لقد أثر توسع الدولة الإسلامية في الصومال، وخاصة في منطقة بونتلاند، بشكل كبير على الأمن في منطقة القرن الأفريقي. وكانت العمليات الأخيرة التي نفذها التنظيم، مثل الهجوم على قاعدة دارغالي العسكرية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، حاسمة في فهم نفوذها المتزايد في المنطقة وتأكيد على قوة التنظيم وجاءت ضمن بروباغندا التنظيم السنوية في اختيارها لأحد أفرعها لقيام بعملية كل رأس سنة جديدة كإعلان عن قوة تنظيم ككل وعن اهمية الفرع المنفذ في استراتيجية التنظيم للعام الجديد.
ويمثل هذا التطور في تكتيكات فرع الصومال، إلى بداية عملية عسكرية ضخمة شاركت فيها القوات الأمريكية بضربات جوية مع العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الصومالي، تحولا محوريا في تدابير الأمن الإقليمي.
وبناء عليه، سيتناول هذا التقرير هذه الأحداث، إلى جانب دور المقاتلين الأجانب والاستراتيجيات المتطورة لتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، بما في ذلك عملياته في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025 ضمن العملية العسكرية الضخمة للقوات العسكرية الصومالية والقوات الجوية الأمريكية بهدف القضاء عليه.
تأسيس تنظيم الدولة في الصومال
يعتبر فرع تنظيم الدولة الإسلامية في بونتلاند بالصومال أحد أكثر أذرع التنظيم نشاطا وأهمية استراتيجية على مستوى العالم. وقد اكتسب هذا الفرع، بقيادة عبد القادر مؤمن، وهو مواطن صومالي بريطاني، قوة مطردة منذ انشقاق مؤمن عن حركة الشباب في عام 2015.
في البداية، انضم مؤمن إلى حركة الشباب في عام 2010 لكنه أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016، وأسس فصيلا منشقا في منطقة بونتلاند. وقد شكلت هذه الخطوة لحظة مهمة، حيث تمكن مؤمن من فصل فصيله عن حركة الشباب، وهو إنجاز فشل فيه العديدون سابقا في المناطق الشمالية الشرقية من الصومال.
وكان تجنيد المقاتلين الأجانب عنصرا رئيسا في توسع عمليات الجماعة وتكتيكتها. حيث يوفر هؤلاء المقاتلون، غالبا من دول مثل اليمن والمملكة العربية السعودية والمغرب وإثيوبيا وتونس، للجماعة الخبرة والموارد المالية، مما يعزز قدرتها على العمل في الصومال. ([1])
ووظف تنظيم الدولة في بوتلاند المقاتلين الاجانب كثيرا لخدمة بروبغندا الإعلامية لتنظيم وحتى في عملياته العسكرية، حيث يعرف عن المكون الأجنبي قيامه بالعمليات الانتحارية والانغماسية، لابراز قوته محليا وحتى إقليميا عبر استقطاب المكون الأجنبي للقتال في صفوفه أصبحت المنطقة الصومالية مسرحا حاسما في الصراع الأوسع بين داعش وحركة الشباب، حيث تتنافس كلتا المجموعتين على السيطرة على الأراضي والنفوذ.
التنافس بين تنظيم الدولة وحركة الشباب
لقد أدى وجود كل من تنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب في الصومال إلى خلق ديناميكية معقدة من المنافسة والتنافس. فحركة الشباب، التي كانت تاريخيا الجماعة المسلحة المهيمنة في الصومال، تواجه الآن تحديا هائلا من تنظيم الدولة، وخاصة في بونتلاند. وفي حين تشترك كلتا المجموعتين في أسس أيديولوجية مماثلة، فإن تنافسهما متجذر في الاختلافات حول القيادة والاستراتيجية والأراضي. وقد أدت هذه المنافسة إلى مواجهات عنيفة بين المجموعتين، حيث تسعى كل منهما إلى تأكيد السيطرة على مناطق رئيسية.
وتواجه الحكومة الصومالية، إلى جانب الشركاء الإقليميين والدوليين، مهمة شاقة في معالجة هذا التهديد المزدوج. وقد أسفرت الجهود الرامية إلى إضعاف كلتا المجموعتين من خلال العمليات العسكرية عن نتائج متباينة، حيث أثبتت المجموعتان قدرتها على التكيف والمرونة. ويزيد تورط المقاتلين الأجانب من تعقيد الوضع، حيث يجلب هؤلاء الأفراد معهم الخبرة والموارد التي تعزز قدرات المنظمتين.
كما أنّ هذا الصراع له أبعاد كبيرة تتجاوز الحدود الصومالية وحتى منطقة القرن الإفريقي، إذْ هو صراع بين تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة عبر أفرعه، وأوج هذا الصراع في القارة الإفريقية وخاصة في منطقة الساحل.
هجوم قاعدة دارغالي العسكرية في ديسمبر 2024
في 31 ديسمبر 2024، شن تنظيم الدولة الإسلامية واحدة من أكثر هجماته تنسيقا حتى الآن، مستهدفا قاعدة دارغالي العسكرية. وقد تضمن الهجوم سلسلة من التفجيرات الانتحارية، بما في ذلك تفجيران انتحاريان استهدفا مستودع إمدادات، تلاهما هجوم شنه خمسة مقاتلين آخرين. واستهدف الهجوم الأخير، الذي نفذه أربعة من مقاتلي النخبة من داعش، القاعدة العسكرية نفسها، مما يشير إلى التخطيط الاستراتيجي والتنسيق للعملية.
وقد تميز هذا الهجوم باستخدام أسلحة متطورة، بما في ذلك قاذفات آر بي جي والمتفجرات، مما يعكس القدرات العملياتية المتنامية للمجموعة. وعلاوة على ذلك، فإن توقيت الهجوم، الذي تزامن مع زيارة شخصية بارزة، محمد بيري شيري، إلى القاعدة العسكرية، أكد على الطبيعة الرمزية للهجوم.
وتعكس هذه العملية أيضا الأهداف الاستراتيجية الأوسع لداعش، مثل: زعزعة استقرار المنطقة، وتقويض سلطة الحكومة الصومالية التي أعلنت عن بداية عملية عسكرية بدعم جوي من قبل القوات الأمركية على التنظيم في بوتتلاند، وفرض الهيمنة على الجماعات المنافسة، وخاصة حركة الشباب.
عمليات التنظيم في يناير وفبراير 2025
شهدت بداية عام 2025 استمرار نشاط تنظيم الدولة في الصومال. في يناير/كانون الثاني 2025، حيث أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجير انتحاري استهدف قافلة عسكرية صومالية، مما أسفر عن مقتل العديد من أفراد الأمن في بونتلاند. ويشير هذا الهجوم، الذي شمل استخدام المتفجرات والاستهداف الاستراتيجي للأصول العسكرية، إلى القدرة التشغيلية المستمرة للمجموعة وتصميمها على الحفاظ على وجودها في المنطقة.
وفي فبراير/شباط 2025، أشارت التقارير إلى أنّ مقاتلي داعش حاولوا التسلل إلى منشأة أمنية رئيسية في بونتلاند، والانخراط في قتال مباشر مع القوات الصومالية. وتشير هذه الإجراءات إلى قدرة المجموعة المستدامة على العمل في بونتلاند، على الرغم من الضغوط العسكرية المستمرة. ويشير استمرار استخدام المجموعة للتفجيرات الانتحارية، إلى جانب تكتيكات الكر والفر، إلى أن التنظيم يكيف استراتيجيته مع البيئة الأمنية المعقدة في المنطقة.
دور الضربات الجوية الأمريكية والعمليات العسكرية الصومالية
ردّاً على التهديد المتزايد الذي يشكله داعش في الصومال، أصبحت الضربات الجوية الأمريكية عنصرا رئيسيا في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة. لقد قدمت الولايات المتحدة دعما حاسما للعمليات العسكرية الصومالية من خلال الغارات الجوية التي استهدفت مواقع داعش في جبال جوليس وغيرها من المعاقل. وقد لعبت هذه الغارات الجوية، إلى جانب العمليات البرية التي نفذها الجيش الصومالي، دورا أساسيا في إضعاف سيطرة الجماعة على الأراضي.
تشير التقارير إلى أنه في أوائل عام 2025، دمرت القوات الصومالية، بدعم جوي أمريكي، أكثر من 50 معسكرا لداعش في دائرة نصف قطرها 300 كيلومتر، مما أدى إلى تعطيل عمليات الجماعة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المكاسب، أظهر التنظيم مرونة ملحوظة، وتوضح قدرته على الانتقال وإعادة تأسيس نفسها في أجزاء أخرى من بونتلاند الصعوبات في القضاء على المنظمة بالكامل.
وبالرغم من إعلان الرئيس ترامب على أن الغارات الجوية الأمريكية ساهمت في القضاء على عدد كبير من قيادات التنظيم إلا أنه لا يوجد أي تأكيد للتنظيم على ذلك.
وبالإضافة إلى الغارات الجوية الأمريكية، نفذ الجيش الصومالي العديد من العمليات البرية بهدف استعادة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وعلى الرغم من نجاح هذه العمليات في تهجير بعض المقاتلين، إلا أنها واجهت العديد من التحديات، بما في ذلك القيود اللوجستية وتهديد الانتقام من تنظيم الدولة.
دور المقاتلون الأجانب في بونتلاند
كان وجود المقاتلين الأجانب عاملا حاسما في القدرات العملياتية لداعش في الصومال. لا يجلب هؤلاء المقاتلون الخبرة العسكرية فحسب، بل يجلبون أيضا الموارد المالية، مما يمكّن المجموعة من دعم عملياتها على الرغم من الضغوط الشديدة من القوات الصومالية والأمريكية.
ووفقا للتقارير، شارك المقاتلون الأجانب بنشاط في الهجمات، بما في ذلك هجوم ديسمبر 2024 على قاعدة دارغالي العسكرية، إذ كان الانغماسيون كلهم من جنسيات أجنبية مغربي وليبي وتونسي ويمني وتنزاني وأثيوبي،([2]) ويعتبر الانغماسيون أحد أنواع المقاتلين الانتحاريين وهم من قوة النخبة ضمن صفوف مقاتلين تنظيم الدولة.
ويأتي المجندون الأجانب في بونتلاند من مجموعة متنوعة من البلدان من الشرق الأوسط وشرق وشمال إفريقيا، مع تمثيل ملحوظ من اليمن والمملكة العربية السعودية وتونس والجزائر والمغرب. وغالبا ما يتلقى هؤلاء المقاتلون تدريبا متخصصا في التعامل مع الأسلحة والمتفجرات والتكتيكات الاستراتيجية.
وفي الآونة الأخيرة لوحظ العدد الكبير من المقاتلين اليمنيين والمغاربة، فقد تم إلقاء القبض من قبل شرطة بوتلاند في مطلع شهر جانفي 2025 على مجموعة شباب من المغرب حاولو الالتحاق بالتنظيم، كما أن المكون الأثيوبي والتنزاني حاضر بقوة داخل مقاتلي الاجانب في صفوف التنظيم.
وتعتبر الطرق البحرية من اليمن نحو الصومال المصدر الرئيسي لتزويد التنظيم في بوتلاند بالمقاتلين الأجانب، كما أن الطرق الاخرى البرية داخل القارة الإفريقية لها دور كبير في تزويد التنظيم بمقاتلين الأجانب وافديين من مناطق الساحل الإفريقي واالجنوب الليبي.
الموارد المالية والدعم الخارجي
إنّ القوة المالية لتنظيم في الصومال تشكل عاملا حاسما آخر في قدرتها على دعم عملياتها. وبحسب تقرير نشره فريق الرصد التابع للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2023، تجدر الإشارة إلى أن دخل التنظيم في الصومال ارتفعت ايرادته من نحو 70 ألف دولار شهرياً في عام 2018، إلى 2.5 مليون دولار، في عام 2021، وصل إلى أكثر من 2 مليون دولار في النصف الأول من عام 2022. ([3])
بالإضافة إلى مصادر الإيرادات المحلية، فإن التنظيم في الصومال مدعوم بشبكة أوسع من تنظيم الدولة الإسلامية، مع تحويلات كبيرة للأموال من قيادتها المركزية ومن أطراف أجنبية وقد نشرت مؤخرا القوات الصومالية ببوتلاند وثائق مثل جواز سفر وبطاقات بنكية لشخص سعودي الجنسية يدعى محمد أحمد الحوشاني، عثرت عليها في قاعدة لداعش في سلسلة جبال المسقعد. ([4]) وقد سبق للحكومة السعودية أن اعتقلت “ابن عمه” يوسف أحمد الحوشاني في عام 2014 بتهمة تمويل الإرهاب” في سوريا”([5])، وهو ما يمكن أن يشير إلى أن رجال أعمال ومتعاطفين مع التنظيم يقومون بتمويله من الخارج.
كما أن مكتب كرار في فرع إفريقيا، وهو مكتب تنسيق إقليمي لتنظيم الدولة الإسلامية في الولايات الستة التابعة لتنظيم، في الصومال ويسهل التحويلات المالية إلى فروع أخرى،([6]) بما في ذلك فرع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان بأفغانستان. وهو ما يشير إلى أهمية الفرع الصومالي داخل هيكلة التنظيم وخاصة في إفريقيا، كما أن تمويل الرئيسي لفرغ تنظيم الدولة في موزمبيق مصدرها الأساسي فرع بوتلاند.
التداعيات الإقليمية للوجود المتزايد للتنظيم في المنطقة
إنّ الوجود المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لا يشكل تحديا للحكومة الصومالية وحلفائها الإقليميين فحسب، بل إنه ينطوي أيضا على تداعيات أوسع نطاقا على الأمن في منطقة القرن الأفريقي. وتشكل أنشطة المجموعة في بونتلاند والمناطق المحيطة بها جزءا من استراتيجية أكبر لتعزيز سيطرتها على أجزاء من شرق أفريقيا والتنافس مع المنظمات المسلحة الأخرى، وخاصة حركة الشباب. وتزداد هذه المنافسة بين تنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب، حيث تتنافس كلتا المجموعتين على الهيمنة في المنطقة، مع تداعيات جيوسياسية كبيرة على البلدان المجاورة ومنطقة الساحل الأوسع.
إنّ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال يؤثر أيضا على المصالح الاستراتيجية للقوى الخارجية، وخاصة تلك الموجودة في منطقة الخليج. ويشكل قرب عمليات تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من الطرق البحرية الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن مصدر قلق بالغ، لأن هذه الطرق حيوية للتجارة العالمية وصادرات الطاقة. وعلاوة على ذلك، يوفر وجود تنظيم الدولة في منطقة القرن الأفريقي رابطا استراتيجيا بين فروعه في الصومال واليمن وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يمكّن المجموعة من التنسيق بشكل أكثر فعالية عبر هذه المناطق.
الخلاصة
يشكل الوجود المتزايد لتنظيم الدولة في بوتلاند الصومال تهديدا مستمرا للأمن الإقليمي، حيث يؤثر على استقرار الحكومة الصومالية ويعزز التنافس مع حركة الشباب. من خلال تكتيكات مبتكرة، مثل الهجمات الانتحارية والتمويل الخارجي، يواصل تنظيم الدولة تعزيز وجودها في بونتلاند، مما يجعلها لاعبا رئيسيا في المعركة على السيطرة الإقليمية. في الوقت نفسه، تبقى العمليات العسكرية المشتركة بين القوات الصومالية والضربات الجوية الأمريكية مهمة في إضعاف قدرات التنظيم. ولكن المكاسب المحققة في المعركة ضد التنظيم، تظل منطقة القرن الأفريقي في مرمى التهديدات الجيوسياسية التي تمتد آثارها إلى دول الجوار والطريق التجاري الحيوي عبر البحر الأحمر وخليج عدن.
[1]-Weiss, Caleb , and Lucas Webber. “Islamic State-Somalia: A Growing Global Terror Concern.” Combating Terrorism Center Volume 17, no. Issue 8 (2024). https://ctc.westpoint.edu/the-financial-future-of-the-islamic-state/.
[2]-Ibid.
[3]-Davis, Jessica . “The Financial Future of the Islamic State.” Combating Terrorism Center Volume 17, no. Issue 7 (2024). https://ctc.westpoint.edu/the-financial-future-of-the-islamic-state/.
[4]– “CalmiskaadMountains.” Puntland Counter-Terrorism Operations. Puntland Counter-Terrorism Operations, January 19, 2025. https://x.com/PL_CTOperations/status/1879908237073682754.
[5]– Ibid.
[6]– Davis, Jessica . “The Financial Future of the Islamic State.” Combating Terrorism Center Volume 17, no. Issue 7 (2024). https://ctc.westpoint.edu/the-financial-future-of-the-islamic-state/.
تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات