تحليلات

أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس

بين الترحيل والتحديات الإنسانية

منذ عام 2023، شهدت تونس أزمة متفاقمة تتعلق بمعاملة المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى. وبعد أن كانت تعتبر في السابق بلد عبور مستقر نسبيا نحو أوروبا، أصبحت تونس بؤرة لتوترات الهجرة الإقليمية. وفي نهاية شهر مارس 2025 عادت مرة أخرى قضية المهاجرين إلى واجهة مع انطلاق حملة أمنية واسعة قامت بتفكيك خيام المهاجريين في مناطق زراعية قرب مدينة صفاقس بغية التجهيز لترحيلهم خارج الأراضي التونسية، ويسعى هذا المقال للكشف عن التطورات الأخيرة في تونس، مع التركيز على التدابير الأمنية، ودور منظمات الدولية، وظروف المعيشة للمهاجرين.

الخلفية والتحولات السياسية

على مدى العقد الماضي، استقطبت تونس آلاف المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى الباحثين عن عمل أو العبور إلى أوروبا. وقد جعلت سياسات التأشيرات الميسرة والقرب الجغرافي من البلاد خيارا مناسبا. ومع ذلك، في أعقاب تصاعد الهجرة غير النظامية في عام 2023 وتزايد الضغوط من المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين، اتخذت الحكومة التونسية موقفًا أكثر حزما.

شكلت تصريحات الرئيس قيس سعيد في أوائل عام 2023 حول مؤامرة ديموغرافية تتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين نقطة تحول. تزامنت هذه التصريحات في تأجيج مشاعر العداء تجاه المهاجرين الأفارقة، وأثارت موجة من العنف بين المحليين والمهاجريين أدت إلى عمليات الإخلاء وحملات أمنية صارمة.

التدابير الأمنية وتفكيك المخيمات

طوال عام 2024 ومطلع عام 2025، كثفت السلطات التونسية عملياتها التي تستهدف التجمعات العشوائية للمهاجريين، لا سيما في مدن مثل صفاقس وغابة الزياتين في ضواحي المدينة. فككت المخيمات التي تؤوي آلاف المهاجرين بذريعة استعادة النظام العام وحماية الممتلكات الخاصة. مما أدى إلى نزوح مجموعات كبيرة من الناس دون توفير بدائل مناسبة.

شملت عمليات التي نفذها الحرس الوطني التونسي مداهمات واعتقالات ونقلا قسريا للمهاجرين إلى مناطق نائية. وبحسب ما ورد، تم التخلي عن بعضهم بالقرب من الحدود مع ليبيا والجزائر. ورغم تأكيد الحكومة التونسية بأن هذه الإجراءات ضرورية للأمن القومي، إلا أن منظمات حقوق الإنسان أعربت عن مخاوفها بشأن قانونيتها وأثرها الإنساني.

تدهور الظروف المعيشية

دفعت حملة القمع العديد من المهاجرين إلى وضع هش للغاية. فبسبب عدم امتلاكهم إقامة قانونية أو تصاريح عمل. ويعيش الكثير من المهاجريين الآن من خلال العمل غير الرسمي، أو جمع البلاستيك، أو التسول في الشوارع. وتتزايد ظاهرة العائلات التي لديها أطفال في الأماكن العامة، حيث يفتقرون إلى المأوى وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية أو التعليم.

ويثني الخوف من الاعتقال المهاجرين عن طلب المساعدة. وقد خلقت الاعتقالات التعسفية والتنميط العنصري من قبل قوات الأمن جوا من الخوف. ونتيجة لذلك، تشتت العديد من المهاجرين من المناطق الحضرية إلى الغابات أو المزارع المهجورة، وهم يواجهون الجوع والتعرض للمخاطر وانعدام الأمن.

الترحيل وجهود الإعادة إلى الوطن

عززت الحكومة التونسية برامج العودة الطوعية إلى الوطن بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة. وفي عام 2024، أعيد أكثر من 7000 مهاجر إلى بلدانهم الأصلية. ورغم وصف هذه العودة بأنها “طوعية”، إلا أنها غالبا ما تتم تحت ضغط اجتماعي واقتصادي شديد، مما يدفع البعض إلى التشكيك في شرعيتها. في أوائل عام 2025، وسعت عمليات الترحيل لتشمل المهاجرين المتورطين في اضطرابات عامة أو الذين يعتبرون تهديدا للسلامة العامة. وقد أثارت عمليات الطرد هذه انتقادات لافتقارها إلى الشفافية والرقابة القضائية. وفي الوقت نفسه، شددت تونس الدوريات البحرية للحد من مغادرة القوارب نحو أوروبا، مما أدى إلى زيادة عمليات الاعتراض والاحتجاز.

الدور السلبي للمنظمات الإنسانية والدولية:

في مطلع شهر أفريل سنة 2023، وبعد الحملة التي شنت ضد المهاجرين، قام العديد من المهاجرين باللجوء إلى مقر المفوضية والاعتصام أمامها مطالبين بترحيلهم من تونس، إلا أن المفوضية طلبت من قوات الأمن التونسية بتدخل وطرد المهاجرين من أمام مقرها، مما تسبب في اندلاع أعمال عنف كبرى، وأما في ظل الأزمة الحالية فتعاطي المفوضية مع المهاجرين في غاية السلبية، حيث تقبع طوابير طويلة من المهاجرين أمام المقر للحصول على موعد لنظر في ملفاتهم وهذا الموعد الذي تمتد مدته من شهريين إلى 6 أشهر من الانتظار، كما يعاني أيضا المهاجرون من تعامل مع تمثيليات بلدانهم الديبلوماسية، حيث يصطدمون ببيروقراطية السفارات والقنصليات في مواعيد التي تصل إلى أشهر من لانتظار لنظر في طلباتهم.

أما فيما يتعلق بالمنظمات المجتمع المدني المحلية، التي كانت نشطة في السابق في تقديم المساعدات، فهي في الوقت الحالي تخض لقيود متزايدة، وهوما حد من جهودها وقلص مساحة العمل الإنساني من الدعم المتاح للمهاجرين.

أخطار البحر الأبيض المتوسط

خصصت اتفاقية الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، الموقعة عام 2023، تمويلا لتعزيز مراقبة الحدود وإدارة الهجرة. ورغم أنها ساعدت في الحد من عمليات العبور غير النظامية، إلا أن المنتقدين يجادلون بأنها تعطي الأولوية للاحتواء على الحماية، وتحمل تونس مسؤوليات تتجاوز قدرتها المؤسسية.

ومع قلة الخيارات المتاحة، لا يزال العديد من المهاجرين يحاولون خوض غمار رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا. وقد أصبحت المناطق الساحلية في تونس، وخاصة حول صفاقس، نقاط انطلاق رئيسية. وللأسف، يستمر ارتفاع عدد حالات الغرق في وسط البحر الأبيض المتوسط. ويعكس اليأس الذي يدفع هؤلاء المهاجرين محدودية سبل الهجرة الشرعية وغياب الحلول المستدامة.

الخلاصة

يبرز وضع المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس تقاطعا معقدا بين السياسة الداخلية والأمن الإقليمي وإدارة الهجرة الدولية. وبينما لدى تونس مخاوف مشروعة بشأن مراقبة الحدود والنظام العام، فإن الأساليب المستخدمة – وخاصة التهجير القسري وعدم كفاية التخطيط الإنساني – أثارت مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان.

للمضي قدما، لا بد من استراتيجية أكثر توازنا، تجمع بين إنفاذ القانون وضمانات إنسانية قوية، وإجراءات لجوء محسنة، وتعاون دولي يحترم السيادة والكرامة.

تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى