لقد أحدث انتشار الطائرات بدون طيار (UAVs)، المعروفة باسم الطائرات المسيرة (Drones)، تحولاً في طبيعة الحروب الحديثة، متجاوزةً بذلك نطاق الجهات الحكومية التقليدية ليشمل كيانات غير حكومية مثل المتمردين والمنظمات الإرهابية.
في إفريقيا، حيث تصاعدت الصراعات التي تنطوي على جماعات متطرفة عنيفة في العقود الأخيرة، برزت الطائرات بدون طيار كأداة ثورية. بعد أن اعتمدتها الدول في البداية لأغراض المراقبة ومكافحة الإرهاب، يستخدمها المتمردون والإرهابيون بشكل متزايد الآن لأغراض الاستطلاع والدعاية، وحتى الهجمات المباشرة.
سندرس كيف سخّرت هذه الجماعات في أفريقيا تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، مدعومةً بتجارب واقعية، ونستكشف آثار ذلك على الأمن في القارة.
تطور استخدام الطائرات بدون طيار في مناطق الصراع
بعد أن كانت الطائرات بدون طيار حكراً على الجيوش المتقدمة، أصبحت أكثر سهولة في الحصول عليها بفضل تكلفتها المعقولة وسهولة استخدامها وتوافرها في السوق التجارية. ما بدأ كأداة للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، تطور إلى سلاح قادر على إطلاق المتفجرات أو توجيه الهجمات.
كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) رائدًا في هذا التحول في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2020، مستخدمًا طائرات تجارية مُسيّرة مُعدّلة لإسقاط الذخائر وشن هجمات انتحارية. ولم تغب هذه السابقة عن الجماعات المتمردة والإرهابية الأفريقية، التي تُكيّف تكتيكات مماثلة لتلائم بيئاتها العملياتية. يتزايد عدد الجيوش الأفريقية، بأكثر من ثلثها، التي أدرجت الطائرات المسيرة في عملياتها، ويحاول العديد من المسلحين غير الحكوميين اتباع هذا النهج.
يُعزى الانتشار السريع لاستخدام الطائرات المسيرة في أفريقيا إلى طبيعة العديد من الصراعات في القارة، والتي تشمل قوات ذات موارد محدودة تتقاتل على مساحات شاسعة. ووفقًا لألين، تُسهم خمسة عوامل رئيسية في هذا الانتشار:
أدى التقدم التكنولوجي إلى جعل الطائرات المسيرة أكثر سهولة في الاستخدام وقادرة على التقاط ونقل المزيد من البيانات. تُمكّن هذه الابتكارات الطائرات المسيرة من استكمال أو حتى استبدال الأصول التقليدية مثل الطائرات والأقمار الصناعية وغيرها من الأنظمة.
في أفريقيا، يعكس استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية للطائرات المسيرة اتجاهًا أوسع نحو الديمقراطية التكنولوجية. يمكن شراء طائرات الهواة المسيرة، مثل DJI Phantom، بسعر لا يتجاوز 450 دولارًا أمريكيًا، وتعديلها بخبرة فنية بسيطة. كما يُمكّن توفر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد هذه الجماعات من إنتاج قطع غيار مخصصة، في حين يُسرّع نقل المعرفة من الشبكات الجهادية العالمية من اعتمادها للطائرات المسيرة.
مع تطور التكنولوجيا، انخفضت تكلفة الطائرات المسيرة بشكل كبير. فالطائرات المسيرة التي كانت تكلف مئات الملايين من الدولارات أصبحت الآن أرخص بكثير. على سبيل المثال، يمكن إنتاج طائرة هجومية إيرانية الصنع من طراز “شاهد” بتكلفة لا تتجاوز 20 ألف دولار، بينما قد تصل تكلفة إسقاطها إلى 500 ألف دولار. أما الطائرات المسيرة الأصغر حجمًا، فيمكن أن تصل تكلفتها إلى 450 دولارًا، ولديها القدرة على تدمير الدبابات.
وقد سمح هذا الانخفاض في التكاليف لشركات ودول مختلفة، بما في ذلك إيران وإسرائيل وجنوب إفريقيا وتركيا، بترسيخ مكانتها في سوق الطائرات المسيرة العالمية.
مع استمرار تقدم التكنولوجيا وتكيفها، من المتوقع أن تزداد انتشار الطائرات المسيرة في القارة. كما يمكن استخدام الهواتف الذكية، التي يستخدمها بعض المسلحين بالفعل لتفجير العبوات الناسفة، لتوجيه بعض الطائرات المسيرة. وتؤكد التقارير التي تفيد باستخدام جماعات غير حكومية لطائرات مسيرة صغيرة في شمال موزمبيق على التهديدات المحتملة التي تشكلها هذه التكنولوجيا. ونتيجة لهذا، أدت الطائرات بدون طيار إلى تسوية قواعد اللعبة، مما أعطى المتمردين ذوي الموارد المحدودة قدرات كانت في السابق مخصصة للجيوش ذات التمويل الجيد.
أمثلة واقعية على استخدام الطائرات المسيرة من قبل المتمردين والإرهابيين في أفريقيا
حركة الشباب في الصومال وكينيا
تُعدّ حركة الشباب، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، تعمل بشكل رئيسي في الصومال وأجزاء من كينيا، من أوائل المنظمات الإرهابية الأفريقية التي تبنت تقنية الطائرات المسيرة. وقد استخدمت الجماعة هذه الطائرات بشكل أساسي لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والدعاية، علمًا بأن قدراتها آخذة في الاتساع.
هجوم خليج ماندا (يناير 2020): استخدمت حركة الشباب طائرات مسيّرة لتنسيق هجوم على القاعدة العسكرية الأمريكية في خليج ماندا، كينيا. أسفر الهجوم عن مقتل جندي أمريكي ومتعاقدين اثنين، مما يُظهر قدرة الجماعة على استخدام الطائرات المسيرة لجمع معلومات استخباراتية آنية وتوجيه القوات البرية. وقد أكد مسؤولون أمريكيون “الاستخدام المكثف” من قِبل حركة الشباب للطائرات المسيرة في هذه العملية، وهي حقيقة أشار إليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاحقًا.
الاستيلاء على طائرة ScanEagle أمريكية بدون طيار (سبتمبر 2022): استعرضت حركة الشباب استحواذها على طائرة ScanEagle أمريكية الصنع بدون طيار، والتي يُحتمل أنها استولت عليها من القوات الصومالية أو قوات حليفة. وبينما قد تفتقر الجماعة إلى الخبرة اللازمة لإعادة توظيف هذه الطائرة بدون طيار ذات الطابع العسكري، إلا أن الحادثة أكدت عزمها على دمج التكنولوجيا المتقدمة في ترسانتها. وسلطت صور دعائية نشرتها الجماعة الضوء على هذا الاستيلاء باعتباره نصرًا رمزيًا.
اعتراض سيل دير (15 فبراير 2025): أسقطت قوات الجيش الوطني الصومالي طائرتي استطلاع بدون طيار تديرهما حركة الشباب في منطقة غلغادود، مما يشير إلى الاستخدام المستمر للطائرات بدون طيار للمراقبة. ويعكس هذا الحادث نمطًا من نشر الطائرات بدون طيار لمراقبة المواقع العسكرية والتخطيط للكمائن.
تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) في نيجيريا
تبنى تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، وهو فرع من جماعة بوكو حرام يعمل في حوض بحيرة تشاد، الطائرات بدون طيار كأداة للدعاية وتحقيق ميزة في ساحة المعركة. استفاد التنظيم من الخبرة التقنية لمقاتلي داعش الذين هاجروا إلى أفريقيا عقب انهيار الخلافة في سوريا.
فيديو دعائي (يناير 2022): نشر تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) فيديو يعرض معسكر تدريبه في شمال نيجيريا، وقد صُوّر باستخدام طائرة مسيرة رباعية المراوح. وقد شكّل هذا المنظور الشامل أداة دعائية لعرض القوة والتطور للمجندين والخصوم على حد سواء.
كمين غوبيو (يوليو 2022): في غوبيو، نيجيريا، نشر تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) طائرة مسيرة للمراقبة لمراقبة قافلة عسكرية نيجيرية قبل شن كمين. وقد مكّن استطلاع الطائرة المسيرة من تحديد الأهداف بدقة، مما أبرز فائدتها التكتيكية. تشير التقارير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا يجري أيضًا تجارب على تسليح الطائرات بدون طيار، واختبار أنظمة توصيل المتفجرات في حوض بحيرة تشاد، على الرغم من عدم وقوع أي هجمات مؤكدة حتى أوائل عام 2025.
المعدات التي تم الاستيلاء عليها: في سبتمبر 2020، ادعى تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا أنه استولى على طائرة بدون طيار من طراز DJI Phantom أثناء هجوم على القوات النيجيرية، مما يوضح كيف تحصل المجموعة على التكنولوجيا من غنائم ساحة المعركة.
جماعة نصر الإسلام والمسلمين (JNIM) في مالي وبوركينا فاسو
أظهرت جماعة نصر الإسلام والمسلمين، وهي تحالف متحالف مع تنظيم القاعدة وينشط في منطقة الساحل، تطورًا متزايدًا في استخدامها للطائرات المسيرة، حيث انتقلت من المراقبة السلبية إلى القدرات الهجومية.
هجوم كيدال (9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024): أفادت التقارير أن جماعة نصر الإسلام والمسلمين استولت على طائرة مسيّرة تابعة لمجموعة فاغنر أو خليفتها، فيلق أفريقيا، خلال هجوم في كيدال بمالي. وبينما لم تنشر الجماعة بعد طائرات مسيّرة على نطاق واسع لأغراض هجومية، فإن هذا الاستيلاء يوحي بنية دراسة هذه التكنولوجيا وتكرارها.
ضربات طائرات مسيّرة من طراز FPV في دجيبو (فبراير/شباط 2025): في بلدة دجيبو في بوركينا فاسو، استخدمت جماعة نصر الإسلام والمسلمين طائرات مسيّرة من طراز FPV لإسقاط عبوات ناسفة بدائية الصنع مصنوعة من زجاجات بلاستيكية على مواقع عسكرية. مثّل هذا تصعيدًا كبيرًا، إذ تسمح طائرات FPV المسيرة – صغيرة الحجم، سريعة الحركة، وكثيرًا ما تُستخدم في أوكرانيا – باستهداف دقيق. ويشير المحللون إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين اكتسبت هذه التقنية من خلال تعاونها مع متمردي أزواد، الذين ربما تعلموها من مناطق الصراع الأوكرانية.
هجوم تيساليت (14 أبريل/نيسان 2024): يُشتبه في أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين استخدمت طائرة مسيّرة مُجهّزة بأسلحة لقتل 10 أعضاء من ميليشيا دروزو في مالي. وأشار المحللون إلى أن الهجوم تضمن نظام إطلاق بدائي للمتفجرات، مما يشير إلى قدرة الجماعة الناشئة والمتطورة على تكييف الطائرات المسيّرة التجارية للقتال.
تنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق (IS-Mozambique/ASWJ)
استخدم فرع تنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق، المعروف محليًا باسم أهل السنة والجماعة (ASWJ)، طائرات مسيّرة لدعم تمرده في مقاطعة كابو ديلجادو.
هجمات موكيمبوا دي برايا (مايو 2020): استخدمت جماعة أهل السنة والجماعة (ASWJ) طائرات بدون طيار لتحديد الأهداف خلال هجومها على موكيمبوا دي برايا، مما مكّن من التنسيق الدقيق للقوات البرية. وقد أدت هذه العملية إلى زعزعة الأمن المحلي وتعزيز موطئ قدم الجماعة في المنطقة.
هجوم بالما (مارس 2021): استُخدمت طائرات بدون طيار مرة أخرى لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع خلال الهجوم على بالما، والذي أسفر عن مقتل العشرات ونزوح الآلاف. كما تشير تقارير غير مؤكدة من شركات أمنية خاصة إلى استخدام طائرات صغيرة بدون طيار قبالة الساحل، ربما لمراقبة التحركات البحرية.
إسقاط طائرات بدون طيار (2022-2023): قامت القوات الموزمبيقية بتحييد العديد من طائرات المراقبة بدون طيار التابعة لجماعة أهل السنة والجماعة، مع الإبلاغ عن حوادث في يوليو 2022 وفبراير 2023. وتُبرز هذه الأحداث اعتماد الجماعة على الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية، حتى في ظل مواجهتها لإجراءات مضادة.
قوات التحالف الديمقراطي (ADF) في جمهورية الكونغو الديمقراطية
بدأت قوات التحالف الديمقراطي، وهي جماعة موالية لتنظيم داعش وتعمل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بدمج الطائرات المسيرة في عملياتها، بدعم خارجي على الأرجح.
موقع الاستهداف (السنوات الأخيرة): استخدم المتمردون الطائرات المسيرة لتحديد أهداف الهجمات، وفقًا لمصادر أمنية إقليمية. في إحدى الحالات، اعتُقل رجل على صلة بميليشيا إسلامية شرق أوسطية أثناء مساعدته قوات التحالف الديمقراطي في تطوير الطائرات المسيرة، مما يشير إلى نقل المعرفة من الخارج.
جبهة تحرير أزواد (FLA): شوهد مقاتلون من جبهة تحرير أزواد يستخدمون تقنية طائرات مسيرة متطورة. يُظهر مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلًا يُشغل طائرة مسيرة عمودية الإقلاع والهبوط (VTOL)، مما يُمثل فصلًا جديدًا في حرب المنطقة. صرحت هيئة الأركان العامة للجيش أن الجيش اعترض طائرة مسيرة “إرهابية” بعد أن قالت جبهة تحرير أزواد إن مقاتلي الجماعة، التي يغلب عليها الطوارق، “أسقطوا مروحية تابعة للجيش المالي في تيساليت” شمال شرق البلاد.
قوات الدعم السريع:
أعلن الجيش السوداني مؤخرًا عبر منصاته الرسمية اعتراضه واستيلائه بنجاح على ثلاث طائرات مسيرة من طراز CH-95 وست طائرات مسيرة أصغر، جميعها مزودة بذخائر جو-أرض. ويؤكد الجيش السوداني اعتراضه عملية نقل بري لثلاث طائرات مسيرة صينية الصنع من طراز CH-95، وست طائرات مسيرة أصغر (على الأرجح CH-92) مزودة بذخائر جو-أرض متعددة، إلى قوات الدعم السريع من الإمارات العربية المتحدة.
دوافع ومحفزات استخدام الطائرات المسيرة
سهّلت عدة عوامل اعتماد المتمردين والإرهابيين الأفارقة للطائرات المسيرة:
سهولة الوصول: تتوفر الطائرات المسيرة التجارية على نطاق واسع وبأسعار معقولة، مع نماذج مثل DJI Phantom سهلة التعديل لأغراض خبيثة. كما أن طرق التهريب، المستخدمة بالفعل لنقل الأسلحة والهواتف المحمولة، تسهل الحصول عليها.
نقل المعرفة: تتشارك الشبكات الجهادية العالمية، مثل داعش والقاعدة، الخبرات التقنية مع فروعها الأفريقية. وقد جلب المقاتلون العائدون من العراق وسوريا مهارات متعلقة بالطائرات المسيرة إلى القارة.
الاستيلاء على الأسلحة في ساحات المعارك: استولت جماعات مثل داعش في غرب أفريقيا وحركة الشباب على طائرات مسيرة عسكرية من القوات الحكومية، معززةً بذلك عمليات الاستحواذ التجارية.
الابتكار: يتيح استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد والبرمجيات مفتوحة المصدر لهذه الجماعات تخصيص الطائرات المسيرة، بينما يُقدم التعاون مع مناطق نزاع أخرى (مثل أوكرانيا) تكتيكات متقدمة مثل ضربات الطائرات المسيرة FPV.
التداعيات على الأمن في أفريقيا
يُشكّل الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة من قِبَل المتمردين والإرهابيين تحدياتٍ كبيرةً للأمن الأفريقي:
ميزةٌ غير متكافئة: تُزوّد الطائرات المسيّرة هذه الجماعات بقوةٍ جويةٍ بدائية، تُمكّنها من ضرب أهدافٍ مُحصّنةٍ أو بعيدةٍ دون تعريض حياة المقاتلين للخطر. وهذا يُغيّر ميزان القوى، ويُعقّد الاستجابات العسكرية.
التأثير النفسي: يُفاقم عدم القدرة على التنبؤ بهجمات الطائرات بدون طيار الخوف بين المدنيين وقوات الأمن، مما يُعزز القيمة الدعائية حتى للعمليات الصغيرة.
تأخر الإجراءات المضادة: تفتقر العديد من الجيوش الأفريقية إلى تقنيات فعّالة لمكافحة الطائرات بدون طيار، مثل أجهزة التشويش أو أنظمة الليزر، مما يجعلها عُرضة لهذا التهديد المُتطور.
مخاطر التصعيد: مع قيام جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) بتجربة الطائرات بدون طيار المُسلحة، تزداد احتمالية شن هجمات أو ضربات تُوقع إصابات جماعية على البنية التحتية الحيوية (مثل منشآت الطاقة).
الخلاصة الرئيسية
لا يزال استخدام الجماعات المسلحة غير الحكومية للأنظمة الجوية غير المأهولة (UAS) في أفريقيا في مراحله الأولى، ولكنه يزداد تواترًا وانتشارًا. تستخدم هذه الجماعات هذه الأنظمة بشكل أساسي في مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، مثل تحديد الأهداف وتنسيق الهجمات. ومن الاستخدامات الشائعة الأخرى تسجيل اللقطات لأغراض التواصل والدعاية. على الرغم من عدم استخدام الطائرات المسيرة المُسلّحة في عمليات الهجوم حتى الآن، إلا أن هناك تقارير عن جماعات في كل من غرب وشرق أفريقيا تعمل على تطوير قدرات هجومية للطائرات المسيرة.
عادةً ما تستخدم الجماعات المسلحة غير الحكومية في أفريقيا الطائرات المسيرة بشكل متقطع وانتهازي. ولا يبدو أن أيًا من هذه الجماعات قد أنشأت برامج ممولة تمويلًا جيدًا لاستخدام هذه التكنولوجيا بشكل متسق ومتطور. ومع ذلك، فإن بعض الظروف التي دفعت إلى تطوير برامج الطائرات المسيرة في مناطق أخرى قد تُحاكيها جماعات في أفريقيا.
تُستخدم الطائرات المسيرة بشكل رئيسي من قبل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء القارة، وخاصة تلك التابعة لتنظيمات مثل الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، والتي لديها خبرة في استخدام هذه الأنظمة في أماكن أخرى. وتلعب هذه الانتماءات دورًا حاسمًا في نقل المعرفة والخبرة فيما يتعلق باقتناء ونشر الطائرات المسيرة بين الجماعات المسلحة غير الحكومية في أفريقيا. ومن المرجح أن تُسهّل الطبيعة المتغيرة لهذه الجماعات وحركة المقاتلين عبر الحدود انتشار هذه التكنولوجيا.
وقعت معظم الحوادث المبلغ عنها لاستخدام الجماعات المسلحة غير الحكومية للطائرات بدون طيار في أفريقيا في مناطق النزاع، وخاصة في المناطق الحدودية بغرب أفريقيا، مثل منطقة ليبتاكو-غورما وحوض بحيرة تشاد. وتشمل البؤر الساخنة الأخرى للحوادث المتعلقة بالطائرات بدون طيار الصومال وموزمبيق في شرق أفريقيا، بالإضافة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية في وسط أفريقيا.
المعلومات المتاحة للجمهور حول أنواع الطائرات بدون طيار التي تستخدمها الجماعات المسلحة غير الحكومية في أفريقيا محدودة، لكن الأدلة تشير إلى شيوع استخدام النماذج المتاحة تجاريًا، وخاصة الطائرات الرباعية المروحيات. وقد تم الحصول على رؤى حول كيفية حصول هذه الجماعات على الطائرات بدون طيار وتشغيلها بشكل أساسي من خلال مقابلات مع مقاتلين سابقين ومختطفين من هذه الجماعات.
مع تزايد سهولة الوصول إلى الطائرات بدون طيار، سواءً المسلحة أو غير المسلحة، وتطورها، ومع تزايد نشرها من قبل مختلف الجهات الفاعلة في جميع أنحاء أفريقيا، قد تصبح المخاطر التي يشكلها استخدام الجماعات المسلحة غير الحكومية للطائرات بدون طيار على الأمن الوطني والإقليمي أكثر وضوحًا. لذلك، يجب مراقبة هذا التهديد عن كثب.
الخلاصة
يُشكّل استخدام المتمردين والإرهابيين للطائرات المسيّرة في أفريقيا فصلاً جديداً في المشهد الأمني للقارة. فمن رحلات المراقبة الجوية التي تُنفّذها حركة الشباب في الصومال إلى ضربات الطائرات المسيّرة المُنظّمة من منظور الشخص الأول التي تُنفّذها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في بوركينا فاسو، تُوظّف هذه الجماعات التكنولوجيا لتعزيز قدراتها العملياتية.
في حين أن تركيزها الحالي لا يزال منصبّاً على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والدعاية، فإنّ التجارب على الطائرات المسيّرة المُجهّزة بالأسلحة تُنذر بمسارٍ خطير. تُؤكّد الأمثلة الواقعية في الصومال ونيجيريا ومالي وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية على الحاجة المُلِحّة إلى مُعالجة هذا التهديد.
يجب على الحكومات الأفريقية وشركائها الدوليين إعطاء الأولوية لأنظمة الإنذار المُبكر، وتنظيم أسواق الطائرات المسيّرة، والاستثمار في تقنيات مُكافحة هذه الطائرات. فبدون تدابير استباقية، تُواجه القارة خطر مُستقبل تُصبح فيه الطائرات المسيّرة عنصراً أساسياً في ترسانات المتمردين، مما يُفاقم زعزعة استقرار المناطق الهشة أصلاً. ومع استمرار تطوّر التكنولوجيا، يجب أن تتطوّر معها استراتيجيات احتواء إساءة استخدامها من قِبَل مُمارسي العنف.
يُمثل الاستخدام المتزايد للطائرات المُسيّرة من قِبل جهات غير حكومية في شمال مالي، سواءً لأغراض المراقبة أو القتال المباشر، تحديًا متزايدًا للجيوش الإقليمية. ولا يُفاقم هذا التطور سباق التسلح التكنولوجي فحسب، بل يُبرز أيضًا الحاجة المُلحة إلى استراتيجيات شاملة لمواجهة أنظمة الطائرات المُسيّرة. وتُضطر الدول الأفريقية، وخاصةً تلك الواقعة في مناطق النزاع، إلى تعزيز دفاعاتها ضد هذه التهديدات الجوية.
ترجمة: أفروبوليسي
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات