ندوات

تقرير حلقة نقاش “العلاقات القطرية الرواندية”

شراكة استراتيجية في سياق التحولات الجيوسياسية وآفاق التعاون الاقتصادي والتجاري".

أقيمت حلقة نقاش حول العلاقات القطرية الرواندية، والتي نظمها المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية  جسر التابع جامعة حمد بن خليفة بالشراكة بالتعاون مع المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات أفروبولسي، بتاريخ 24 أبريل 2025 عبر تقنية Google Meet (جوجل ميت) والتي دامت قرابة ساعتين ونصف. وقد جمع هذا الحدث خبراء وباحثين وأكاديميين لمناقشة موضوع العلاقات القطرية الرواندية: شراكة استراتيجية في سياق التحولات الجيوسياسية وآفاق التعاون الاقتصادي والتجاري. ودارت المناقشات حول الأبعاد الجيوسياسية والاقليمية والدولية وآفاق التعاون وتحدياته بين البلدين.

افتتحت الورشة بكلمة ترحيبية ألقاها سعادة السفير الدكتور محمد علي الشيحي، المدير التنفيذي للمعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية (جسر)، رحب فيها بالمشاركين وأبرز أهمية مناقشة موضوع “العلاقات القطرية الرواندية: شراكة استراتيجية في سياق التحولات الجيوسياسية وآفاق التعاون الاقتصادي والتجاري”. وأكد في كلمته على دور الحوار العلمي في استكشاف فرص التعاون ودعم الشراكات الاستراتيجية بما يعزز حضور قطر ورواندا في البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة.
تناول المحور الأول للورشة تاريخ العلاقات الرواندية – القطرية حيث تطرق الدكتور محمد صالح المدير التنفيذي لمؤسسة أفروبولسي في مداخلته إلى مسار العلاقات القطرية الرواندية، مشيرا إلى أن هذه العلاقات تمثل نموذجًا ناجحًا لبناء شراكات سياسية واقتصادية في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية بعد سنة 2000. وأوضح أن العالم شهد منذ بداية الألفية الثالثة تغيرات كبيرة أفرزت واقعا جديدا دفع العديد من الدول، بما فيها قطر ورواندا، إلى البحث عن تحالفات متنوعة خارج الأطر التقليدية.

وأشار الدكتور صالح إلى أن العلاقات بين الدوحة وكيغالي بدأت في سياق خاص، حيث كانت رواندا تسعى للخروج من تداعيات الإبادة الجماعية التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي، بينما كانت قطر تبحث عن توسيع حضورها في القارة الإفريقية. وقد تميزت هذه المرحلة بتقاطع مصالح الدولتين، مما أسس لنشأة علاقات ثنائية قوية قائمة على التعاون المتبادل.

وأوضح أن قطر اعتمدت مقاربة ترتكز على استغلال الفرص المتاحة في رواندا، عبر الاستثمار في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والسياحة والخدمات والأعمال الخيرية، حيث شهدت العلاقات تطورًا ملحوظًا تمثل في توقيع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية. ومن أبرز هذه الاتفاقيات، اتفاقيات الاستثمار المشترك، وتطوير قطاع الطيران، فضلًا عن التعاون في مجالات التعليم والصحة.

وأكد الدكتور محمد صالح أن الدبلوماسية القطرية عملت بمرونة وديناميكية، مستخدمة أدوات القوة الناعمة كشبكة الجزيرة الإعلامية والدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز مكانتها في إفريقيا. وكانت رواندا من أوائل الدول الإفريقية التي احتضنت هذه الرؤية القطرية، حيث استضافت قطر عددا من الفعاليات الاقتصادية المشتركة، وعززت التبادل الدبلوماسي عبر افتتاح السفارات وتبادل الزيارات الرسمية رفيعة المستوى بين البلدين.

كما لفت الدكتور محمد صالح إلى أن التعاون بين قطر ورواندا لم يقتصر على المجال الاقتصادي، بل شمل أيضا دعم مشاريع تنموية ومساهمات إنسانية، مما عمق من روابط الصداقة بين الشعبين. وشدد في ختام مداخلته على أن العلاقات القطرية الرواندية تمثل اليوم نموذجا يحتذى به في إدارة التحالفات الدولية الجديدة، من خلال الجمع بين الأبعاد الاقتصادية والإنسانية والسياسية بطريقة متوازنة ومستدامة.

تناول المحور الثاني من الورشة العلاقات الدبلوماسية والتعاون في المجال الجيوسياسي حيث تطرق خلالها البروفيسور حسن حامد بروفيسور في العلوم السياسية والسياسة العامة بجامعة الخرطوم مداخلة تناول فيها الرؤية القطرية للتعاون الدولي والتحولات الجيوسياسية، مسلطا الضوء على كيفية تكيّف قطر مع المتغيرات العالمية. وأوضح أن الدوحة تبنت نموذجًا يقوم على الجمع بين النهضة الاقتصادية والتحديث السياسي، مستفيدة من مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث شهدت توجهات جديدة في السياسة الدولية سمحت لدول صاعدة بتعزيز أدوارها.

وأكد المتحدث أن قطر أدركت مبكرا أهمية الديناميات العالمية الجديدة، فعملت على بناء نموذج اقتصادي ناجح يمكّنها من تجاوز اعتمادها على قطاع الطاقة وحده، من خلال تطوير قطاعات حيوية وتنويع مصادر الدخل. وأشار إلى أن هذه السياسة رافقتها دبلوماسية نشطة ومتوازنة، مكنت قطر من لعب أدوار إقليمية ودولية مهمة، رغم صغر حجمها الجغرافي والديمغرافي.

كما بيّن الدكتور حسن حامد أن قطر نجحت في فرض حضورها الاقتصادي عالميا، إذ وصلت نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى حوالي 7.1%، مع ارتفاع نسبة الشباب ضمن قوى العمل الفاعلة، وهو ما عزز من موقعها التنافسي. ولفت إلى أن استراتيجية الدوحة في السياسة الخارجية قامت على تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الاقتصادية وأهدافها الدبلوماسية، مستفيدة من إمكانياتها المالية وعلاقاتها المتشابكة مع مختلف الأطراف الدولية.

وفي استعراضه لبعض الأمثلة العملية، تحدث الدكتور حامد عن تطور العلاقات الاقتصادية والسياسية لدولة قطر عبر سلسلة اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم متعددة المجالات، مثل تطوير مطار حمد الدولي، وزيارات الوفود الرسمية رفيعة المستوى، فضلا عن دور قطر المحوري في إطلاق مبادرات دبلوماسية نوعية لحل النزاعات، أبرزها مشاركتها في تسويات سياسية كبرى.

كما أشار إلى أن قطر اتبعت سياسة خارجية مرنة، قائمة على ترسيخ علاقات متطورة مع قوى متعددة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، والمساهمة في جهود إعادة بناء السلام، بالإضافة إلى الاستثمار في السياحة الرياضية واستقطاب الفعاليات العالمية الكبرى، ما عزز مكانتها ضمن النظام الدولي الجديد.

وختم الدكتور حسن حامد مداخلته بالتأكيد على أن نجاح قطر في بناء هذه العلاقات يعود إلى قدرتها على قراءة التحولات الدولية بعين استراتيجية، وعلى توظيف إمكانياتها ضمن رؤية مدروسة ترتكز على الشراكة المستدامة والانفتاح المتوازن.
أما المحور الثالث آفاق التعاون بين قطر ورواندا في المجال الاقتصادي والتجاري تحدث  فيه الدكتور ياسر عبيد عن مستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دولة قطر ورواندا، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات تشهد تطورًا لافتًا في ظل رغبة مشتركة لتعزيز التبادلات والاستثمارات المتبادلة. وأوضح أن رواندا تحتل موقعًا مهمًا في منطقة البحيرات الكبرى، وتشكل نقطة ارتكاز استراتيجية هامة في منظمة شرق إفريقيا، مما يجعلها مؤهلة لتكون مركزًا اقتصاديًا مهمًا يخدم مناطق أوسع في القارة الإفريقية.

وأشار الدكتور إلى أن هناك إرادة سياسية قوية بين الدوحة وكيغالي لدفع العلاقات الاقتصادية نحو آفاق أرحب، حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات تعاون في مجالات متنوعة، من أبرزها الزراعة والطاقة والتعدين والخدمات اللوجستية. كما أكد أن قطر ترى في رواندا شريكًا اقتصاديًا واعدًا، بفضل استقرارها السياسي النسبي وبيئتها الاستثمارية الجاذبة، ما يجعل منها بوابة هامة لدخول الأسواق الإفريقية.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور ياسر عبيد أن مجالات الاستثمار الواعدة بين قطر ورواندا تشمل قطاع التعدين، والزراعة، والطاقة المتجددة، والتصنيع الغذائي، وتطوير البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى إنشاء مراكز تجارية مشتركة لتسهيل عمليات التصدير والاستيراد. كما شدد بشكل خاص على أهمية الاستثمار في قطاعي الشاي والبن، حيث تمتلك رواندا إمكانات زراعية كبيرة تؤهلها لتكون مركزًا رائدًا في إنتاج وتصدير هذين المنتجين على المستوى الإقليمي والعالمي.

وبيّن المتحدث أن رواندا بحاجة ماسة إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية الدولية لدعم خططها التنموية الطموحة، مشيرًا إلى أن قطر أدركت هذه الحاجة مبكرًا وعملت على تطوير مسارات التعاون عبر ضخ استثمارات في قطاعات حيوية، خاصة في مجال البنية التحتية والمواصلات والطاقة. وشدد على أن الاقتصاد الرواندي يعتمد في جزء كبير منه على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مما يجعل من الشراكة مع قطر فرصة لتعزيز النمو وتسريع تحقيق الأهداف الاقتصادية.

وأوضح أن الآفاق المستقبلية للعلاقات القطرية الرواندية تشمل مجالات جديدة أيضا مثل التصنيع الغذائي، وتوسيع الصناعات التحويلية، وإنشاء مناطق صناعية متخصصة، مما يعزز من قدرات رواندا الاقتصادية ويساهم في تعزيز التعاون الثنائي. وأشار إلى أن هناك توجها لإنشاء مراكز تجارية مشتركة تسهّل عمليات التصدير والاستيراد بين الجانبين، وتدعم التجارة البينية، إضافة إلى إقامة شراكات بحثية بين الجامعات القطرية والرواندية في مجالات الابتكار والبحث العلمي.

وختم الدكتور ياسر عبيد مداخلته بالتأكيد على أن الفرص الاقتصادية بين قطر ورواندا لا تزال واسعة، وأن نجاحها يعتمد على استغلال عوامل التقارب السياسي والاستثماري بين البلدين بشكل ممنهج ومستدام، مع التركيز على تطوير استثمارات نوعية تخدم مصالح الطرفين وتفتح آفاقا جديدة للشراكة الاستراتيجية.

وتناول المحور الرابع للحلقة دواعي ومآلات التقارب القطري الرواندي حيث استعرض الدكتور بهاء الدين مكاوي محمد قيلي أستاذ مشارك بقسم الشؤون الدولية بجامعة قطر دوافع ومآلات التقارب المتنامي بين قطر ورواندا، مستعرضا الخلفيات الدولية والإقليمية التي ساهمت في بلورة هذا التوجه. وأوضح أن رواندا، ومنذ انتهاء الإبادة الجماعية، عملت على بناء نموذج سياسي واقتصادي فريد، قائم على تدرج متوازن في إعادة بناء مؤسسات الدولة، والسعي الحثيث إلى التحرر من آثار الحروب والنزاعات الداخلية عبر بوابة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.

وأشار إلى أن خيار رواندا بالانفتاح لم يكن خيارا عبثيا، بل جاء نتيجة لقراءة عميقة للواقع الإقليمي والدولي، حيث اتجهت إلى تنويع علاقاتها الدولية، وإقامة شراكات مع قوى جديدة، بما في ذلك القوى الخليجية. وبرزت قطر شريكًا مهمًا ضمن هذه الرؤية، حيث استفادت من رغبة رواندا في تجاوز الاعتماد الأحادي على شركائها التقليديين مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وبيّن الدكتور بهاء الدين أن قطر، من خلال استخدام أدوات القوة الناعمة، سعت إلى توسيع حضورها في القارة الإفريقية عبر مبادرات استثمارية وإنسانية متنوعة. ففي رواندا تحديدًا، ركزت قطر على إنشاء مشاريع اقتصادية كبرى، شملت قطاعات الطيران، والطاقة، والبنية التحتية، بالإضافة إلى دعم خطط رواندا في مجالات الابتكار والتنمية المستدامة.

وفي هذا السياق، لفت المتحدث إلى أن رواندا أدركت أهمية استثمار موقعها الجغرافي كممر لوجستي حيوي بين شرق ووسط إفريقيا، ما جعلها تقدم تسهيلات استثمارية جاذبة لدول مثل قطر. كما أن رواندا استفادت من التجربة القطرية في بناء نموذج خاص بها قائم على الجمع بين التنمية الاقتصادية والسياسة الخارجية النشطة، مستفيدة في الوقت ذاته من خبرة الدوحة في مجالات دبلوماسية الوساطة وحل النزاعات.

وقد أشار الدكتور إلى مقترحات ومبادرات نوعية تحتاجها شراكة البلدين مثل تأسيس شراكات في مجال الطائرات بدون طيار، والتعدين، بالإضافة إلى التفكير في تأسيس مركز تجاري قطري رواندي مشترك، ليكون بوابة لدخول المنتجات القطرية إلى أسواق إفريقيا الشرقية. كما تم اقتراح إقامة مراكز أبحاث ودراسات إفريقية بالشراكة مع الجانب القطري، لدعم عمليات السلام والحوارات السياسية في المنطقة.

وأوضح المتحدث أن رواندا تسعى كذلك إلى تطوير قدراتها في مجالات التدريب والحوار السياسي، مستفيدة من الخبرات القطرية في هذا المجال، خاصة في إطار بناء استراتيجيات التسوية السلمية ودعم جهود الوساطة لحل النزاعات الإفريقية.

وختم الدكتور بهاء الدين مداخلته بالتأكيد على أن التقارب القطري الرواندي يعكس فهمًا متبادلاً للمصالح الاستراتيجية لكلا الطرفين، ويعزز مفهوم “القوة الذكية” (Smart Power) التي تعتمدها قطر، حيث تجمع بين الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية والتنموية في علاقاتها مع الدول الإفريقية.

أما المحور الخامس التأثيرات الجيوسياسية والإقليمية والدولية على ديناميكيات العلاقات القطرية الرواندية والذي استعرض فيه  البروفيسور مصطفى عثمان إسماعيل الأمين أستاذ في الإسلام والشؤون الدولية بجامعة حمد بن خليفة  في مداخلته أثر التحولات الجيوسياسية والإقليمية والدولية على مسار العلاقات بين قطر ورواندا، موضحا أن هذه التحولات أفرزت أنماطا جديدة في بناء السياسات الخارجية للعديد من الدول، وجعلت من الضروري إعادة صياغة مفاهيم الأمن القومي والدبلوماسية الاقتصادية.

وأكد البروفيسور أن رواندا أصبحت، في السنوات الأخيرة، نموذجًا لدولة صاعدة تسعى لتكريس سياسة خارجية نشطة ومؤثرة، مستندة إلى تحولات إقليمية ودولية عميقة، ومتبنية مقاربة تجمع بين التنمية الاقتصادية الداخلية والانفتاح السياسي المدروس. وأشار إلى أن القيادة الرواندية استطاعت أن تستخدم تحولات النظام الدولي لإعادة بناء صورة بلادها، بالاستفادة من التجربة القطرية في مجالات الوساطة وصناعة السلام، وتوظيف الإعلام كأداة رئيسية في التأثير على الساحة الدولية.

وفي هذا الإطار، أوضح المتحدث أن قطر نجحت في ترسيخ مشروع إعلامي عالمي (مشروع الجزيرة) دعم بقوة سياساتها الخارجية القائمة على دبلوماسية الوساطة، مما أكسبها مصداقية دولية واسعة. كما أن رواندا تأثرت بهذا النموذج، وسعت إلى تطوير حضورها الإقليمي والدولي، عبر استخدام وسائل الإعلام والدبلوماسية العامة لخدمة أهدافها الاستراتيجية.

وتناول البروفيسور مصطفى أيضًا طبيعة التحولات التي مست رواندا داخليا، مشيرا إلى أن البلاد عرفت طفرة في التحول الاجتماعي، ابتعدت فيها عن الأنماط التقليدية للنزاعات والانقسامات العرقية، وتبنت نموذجا إصلاحيا يركز على التنمية والاندماج الاجتماعي. وقد استفادت رواندا من الخبرة القطرية في هذا السياق، خصوصا في مجال بناء القدرات الدبلوماسية وتعزيز ممارسات التسوية السلمية.

وانتقل المتحدث إلى تحليل العوامل الخارجية، مشيرًا إلى أن رواندا استفادت من عضويتها في الاتحاد الإفريقي، ومن شراكاتها المتعددة مع دول مثل فرنسا، ألمانيا، والولايات المتحدة. إلا أن هذا الانفتاح لم يكن بمعزل عن سعي رواندا لبناء تحالفات استراتيجية مع دول الخليج، وفي مقدمتها قطر، التي ترى في رواندا شريكًا محتملًا في تعزيز حضورها الإفريقي.

وأوضح أن من دوافع التعاون القوي بين قطر ورواندا، حرص الدوحة على الاستفادة من الممرات اللوجستية الرواندية للوصول إلى أسواق إفريقيا، بالإضافة إلى تطابق الرؤى حول أهمية دعم نظام دولي متعدد الأقطاب يعزز من فرص التعاون جنوب-جنوب، ويقلل من الاعتماد الأحادي على القوى الكبرى.

وفي هذا السياق، تطرقت المداخلة إلى استغلال قطر ورواندا لتحولات النظام الدولي لصالح بناء شراكات مرنة، مع الاستفادة من شبكة التحالفات الجديدة مثل الاتحاد الإفريقي، والشراكات مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية. كما تحدث البروفيسور عن النماذج الجديدة للتحالفات الناشئة التي تركز على إدخال الأطراف الضعيفة إلى النظام العالمي بدلًا من تهميشها، وهي رؤية تجد صدى واسعًا في السياسة الخارجية لكل من قطر ورواندا.

وختم البروفيسور مصطفى مداخلته بالإشارة إلى أن العلاقات القطرية الرواندية تمثل نموذجا متقدما لفهم التحولات الجيوسياسية الجديدة، حيث نجحت الدولتان في المزج بين مفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية، القوة الناعمة، والانفتاح على الجنوب العالمي، مما يجعل من علاقتهما شراكة استراتيجية مرشحة لمزيد من التطور كخيار عملي وواقعي.
أما المحور الأخير التحديات والمقترحات والذي اختتمت به الورشة  بمناقشة أبرز التحديات والفرص المرتبطة بتطور العلاقات القطرية الرواندية، في ضوء المداخلات التي طرحتها الشخصيات المشاركة والحضور. وقد برزت عدة تحديات رئيسية، أبرزها الحاجة إلى ترسيخ آليات دائمة لدعم التعاون المؤسسي بين البلدين، وتعزيز الاستفادة القطرية من النموذج الرواندي في مجالي الانتقال الديمقراطي والتغلب على النزاعات الداخلية.

وفي هذا الإطار، أكدت النقاشات على أهمية إنشاء مراكز بحثية قطرية متخصصة تعنى بدراسة قضايا القارة الإفريقية، بما يعزز من فهم قطر للتحولات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا ويؤطر لسياسة خارجية أكثر فاعلية. كما شددت التوصيات على ضرورة تأسيس مراكز بحثية مشتركة بين قطر ورواندا، تُعنى بتعزيز أطر التعاون في مجالات الوساطة الدبلوماسية، حل النزاعات، ودعم عمليات السلام، مستفيدة من التجربة الرواندية الناجحة في تجاوز الحرب الأهلية وتحقيق التنمية المستدامة.

ومن بين المقترحات المطروحة كذلك، تعزيز التكوين والتدريب في مجال الوساطة الدبلوماسية، وتشجيع تبادل الخبرات بين المؤسسات القطرية والرواندية، بما يسمح ببناء شراكة استراتيجية قائمة على المعرفة والتجربة العملية. كما تم التأكيد على ضرورة الانفتاح المنظم على التجارب الإفريقية الرائدة، وتطوير أدوات القوة الذكية القطرية بما يخدم أهداف السياسة الخارجية للدولة في المرحلة المقبلة.

في الختام، أكدت المداخلات مجتمعة أن بناء تحالف قطري رواندي متين يحتاج إلى استثمار استراتيجي في مجالات البحث العلمي والدبلوماسية الوقائية، مع تركيز خاص على قضايا التنمية الشاملة والحكم الرشيد، لضمان استدامة هذا التقارب الحيوي.

ندوات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى