إعداد فريق المركز
احتضنت نيامي عاصمة النيجر المؤتمر الثالث رفيع المستوى لحوض بحيرة تشاد الذي احتضنت أشغالها قاعة مهاتما غاندي الدولية للمؤتمرات في العاصمة النيجرية نيامي أيام 23-24 جانفي 2023، وتم تنظيم هذا المؤتمر بالتعاون بين كل من النيجر وألمانيا والنرويج بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، وحضرت فعاليات المؤتمر أكثر من 100 دولة وأكثر من 300 منظمة دولية ومنظمات مجتمع مدني، للبحث والعمل على إيجاد حلول وإخراج منطقة حوض بحيرة تشاد من المشاكلة التي تشهدها حاليا وربما تلك التي تهددها في المستقبل. حيث تعاني منطقة حوض البحيرة التي تضم (تشاد، النيجر، نيجيريا، الكاميرون) من عديد المشاكل على عديد المستويات (بيئية، سياسية، أمنية، إجتماعية)، بسبب التغييرات الأخيرة المناخية التي انعكست سلبا على البحيرة وتنامي نشاط الجماعات الإرهابية مما عمق أكثر الأزمة الاقتصادية والإنسانية بالمنطقة.
يستعرض هذا التقرير أهم مخرجات المؤتمر الثالث لحوض تشاد عبر طرح خمس محاور أساسية كالآتي:
– منطقة حوض بحيرة تشاد.
– تنامي دور الجماعات الإرهابية بالمنطقة.
– تأثيرات التغيير المناخي.
– مخرجات المؤتمر وأبعاده المستقبلية على الأزمة التي يشهدها حوض بحيرة التشاد.
حوض بحيرة تشاد
تقع بحيرة تشاد في وسط الساحل الإفريقي وتمتد مساحتها 2500 كم مربع، إذ تعتبر من أكبر البحيرات في القارة الإفريقية، وتوفر بحيرة تشاد المياه لقرابة 30 مليون شخص ضمن أربع دول في الساحل الإفريقي تشاد، النيجر، كاميرون، نيجيريا، وتتغذى بحيرة تشاد أساسا من نهر لوغون النابع من جمهورية إفريقيا الوسطى وفرعة نهر شاري.
وفي السنوات الأخيرة تعاني البحيرة من ظاهرة التبخر بسبب التغييرات المناخية مما أدى إلى هطول كميات كبيرة من الأمطار التي تسببت في فيضانات مدمرة، كما أن هذا الجفاف أدى إلى تقلص حجم البحيرة، إنخفاض مستويات مياه البحيرة أدى إلى تصنيفها من قبل الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ككارثة بيئية، هذه الكارثة أدت إلى ظهور نزاعات بين الدول والسكان حول مياه البحيرة، كما أن الغطاء النباتي وعدد كبير من الحيوانات والطيور مهددة فيها بالإنقراض. وعلى غرار الأزمة البيئية تعاني المنطقة من أعمال عنف وصراعات كبرى، كما أن دول المنطقة تصنف من بين أفقر دول العالم (تشاد، النيجر).
لذلك تحتاج بحيرة تشاد إلى تدخل عاجل ومن ضمن هذه التدخلات تم وضع مؤتمر حوض بحيرة تشاد في العاصمة النرويجية أوسلو في 24 فيفري 2017 ووعود لمساعدة المنطقة للخروج من الازمة بمبلغ قدرة 432 مليون أورو وهو ما يبلغ ربع القيمة التي حددتها الأمم المتحدة لخروج المنطقة من الأزمة، وبعدها بسنة في 4 سبتمبر 2018 احتضنت العاصمة الألمانية برلين القمة الثانية حيث تم رصد مبلغ بقينة 2.17 مليار أورو من قبل الدول المانحة لمساعدة دول حوض بحيرة تشاد.
بالرغم من كل هذه الوعود والمنح إلا أن حالة المنطقة بقيت في تدهور يوما بعد يوم، حتى أن الصراعات الدولية وأعمال العنف في المنطقة تتزايد يوم بعد يوم مع التأثيرات المناخية وخاصة مع تعطل مخرجات القمم المناخية وعدم تنفيذ الدول المانحة لوعودها لمساعدة الدول النامية في تفادي الأزمة المناخية، حيث تعتبر القارة الإفريقية أكثر مناطق العالم تضررا من الأزمة، وهو ما ينعكس على الأوضاع في حوض بحيرة تشاد.
تنامي نشاطات الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة
تحتضن منطقة غرب إفريقيا بصفة عامة ودول منطقة حوض تشاد بصفة خاصة أعتى التنظيمات الإرهابية والأكثر نشاط في العالم، تنامى نشاط الجماعات بالمنطقة بصفة عامة سنة 2012 وبصفة خاصة نشاط جماعة بوكو حرام التي تتخذ من شمال نيجريا ومنطقة الساحل والصحراء مركزا لها، كما تنشط عديد التنظيمات الأخرى أبرزها ما يعرف بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب وأفرعه التنظيمية المتواجد بين كل من مالي والنيجر والتشاد.
ويعود تنامي هذا الدور تحديدا إلى الأزمة التي عرفتها ليبيا بعد ثورة فبراير 2011، وتحول ليبيا إلى مركز للتنظيمات الجهادية بإفريقيا، ومع قيام ما يعرف بإمارة مالي سنة 2012 في المناطق الشمالية لمالي، مما أكسب هذه التنظيمات قوة كبيرة ووفر لها مركزا تنطلق منها للقيام بعملياتها.
بالرغم من تشكيل القوة المشتركة لبلدان الساحل (المجموعة الخماسية) التي تضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر سنة 2017 لمحاربة الجماعات الإرهابية، مع مقتل زعيم ومؤسس تنظيم بوكو حرام أبو بكر الشكوي في 2021 وعلى الرغم من انقسام التنظيم إلى فرعين (فرع تابع للقاعد وأخر لداعش)، إلا أن التنظيمات رفعت من نسق نشاطاتها وبلغت عملياتها حتى مناطق شمال جمهورية بنين في الآونة الخيرة حيث سجلت خلال سنة 2022 أكثر من ألفي قتيل في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو، كما أن الانسحاب الفرنسي من مالي وتلويح الأمم المتحدة بسحب قوتها التي يبلغ تعدادها قرابة 12 ألف جندي خلال سنة 2023، ينذر بارتفاع في نسق الأنشطة في ظل التقاتل بين الجماعات فيما بينها ومع الحكومات المتواجدة في المنطقة مما يتسبب في نزوح الآلاف سنويا.
كما أن هشاشة الأنظمة السياسية بمنطقة حوض تشاد وضعف التواجد الأمني والإمكانيات عزز نشاطات جماعات الجريمة المنظمة بها، حيث تزدهر في المنطقة الأسواق السوداء لتجارة الأسلحة والمخدرات والإتجار بالبشر، وتنشط عديد شبكات الجريمة الدولية (المافيا الأوروبية خاصة)، في علاقة مع التنظيمات الإرهابية، حيث تعتبر المنطقة سوق كبيرة لبيع الأسلحة بسبب التقاتل الحاصل بها، رفقة ما تعانيه من أزمة إجتماعية وإقتصادية تتسبب في مفاقمة البؤس والفقر مما يسهل عملية تجنيد الأهالي هناك سواء في صفوف المقاتلين أو للانخراط ضمن أنشطة المنظمات الإجرامية.
تأثيرات التغيير المناخي
خلال أشغال مؤتمر قمة المناخ الأخيرة كوب 27 الذي احتضنت فعالياته مدينة شرم الشيخ بمصر وكان أكثر موجه لإنعكاسات أزمة التغييرات المناخية في العالم بصفة عامة وقارة إفريقيا بصفة خاصة التي تعتبر الأكثر ضررا، نشرت مجموعة World Weather Attribution دراسة حول تأثيرات التغيير في المناخي زيادة الفيضانات بمنطقة غرب إفريقيا، حيث أوردت هذه الدراسة كل تفاصيل والأرقام التي تسببت فيها التغييرات المناخية بمنطقة حوض بحيرة التشاد.
فيضانات 2012
كانت أول الفيضانات تدميرا سنة 2012 حيث تسببت في مئات القتلى وتشريد الملايين، ففي نيجيريا وحدها التي تسببت كثرة التساقطات من عدم احتمال طاقة استيعاب السد للمياه مما جعل جداره ينهار لتغمر المياه 34 ولاية من أصل 36 ولاية في البلاد مما تسبب في موت العشرات وجرح الآلاف ونزوح قرابة مليون ونصف ساكن من مناطقهم نحو مناطق أخرى، حيث دمرت المياه قرابة 300 ألف منزل وغمرت المياه قرابة نصف مليون هكتار من المحاصيل الزراعية، أما في شمال الكاميرون فقد تسببت الفيضانات في تشريد قرابة 25.000.
فيضانات 2022
كانت الفيضانات الأخيرة التي حدثت سنة 2022 الأكثر تدميرا، حيث تسببت في مقتل المئات ونزوح قرابة 1.3 مليون شخص وغمرت الآلاف من الهكتارات الزراعية بالمياه، أما في تشاد فقد أثرت هذه الفيضانات في نزوح نصف مليون شخص، إذ كانت منطقة جنوب غرب البلاد الأكثر تضررا بسبب غمر المياه لمئات الهكتارات ونفوق الماشية مما أجبر 90 ألف شخص على النزوح إلى العاصمة أنجامينا.
بالنسبة لبقية مناطق حوض بحيرة تشاد، نزح في بوركينافاسو قرابة 379.500 شخص، أما النيجر فقد تضرر أكثر من 63.000 شخص، وفي النيجر قرابة 31.00 نزحوا من مناطقهم وفي مالي تضرر ما يقارب 41.00 شخص بسبب الفيضانات.
مخرجات قمة نيامي
تأتي قيمة نيامي ضمن هذا الإطار والأزمة التي تشهدها منطقة حوض بحيرة تشاد حيث تقدر أعداد المشردين حاليا بقرابة 2.9 مليون، يتواجد 2 مليون منهم في نيجيريا وحدها، كما أن إنعدام الأمن الغذائي الشديد يهدد قرابة 5.6 مليون شخص، كما أن وباء الكوفيد وانعكاساته زادت في مفاقمة الأوضاع بالمنطقة التي تشهد أساسا تدهور إقتصادي كبير، وكانت مخرجات القمة على النحو التالي:
– تعهدت ألمانيا بتقديم مساعدات تبلغ قيمتها 100 مليون يورو هدفها مساعدة النازحين وإعادة إندماج مقاتلي جماعة بوكو حرام.
– رفعت الأمم المتحدة من قيمة حجم المساعدات العاجلة للمنطقة للخروج من الازمة بقيمة 1.8 مليار دولار.
– تقديم 500 مليون دولار أمريكي لدعم تنفيذ أعمال مشتركة على المستوى المحلي.
– تفعيل آليات التنسيق أكثر بين الحكومات والمؤسسات المحلية والمنظمات الإنسانية بدعم من دول المانحة لتحقيق المزيد من السلام والاستقرار والتنمية.
تتواصل الأزمة البيئية والإنسانية والصراعات بمنطقة حوض بحيرة تشاد بالرغم من كل الوعود السابقة وحتى الحالية، ولا يمكن أن نقرأ هذه القمة الطارئة خارج السياق الدول والإقليمي في المنطقة، حيث تغيبت هذه القمة رفيعة المستوى طيلة أربع سنوات (منذ 2018)، وظلت تعقد فقط على مستوى اللجان بين دول حوض البحيرة، لكنها عادت خلال العام الحالي وبطلب من الأمم المتحدة والدول الأوروبية في ظل تراجع الدور الفرنسي بالمنطقة وبروز فاعلين جدد وخاصة روسيا. لذلك تندرج هذه القمة التي جاءت متأخرة ضمن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين في مواجهة النفوذ الدولي فيها على غرار القمة الأمريكية الإفريقية الأخيرة، كما أن الحلول الأساسية للمنطقة للخروج من أزمتها تتمثل في تطبيق تعهدات القمم المناخية السابقة والتنمية المحلية لدول المنطقة والتي تتمثل في رفع القوى الغربية أيديها عن الثروات التي تزخر بها دول حوض بحيرة تشاد.
المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-Climate change exacerbated heavy rainfall leading to large scale flooding in highly vulnerable communities in West Africa , Link : https://www.worldweatherattribution.org/climate-change-exacerbated-heavy-rainfall-leading-to-large-scale-flooding-in-highly-vulnerable-communities-in-west-africa/
2-La Conférence de Niamey sur la région du lac Tchad s’est conclue par un engagement ferme à renforcer l’action conjointe pour une réponse immédiate et à plus long terme dans la région, Lien: file:///C:/Users/elach/Downloads/Media%20Release_LCBConference2023_FR_FINAL.pdf
3- الملايين يتعرضون لمخاطر الفيضانات في غرب ووسط أفريقيا- ومفوضية اللاجئين تناشد الجهات المانحة تقديم الدعم العاجل، الرابط: https://news.un.org/ar/story/2022/10/1114762
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات