لطالما مثلت مشاركة القادة الأفارقة في قمم الأمم المتحدة جانبا بالغ الأهمية من المشاركة الدبلوماسية للقارة، حيث تُظهِر موقفا موحدا بشأن القضايا العالمية المحورية. وعلى مر السنين، اكتسبت القضايا الأفريقية حضورا متزايدا على أجندات الأمم المتحدة، مما يؤكد على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للقارة في عالم مترابط. وتعكس هذه المشاركة التزاما جماعيا بمعالجة التحديات الملحة مثل الأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتغير المناخ.
والهدف من هذا التقرير هو تحليل الموضوعات الرئيسية التي عبر عنها القادة الأفارقة خلال القمة الأخيرة، القمة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 سبتمبر تحت عنوان “قمة المستقبل” واستكشاف آثارها على كل من أفريقيا والحوكمة العالمية، مع التركيز على الكيفية التي تعزز بها هذه المشاركة حوارا دوليا أكثر شمولا وتمثيلا.
1. السياق التاريخي لخطابات الدفاع عن أفريقيا
تؤكد الدول الأفريقية على موقف موحد بشأن الإصلاح، مؤكدة على حقها في التأثير على القضايا التي تؤثر على القارة والنظام الدولي الأوسع.
منذ حصولها على الاستقلال، زادت الدول الأفريقية تدريجيا من مشاركتها في قمم الأمم المتحدة، مما شكل حضورها ونفوذها داخل المنظمة. في البداية، ركزت الدول الأفريقية على إنهاء الاستعمار والاعتراف بالسيادة، مع تركيز الجهود الدبلوماسية المبكرة على تفكيك الهياكل الاستعمارية ودعم الحركات المناهضة للفصل العنصري. ومع نهاية القرن العشرين، تحولت الأولويات نحو التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، بهدف مكافحة الفقر، والحد من التفاوت، وتأمين شروط أكثر عدالة في التجارة الدولية.
وفي السنوات الأخيرة، أكد القادة الأفارقة بشكل متزايد على حقوق الإنسان وحل النزاعات والتنمية المستدامة. أصبحت الدعوة إلى الحكم العالمي العادل محورية في أجندات الأمم المتحدة، مما أدى إلى مبادرات من قبل الاتحاد الأفريقي مثل إجماع إيزولويني لعام 2005 وإعلان سرت.
ويؤكد كل من هما على الحاجة إلى التمثيل الأفريقي في هيئات صنع القرار مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن خلال الدعوة إلى أدوار موسعة في الحكم العالمي، تؤكد الدول الأفريقية على موقف موحد بشأن الإصلاح، مؤكدة على حقها في التأثير على القضايا التي تؤثر على القارة والنظام الدولي الأوسع.
2. الموضوعات الرئيسية التي أثارها القادة الأفارقة في القمة 79 للأمم المتحدة
1.2 إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة:
لقد دعا القادة الأفارقة بإصرار إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لضمان التمثيل الدائم للقارة، مدفوعين بمبادئ العدالة والإنصاف لسكان أفريقيا البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وتعكس دعواتهم قلقا طويل الأمد: فعلى الرغم من تحملها لتأثيرات العديد من القرارات العالمية، تظل الدول الأفريقية مستبعدة إلى حد كبير من عملية صنع القرار في المجلس، وخاصة فيما يتعلق بقضايا السلام والأمن داخل أفريقيا نفسها.
ويحظى هذا الطلب بالشمول بدعم قوي من الاتحاد الأفريقي من خلال إجماع إيزولويني، الذي يدعو إلى مقعدين دائمين يشملان حق النقض وخمسة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للدول الأفريقية على وجه التحديد. ويؤكد الاقتراح على الحاجة إلى أن يكون لأفريقيا دور هادف في مسائل السلام والاستقرار الدوليين، والتي تؤثر بشكل غير متناسب على القارة.
وقد أكد زعماء أفارقة بارزون، بما في ذلك قادة جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، على هذه الضرورة في قمة الأمم المتحدة الأخيرة. وأكد رئيس جنوب أفريقيا في خطابه على أن استبعاد أفريقيا يتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة للمساواة والعدالة، في حين تؤكد جمهورية الكونغو الديمقراطية على أن مشاركة أفريقيا في المناقشات الأمنية ضرورية لتحقيق السلام المستدام.
وتؤكد هذه الحجج مجتمعة على موقف أفريقي موحد بشأن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والسعي إلى تمثيل يتماشى مع الأهمية الديموغرافية والاقتصادية المتنامية لأفريقيا على الساحة العالمية.
2.2 حل النزاعات وحفظ السلام
وقد أثار القادة الأفارقة مخاوف بالغة بشأن الصراعات الإقليمية الجارية، مثل التوترات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، والأزمة الليبية المطولة، والتهديد المستمر للإرهاب في جميع أنحاء القارة وخاصة في منطقة الساحل وشرق افريقيا. وفي قمة الأمم المتحدة الأخيرة، أشار القادة الأفارقة إلى الحاجة إلى نهج أكثر فعالية وحساسية لسياق حفظ السلام، ومعالجة القيود المتصورة في العمليات الحالية للأمم المتحدة في أفريقيا.
وغالبا ما تشير الانتقادات الموجهة إلى جهود حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى تحديات مثل الموارد غير الكافية، والتفويضات المحدودة، والافتقار إلى الاستراتيجيات المحلية، والتي يمكن أن تقوض جهود الاستقرار. ونتيجة لذلك، يدافع العديد من القادة الأفارقة عن مبادرات السلام التي تقودها أفريقيا، والتي تدعمها القوى الدولية ولكن لا توجهها. وهم يؤكدون على أن الحلول التي تقودها أفريقيا، والتي تدعمها بالدعم اللوجستي والمالي من الأمم المتحدة، من شأنها أن توفر نتائج سلام أكثر استدامة.
وتؤكد الخطب التي ألقها القادة الأفارقة من دول مثل نيجيريا وكينيا على إطار عمل تعاوني لحفظ السلام حيث تعمل الأمم المتحدة بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية. وهم يدعون إلى نموذج شراكة استباقية يستفيد من فهم أفريقيا المباشر للديناميكيات الإقليمية لمعالجة التحديات الأمنية المعقدة في القارة بشكل أفضل.
3.2 التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتغير المناخي
وقد أكد القادة الأفارقة في قمة المستقبل على أهمية تعزيز أهداف التنمية المستدامة، وتخفيف حدة الفقر، والعمل المناخي. وينصب التركيز على تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمعالجة القضايا الملحة مثل انعدام الأمن الغذائي، وخلق فرص العمل، وفجوات البنية الأساسية. ويؤكد القادة أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة سيتطلب دعما دوليا كبيرا في مجالات مثل التمويل، ونقل التكنولوجيا، والشراكات المصممة خصيصا للسياقات الأفريقية.
يشكل تغير المناخ محور هذه المناقشات، حيث تؤكد الدول الأفريقية على معاناتها بشدة من التأثيرات المناخية على الرغم من مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات العالمية. ونتيجة لذلك، يدعو القادة الأفارقة إلى اتخاذ تدابير العدالة المناخية، ودعوة البلدان المتقدمة إلى زيادة تمويل المناخ، وتسهيل نقل التكنولوجيا، وإعطاء الأولوية لاستراتيجيات التكيف في أفريقيا.
وتركز المقترحات الملموسة من القادة، بما في ذلك مصر وكينيا، على توسيع مشاريع الطاقة المتجددة وتشجيع شراكات الاستثمار الأخضر. ويرى الخبراء أن إمكانات أفريقيا في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية يمكن أن تضع القارة في موقع الريادة العالمية في مجال الطاقة المستدامة إذا ما تم دعمها بشكل كاف، مما يعزز النمو الاقتصادي مع التخفيف من مخاطر المناخ.
4.2 الدعوة لحقوق الشعب الفلسطيني
لقد أعرب القادة الأفارقة باستمرار عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية في قمة الأمم المتحدة، مما يعكس التزاما عميق الجذور متجذرا في تاريخ مشترك من النضالات ضد الاستعمار ومعارضة الظلم المتصور. وتؤكد خطابات رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا تجسد هذا الموقف، وغالبا ما يشبه الوضع الفلسطيني بماضي جنوب أفريقيا تحت ظل نظام الفصل العنصري. وقد دعا إلى إنهاء السياسات التي يصفها بأنها “سياسات الفصل العنصري” المفروضة على الفلسطينيين، وخاصة في غزة، مؤطرا النضال باعتباره نضالا عالميا من أجل الحرية والكرامة وتقرير المصير. من خلال مساواة محنة الفلسطينيين بالنضال ضد الفصل العنصري، يؤكد القادة الأفارقة مثل رامافوسا على ضرورة أخلاقية للعمل الدولي.
يتردد صدى هذه الدعوة في جميع أنحاء القارة الأفريقية، حيث تشكل الذكريات التاريخية للحكم الاستعماري والتمييز العنصري والابادات التزاما بالعدالة العالمية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف يحمل آثارا دبلوماسية معقدة. توازن العديد من الدول الأفريقية بين هذا الموقف المؤيد لفلسطين وتحالفاتها الدولية ومصالحها الاقتصادية، وخاصة مع دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي غالبا ما تنظر إلى مثل هذه المواقف بشكل نقدي. ومع ذلك، يستغل القادة الأفارقة هذه الدعوة لتعزيز الوحدة داخل القارة وبين دول الجنوب العالمي الأخرى، وتعزيز موقف يعطي الأولوية لحقوق الإنسان ويتماشى مع المصالح الأفريقية مع الدعوات الأوسع نطاقا للمعاملة العادلة في الحوكمة العالمية.
3. الاستراتيجيات التي يستخدمها القادة الأفارقة لتعزيز النفوذ العالمي
إن القادة الأفارقة يستخدمون استراتيجيات مختلفة لتعزيز النفوذ العالمي للقارة، في المقام الأول من خلال الدبلوماسية التعاونية والتحالف مع دول أخرى في الجنوب العالمي. ويلعب الاتحاد الأفريقي دورا حاسما في هذه الاستراتيجية من خلال تسهيل المواقف المنسقة بين البلدان الأفريقية ومواءمة أجنداتها مع أجندات مجموعات مثل مجموعة الـ 77 والصين. وتسمح هذه الجبهة الموحدة للقادة الأفارقة بتضخيم أصواتهم في المناقشات الدولية، وضمان الاعتراف بالأولويات الأفريقية، مثل التنمية المستدامة والأمن، في أطر السياسة العالمية.
وعلاوة على ذلك، يستفيد القادة الأفارقة من النمو الاقتصادي والديموغرافي الكبير للقارة كأدوات للمساومة في المفاوضات، وخاصة في المناقشات المحيطة بنقل التكنولوجيا، والشراكات الأمنية، واتفاقيات التجارة. ومن خلال عرض إمكانات أفريقيا كسوق وقوة ديموغرافية، فإنهم يدعون إلى المعاملة العادلة وزيادة الاستثمار من الدول المتقدمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تبني مواقف غير منحازة يمكّن البلدان الأفريقية من الحفاظ على درجة من الاستقلال في سياستها الخارجية، مما يضمن سماع الأصوات الأفريقية بشأن القضايا ذات الصلة بإصلاحات الحكم العالمي والتحديات الإقليمية. ولا يعمل هذا النهج المتعدد الأوجه على تعزيز مكانة أفريقيا في المحافل الدولية فحسب، بل إنه يعزز أيضا الشعور بالوحدة والغرض المشترك بين الدول الأفريقية.
4. صدى الدعوات الأفريقية في القمة الأممية
تحمل جهود الدعوة التي يبذلها الزعماء الأفارقة في قمم الأمم المتحدة آثار كبيرة على كل من القارة ومشهد الحكم العالمي. وفي حين تشير المطالبات بإصلاحات الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالتمثيل الأفريقي الدائم في مجلس الأمن، إلى دفعة قوية نحو العدالة والإنصاف، فإن نجاحها يتوقف على التفاعلات الجيوسياسية والمقاومة من جانب القوى القائمة. وقد تنظر الدول ذات المقاعد الدائمة، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى زيادة التمثيل الأفريقي باعتباره تحديًا لنفوذها، مما قد يؤدي إلى مقاومة مبادرات الإصلاح.
ومع ذلك، تعمل الزعامات الأفريقية تدريجيا على تحويل سياسات الأمم المتحدة نحو الشمولية، مع التأكيد على أهمية وجهات النظر الأفريقية في مناقشات الحكم العالمي. ويعكس هذا التطور اعترافا متزايدا بمساهمات القارة في السلام والأمن والتنمية الدولية. ومن خلال الدعوة إلى قضايا مثل العمل المناخي وحل النزاعات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يعيد الزعماء الأفارقة تشكيل السردية الدولية حول دور أفريقيا في الساحة العالمية.
وعلاوة على ذلك، فإن مشاركة الزعماء الأفارقة في هذه القمم تعزز النفوذ المتزايد للقارة في العلاقات الدولية، وتعزز الشعور بالتضامن بين الدول الأفريقية. كما تعمل على تعزيز رؤية القضايا الأفريقية على الساحة العالمية، وتشجيع الجهود التعاونية التي تعالج التحديات الفريدة التي تواجهها القارة. وفي نهاية المطاف، ورغم استمرار العقبات، فإن الدعوة التي يبديها الزعماء الأفارقة في قمم الأمم المتحدة تمهد الطريق لتمثيل أكثر عدالة للمصالح الأفريقية ووضع القارة كلاعب دولي رئيسي وفاعل في الشؤون الدولية.
5. الخاتمة
وفي الختام، يؤكد الإجماع القوي بين القادة الأفارقة بشأن القضايا المحورية خلال قمم الأمم المتحدة على تطور كبير في الموقف الدبلوماسي الأفريقي ودوره في الحوكمة العالمية. إن دعوتهم الموحدة للتمثيل الدائم في مجلس الأمن، كما عبر عنها إجماع إيزولويني للاتحاد الأفريقي، تعكس التزامًا بالعدالة والإنصاف لسكان أفريقيا البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
وعلاوة على ذلك، فإن دعوتهم الجماعية لتعزيز الدعم لحل النزاعات في مناطق مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا تسلط الضوء على الاعتراف بالحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للتحديات التي تواجه أفريقيا، مع التأكيد على نهج استباقي لحفظ السلام.
بالإضافة إلى ذلك، يتماشى تركيز القادة الأفارقة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعدالة المناخية مع الأجندة العالمية للتنمية المستدامة، مما يُظهر نيتهم في أن يكونوا لاعبين رئيسيين في الخطاب حول العمل المناخي والمرونة الاقتصادية. إن التضامن المعبر عنه تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة من قبل قادة بارزين مثل الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا، يوضح بشكل أكبر كيف تشكل الروابط التاريخية والمشاعر المناهضة للاستعمار الموقف الدبلوماسي الأفريقي.
ومع استمرار القادة الأفارقة في صياغة أجندة متماسكة، فإن تعاونهم لا يعزز نفوذهم داخل الأمم المتحدة فحسب، بل يشير أيضا إلى تحول أوسع نطاقا نحو الشمولية في صنع السياسات العالمية. ولا يعزز هذا التوافق الاستراتيجي أهمية أفريقيا على الساحة العالمية فحسب، بل يزرع أيضًا شعورًا بالوكالة والهوية المشتركة بين الدول الأفريقية، مما يمهد الطريق لإطار حوكمة عالمي أكثر عدالة وتمثيلا.