاتفاقيات التي وُقِّعتْ في منتصف الثمانينيات شملت عقود مع مؤسسات تعليمية تهدف إلى استقطاب حوالي من 2,500 شاب إفريقي إلى المعاهد التقنية والجامعات الروسية بغرض التكوين المعرفي والمهني. نتيجة لذلك، خرّجت الأكاديميات الروسية العسكرية والسياسية الآلاف من الأفارقة المؤهلين، والذين التحقوا بمناصب إدارية وسيادية في بلدانهم لاحقا، وأصبحوا نخبا تتبوأ مناصب مختلفة في بلدانها الأصلية.

أبرز هؤلاء، في مالي الرئيس الراحل أحمدو توماني توري (Ahmadou Toumani)، العقيد ساديو كامارا (Sadio Camara) وزير الدفاع وعضو المجلس الانتقالي الحالي، والعقيد مالك دياو (Malick Diaw) رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحالي. وفي جنوب إفريقيا امباكي تابو (Mbeki Thabo)، وفي جمهورية إفريقيا الوسطى الرئيس أسبق ميشيل دو توجيا زعيم جماعة السليكا.

وفي الوقت الراهن، يدرس ما يقدر بنحو 15000 طالب إفريقي في الجامعات الروسية بشكل رئيسي من نيجيريا وأنغولا والمغرب وناميبيا وتونس وغيرها. في واقع الأمر، الأعداد تزداد بشكل مطرد، تقول موسكو إن المنح الدراسية والتبادل المعرفي سيستمر بينها وبين حلفائها الافارقة. فنظرًا لمحدودية فرص التعليم العالي للعديد من الأفارقة، فإن هذه المنح الدراسية تحظى بترحيب كبير من قبل المستفيدين. كما أنها تسهل العلاقات طويلة الأمد مع هؤلاء الأفراد، الذين غالبًا ما يتولون مناصب عليا في حكومات بلدانهم.(41)

رابعا: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات الروسية الإفريقية

تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية على إفريقيا بلا شك ستظهر على قطاعات حيوية مختلفة للقارة الإفريقية، سواء على المجال الاقتصادي، والسياسي، والعسكري والأمني، والتعليمي. ولكننا لا نتطرق إلى ذلك بقدر ما سنركز على تداعياته على العلاقات الروسية الإفريقية. فالعلاقات بين أوكرانيا وإفريقيا تاريخيا كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، وبعد تفككه لم ترتق العلاقات الأوكرانية الإفريقية إلى مستويات رفيعة منفردة إلا ما كان في مجال التدريب والتعليم العالي للطلاب الأفارقة في المؤسسات التعليمية الأوكرانية. كما أن الحضور الأوكراني في إفريقيا مؤخرا برز في مجال تصدير القمح الذي تشترك فيه روسيا وأوكرانيا ليمثل نحو 30 في المئة من احتياج القارة الإفريقية.

على الرغم من وجود العلاقات الحميمية بين روسيا وإفريقيا عبر التاريخ وتوطيدها مؤخرا بشكل أكبر، إلا أن مواقف الدول الإفريقية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية تباينت على المستوى المؤسسي والفردي. وأبرز سمة لهذا التباين هو الصمت الجماعي لأغلبية الدول الإفريقية في الأيام الأولى عندما قُرِعَتْ طُبُول الحرب، والإدانة على مضض من القلة القلية ثم التأييد لروسيا من بعض الدويلات. حيث عبر الاتحاد الإفريقي في تلك الفترة عن قلقه البالغ لما يحدث داعيا احترام القانون الدولي وسيادة الدول، بينما أدانت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (الإيكواس) الحرب، ودعت إلى حل الخلافات عبر الجوار.

وفي الوقت ذاته، رُصِدّتْ مواقف فردية مؤيدة لروسيا صراحة أو ضمنيا؛ حيث فُسِرت زيارة الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس السيادي إلى روسيا بأنها تأييد السودان ضمنيا لروسيا. ولكن ابن الرئيس الأوغندي، الجنرال موهوزي كانيروغابا صرح عن دعمه المطلق لروسيا ضد أوكرانيا، وأكد على أن بوتين محق تماما في حربه هذه. الموقف نفسه تقريبا أبرزته جمهورية إفريقيا الوسطى، عكس جنوب إفريقيا التي رفضت حرب روسيا على أوكرانيا وطالبت روسيا بسحب قواتها على الرغم من وجود علاقات قوية بينها وبين روسيا.

ولكن مع تطاول أمد الحرب وتطورها، ازداد حجم التباين في مواقف الدول الأفريقية خاصة في قاعات التصويت الدولية، إذْ صوتت 28 دولة إفريقية لصالح مشروع قرار إدانة روسيا، بينما تراوحت مواقف 26 دول أخرى ما بين ممتنعة عن التصويت وغائبة عن الجلسة ورافضة القرار بينما وقفت إلى جانب روسيا دولة واحدة وهي إريتريا. كما أصدرت مفوضية الاتحاد الأفريقي بيانا أدانت فيه حرب روسيا على أوكرانيا صراحة.

وقد يعزى سبب هذا التباين إلى احد الأسباب أنّ هذه الدول لم تقتنع أصلا بمبرات اتخاذ مثل هكذا قرارات، إذْ كانت تفضل تعزيز قنوات الحوار الفعال بين الجانبين من أجل الخروج من الأزمة بدلا من التصعيد، أو أن هذه الدول تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقتها مع روسيا والصين من جهة، وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى.

يبدو أنّ الأزمة الأوكرانية سيطول أمدها وهذا بلا شك سينعكس سلبا على العلاقات بين روسيا والدول الإفريقية التي ما زالت مواقف مؤسساتها القارية والإقليمية؛ بل وحتى الفردية حيال هذه الأزمة متباينة ومضطربة أحيانا. وذلك بسبب تداخل العلاقات الدولية مع بعضها البعض وتشابكها في أكثر من منطقة أو بلد إفريقي، حيث نجد أن الناتو ينشط في القارة بشكل كبير منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م ولديه شراكات مع بعض الدول الإفريقية ومؤسساتها القارية والإقليمية.

وفي الوقت ذاته، نلحظ التوغل الصيني الروسي المتمثل في الشراكة بينهما في أكثر مشروع ومنطقة جغرافية في إفريقيا ودولها، واكتسب أحجاما لا يمكن الاستهانة بها في معطيات تقنيات الجيوسياسية والعلاقات الدولية. ولكن تقدير حجم كل كتلة من الكتل السابقة غير متوفر حتى نستطيع ترجيح كفة  على الأخرى. فبلا شك، إن حجم العلاقات بين الأطراف المتصارعة وإفريقيا وطبيعة ترابط المصالح بينها سيحددان مستويات التأثر والتأثير ودرجاتها. فإذا ما تطورت الأمور إلى الأسوأ قد تميل كفة الكتلة الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة وحلفائها، ومن ثم تخسر روسيا رهانها في إفريقيا.

الأمر الذي يمكن الجزم به، إنّ القارة الإفريقية ليست من القوة بمكان حتى تستطيع تحديد ملامح سياسات دولها الخارجية، وصنع توجه سياسي ذو تأثير على المسرح الدولي. فضلا عن كونها تفتقر إلى المكونات الذاتية لخلق توازن مرن يراعي مصالحها وتحافظ على أمنها القومي؛ لذا ستظل، في أغلب الأحوال، ممسكة بالعصا من الوسط حتى لا تخسر كل مصالحها مع أحد أطراف الصراع. إلا أن مصالحها مع دول الناتو تبدو أكبر من المعسكر الآخر.

خامسا: الخاتمة والتوصيات

تنطلق روسيا من معطيات موروثها في فترة الاتحاد السوفيتي في علاقاتها مع الدول الإفريقية، وتستند إليه بشكل أساسي لتبني استراتيجياتها الجديدة تجاه القارة من أجل سد الفراغ الذي تتركه بعض الدول الغربية المنافسة لها تارة، ولاغتنام أدنى فرصة تسنح لها في أي بقعة من بقاع القارة الإفريقية تمكنها من الحصول على موضع قدم لتضرب خيم امبراطوريتها المزعومة تارة أخرى، وبهذا تكون عودة روسيا إلى إفريقيا مختلفة عن ذي قبل.

هذا التوسع والاستحواذ على الديناميكيات السياسية والاقتصادية داخل الدول الإفريقية من قبل روسيا أمر مثير للجدل والنقاش على مستوى أدبيات السياسة والأمن حول العالم، ويَشعر بعض المراقبين الغربيين بالقلق البالغ من تأثير سياسات روسيا على الاستقرار والشفافية والديمقراطية في إفريقيا، فضلاً عن احتمال اشتداد المنافسة بين القوى العظمى. وفي سبيل ذلك أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن مخاوفهما بشأن توسيع المشاركة الروسية في إفريقيا.

بينما تسوق روسيا نفسها كشريك استراتيجي يمكن الوثوق به في تحقيق الاستقرار السياسي وضبط الأمن القومي للدول الإفريقية، وأنها تحترم سيادة الدول وتنأى بنفسها بعيدا عن التدخل في شؤونها الداخلية. هذا الخطاب وجد قبولا لدى بعض الطبقات السياسية الإفريقية وخاصة قيادات الأنظمة الحاكمة التي تجد في روسيا شريكا يحقق لها رغباتها في البقاء طويلا على عروش الحكم بغض النظر عن الصفة أو البرنامج الإصلاحي، ومن ثم تصف هذه الأنظمة قلق الدول الغربية بأنها مخاوف مبالغ فيها ويجب إبقاء النفوذ الروسي في نصابه.

في واقع الأمر، دعمت روسيا القادة الأفارقة الاستبداديين، ووسعت مبيعات الأسلحة وأنشطة قواتها شبه العسكرية، وتمكنت من تشكيل تحالفات دبلوماسية مع دول إفريقية عديدة؛ حيث تعكس هذه الارتباطات طموح روسيا في أن يُنظر إليها على أنها قوة عالمية فاعلة في النظام الدولي وليست قوة إقليمية فحسب.

من الناحية الجيو اقتصادية، نجد روسيا مُقَيّدة بمواردها العسكرية والاقتصادية المحدودة. على الرغم من أنها تلعب أدوارا مهمة في إفريقيا، إلا أن أحجام استثماراتها في القارة صغيرة مقارنة بتلك الموجودة في آسيا، والتي تظل أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية لروسيا. كما أنّ المساعدات والاستثمارات الروسية في إفريقيا تتضاءل مقارنة بتلك التي تقدمها الجهات الفاعلة العالمية الأخرى في المسرح الإفريقي بما في ذلك القوى الناشئة مثل الصين والهند.

حتى اللحظة، يمكن أن ينظر لروسيا على أنها قد استفادت من علاقتها مع إفريقيا في بيع أسلحتها، وجلب بعض احتياجاتها من المواد الخام وموارد الطاقة إلى شركاتها، فضلا عن اكتساب أصوات بعض الدول الإفريقية إلى صفها في قاعات التصويت الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، والبعض على الأقل ظلّ صامتا أو متغيبا عن الجلسات، وهذا بلا شك يكون في صالح روسيا.

التوصيات

وفي ختام هذه الورقة، يمكننا تقديم بعض التوصيات في النقاط  التالية:

  • تقع مسؤولية تحديد السياسة الخارجية للقارة الإفريقية ككيان واحد على عاتق الاتحاد الإفريقي؛ ولكن مع إمكانياته المحدودة والمتواضعة قد لا يستطيع تحقيق هذا الهدف الذي يتطلع إليه الأفارقة أنفسهم قبل الدول الكبرى التي تتصارع على إفريقيا. فمثلا، مطالبة بعض المؤسسات الدولية الاتحاد الإفريقي باتخاذ موقف واضح حيال الأزمة الأوكرانية الروسية وتحديد موقعه من هذا الصراع؛ أيْن سيقف مع الكتلة الغربية بقيادة الناتو أم سيختار الانحياز إلى الكتلة الشرقية التي تقودها روسيا والصين. هذه المطالبة مجحفة في حق الاتحاد الإفريقي؛ لأنه لن يستطيع فعل ذلك، وإن حاول فعل شيء من هذا القبيل فسيدخل القارة برمتها في أزمات لها اول وليس لها آخر.
  • على القادة الأفارقة عدم التسرع في اتخاذ موقف سياسي أو قرار يقضي بالاصطفاف مع أحد الكيانات الدولية المتصارعة في إفريقيا دون تحديد المصلحة الوطنية. لأن القرار الخاطئ قد تكون تكلفته عالية، ومن ثم تتعدى تأثيراته الجيل الحالي إلى أجيال متلاحقة.
  • إن إفريقيا تنطلق من قدرة مؤسسية أقل بكثير لمكافحة هذه التأثيرات الأجنبية على مؤسساتها القارية والإقليمية؛ بل وحتى على الدول. ومع ذلك، فقد أظهر الشباب الأفارقة مواهب كبيرة وابتكاراتٍ عديدة في تكييف التقنيات الرقمية الجديدة للصالح العام. يمكن للاتحاد الإفريقي والتجمعات الإقليمية والبلدان بشكل فردى أن يعزز قدرة الشركات الإفريقية الحكومية وغير الحكومية على التحقق من الحقائق وشركات التحري الرقمي لتحديد الحسابات المزيفة التي ترعاها الدول المتصارعة على إفريقيا كروسيا وفرنسا وجميع المتصيدين الآخرين وحملات التضليل.
  • لمكافحة حملات التضليل والتزييف، لا بدّ من تكثيف الجهود لتنظيم البرامج عبر محاور قارية (الاتحاد الإفريقي)، وإقليمية (التكتلات الإقليمية) وليس على أساس كل بلد على حدة؛ لأنه في إفريقيا، غالبًا ما تكون الأحزاب الحاكمة هي المستفيد المباشر من حملات التضليل التي تقودها شبكات الدول المتصارعة عليها مثل روسيا وفرنسا.
  • يجب العمل على تعزيز مشاريع البنى التحتية من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي ودعم عجلة التنمية خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة في النظم السياسية أو الاقتصادية؛ بل وحتى التخطيط البيئي والاجتماعي.
  • الاهتمام بمجال التربية والتعليم والتدريب لجميع المستويات وشرائح المجتمعات الإفريقية. أكثر الدول الإفريقية تهمل برامج التربية والتعليم في خططها السنوية، وترصد نسبا ضئيلة جدا في ميزانياتها السنوية لهذا القطاع رغم أهميته في تعزيز الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي ورفع كفاءات الشعوب وتأهيليهم لتحمل المسؤوليات الوطنية.
  • ينبغي للمؤسسات القارية دعم التكتلات الإقليمية والدول منفردة لمحاربة الانقلابات العسكرية ووضع آليات تضمن انتقال السلطة بشكل سلسل وسلمي في دول القارة الإفريقية. موضوع تداول السلطة من المعضلات التي تعاني منها كثير من دول القارة خاصة دول جنوب الصحراء الكبرى منذ استقلالها وحتى الوقت الحالي. قد يتطلب الأمر تشكيل قوة قارية تتصدى لكل من يحاول تغيير النظام بالقوة والعنف أو بطرق غير مشروعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش والمراجع

(1) "انقلاب في الانقلاب".. ما الذي يحدث في مالي؟، DW: https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A/a-57662256 
(2)  سيرغي كوجوغيتوفيتش شويغو: هو وزير الدفاع الروسي الحالي، تولى من 20 يناير 1994 حتى 11 مايو 2012م منصب وزير روسيا لشؤون الدفاع المدني وحالات الطوارئ والتخلُّص من عواقب الكوارث الطبيعية (وزارة حالات الطوارئ). ويكيبيديا.
(3) زيدان، ناصر: دور روسيا في الشرق الآوسط وشمال أفريقيا من بطرس الآكبر حتى فلاديمير بوتين، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى (2104م)
(4) M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique russe en Afrique: désengagement ou coopération? », Revue d’études comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p154.
(4) الرواي، عبد العزيز مهدي: توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مجلة دراسات دولية، بغداد: مركز الدراسات الدولية، العدد 12، عام (2115م)
(6) المصدر نفسه
(7) صميض، هشام: روسيا والعودة إلى أفريقيا: المحددات والأبعاد، مجلة البحثية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 7،8 (2017)، مؤسسة خالد الحسن - مركز الدراسات والأبحاث
(8) الراوي، عبد العزيز مهدي، توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مجلة دراسات دولية، بغداد: مركز الدراسات الدولية، العدد ٣٥، سنة ٢٠٠٨م
(9) أبو سمهدانة، عز الدين عبد االله، الإستراتيجية الروسية تجاه الشرق الأوسط: ٢٠٠٠-٢٠٨م: دراسة حالة القضية الفلسطينية. رسالة ماجستير في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم م الإدارية، جامعة الأزهر غزة، السنة الجامعية 2100/2102 م. (موقع دار المنظومة: http://search.mandumah.com/Record/542865/Description#tabnav) 
(10) Gilles Traude, «La Russie en Afrique: le grand retour?», Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p167.
(11) Muriel Pomponne, «Vers un retour de la Russie en Afrique», Web : www.rfi.fr , le 05 -12 - 2014. 
(12) Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage soviétique, multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013
(13) المصدر نفسه،
(14) صميض، هشام: روسيا والعودة إلى أفريقيا: المحددات والأبعاد، مجلة البحثية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 7،8 (2017)، مرجع سابق
(15) المصدر نفسه؛
(16) Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage soviétique, multilatéralisme et activisme politique» (مصدر سابق)
(17) Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour? », Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p166.
(18)  M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique russe en Afrique: désengagement ou coopération? », Revue d’études comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p154.
(19) Sebastian Santander: L'Afrique, nouveau terrain de jeu des émergents (Editions Karthala, 2014) p121.
(20) Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage soviétique, multilatéralisme et activisme politique», Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p63.
(21) صميض، هشام: روسيا والعودة إلى أفريقيا: المحددات والأبعاد، مجلة البحثية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 7،8 (2017)، مرجع سابق
(22) Joseph Siegle (2021). Russia and Africa: Expanding Influence and Instability. George C. Marshall Center: Chapter 10: Russia and Africa: Expanding Influence and Instability | George C. Marshall European Center For Security Studies (marshallcenter.org) 
(23) المصدر نفسه؛
(24) المصدر نفسه؛
(25) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (No. 15/2020). Briefing Paper.
(26) المصدر نفسه؛
(27) Paczyńska, A. (2019). The new politics of aid: emerging donors and conflict-affected states. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers. SIPRI (Stockholm International Peace Research Institute). (2017). Top four armssuppliersto Africa in 2017: https://www.sipri.org/databases/armsindustry
(28) المصدر نفسه
(29) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (مصدر سابق)
(30) المصدر نفسه
(31) Birgerson, S. M., Kozhemiakin, A. V., Kanet, R. E., & Tchimichkian, M. (1996). La politique russe en Afrique: désengagement ou coopération?. Revue d'études comparatives Est-Ouest, 145-168.
(32) صميض، هشام: روسيا والعودة إلى أفريقيا: المحددات والأبعاد، - مرجع سابق
(33)  Birgerson, S. M., Kozhemiakin, A. V., Kanet, R. E., & Tchimichkian, M. (1996). La politique russe en Afrique: désengagement ou coopération?. (مرحع سابق)
(34) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (مرجع سابق).
(35) المصدر نفسه،
(36) Birgerson, S. M., Kozhemiakin, A. V., Kanet, R. E., & Tchimichkian, M. (1996). La politique russe en Afrique: désengagement ou coopération?. (مرحع سابق)
(37) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (مرجع سابق).
(38) المصدر نفسه؛
(39) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (مرجع سابق)
(40) المصدر نفسه؛
(41) Paczyńska, A. (2020). Russia in Africa: Is great power competition returning to the continent? (مصدر سابق) 

محمد زكريا

أكاديمي اقتصادي، مهتم بقضايا إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
بدء محادثة
💬 هل تحتاج إلى مساعدة؟
مرحبا 👋
هل يمكننا مساعدتك؟