دراسات

خارطة الجماعات المسلحة في نيجيريا

تحليل استراتيجي متعدد الأبعاد

تقدم هذه الدراسة تحليلا مفصلا متعدد الأبعاد لخريطة الجماعات المسلحة في نيجيريا، بما في ذلك أيديولوجياتها، وتنظيمها، وتمويلها، وتكتيكاتها. وترسم الدراسة، من خلال البحث النوعي وتحليل الشبكات الاستراتيجية، خريطة للعلاقات بين الحركات الجهادية والميليشيات العرقية والانفصاليين وجماعات الجريمة المنظمة في جميع أنحاء نيجيريا. ثم يتناول البحث التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية لأنشطة هذه الجماعات، وردود الفعل الحكومية والإقليمية عليها، ويقدم بعض التوصيات لإدارة شاملة للصراع. ويؤكد هذا التقرير على أن الحلول العسكرية والتنموية والسياسية مكونات ضرورية لمعالجة الديناميكيات الهيكلية للعنف في نيجيريا.

تعد نيجيريا أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان وتتميز بتنوع عرقي كبير، الأمر الذي يؤثر في سياقها السياسي والاجتماعي. منذ استقلالها عام 1960، واجهت نيجيريا تحديات مستمرة في بناء هوية وطنية جامعة وتعزيز الاستقرار السياسي في ظل انقسامات عرقية ودينية ومناطقية.

وشهدت البلاد حربا أهلية دامية (حرب بيافرا 1967-1970) نتيجة محاولات انفصالية في الجنوب الشرقي. ([1]) وتعاني نيجيريا اليوم من هشاشة في المؤسسات، وفساد مستشر، وتفاوت اقتصادي كبير بين المناطق الشمالية الفقيرة والجنوبية الغنية بالنفط.

في ظل هذه الظروف، تصاعد نشاط الجماعات المسلحة وتنوعت دوافعها بين التطرف الديني، والمطالب الانفصالية، والنزاعات العرقية على الموارد، والجريمة المنظمة. وقد أدى انتشار هذه الجماعات إلى تدهور الوضع الأمني والإنساني، حيث يواجه المدنيون أخطاراً مستمرة من العنف والنزوح، مما خلق حالة طوارئ إنسانية تشمل ملايين المحتاجين للمساعدة.

هذه الدراسة، تمعن النظر في الديناميكيات متعددة الطبقات التي تحرك الجماعات المسلحة في نيجيريا، وذلك من خلال تحليل أسسها الأيديولوجية، وبنيتها التنظيمية، وعلاقاتها بالدولة، وعلاقاتها بالمجتمعات المحلية. ويهدف هذا التحليل إلى فهم أعمق لتفاصيل دور هذه الجماعات في الأمن الوطني، واقتراح خطوات لحل النزاعات بشكل مستدام.

خريطة شاملة للجماعات المسلحة في نيجيريا

تتعدد الجماعات المسلحة في نيجيريا ويمكن تصنيفها عموما إلى فئات رئيسية:

  • جماعات جهادية  (مثل جماعة بوكو حرام وتنظيم “ولاية غرب إفريقيا” الموالي لداعش وفروع أخرى مرتبطة بالقاعدة في المغرب العربي كجماعة أنصارو).

جماعات انفصالية (مثل الحركة الانفصالية لإقليم بيافرا وجناحها المسلح “الشبكة الأمنية الشرقية” ESN، وبعض الجماعات الانفصالية أخرى الأقل تنظيما في الجنوب الغربي كحركة شعب أودوا OPC).

ميليشيات عرقية ومحلية (مثل جماعات الدفاع الذاتي في وسط نيجيريا وشمالها كميليشيات اليان ساكاي “Yan Sakai” في الشمال الغربي وجماعات الفلاحين والرعاة المسلحة).

جماعات إجرامية منظمة و”قطاع الطرق” في الشمال الغربي والشمال الأوسط، إضافة إلى جماعات متمردة في دلتا النيجر (مثل حركة تحرير دلتا النيجر ME” Niger Delta Avengers) وعصابات سرقة النفط في الجنوب. فيما يلي عرض موجز لكل منها:

بوكو حرام (جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد) جماعة جهادية مسلحة تأسست أوائل سنة 2000 في شمال شرق نيجيريا، تهدف إلى إقامة “دولة إسلامية” وتطبيق الشريعة ورفض التعليم الغربي. بدأت تمردا مسلحا عام 2009 بقيادة أبو بكر شيكاو، متسببة في مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين. ([2])

وفي سنة 2016 انقسمت إلى فصلين أساسيين:
فصيل تابع شيكاو جماعته الأصلية (يشار إليها أحيانا بـ” جماعة أهل السنة” أو JASDJ)، بينما انشق الفصيل الآخر وبايع تنظيم الدولة الإسلامية وأصبح يعرف بـ”ولاية غرب إفريقيا” (ISWAP). ومع مقتل شيكاو عام 2021، تقلص نفوذ جماعته، لكن نشاط بوكو حرام استمر عبر خلايا متفرقة. ([3])

ولاية غرب إفريقيا (ISWAP):
هو فرع منشق عن بوكو حرام بايع تنظيم الدولة في مارس 2015. أصبح أكثر تنظيما وتركيزا على استهداف القوات الحكومية والمدنيين، مع محاولة كسب قبول السكان المحليين عبر توفير بعض الخدمات الأساسية. ([4])
ق اد الفصيل لاحقا أبو مصعب البرناوي (نجل مؤسس بوكو حرام) وآخرون بعد خلافهم مع شيكاو، هذا الفصيل بات يعتبر الأخطر والأكثر دموية في شمال شرق نيجيريا حاليا وقد نفذ هجوماً كبيراً على سجن في العاصمة أبوجا في 2022. ([5])

• أنصارو جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان  هو فصيل انشق عن بوكو حرام نحو 2012 متأثرا بالقاعدة في بلاد المغرب ومرتبط حاليا بتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، ركز على استهداف الأجانب وخفف من قتل المسلمين المحليين.  وكشف تقرير أن التنظيم أقام قاعدة في ولاية كادونا قرب العاصمة بحلول 2022، محاولا استغلال الفراغ الأمني لبناء نفوذ محلي. ([6])

قطاع الطرق (Bandits):
تسمية تطلق على عصابات مسلحة تنتشر خاصة في ولايات الشمال الغربي والشمال الأوسط (مثل زمفرا وكاتسينا وكادونا والنيجر). تتكون غالبا من أفراد من عرقية الفولاني يرعون الماشية ممن تحولوا بسبب نزاعات الرعاة والمزارعين على الموارد وشحها والفراغ الأمني في مناطقهم إلى مسلحين. ([7])

هذه العصابات، التي قد يفوق عددها 100 مجموعة صغيرة بمتوسط 30 عنصرا لكل منها، تقوم بالسطو المسلح والخطف الجماعي للابتزاز والسرقة المنظمة للماشية وفرض الإتاوات على القرى النائية، تفاقم نشاطها بعد 2011 مع تصاعد النزاعات بين المزارعين والفلاحين. ([8])

بعض زعماء هذه العصابات ذاع صيتهم مثل بيلو تورجي في زمفرا وسوكوتو، المعروف بفرضه ضرائب على القرى وبطشه بالرهائن؛ وكاشالا عليو ودندو جدّي وغيرهم ممن يديرون معسكرات في الغابات مستغلين الفراغ الأمني والحدود المفتوحة للتزود بالسلاح. ([9])

ورغم أن دافع “قطاع الطرق” غير سياسي أو أيديولوجي، فقد يتداخل أحيانا مع الإرهاب، إذ أعلنت الحكومة النيجيرية رسميا تصنيفهم كإرهابيين في 2022 نظرا للفظائع المرتكبة من قتل واغتصاب ونهب وتهجير قرى بكاملها.
كما وردت تقارير عن تحالفات تكتيكية بين بعض قادة “قطاع الطرق” وفصائل تابعة لبوكو حرام وISWAP لتبادل المنافع (حماية مقابل سلاح، أو عدم اعتداء متبادل)، رغم أن تحليلات أخرى تشير إلى اختلاف أجنداتهم وصعوبة التحالف بينهم.

ميليشيات الدفاع الذاتي والعرقية:

أنشأت في ساق مواجهة “قطاع الطرق” وانفلات الأمن، وهي جماعات محلية مسلحة تحت مسمى “اليقظة” أو الدفاع الذاتي. منها يان ساكاي (Ƴan Sakai) في ولايات الشمال الغربي، وهي ميليشيا أهلية من المزارعين الهوسا تشكلت لحماية القرى من هجمات اللصوص. ([10])

تورطت هذه الميليشيات ذات الطابع الإثني في انتهاكات أيضا، حيث اتهم أفراد منها بقتل رعاة من الفولاني دون تمييز، مما أدى إلى ظهور ميليشيات مقابلة من الفولاني (مثل “يان بنديغا”). ودفع ذلك الحكومة في نيجريا سنة 2020 إلى حظر هذه الجماعات نظريا، لكن العديد منها لا يزال ينشط بشكل غير رسمي. ([11])

وفي وسط نيجيريا (الحزام الأوسط) قامت ميليشيات عرقية من مجتمعات المزارعين (غالبها مسيحي) وأخرى من مجتمعات الرعاة (مسلمة) بخوض نزاعات مسلحة بسبب الأراضي والمياه. وكذلك ظهرت مجموعات دفاعية في جنوب غرب البلاد لحماية مصالح إثنية اليوروبا، مثل مؤتمر شعب أودوا (OPC) الذي تأسس منذ التسعينات كميليشيا عرقية تدعو لحماية اليوروبا وحقوقهم، وبعض فصائلها تورطت في أعمال عنف عرقية. ([12])

جماعات انفصالية في الجنوب الشرقي:

تاريخيا، نشأت حركات لدى شعب الإيبو في جنوب شرق نيجيريا تطالب بالانفصال وإحياء دولة بيافرا التي فشلت محاولتها في الستينات. وفي العقد الأخير، صعدت حركة الشعوب الأصلية لبيافرا (IPOB) بقيادة نامدي كانو، وهي حركة سياسية تدعو لاستفتاء حول استقلال الإقليم. ([13])

وعلى الرغم من أن IPOB بدأت كحركة سلمية نسبيا، صنفتها الحكومة تنظيما إرهابيا منذ 2017. وفي أواخر 2020، أنشأت IPOB جناحا مسلحا سمّته” الشبكة الأمنية الشرقية” (ESN) بدعوى حماية مجتمع الإيبو من هجمات رعاة الفولاني في أراضيهم. ([14])

ودخلت هذه الشبكة في مواجهات دامية مع قوات الأمن الفدرالية خاصة في ولايات إيمو وأنامبرا وأبيا. وتصاعدت حملة التمرد في جنوب الشرق منذ 2021، حيث تتهم عناصر ESN بشن اغتيالات ضد موظفي الدولة وقوات الشرطة. ([15])
وبالمقابل نفذت القوات الحكومية عمليات قمع واسعة واعتقالات طالت حتى المدنيين. وأسفر هذا الصراع عن مئات القتلى؛ إذ تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 287و في منطقة الشرق خلال خمسة أشهر فقط سنة 2022. ([16])

جماعات متمردي دلتا النيجر:

في الجنوب الغني بالنفط، برزت منذ التسعينات حركات مسلحة تحتج على تهميش السكان المحليين (أغلبهم من مجموعتي الإيبو) الناجم عن استخراج النفط دون استفادة للسكان.  ومن أبرزها حركة تحرير دلتا النيجر (MEND) التي قادت تمردا عنيفا بين 2006-2009 شمل تفجير خطوط النفط وخطف وتخريب المنشآت النفطية. ([17])

ظهرت لاحقا جماعات جديدة مثل” منتقمو دلتا النيجر” (Niger Delta A vengers) التي شنت هجمات تخريبية مدمرة عام 2016 ضد مرافق نفطية كبدت الاقتصاد خسائر فادحة. وبعد هدوء نسبي، عاد شبح التمرد الاقتصادي عبر انتشار ظاهرة سرقة النفط وازدهار مصافي التكرير غير الشرعية، بمشاركة عناصر سابقة من المتمردين وأيضا عصابات إجرامية محلية. ([18])

وأدى ذلك إلى تقليص إنتاج نيجيريا النفطي بحوالي الثلث في بعض السنوات، مما دفع الحكومة لتشديد الإجراءات الأمنية والاستعانة حتى بشركات أمنية خاصة لحماية خطوط الأنابيب.

ويذكر أن بعض هذه الجماعات في الدلتا توظف أيضا ما يسمى بـ” الثقافات” (cults) وهي عصابات محلية شبابية ظهرت في الجامعات سابقا وتحولت إلى ميليشيات بالأحياء الشعبية، لتوفير مقاتلين أو للتغطية على أنشطة سرقة النفط. ([19])

هذه الخريطة المتشابكة من الجماعات توضح انتشارا جغرافيا واسعا للجماعات المسلحة في نيجريا: الشمال الشرقي معقل الجماعات الجهادية (بوكو حرام وISWAP وأنصارو وغيرهم)، الشمال الغربي والأوسط بؤرة عصابات قطاع الطرق والصراعات العرقية، والجنوب النفطي ميدان المتمردين وعصابات النفط. وبرغم من اختلاف أجندات هذه الجماعات، فإن عوامل مشتركة كضعف الدولة والفساد والتهميش الاقتصادي تساعد على استمرار نشاطها.

تحليل الأيديولوجيا والتكوين والتمويل واستراتيجيات العمل لكل جماعة

بوكو حرام وأيديولوجيتها الجهادية:
تتبنى بوكو حرام فكرا سلفيا جهاديا يعتبر الحكومة النيجيرية ومؤسساتها “كافرة” ;يجب إسقاطها بالقوة لإقامة حكم إسلامي. اسمها الشعبي يعني “التعليم الغربي حرام”، وهو ما يعكس موقفها الرافض للنظام التعليمي والاجتماعي ذو الطابع الغربي.

يتشكل معظم أعضائها من شباب كانوا عاطلين عن العمل في ولايات الشمال الشرقي الفقيرة (بورنو، يوبي، أداماوا)، مستفيدين من مشاعر التهميش والفقر. ([20])

وبعد انطلاق تمردها في 2009، اعتمدت بوكو حرام على تمويل ذاتي من خلال عمليات النهب والسلب للقرى والبنوك، إضافة إلى فديات الاختطاف (مثل اختطاف طالبات شيبوك عام 2014) ودعم غير مباشر عبر شبكات تهريب إقليمية. ([21])
ومع مبايعة جناح منها لتنظيم الدولة، حصل فصيل ISWAP على موارد إضافية عبر ارتباطه بشبكات التنظيم الأم (دعاية، تمويل وتدريب)، ولكن ظلّ اعتماده الأساسي أيضا على الغنائم والضرائب المفروضة محليا. ([22])

إستراتيجيا، دأبت بوكو حرام بفصيليها على تكتيكات حرب عصابات عنيفة: تفجير الأسواق والمساجد والكنائس، الهجمات الانتحارية (وغالبا باستخدام انتحاريات قسرا)، الاغتيالات، وحملات اجتياح القرى على دراجات نارية لإشاعة الرعب.

وكما استخدمت أسلوب الخطف الجماعي سواء للابتزاز المالي أو للدعاية السياسية (مثل حادثة خطف المئات من طالبات المدارس). حيث يذكر أن الفصيلين (JASDJ بقيادة شيكاو سابقا وISWAP) دخلا منذ 2016 في صراع داخلي دموي للسيطرة، حيث اشتبكا عدة مرات وقتل فصيل داعش (ISWAP) زعيم بوكو حرام شيكاو نفسه عام 2021. ([23]) وبرغم من هذا الاقتتال، يظل كلاهما مصدر تهديد كبير للمدنيين، إذ استمرّا بشن هجمات أسفرت عن مقتل المئات كل عام.

ولاية غرب إفريقيا (تنظيم الدولة) – بنية وتمويل مغايران:

يتميز فصيل ISWAP بانضباط هيكلي مستمد من تعليمات تنظيم داعش الأم. فهو يعتمد هيكل “الولايات” وتقسيم المناطق وتأمين الموارد عبر فرض “الزكاة” على القرى تحت سيطرته بدلا من النهب العشوائي. ([24])

ويشترك مع بوكو حرام في نفس الهدف (إقامة دولة خلافة) ولكنه يختلف بتكتيكات “كسب القلوب والعقول” نسبيا، حيث حاول التقرب من المجتمعات المحلية عبر تجنب قتل المسلمين السنة العاديين وتوفير بعض الخدمات للمناطق النائية الخاضعة لهم. ([25])

ويرتكز تمويل الجماعة على الضرائب المحلية والفديات وربما التحويلات الخارجية من شبكات داعش. تكتيكيا، ركز على استهداف القواعد العسكرية وحواجز الجيش، وحقق نجاحات في الاستيلاء على أسلحة ثقيلة وحتى إسقاط طائرات عسكرية بدون طيار. ([26])

كما نفّذ عمليات نوعية كالهجوم على سجن كوجي قرب أبوجا وإطلاق سراح مئات السجناء عام 2022، مما يدل على تطور قدراته العملياتية والاستخباراتية. وبعد مقتل شيكاو، حاول ISWAP استيعاب مقاتلي بوكو حرام السابقين لتعزيز صفوفه، إلا أن بعضهم انشق مجددا أو فضل الاستسلام للحكومة. ([27])

أنصارو – أيديولوجيا القاعدة والتمويل المحدود:

تتبنى جماعة أنصارو فكر تنظيم القاعدة الجهادي، ما يعني تركيزها على “الجهاد العالمي” واستهداف “العدو البعيد” (كالمصالح الغربية) أكثر من استهداف عموم المسلمين. ([28])

وحافظت على حجم أصغر وتخفت خلال سنوات عديدة لتجنب بطش بوكو حرام. أبرز عملياتها كانت خطف أجانب للحصول على الفدية أو مهاجمة قوات حكومية بشكل محدود. تحصل على التمويل أساسا من فديات الاختطاف ودعم محتمل من فروع القاعدة في الساحل (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM). ([29])

واستراتيجيتها تقوم على إعادة بناء تواجد تدريجي وسط المجتمعات الريفية في شمال غرب وشمال وسط نيجيريا، مستغلة توترات المزارعين والرعاة لكسب مجندين. كما لوحظ أنها سعت لتأسيس “حكم محلي” في بعض جيوب كادونا عبر تقديم خطاب ديني محلي وكسب ثقة بعض القرى، ما يمثل توجها مختلفا عن منهج بوكو حرام الصدامي مع المجتمعات المحلية. ومع ذلك، يبقى نشاطها محدودا جغرافيًا ومقيّدا بسبب بنقص الموارد البشرية والمالية مقارنة ببوكو حرام وISWAP.

قطاع الطرق – عصابات الجريمة والتمويل عبر الابتزاز:

تفتقر عصابات “قطاع الطرق” إلى أيديولوجيا سياسية أو دينية واضحة؛ فهي مدفوعة بالربح المالي والبقاء. تركيبتها إثنية غالبا (قبائل الفولاني مع مشاركة من جماعات أخرى أحيانا)، وتستغل معرفتها المحلية بالبيئة الجغرافية (الغابات الشاسعة في ولايات زمفرا وكاتسينا والنيجر) للاختباء. قيادتها غير مركزية، إذ توجد عدة زعامات محلية تعمل باستقلالية نسبية، ما يجعل من الصعب القضاء عليها بعملية عسكرية واحدة. ([30])

تتنوع مصادر تمويلها بين الفديات الضخمة لقاء المخطوفين (سجلت آلاف عمليات الخطف خلال الأعوام الأخيرة من تلاميذ مدارس ومسافرين وحتى موظفي دولة)، ونهب المواشي وبيعها عبر حدود النيجر وتشاد، والسرقات المسلحة من الأسواق والقرى، وفرض الإتاوات على المجتمعات الريفية مقابل “الحماية”. ([31])

وتشير تقديرات إلى أن هذه العصابات حصلت على مليارات من الفدى خلال العقد الماضي. أما التسليح، فهو يقتصر على بنادق كلاشينكوف ودراجات نارية، لكن اللافت مؤخرا حصولها على أسلحة عسكرية متقدمة بسبب انتشار تهريب الأسلحة وضعف السيطرة الحدودية، حتى ذكر أن بعض المجموعات تمتلك قاذفات صاروخية ومدافع مضادة للطائرات. ([32])

أما عن استراتيجيات عملهم تتمثل في الضرب والفرار:

هجمات خاطفة ليلية على قرى معزولة أو كمائن على الطرق السريعة ضد المسافرين، ثم الانسحاب إلى ملاذات أمنة في الأحراش. وتعاني هذه العصابات من تناحر داخلي أحيانا بسبب النزاع على اقتسام الغنائم. ([33])

ولكنها أيضا تقيم تحالفات مرنة مع جماعات أخرى: مثل استعانة بعض “قطاع الطرق” بحماية بوكو حرام/داعش لقاء دفع جزء من الغنائم، أو توظيف جماعات محلية كالأهالي لإيصال الوقود والذخيرة لهم. وقد حاولت الحكومة مرارا احتواءهم بمزيج من القوة (عمليات عسكرية واسعة وغارات جوية) وبالحوار (عقد اتفاقات عفو محلية)، لكن نجاح تلك الاستراتيجيات كان محدودا بسبب الطبيعة اللامركزية لهذه الجماعات. ([34])

الميليشيات الأهلية – أيديولوجيا الدفاع المجتمعي:

لا تحمل ميليشيات مثل اليان ساكاي أو غيرها أيديولوجيا سياسية وطنية، بل تنطلق من دوافع حماية المجتمع المحلي أمام خطر محدد. فاليان ساكاي (مزارعون من الهوسا) تشكّلت لردع لصوص المواشي وبطش “قطاع الطرق”، بينما شكل بعض رعاة الفولاني ميليشيات مضادة لحماية قطعانهم من هجمات أهالي القرى. ([35])

ففي وسط نيجيريا، أخذت الميليشيات طابعا طائفيا:

مسيحيون مقابل مسلمون في ولايات مثل بلاتو وبنيوي. هذه المجموعات تتكون عفويا من متطوعين مسلحين بأسلحة شخصية أو تقليدية، ومواردها محدودة تأتي من تبرعات المجتمعات المحلية أو أحيانا دعم حكومي ضمني (غض الطرف عنها أو حتى تسليحها سرا). ([36])

تكتيكاتها دفاعية غالبا، تقوم بالحراسة الليلية ونصب نقاط تفتيش في القرى وإقامة كمائن ضد المغيرين. لكن بعض تلك الجماعات تجاوز الدفاع إلى الانتقام العرقي، فارتكبت مجازر بحق مدنيين من الطرف الآخر.

مما أجج الصراعات كما في حالة اليان ساكاي الذين قتلوا رعاة أبرياء من الفولاني. هذا الانحراف جعل الدولة أحيانا تتدخل لكبح هذه الميليشيات كما حدث في زمفرا. إجمالا، تظل هذه الميليشيات مزدوجة الأثر: فهي توفر أمنا محليا في مناطق نائية تعجز الدولة عن حمايتها، لكنها أيضا تساهم في خلق حلقات ثأر عنيفة وتمدد منطق العنف خارج إطار القانون. ([37])

الحركة الانفصالية (IPOB/ESN) – أيديولوجيا القومية الإيغبو:

تحمل IPOB أيديولوجيا قائمة على حق تقرير المصير لشعب الإيغبو وإعادة إحياء دولة بيافرا المنحلة. يغذي هذا التوجه الشعور التاريخي بالمظلومية بعد حرب بيافرا، واتهامات تهميش الإيغبو سياسيا واقتصاديا من قبل الحكومات المتعاقبة ذات الهيمنة الشمالية. ([38])

جناحها المسلح (ESN) يدعي حماية أراضي الإيغبو من غزوات “الرعاة الفولاني” الغرباء، لكن أهدافه تتقاطع مع المشروع الانفصالي عبر إرهاق سلطة الحكومة الاتحادية أمنيا في الإقليم لجعل كلفة بقائه ضمن نيجيريا مرتفعة. ([39])

وتتكون ESN من عناصر شبابية محلية، وربما منشقين عن قوات الأمن من أبناء المنطقة. التمويل يعتقد أنه يعتمد على تبرعات المغتربين الإيغبو حول العالم، فشتات بيافرا نشط في جمع الأموال والدعاية، بالإضافة إلى مساهمات أنصار محليين، وربما حصل أيضا على أسلحة عبر السوق السوداء أو من مخلفات الصراعات في المنطقة. ([40])

ويعاني التمويل مع ذلك من التضييق الحكومي وملاحقة حسابات IPOB، وتتبع ESN استراتيجية حرب عصابات منخفضة الشدة:
اغتيالات لمسؤولي أمن محليين، مهاجمة مراكز شرطة معزولة، وحرق مكاتب تابعة للدولة، مع تجنب المواجهة المفتوحة المباشرة. وقد فرضت الحركة إضرابات قسرية (أيام “اجلس في البيت”) للضغط سياسيا، ونفذت بعض المجموعات عمليات عنف ضد منتهكي هذه الإضرابات. ([41])

وبالرغم من إنكار قيادة IPOB لمسؤوليتها عن بعض الهجمات العشوائية استهدفت مدنيين، ولكنها تظل صورة عامة تحاول الحفاظ على دعم شعبي لقضيتها بعدم تبني هجمات تضر المدنيين الإيغبو، ولكن تصاعد عنف ESN جر عليها انتقادات بأنها تزيد معاناة أهل المنطقة عبر ردود فعل الدولة القمعية. ([42])

متمردو دلتا النيجر – أيديولوجيا العدالة الاقتصادية الإقليمية:

تتأسس عقيدة حركات الدلتا على مطالب تنمية المنطقة النفطية وتوزيع عادل للثروة ومعالجة التلوث البيئي الهائل الذي سببته عقود من استخراج النفط. هذه ليست أيديولوجيا انفصالية بالضرورة (رغم وجود خطاب تهديد بالانفصال اقتصاديا)، ولكنها تهدف إلى لي ذراع الحكومة المركزية والشركات متعددة الجنسيات لتحقيق مكاسب للسكان المحليين. ([43])

تتمتع حركة MEND السابقة وتنظيمات خلفتها بتركيبة من مقاتلين معظمهم شبان من قبائل إيغاو وأوروبو وإيبيبيو وغيرها من مجتمعات الدلتا الفقيرة، بقيادة شخصيات محلية لها نفوذ وروابط سياسية أحيانا. ([44])

التمويل بالنسبة لهم مرتبط باقتصاد النفط نفسه:

حيث يحصلون على المال عبر سرقة النفط (“بَنكَرة” النفط) وبيعه في السوق السوداء، أو عبر التعاقدات غير الشرعية مع ساسة محليين يوفرون لهم الحماية مقابل جزء من العائد، أو عبر الابتزاز بتهديد الشركات النفطية مما يدفع بعض الشركات لدفع أموال حماية ضمنية. ([45])

أيضا اشتهرت عمليات عمال المنشآت النفطية الأجانب مقابل فدى كبيرة كأحد مصادر تمويلهم. خلال ذروة تمردهم استخدموا تكتيكات حرب العصابات البحرية كزرع متفجرات على الأنابيب وخطف القوارب النفطية. ([46])

وكان لتلك الاستراتيجيات أثر مدمر على الاقتصاد، إذ انخفض إنتاج النفط النيجيري فعليا إلى النصف تقريبا بين 2020-2022 بسبب التفجيرات والسرقات. انتهجت الحكومة نهجا مختلفا معهم عن تعاملها مع بوكو حرام؛ فبدلا من تبني المقاربة الأمني والعسكرية، قدمت لهم عفوا عاما سنة 2009، ووعدا باندماج مقاتليهم في برامج تدريب ووظائف. ([47])

وهو ما أدى لهدوء نسبي لسنوات، ولكن ضعف الوفاء الكامل بالوعود وعوائد السرقة الضخمة أعاد الكثير منهم للنشاط المسلح مجددا وتحت مسميات جديدة (كعصابات التكرير غير الشرعي)، وحاليا انخفضت العمليات التفجيرية الكبيرة لكن اقتصاد الظل النفطي يزدهر في الدلتا، مما يعني استمرار خطر تمرد جديد إذا تغيّرت مصالح الشبكات القائمة. ([48])

العلاقات بين الجماعات وتفاعلها مع الدولة والمجتمع

على الرغم من تعدد الجماعات المسلحة في نيجريا وتنوع  دوافعها، إلا أن مساراتها تفاعلت وأثّرت على بعضها البعض بطرق مختلفة، كما تشابكت بشكل معقد مع رد فعل الدولة والمجتمع:

• علاقات تعاون أو تنافس بين الجماعات الجهادية: شهد شمال شرق نيجيريا مزيجا من التعاون والتنافس الدموي بين بوكو حرام (وجناحها السابق شيكاو) وISWAP. فبعد انشقاق 2016، حصلت مواجهات عنيفة تلتها فترات هدوء حذر أو هدنة ضمنية لتقسيم مناطق النفوذ.

وفي 2021، انتهت المنافسة بمقتل شيكاو وتفوق ISWAP عسكريا، لكن ذلك لم ينه وجود فلول جماعته التي استمرت بتنفيذ هجمات انتحارية متفرقة. ([49])

وحاليا، يعتقد أن ISWAP هو الفصيل المهيمن وهو يتوسع في ولاية بورنو وما حولها، فيما انضوت عناصر بوكو حرام الباقية تحت لوائه أو تشتتت في الأحراش. أما أنصارو، فحافظ على مسافة من هذا الصراع واختبأ أساسا في الشمال الغربي، لكنه أيضا تعرض لهجمات من بوكو حرام سابقا كونه رافضا لنهجها، وهو حد من توسعه. ([50])

ومن جانب آخر، هناك تقارير عن تواصل بين ISWAP وبعض عصابات “قطاع الطرق” في الشمال الغربي لتبادل المنفعة: حيث يوفر الجهاديون أسلحة أو تدريبا مقابل حصولهم على مجندين أو فرض نفوذ أيديولوجي. كما أن بوكو حرام نفسها سعت للتحالف مع بعض جماعات اللصوص لتعزيز وضعها بعد 2015. لكن في المجمل، يظل الهدف مختلفا بين الطرفين مما يجعل تحالفاتهم تكتيكية مؤقتة وليست اندماجا طويل الأمد. ([51])

•علاقات عداء وصراع إثني: كثير من العنف في نيجيريا يحمل طابعا إثنيا أو طائفيا. فالجماعات الإجرامية من الفولاني (قطاع الطرق) دخلت في صراع مفتوح مع الميليشيات المحلية للهوسا (يان ساكاي)، ومع مجتمعات مسيحية في الوسط، مما أدى لحروب انتقامية أوقعت آلاف الضحايا من المدنيين على الجانبين. ([52])

كذلك، حركة IPOB الانفصالية خلقت شرخا بين الكثير من الإيغبو وبين بقية المجموعات العرقية خاصة الهوسا والفولاني الذين ينظرون إليها كمهدد لوحدة البلاد. وربما أخطر ما في الأمر هو تسييس الدولة لتلك الانقسامات؛ فكثيرا ما اتهمت الحكومات المحلية أو الفدرالية بتسليح ميليشيات تابعة لمجموعة معينة كوسيلة لمحاربة خصومها. ([53])

ومثال ذلك اتهام مسؤولين في الولايات الشمالية بتسليح رعاة فولاني لمواجهة ميليشيات مسيحية في بنيوي وبلاتو، أو بالعكس دعم قادة مسيحيين لميليشيات الدفاع ضد الفولاني، مما يعمق الشكوك وانعدام الثقة بين المكونات الوطنية.

• تفاعل الجماعات مع الدولة: قتال واحتواء ومساومة: تنظر الدولة النيجيرية إلى معظم هذه الجماعات المسلحة كتهديد لسيادتها وأمن مواطنيها، واعتمدت الحكومة المقاربة العسكرية أساسا، حيث نشر الجيش قواته في ثلثي ولايات البلاد لمواجهة التمردات.

وأنشأت تشكيلات خاصة ـ”القوة المشتركة المتعددة الجنسيات” لمحاربة بوكو حرام بالتعاون مع تشاد والنيجر والكاميرون، وقامت بعمليات عسكرية واسعة في الشمال الغربي ضد قطاع الطرق (مثل عملية Harbin Kunama وSharan Daji وعمليات القصف الجوي في 2021-2023). ([54])

غير أن الإفراط في النهج الأمني سبب مشكلات إنسانية وحقوقية، حيث اتهمت قوات الأمن بارتكاب انتهاكات جسيمة من قتل خارج القانون وتعذيب واغتصاب، وحتى تنفيذ برنامج سري للإجهاض القسري لضحايا الاغتصاب. ([55])
وهذه الانتهاكات بدورها زادت الفجوة بين الدولة والمجتمعات المحلية التي فقدت الثقة وشعرت بتخلي الدولة عنها أو باستهدافها، ما يوفر بيئة حاضنة للجماعات المسلحة.

بالمقابل، سعت الدولة في حالات أخرى لسياسات احتواء وحلول غير عسكرية:
أبرز مثال برنامج العفو في دلتا النيجر 2009 الذي منح المقاتلين رواتب وتأهيلًا مقابل تسليم السلاح. أيضًا حاولت بعض حكومات الولايات الشمالية عقد اتفاقيات هدنة مع قادة قطاع الطرق، عارضة عفوا أو وظائف لهم. ([56])
ولكن كثيرا ما فشلت هذه الصفقات بسبب خرق المسلحين لها أو معارضة قطاعات شعبية لأي مصالحة مع من سفكوا الدماء. وبالنسبة لـ IPOB، اختارت الحكومة نهجا أمنيا قضائيا عبر ملاحقة زعيمها كانو دوليا واعتقاله ومحاكمته بتهم الخيانة والإرهاب، في محاولة لشل الحركة، مما جعل الحوار السياسي مستبعدا حتى الآن. ([57])

تفاعل الجماعات مع المجتمع المحلي:

تجد بعض الجماعات المسلحة حاضنة اجتماعية من مجتمعاتها الأصلية. على سبيل المثال، بوكو حرام رغم عنفها، استفادت في بداياتها من دعم أو غض طرف من بعض قطاعات الفقراء في بورنو بداعي تقاسم المظلمة ضد الدولة الفاسدة. كذلك، قطاع الطرق استطاعوا استغلال صلة القرابة واللغة مع بعض القرى للحصول على مؤن أو مخابئ، وأحيانا يظهرون “كـحماة” لقبائل الفولاني في وجه اعتداءات الآخرين. ([58])

أما IPOB/ESN فلديها قاعدة تعاطف واسعة بين الإيغبو الذين يتفقون مع المظالم التي تطرحها الحركة. هذا التعاطف المجتمعي يعقد مهمة الدولة في كسب المجتمعات المحلية. وفي مناطق أخرى، ينقلب المجتمع ضد الجماعات المسلحة: ففي الشمال الشرقي شكّل الأهالي قوة المهام المشتركة المدنية (CJTF) وهي ميليشيا شعبية تعاون الجيش في قتال بوكو حرام، نتيجة سخطهم من فظائع المسلحين. ([59])

وفي بعض القرى الشمالية الغربية، خرج الأهالي في تظاهرات غاضبة ضد الحكومة لفشلها في حمايتهم مطالبين بتسليحهم للدفاع عن أنفسهم. كذلك في الدلتا، المجتمع ممزق بين مؤيد لأساليب المتمردين باعتبارها “نضالًا من أجل الحقوق” وبين معارض لها لتسببها في مزيد من الفقر والتلوث.

العلاقات البينية غير المباشرة:

بعض الجماعات المسلحة تؤثر على أخرى عبر ملء فراغ تتركه إحداها. مثلا، انخفاض هجمات بوكو حرام ببعض المناطق أدى لزيادة نشاط قطاع الطرق فيها بحثا عن ملاذات جديدة، أو قمع IPOB في الجنوب الشرقي دفع بعض الشباب المحبط للانضمام لعصابات إجرامية أخرى بدلا من التوجه إلى العمل السياسي.

هناك أيضا خطر توسع نطاق الإرهاب إقليميا: فنجاح تنظيم الدولة في الشرق الأوسط جذب بوكو حرام لمبايعته، والآن وجود فرع تنظيم الدولة بالصحراء الكبرى ومالي قد يتفاعل مع فروع نيجيريا. ([60])

كما أن الحدود الرخوة سمحت بهروب وضخ المقاتلين بين دول الجوار: مقاتلو بوكو حرام يتسللون إلى دول تشاد والنيجر والكاميرون وبالعكس، وقطاع الطرق يعبرون بين النيجر ونيجيريا. هذه التداخلات الإقليمية تجعل العلاقات بين الجماعات النيجيرية لا تنحصر داخل حدود البلاد، بل تمتد لشبكة أوسع من انعدام الأمن في غرب ووسط إفريقيا.

وباختصار، تتفاعل الجماعات المسلحة في نيجيريا فيما بينها في شبكة معقدة من الصراعات والتحالفات الظرفية، وتتأثر استراتيجياتها وردود أفعالها بقوة بسياسات الدولة ومواقف السكان المحليين، ضمن حلقة مفرغة من العنف وعدم الثقة والتغذية المتبادلة للنزاعات.

التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية لنشاط الجماعات المسلحة

أدى انتشار نشاط الجماعات المسلحة في نيجيريا إلى تداعيات جسيمة على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية:

•التداعيات الأمنية: باتت نيجيريا أحد أخطر بلدان العالم من حيث وتيرة العنف الداخلي، فالمواطنون يعيشون في خوف يومي من عمليات إرهابية أو إجرامية أو اشتباكات طائفية.
وفي الشمال الشرقي، تسببت هجمات بوكو حرام وISWAP في مقتل ونزوح أعداد هائلة (أكثر من 2 مليون نازح داخليا نتيجة نشاطات بوكو حرام). ([61])

وقد أصبحت العديد من المناطق الريفية معزولة أمنيا بسبب سيطرة المسلحين أو خطورة الطرق المؤدية إليها. اضطرت الحكومة لنشر الجيش في معظم الولايات، لكن ذلك أضعف قدرته على التركيز وجعل قواته منهكة وموزعة على عدة جبهات.
كما أن تصاعد نسبة الجرائم كالخطف والسرقة المسلحة بشكل وبائي؛ مثلا، تم الإبلاغ عن مئات حوادث الخطف الجماعي في مدارس شمالية (وهو ما دفع السلطات لإغلاق مدارس ريفية عديدة حفاظا على الطلاب).

وهذا الانفلات الأمني أضر بشدة بثقة المستثمرين والسياح، وأجبر بعض الدول على سحب قنصلياتها من مناطق معينة. وتزايد تسليح المدنيين سواء عبر الميليشيات أو الامتلاك الفردي للأسلحة للدفاع الشخصي، مما عقد المشهد الأمني حيث تحول المجتمع ذاته إلى مجتمع مسلح. وأخطر ما في الأمر أن الجماعات المسلحة ارتكبت فظائع ترقى لجرائم حرب – من مجازر طائفية إلى اغتصابات جماعية وتجنيد أطفال قسري  مما خلّف جروحًا مجتمعية عميقة تتطلب سنوات لتعافي الثقة واللحمة الوطنية.

التداعيات الاقتصادية:

كلف العنف نيجيريا خسائر اقتصادية فادحة مباشرة وغير مباشرة. ففي الشمال، تعطل النشاط الزراعي في مساحات شاسعة نتيجة خوف المزارعين من الذهاب لأراضيهم.

وفي مناطق الشمال الغربي، استولى قطاع الطرق على مساحات من الأراضي الزراعية وطردوا المزارعين منها، مما أدى لتراجع الإنتاج الغذائي المحلي وارتفاع أسعار الغذاء. كما تضرر قطاع النفط بشدة في الجنوب بسبب هجمات المتمردين وسرقات النفط، فانخفض الإنتاج، وخسرت الحكومة إيرادات بمليارات الدولارات. ([62])

أما البنية التحتية الحيوية كالطرق وخطوط الكهرباء والمدارس والمستشفيات في مناطق الصراع، تعرضت للتدمير أو الإغلاق، الأمر الذي كلف الدولة مبالغ طائلة لإصلاحها وأعاق جهود التنمية المحلية.

وعلاوة على ذلك، أنفقت الحكومة أموالا طائلة على الميزانية العسكرية والأمنية على حساب الاستثمار في الخدمات العامة. أيضا، هروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من المناطق غير المستقرة أبطأ النمو الاقتصادي ورفع معدلات البطالة، مما يغذي حلقة مفرغة تغذي فيها البطالة والتهميش نمو أعداد المجندين في الجماعات المسلحة.

وفي دلتا النيجر، أدى التلوث البيئي الناتج عن التخريب النفطي إلى القضاء على الثروة السمكية والزراعية، مضيفا عبئا اقتصاديا على السكان ودافعا البعض للمشاركة في أنشطة غير قانونية للبقاء.

التداعيات السياسية:

أثر انتشار الجماعات المسلحة على استقرار الدولة ووحدة أراضيها، فالحكومة الفدرالية باتت تواجه تحديا لسلطتها في عدة مناطق، وبعضها أصبح أشبه ب ـ”مناطق خارجة عن السيطرة” أو تحت حكم أمراء الحرب فعليا. ([63])

كما أدى تمرد IPOB إلى إحياء شبح الانقسام الوطني وهدد وحدة نيجيريا الترابية من جديد. وأصبحت قضايا الأمن الداخلي محور الصراع السياسي؛ حيث تبادلت الأحزاب الاتهامات بالتقصير أو الاستغلال السياسي للأزمة. مثلًا، قبل انتخابات 2023، ارتفعت حدة الانتقاد لحكومة الرئيس بسبب تدهور الأمن، مما أثّر على شعبية الحزب الحاكم. ([64])

كذلك تعرضت سمعة نيجيريا الدولية للضرر، إذ تواجه انتقادات حقوقية لفشلها في حماية المدنيين واتهام قواتها بارتكاب تجاوزات. وعلى صعيد الحكم المحلي، ضعفت سلطة حكومات الولايات في المناطق المضطربة لصالح زعماء تقليديين أو قادة ميليشيات يملؤون الفراغ الأمني. وبرزت أزمة ثقة بين مكونات الشعب، فالمواطن في الشمال الشرقي مثلا يشعر أن بقية البلاد لم تتضامن معه بما يكفي ضد بوكو حرام، بينما الجنوبي يعتقد أن الشمال يهمين على السلطة ويقحم البلاد في صراعات لا نهاية لها. ([65])

وهذه الشكوك المتبادلة تهدد العقد الاجتماعي وتعرقل جهود المصالحة الوطنية. وأخيرا، أدت حالة انعدام الأمن لتدخلات خارجية أكبر: مثل تعاون نيجيريا مع فرنسا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، واستدعاء شركات أمنية خاصة لحماية مرافق النفط، وهذا بحد ذاته نقاش سياسي حول السيادة والاستعانة بالخارج.

تقييم استجابات الدولة والمبادرات الإقليمية والدولية

واجهت نيجيريا تحدي الجماعات المسلحة بمراوحة من الاستجابات الأمنية والسياسية، كما شاركت أطراف إقليمية ودولية في محاولة معالجة الأزمة المعقدة:

استجابة الدولة الأمنية والعسكرية:
اعتمدت الحكومة الفدرالية بشكل رئيسي على القوة العسكرية لاحتواء التهديدات. فأعلنت عدة حملات وعمليات عسكرية في مختلف المناطق: عملية لافيا دولي ضد بوكو حرام، وعمليات خاصة ضد قطاع الطرق (مثل “عملية هاربن كوناما” و”شران داجي” و”عملية أكورد” عام 2020)، كما قامت القوات الجوية بشن غارات مكثفة على معسكرات المسلحين. ([66])

ونجحت هذه العمليات في قتل عدد من قادة بوكو حرام و” قطاع الطرق”، إلا أنها لم تقض تماما على التمردات، بل أدت أحيانا لنتائج عكسية بسبب سقوط ضحايا مدنيين بالقصف الخاطئ. وسعت الدولة من قوام جيشها وقواتها الخاصة، واستعانت بمقاتلات ومدرعات جديدة، لكن الانتشار المفرط أرهق الجيش. ([67])

كما لجأت الحكومة أيضا لنهج “القوة الناعمة” المحدودة كبرامج نزع التطرف وإعادة التأهيل: أطلقت برنامج “الممر الآمن” لإعادة تأهيل المنشقين من بوكو حرام، وشهدت السنوات الأخيرة استسلام آلاف المقاتلين السابقين للجيش طلبا للعفو، مما اعتبرته الحكومة نجاحا، لكن اندماج هؤلاء في المجتمع يواجه تحديات كبيرة. ([68])

المقاربات السياسية والعدلية:
سياسيا، حاولت الحكومة المركزية التنسيق مع حكومات الولايات المتضررة، حيث عقدت اجتماعات أمنية دورية للولاة، وتم إنشاء قوات حرس إقليمية كقوة “أميتيوكون” في جنوب غرب نيجيريا (وهي قوة أمنية محلية أنشأتها ولايات اليوروبا لمكافحة الجريمة، جاءت كرد فعل على انتشار انعدام الأمن).

وكذلك، سعت الحكومة لتمرير قوانين تشدد العقوبات على الخطف والإرهاب، وصنفت IPOB وقطاع الطرق كمنظمات إرهابية لحشد غطاء قانوني أوسع ضدها. لكن على صعيد القضاء، تعثرت المحاسبة؛ مئات من معتقلي بوكو حرام لم يحاكموا لسنوات، وكان زعيم IPOB بالرغم إسقاط بعض التهم عنه لا يزال محتجزا مما يثير جدلا قانونيا. ([69])
ويواجه النظام القضائي ضغوطا هائلة بين ضرورة مكافحة الإفلات من العقاب وضمان حقوق الإنسان وعدم تعميق المظالم.

المبادرات التنموية والمصالحة:
أدركت الدولة تدريجيا أن القوة وحدها لا تكفي، فطرحت برامج تنموية في المناطق المضطربة. وُضعت خطط لإعادة إعمار الشمال الشرقي (مبادرة “النهضة في الشمال الشرقي”) لتحسين الخدمات والبنية التحتية في ولايات بورنو ومحيطها، وخصصت صناديق لدعم ضحايا الإرهاب.

كما حاولت حكومة الرئيس السابق إطلاق مشروع مصالحة وطنية يشمل رجال دين وشيوخ قبائل لتهدئة الصراعات بين المزارعين والرعاة عبر اتفاقات محلية على تقاسم الموارد. هذه الجهود نجحت في حالات محدودة في الحد من العنف في بعض المجتمعات، لكنها لم ترقَ بعد إلى استراتيجية وطنية شاملة تغير جذور المشكلات.

المبادرات الإقليمية: على المستوى الإقليمي، تعتبر أزمة بوكو حرام عابرة للحدود، لذا تعاونت نيجيريا مع جيرانها عبر القوة المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) التي شكّلتها لجنة حوض بحيرة تشاد وبدعم من الاتحاد الإفريقي منذ 2015. ([70])
وضمّت هذه القوة جنودا من نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون، وحققت نجاحات نسبية في تضييق الخناق على بوكو حرام في المناطق الحدودية. لكن انقلاب الأوضاع السياسية في بعض الجوار (مثل الانقلاب في تشاد 2021 والنيجر 2023) عرقل التنسيق أحيانا. ([71])

وفي الغرب والشمال الغربي، بدأت نيجيريا العمل مع النيجر ومالي في تبادل المعلومات حول تحركات العصابات المسلحة عبر الحدود، خاصة بعد ورود تقارير عن تسلل جماعة “لاكُراوا” (وهي جماعة مسلحة جديدة قدمت من مالي نحو حدود نيجيريا-النيجر). وعلى صعيد الانفصال في الجنوب الشرقي، ضغطت نيجيريا على جيرانها (خصوصا بينين والكاميرون) لمنع وجود قواعد خلفية لـ IPOB أو هروب مطلوبين عبر الحدود. ([72])

• الدور الدولي: نالت أزمة الجماعات المسلحة في نيجيريا اهتماما دوليا متزايدا لاعتبارات مكافحة الإرهاب وحماية المدنيين. وقدّمت الولايات المتحدة وبريطانيا مساعدات استخباراتية وتدريبية للجيش النيجيري (لا سيما في مجالات حرب الصحراء والطيران المسير)، وساعدت في نقل تقنية لتعقب الاتصالات التي يستخدمها المسلحون. ([73])

كما نشرت الولايات المتحدة طائرات استطلاع في أجواء نيجيريا لتعقب بوكو حرام عقب حادثة اختطاف فتيات شيبوك 2014. وفرنسا أيضا منخرطة عبر قيادتها لعمليات الساحل (برخان سابقا)، حيث ربطت جهود محاربة الإرهاب في مالي والنيجر مع الشمال النيجيري وفرضت بعض الدول عقوبات أو قيود سفر على أفراد وشركات مرتبطة بتمويل المسلحين.

أما المنظمات الدولية كالأمم المتحدة عبر وكالاتها قدمت مساعدات ضخمة للنازحين (يتجاوز عدد المحتاجين 8.3 مليون في شمال شرق نيجيريا)، فيما ضغط مجلس الأمن الدولي على الحكومة لوصول المساعدات بدون عوائق. ([74])

كذلك وثّقت منظمات كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش انتهاكات جميع الأطراف، مما شكل ضغطا على أبوجا لتصحيح سلوك قواتها ومحاسبة الجناة. وعلى صعيد المحاكم الدولية، انتهى التحقيق الأولي في المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أساس معقول لاتهام بوكو حرام وبعض عناصر القوات النيجيرية بارتكاب جرائم حرب، ويستمر الحوار مع أبوجا حول إجراءات المتابعة القضائية لضمان المساءلة.

بشكل عام، تبدو استجابات الدولة والمجتمع الدولي غير كافية حتى الآن لحل جذري، فالمقاربات العسكرية رغم ضرورتها، لم تعالج جذور الأزمات، والمبادرات التنموية والمصالحة لا تزال محدودة النطاق أو بطيئة التأثير. كما أن التنسيق الإقليمي والدولي يصطدم بتحديات لوجستية وسياسية، وهذا ما يستدعي تفكيرا استراتيجيا أكثر شمولا وطويل المدى.

توصيات بحثية وعملية للتعامل مع هذه الجماعات
في ضوء هذا المشهد المعقد، يتعين تبني مقاربة شاملة متعددة المستويات لمعالجة ظاهرة الجماعات المسلحة في نيجيريا. وفيما يلي بعض التوصيات البحثية والعملية المقترحة:

1. معالجة جذور المظالم والتهميش: يظهر بوضوح أن الفقر والبطالة واللاعدالة في توزيع الموارد عوامل أساسية تدفع الشباب للانضمام إلى جماعات العنف أو تجعل المجتمعات تتعاطف معهم. لذلك، توصي الدراسات الحديثة بتركيز الجهود التنموية في “النقاط الساخنة” أمنيا.

ينبغي إطلاق مشاريع بناء بنى تحتية، وتوفير فرص عمل للشباب (خاصة المسرّحين من تلك الجماعات) وإعادة تأهيلهم مهنيا، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية.

هذا يقلل من الخزان البشري الذي تتغذى عليه الجماعات المسلحة، كذلك، إعادة النظر في نمط الاقتصاد النفطي الريعي، إذ يجب استثمار جزء أكبر من عائدات النفط في تنمية دلتا النيجر لمعالجة أسباب تمرد سكانها.

2. تعزيز العدالة وسيادة القانون: لإقناع الناس بنبذ العنف، يجب أن يروا الجناة يحاسبون وفق القانون والضحايا تنصف حقوقهم. لذا من المهم تفعيل منظومة قضائية خاصة بجرائم الإرهاب والنزاعات الداخلية، لضمان محاكمات عادلة وسريعة لمعتقلي بوكو حرام وقطاع الطرق وغيرهم.

الإفلات من العقاب يغذي شعور الضحايا بالرغبة في الانتقام أو انعدام الثقة بالدولة. كما ينبغي التحقيق الجاد في مزاعم الانتهاكات التي ارتكبها أفراد القوات الأمنية، ومحاسبة المتورطين، لضمان عدم تحول الدولة من منقذ إلى جلاد في نظر شعبها.

3. إعادة هيكلة قطاع الأمن وبناء الثقة: يحتاج الجيش والشرطة في نيجيريا إلى إصلاحات بنيوية لتحسين الكفاءة واحترام حقوق الإنسان. إن برامج التدريب على مكافحة التمرد يجب أن تتضمن محتوى عن حماية المدنيين وقواعد الاشتباك، بدعم من الشركاء الدوليين عند الحاجة.

كما يجب دمج المزيد من أبناء المناطق المضطربة في قوات الأمن المنتشرة فيها، مما يعزز التواصل الثقافي واللغوي مع السكان.

وإلى جانب ذلك، تقنين عمل لجان vigilante المحلية ضمن إطار رسمي (مثلاً تحويل بعضها إلى “حرس وطني” محلي خاضع لرقابة الدولة)، كي لا تظل خارج القانون.

4. استراتيجية شاملة لنزع التطرف وإعادة الدمج: بالرغم من كراهية المجتمعات لمرتكبي العنف، إلا أن الواقع يفرض التعاطي مع من يرغبون في ترك السلاح. إذ يجب توسيع برامج إعادة التأهيل النفسي والتعليمي للمقاتلين السابقين، مع إشراك المجتمعات المحلية في قبولهم تدريجيا عبر مبادرات مصالحة تقودها شخصيات يحترمها الجميع (زعماء دينيون أو تقليديون).

ونجاح مثل هذه البرامج في دول أخرى (كحالة المتمردين السابقين في دلتا النيجر عقب 2009) يمكن أن يلهم نهجا يوازن بين العدالة الانتقالية والعفو المشروط بالاندماج الإيجابي.

5. تعزيز التعاون الإقليمي ومراقبة الحدود: بما أن كثيرا من هذه الجماعات تتحرك عبر حدود نيجيريا مع دول الجوار، فلا بد من تحسين آليات التعاون الاستخباراتي والعملياتي مع تلك الدول. توصي مراكز الأبحاث بأن تنشئ نيجيريا مراكز تنسيق حدودية مشتركة مع النيجر وتشاد والكاميرون لتبادل المعلومات الفورية عن تحركات الجماعات.

وكما يمكن توسيع مهمة القوة المتعددة الجنسيات لتشمل مكافحة عصابات قطاع الطرق العابرة للحدود، ربما تحت مظلة ECOWAS. وفي ذات الوقت، يتعين تنفيذ برامج تنمية مشتركة في المناطق الحدودية (مشاريع زراعية ورعوية مشتركة) لتقليل التنافس على الموارد التي تؤجج الصراع.

6. الحوار الوطني ومعالجة المسارات السياسية: على المدى الأبعد، تحتاج نيجيريا لحوار وطني صريح حول هيكلها الفدرالي وتوازن السلطة والموارد. فقضايا كحقوق الولايات في الثروات، وضمان تمثيل عادل للمجموعات المختلفة، وتطوير نظام حكم محلي فعال، كلها ترتبط بتخفيف الدوافع الانفصالية والاحتقان العرقي.

يمكن تبني مؤتمر للمصالحة الوطنية يضم ممثلين عن الأقاليم والمجموعات الدينية والعرقية لبحث عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة الجميع ويبدد مخاوف التهميش التي تستغلها الجماعات المسلحة.
هذا الحوار يجب أن يترافق مع جهود مصالحة محلية (كما في مبادرات الصلح بين الرعاة والمزارعين باستحداث قوانين تنظم الرعي وترعى حقوق الطرفين).

7. استمرار البحث والتقييم: التوصية بمزيد من البحوث الميدانية لفهم ديناميات كل جماعة وتطورها، واستخدام نتائجها لتصميم تدخلات أكثر فاعلية. مثلا، دراسة أسباب انجذاب الشباب لبوكو حرام في قرية مقابل رفضه في قرية أخرى قد يكشف عوامل مجتمعية يمكن تعزيزها. أيضا، تقييم دوري لنتائج سياسات الحكومة (كعمليات العفو أو الحملات العسكرية) بطريقة علمية سيساعد على تعديل النهج وفق ما ينجح وما يفشل. وينبغي دعم مراكز الفكر والجامعات النيجيرية لإنتاج معرفة محلية حول هذه الظواهر بدلا من الاعتماد فقط على تقارير خارجية.

خاتمة:

في الختام، يبرز تقريرنا أن خريطة الجماعات المسلحة في نيجيريا معقدة ومتنوعة، تتداخل فيها عوامل دينية، وعرقية، واقتصادية، وسياسية. وقد أفرز هذا الواقع تحديات هائلة أمام الدولة والمجتمع. وإن اتباع نهج أحادي البعد (أمني فقط أو سياسي فقط) ثبت قصوره. لذلك، فإن تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة، تستند إلى فهم عميق للأسباب الجذرية وتجمع بين الحسم الأمني والإدماج التنموي والحوار السياسي، هو السبيل الأنجع لتفكيك بيئة العنف المزمنة في نيجيريا. ويتطلب تحقيق ذلك إرادة سياسية قوية وإدارة حكيمة للتنوع، ودعما من الشركاء الدوليين والإقليميين، والأهم كسب ثقة المواطن النيجيري في أن السلام المستدام ممكن والعدالة متحققة، مما ينزع البساط من تحت أقدام الجماعات المسلحة.

[1]-By Africanews. "La Guerre Du Biafra : Une Page Douloureuse De L'histoire Du Nigeria." Africanews, February 28, 2017. https://fr.africanews.com/2017/05/28/la-guerre-du-biafra-une-page-douloureuse-de-l-histoire-du-nigeria//.
[2]- Husted, Tomás F. IF10173. "Boko Haram and the Islamic State West Africa Province." U.S. Congress Legislation, (2022). Accessed February 24, 2022. https://www.congress.gov/crs-product/IF10173.
[3]- "Facing the Challenge of the Islamic State in West Africa Province." International Crisis Group, no. Report N°273 (2019). Accessed May 16, 2019. https://www.crisisgroup.org/africa/west-africa/nigeria/273-facing-challenge-islamic-state-west-africa-province.
[4]- مرجع سابق
[5]-Ipid.
[6]- Iss Regional Office For West Africa The Sahel And The Lake Chad Basin. "Ansaru’S Comeback in Nigeria Deepens the Terror Threat." Institute for Security Studies, (2020). Accessed June 1, 2022. https://issafrica.org/iss-today/ansarus-comeback-in-nigeria-deepens-the-terror-threat.
[7]- OLAYINKA, Iseoluwa R., Gafar I. AYODEJI, Asimiyu O. ADENUGA , and Ibrahim O. YUSUF. "POLITICS OF SECURITY AND ARMED BANDITRY: A CONJECTURAL EXPLORATION OF DISPOSITION AND POLICY DIRECTION OF STATECRAFT IN NORTH-WEST, NIGERIA." JOURNAL OF POLITICAL DISCOURSE 2, no. 3 (2024). Accessed September, 2024.
[8]-Ipid.
[9]-Ipid.
[10]- Ejiofor, Promise Frank (2024). "Hobsbawm on rebellion in the postcolony: the political economy of armed conflicts in Northern Nigeria". Review of African Political Economy. 51 (179). doi:10.62191/ROAPE-2024-0007. ISSN 0305-6244.
[11]-Ipid.
[12]-Ipid.
[13]- Ugorji, B. (2017). Indigenous People of Biafra (IPOB): A Revitalized Social Movement in Nigeria. International Center for Ethno-Religious Mediation.
[14]-Anichukwueze, Donatus. "Military Confirms Killing Of Five Soldiers By IPOB/ESN Terrorists In Abia." CHANNELS, (2024). Accessed May 28, 2024. https://www.channelstv.com/2024/05/31/military-confirms-killing-of-five-soldiers-by-ipob-esn-terrorists-in-abia/.
[15]-Ipid.
[16]-Ipid.
[17]- "The Movement for the Emancipation of the Niger Delta Accuses the Army of Attacking Its Positions." PBS NewsHour, (2008). Accessed September 13, 2008. https://bit.ly/4deVjwG.
[18]- De Souza, Olivier . "Nigeria: Le Groupe De Militants ArméS Niger Delta Avengers Menace De Reprendre Ses Attaques Sur Les Installations PéTrolièRes." Business & Human Rights Resource Centre, (2021). Accessed June 29, 2021. https://www.business-humanrights.org/fr/derni%C3%A8res-actualit%C3%A9s/nigeria-le-groupe-de-militants-arm%C3%A9s-niger-delta-avengers-menace-de-reprendre-ses-attaques-sur-les-installations-p%C3%A9troli%C3%A8res/.
[19]- "Top Rebel Takes Nigeria's Amnesty Offer." PBS NewsHour, (2008). Accessed November 2, 2008. https://www.voanews.com/a/a-13-2009-08-22-voa28-68658902/354641.html.
[20]- مرجع سابق
[21]- مرجع سابق
[22]- أبو المعالي، محمد م. 2015. التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة في الساحل والصحراء. مركز الجزيرة للدراسات. https://studies.aljazeera.net/ar/ebooks/book-1234.
[23]- مرجع سابق
[24]- مرجع سابق
[25]- مرجع سابق
[26]- مرجع سابق
[27]- "تحسبا لهجمات خطيرة... واشنطن تأمر دبلوماسييها غير الأساسيين بمغادرة أبوجا." الجزيرة، (2022). Accessed October 28, 2022. https://bit.ly/42Oz5Op.
[28]- مرجع سابق
[29]- مرجع سابق
[30]- مرجع سابق
[31]- مرجع سابق
[32]- مرجع سابق
[33]- مرجع سابق
[34]- مرجع سابق
[35]- مرجع سابق
[36]- مرجع سابق
[37]- مرجع سابق
[38]- مرجع سابق
[39]- مرجع سابق
[40]- مرجع سابق
[41]- مرجع سابق
[42]- مرجع سابق
[43]- مرجع سابق
[44]- مرجع سابق
[45]- مرجع سابق
[46]- مرجع سابق
[47]- مرجع سابق
[48]- مرجع سابق
[49]- مرجع سابق
[50]- مرجع سابق
[51]- مرجع سابق
[52]- مرجع سابق
[53]- مرجع سابق
[54]- UMAR, Abdulnasir , Yakubu J. HARUNA, Ahmed BUBA, and Abdulkarim GARBA. 2021. An Assessment of The Role of Operation Sharan Daji in Combating Rural Banditry in Northern Senatorial Zone of Zamfara State (2015-2019). NAJOPS. https://najops.org.ng/index.php/najops/article/view/194.
[55]- "نيجيريا: يجب التحقيق مع ضباط كبار في الجيش بتهمة ارتكاب جرائم حرب." منظمة العفو الدولية، (2017). Accessed July 3, 2015. https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2015/06/nigeria-senior-members-of-military-must-be-investigated-for-war-crimes/.
[56]- أُونُووها, فريدوم . "الأعمال القتالية بدلتا النيجر الغنية بالنفط في نيجيريا: المخاطر والتأثيرات." مركز الجزيرة للدراسات, (2018). Accessed July 19, 2016. https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/06/160619084757701.html.
[57]- مرجع سابق
[58]- مرجع سابق
[59]- Bamidele, Seun . "The Civilian Joint Task Force and the Struggle against Insurgency in Borno State, Nigeria." JSTOR, (2017). Accessed July 19, 2016. https://www.jstor.org/stable/10.2979/africonfpeacrevi.7.2.04.
[60]- مرجع سابق
[61]- مرجع سابق
[62]- مرجع سابق
[63]- مرجع سابق
[64]- مرجع سابق
[65]- مرجع سابق
[66]- "جيش نيجيريا: صد هجوم لبوكو حرام في مدينة مايدوجوري." Reuters, (2017). Accessed April 27, 2017. https://www.reuters.com/article/nigeria-blasts-mn6-idARAKBN1HX37F/.
[67]- رقية, محمد . "النزاع المسلح في نيجيريا وعمليات السلام." المجلة الأكادمية للبحوث القانونية والسياسية، (2022). Accessed September 15, 2022. https://asjp.cerist.dz/en/article/200501.
[68]- مرجع سابق
[69]- مرجع سابق
[70]- Tayo, Raoul S. "Decades of Security Cooperation under Threat in Lake Chad Basin." Institute for Security Studies, (2025). Accessed January 27, 2025. https://issafrica.org/iss-today/decades-of-security-cooperation-under-threat-in-lake-chad-basin.
[71]- Ipid.
[72]- مرجع سابق
[73]- مرجع سابق
[74]- مرجع سابق

تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

إيهاب العاشق

باحث مختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الأمنية
زر الذهاب إلى الأعلى