تعتبر انتخابات 2024 في تشاد، والتي تمثل نهاية فترة انتقالية دامت ثلاث سنوات بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو في عام 2021، مهمة لأسباب متعددة. حيث تتألف هذه الانتخابات من تصويت ثلاثي: انتخابات تشريعية وإقليمية ومحلية، مع أكثر من 8 ملايين ناخب مسجل. ومع ذلك، اتسمت العملية بالتوتر السياسي، وانخفاض نسبة المشاركة في التصويت، والتحديات التي تواجه الشرعية الانتخابية. دعا عدد كبير من أحزاب المعارضة، بما في ذلك حزب ( المحولون ) Transformateurs بقيادة ساكسي ماسرا Succès Masra، إلى مقاطعة الانتخابات. سيحلل هذا التقرير القضايا الرئيسية المحيطة بالانتخابات، بما في ذلك مشاركة الناخبين، والديناميكيات السياسية، والتحديات اللوجستية.
وفي ذات الوقت تكتسب هذه الانتخابات أهميتها، رغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها عدد من التيارات السياسية والأحزاب المعارضة، لجهة أن الحكومة والأحزاب الموالية لها لم تلتزم بالخطوط الرئيسية التي وضعها مؤتمر الحوار الشامل إضافة إلى أنها تنعقد بعد 13 عام، وهي فترة ليس قصيرة، بل هي ثلاث دورات برلمانية.
السياق السياسي
أدت وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو في أبريل 2021 إلى فترة من التحول السياسي، حيث تولى الجيش بقيادة محمد إدريس ديبي السلطة. أثار هذا التحول مجموعة من ردود الفعل على المستويين المحلي والدولي. واجهت الحكومة الجديدة انتقادات من جماعات المعارضة والمجتمع المدني والمجتمع الدولي لنهجها في الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من وعود الإصلاح، بما في ذلك الالتزام بإجراء انتخابات، اعتبرت العديد من أحزاب المعارضة الانتخابات استمرارًا لنفس النظام ودعت إلى مقاطعتها.
وقد لعبت إحدى أبرز مجموعات المعارضة، Transformateurs تيار التغيير، بقيادة Succès Masra ساكسي ماسرا ، دورا بارزا في الدعوة إلى عدم المشاركة في الانتخابات. استندت هذه المقاطعة إلى حد كبير إلى تصور مفاده أن العملية الانتخابية لن تكون حرة ونزيهة، وأن مصداقية الانتخابات لطالما كانت موضع تساؤل.
مشاركة الناخبين والإقبال
على الرغم من التطورات السياسية المهمة، كان الإقبال على التصويت في الانتخابات منخفضًا بشكل ملحوظ. وشهد اليوم الثاني من التصويت، الذي عقد في 29 ديسمبر 2024، عددا قليلا من الناخبين في مراكز الاقتراع. وأشارت التقارير إلى انخفاض نسبة المشاركة، وخاصة في نجامينا العاصمة، حيث بدا أن المشاركة في الانتخابات كانت بطيئة. ووفقا لغومبو بريي هوزيبي، المقرر العام لهيئة مراقبة العملية الانتخابية الوطنية، فإن معدل المشاركة كان أقل بشكل ملحوظ مقارنة بالانتخابات الأخيرة الأخرى، مثل الاستفتاء الدستوري لعام 2023.
وكانت الأسباب الرئيسية وراء هذا الإقبال المنخفض تشمل اللامبالاة السياسية، حيث اعتقد العديد من المواطنين أن الانتخابات مزورة أو محددة سلفا. وأعرب بعض المواطنين عن خيبة أملهم من العملية برمتها ، زاعمين أن الانتخابات لم تكن أكثر من واجهة. وعلق أحد الناخبين قائلا: “نعلم أنها مزورة، لكننا لا نملك الدليل”. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت مقاطعة أحزاب المعارضة بشكل كبير في إضعاف نسبة المشاركة، حيث تم تثبيط أنصارهم عن التصويت.
العملية الانتخابية والقضايا اللوجستية
لم تخلو الانتخابات من التحديات اللوجستية. فقد تأخر فتح بعض مراكز الاقتراع، وخاصة في نجامينا، بسبب الطقس البارد والقضايا اللوجستية، مثل تأخر وصول بطاقات الاقتراع وغياب مراقبي الانتخابات. وقد ساهم هذا في إرباك وإحباط الناخبين. كما لعبت تعقيدات عملية التصويت دوراً في هذا، حيث طُلب من كل ناخب الإدلاء بثلاثة أصوات منفصلة (للانتخابات التشريعية والإقليمية والمحلية)، مما أدى إلى إرباك الناخبين وتقليص مشاركتهم بشكل أكبر.
وعلاوة على ذلك، أثار المراقبون الوطنيون والدوليون قضية تسجيل الناخبين. وفي بعض الحالات، وجد الناخبون بدون بطاقات انتخابية أو كانوا يصوتون في أماكن لم يتم تسجيلهم فيها. وهذا ما أكد على المخاوف متعلقة بشأن دقة وشفافية قوائم الناخبين والنزاهة العامة للعملية الانتخابية.
الأمن والظروف المحيطة بيوم الانتخابات
على الرغم من التوترات السياسية والعقبات اللوجستية، فقد مر يوم الانتخابات بهدوء نسبي. وتم نشر قوات الأمن لضمان النظام، وخاصة في المناطق الحساسة. كان تواجد قوات الأمن مرتفعًا حول المواقع الرئيسية، بما في ذلك مراكز الاقتراع بالقرب من القصر الرئاسي، حيث أدلى الرئيس محمد إدريس ديبي بصوته بنفسه. ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن أي حوادث كبيرة أثناء عملية التصويت.
ظل الجو في مراكز الاقتراع في نجامينا، وخاصة في الأحياء مثل كابالاي في الدائرة الثالثة، هادئا. كان إقبال الناخبين أقل مما كان عليه خلال الانتخابات السابقة، مثل الاستفتاء الدستوري لعام 2023 أو الانتخابات الرئاسية في مايو 2024، حيث تم تسجيل نسب مشاركة مشاركة أعلى.
إذ شارك في هذا الاقتراع الثلاثي 51.56% من الناخبين المسجلين، بحسب التقديرات للوكالة الوطنية لإدارة الانتخابات (ANGE). ويؤكد هذا الرقم الملاحظات التي تم تسجيلها طوال اليومين اللذين استغرقهما التصويت، وخاصة في العاصمة نجامينا، حيث كانت مراكز الاقتراع مهجورة في أغلب الأحيان. وكان الإقبال الضعيف ملحوظا بشكل خاص في المناطق الحضرية وفق تقارير مراقبين، على النقيض من المناطق الريفية والسكان الرحل الذين شاركوا بشكل أكبر في اليوم الأول من الانتخابات.
ردود الفعل على النتائج
أعلنت الهيئة الانتخابية في تشاد أن حزب الرئيس محمد إدريس ديبي ” حركة الإنقاذ الوطني ” حصل على 124 مقعدا من أصل 188 في الجمعية الوطنية، في انتخابات قاطعتها بعض أحزاب المعارضة.
رحبت حركة الإنقاذ الوطني بفوزها الكبير، معتبرة أن النتيجة تعكس ثقة التشاديين في قيادة الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو. من ناحية أخرى، نددت المعارضة بالعملية الانتخابية المنحازة، وجددت اتهاماتها بالتزوير الانتخابي. ووصف ساكسي ماسرا زعيم حزب تيار التغيير النتائج بأنها “مهزلة انتخابية”، مشيرا إلى أن ضعف المشاركة دليل على رفض الشعب التشادي للانتخابات.
وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها بشأن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية. حذر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان من أن الانتخابات تبدو “غير نزيهة ولا حرة ولا ديمقراطية”.
على الصعيد الإقليمي، تتابع دول الجوار والمنظمات الإقليمية الوضع في تشاد بحذر، نظرا لتأثير الاستقرار السياسي في تشاد على المنطقة بأسرها. لم تصدر بعد بيانات رسمية من الاتحاد الإفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا بشأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
في المجمل، تعكس ردود الفعل الدولية مخاوف بشأن مسار الديمقراطية في تشاد، مع دعوات لتعزيز الشفافية والمشاركة السياسية لضمان استقرار البلاد والمنطقة.
الخلاصة
كانت انتخابات 2024 في تشاد انعكاسًا للتحديات السياسية المستمرة التي تواجهها البلاد. اذ مثلت هذه الانتخابات النهاية الرسمية للانتقال الذي بدأ بعد وفاة إدريس ديبي إتنو في عام 2021. ومع ذلك، فإن ضعف الإقبال ومقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية يثير تساؤلات حول شرعية النتائج وقدرة الحكومة على استرضاء الأطراف السياسية والمعارضة. وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في قياس مدى استقرار تشاد في هذه البيئة السياسية الجديدة في ظل التحديات الاقتصادية، وخاصة بعد الغائها للاتفاقية العسكرية مع باريس والتي ستكون لها انعكاسات على التحديات الأمنية والسياسة الدولية والاقليمية للتشاد.
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات