مع اقتراب البلاد من الانتخابات الرئاسية فإن المشهد السياسي في تنزانيا أصبح متقلبا بشكل متزايد المقبلة في عام 2025، وخاصة مع حزب المعارضة الرئيسي، تشاديما، وزعمائه. فقد حركت حادثة اختطاف أحد زعماء المعارضة وقتله إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات في تنزانيا بسبب مخاوف تتعلق بالعودة القمع السياسي في عهد الرئيس السابق ماجوفولي، بالرغم من الرئيسية الحالية سامية صولوحو حسن بادرت إلى القيام بإصلاحات السياسية ومع ذلك يستمر القمع الذي يتجلى في اعتقال زعماء تشاديما ومقتل علي محمد كيباو. ولا يعتبر ملف الحقوق والحريات هو التحدي الوحيد أمام الحكومة الحالية إلا أن هناك قضايا أخرى اجتماعية وبيئية واقتصادية متفجرة في البلاد وخاصة قضية تهجير شعب الماساي الذي يهدد وحدة البلاد.
وكل هذه العوامل تمهد للاستحقاق الانتخابي القادم في 2025 الذي سيحدد الملامح السياسية والاجتماعية المقبلة لتنزانيا في ظل كل هذه التحديات والتعقيدات الحالية، إما العودة إلى مربع القمع و الاستبداد أو المضي قدما في عملية التحرر والإصلاح.
القمع السياسي والتراجع الديمقراطي
في 23 سبتمبر 2024، منعت الشرطة التنزانية بالقوة احتجاجا مخططا للمعارضة ضد اختفاء النشطاء السياسيين، مما أدى إلى اعتقال اثنين من كبار زعماء تشاديما، فريمان مبوي وتوندو ليسو. وقد اندلعت الاحتجاجات بسبب القتل الوحشي لعلي محمد كيباو، أحد أعضاء تشاديما الذي اختطف وقتل في وقت سابق من سبتمبر. وعلى الرغم من إطلاق سراح زعماء الحزب بكفالة في وقت لاحق من نفس اليوم، إلا أن اعتقال العشرات من المحتجين ورد الشرطة القاسي أثار مخاوف بشأن عودة القمع السياسي.
إذ تذكر هذه الحملة القمعية التدابير القمعية التي اتخذت في عهد الرئيس الراحل جون ماجوفولي. ولكن بعد تولي الرئيسة سامية صلوحو حسن السلطة في عام 2021، كانت هناك في البداية آمال في الإصلاحات السياسية والحد من الاستبداد. ولكن من المؤسف أن حزب تشاديما وجماعات حقوق الإنسان تتهم الحكومة الآن بالعودة إلى التكتيكات القمعية، مما يثير المخاوف من العودة إلى نظام الحزب الواحد، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات العام المقبل 2025.
هل تشير هذه الحادثة إلى عودة هيمنة الحزب الواحد؟
لقد أثار اغتيال زعيم المعارضة التنزانية علي محمد كيباو مخاوف حقيقية تتعلق بمسار المشهد السياسي في تنزانيا. ففي ظل قيادة الرئيسة سامية صلوحو حسن، بدا أن البلاد تتخذ خطوات نحو التحرر السياسي، مع الحد من القمع الحكومي والمجهودات الرامية إلى فتح الحوار مع المعارضة. ومع ذلك، فإن هذه الجريمة البارزة تثير مخاوف تتعلق بهشاشة هذه الإصلاحات. كما تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوات الإيجابية مستدامة أم أن هناك قوى متبقية داخل الحزب الحاكم أم أن جهاز الأمن يعمل على تقويض وإعاقة التقدم الديمقراطي.
إن تنزانيا، التي شهدت هيمنة الحزب الواحد لفترة طويلة تحت قيادة تشاما تشا مابيندوزي (CCM)، تظل عرضة لعودة الممارسات الاستبدادية. وسوف تعمل الانتخابات المقبلة كلحظة محورية في تحديد ما إذا كانت هذه الحادثة تشير إلى العودة لأنماط القديمة أو تظل حدثا معزولا. إن تنزانيا تقف عند مفترق طرق بين تعميق القيم الديمقراطية أو العودة إلى مشهد سياسي أكثر قمع واستبداد.
التحديات البيئية والاقتصادية: الاضطرابات الاجتماعية في تنزانيا
بعيدا عن المخاوف السياسية، تعاني تنزانيا من اضطرابات اجتماعية متزايدة مرتبطة بقضايا بيئية واقتصادية. وقد اشتدت مقاومة مجتمع الماساي للنزوح القسري الذي تقوده الحكومة، وخاصة مع تعارض مصالح الحفاظ على البيئة والسياحة مع حقوق الأراضي الأصلية. وقد أشعل إعطاء الحكومة الأولوية لهذه الصناعات احتجاجات واسعة، حيث يسعى الماساي إلى حماية أراضيهم وثقافتهم الخاصة.
وبالتوازي مع ذلك، أشعلت معارضة مشروع خط أنابيب النفط EACOP الاحتجاجات، حيث أعرب العديد من التنزانيين عن مخاوفهم بشأن التدهور البيئي والتعويضات غير الكافية. وتعكس هاتان الحركتان، المتجذرتان في العدالة الاقتصادية والبيئية، استياء أوسع نطاقا ستحتاج الحكومة التنزانية إلى معالجته لمنع المزيد من زعزعة الاستقرار.
انتخابات تنزانيا 2025: اختبار محوري للديمقراطية والوحدة الوطنية:
تمثل انتخابات 2025 المقبلة في تنزانيا لحظة حاسمة لمستقبل البلاد، حيث يلتقي القمع السياسي والاضطرابات الاجتماعية والقضايا البيئية ضمن مشهد سياسي معقد. وبالرغم من اظهار حكومة الرئيسة سامية صلوحو حسن في البداية علامات الانفتاح الديمقراطي والاصلاح، فإن اغتيال المعارض علي محمد كيباو مؤخرا يثير الشكوك حول استدامة هذه الإصلاحات. وقد يشير هذا الحدث إلى عودة محتملة إلى هيمنة الحزب الواحد، وخاصة في ظل حكم حزب تشاما تشا مابيندوزي (CCM)، الذي حافظ على الهيمنة السياسية لعقود من الزمان في تنزانيا. وستكشف الانتخابات ما إذا كانت هذه الاتجاهات الاستبدادية ستعود إلى الظهور أو ما إذا كانت تنزانيا قادرة على مواصلة مسارها نحو المزيد من التحرر والاصلاح السياسي.
ستعكس نتيجة الانتخابات أيضا مدى نجاعة الحكومة في معالجة الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن القضايا البيئية والاقتصادية. فاحتجاجات مجتمع الماساي ضد النزوح القسري والمعارضة الأوسع لخط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا (EACOP) توضح المخاوف العميقة بشأن كيفية إعطاء الحكومة الأولوية للتنمية الاقتصادية على حقوق السكان الأصليين وحماية البيئة. وإذا ظلت هذه المظالم دون معالجة، فقد تؤدي إلى تأجيج المزيد من الاضطرابات، مما يؤثر على استقرار الانتخابات ويؤدي إلى تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بالحكم الشامل.
الخلاصة
ستكون انتخابات عام 2025 بمثابة استفتاء على قدرة CCM على التعامل مع هذه التحديات مع الحفاظ على ثقة الشعب التنزاني. وإذا زاد القمع السياسي أو تفاقم السخط الاجتماعي، فقد تؤدي الانتخابات إلى تعميق الانقسامات وتآكل العمليات الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك، فإن الانتخابات العادلة والمفتوحة يمكن أن تعزز التقدم المحرز في عهد الرئيسة سامية وتقدم مسارا للمضي قدما لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية الملحة في تنزانيا. في نهاية المطاف، ستحدد الانتخابات ما إذا كان مستقبل تنزانيا هو مستقبل ترسيخ الديمقراطية أو العودة إلى ماضيها الأكثر استبدادا.
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات