تحليلات

الانتخابات الرئاسية في غانا 2024

وفوز المعارضة الناخبون يقولون نعم للتغيير

كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غانا 2024، التي عقدت في يوم 7 ديسمبر، بمثابة لحظة حاسمة في التاريخ الديمقراطي للبلاد. وواجهت غانا، المعروفة باستقرارها السياسي في غرب أفريقيا، تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة خلال دورة الانتخابات هذه. وفي خضم أزمة اقتصادية حادة، وارتفاع التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، والسخط السياسي، حددت الانتخابات الاتجاه المستقبلي للبلاد وتعزيزها الديمقراطي في منطقة تشهد حمى انقلابية كبيرة. ويعكس فوز جون دراماني ماهاما، مرشح حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي المعارض، على مرشح الحزب الحاكم، محمدو بوميا، استياء الناخبين من الإدارة الاقتصادية للإدارة الحالية، مما يشير إلى تحول محوري في المشهد السياسي في غانا.

نتائج الانتخابات

حصل جون دراماني ماهاما، مرشح حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي المعارض، على 56% من الأصوات، متغلبا على محمدو بوميا، الذي حصل على 41%. ويؤكد فوز ماهاما وحسمها للانتخابات من الدور الأول من دون الحاجة للمرور إلى الدور الثاني وبفارق شاسع قرابة 1.6 مليون صوت وهي لم تحدث منذ 30 سنة تقريبا، وتعبر عن استياء الناخبين من التحديات الاقتصادية في ظل إدارة نانا أكوفو أدو، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة. ويعكس هذا التحول أيضا ديناميكية النظام السياسي في غانا، حيث يخضع القادة للمساءلة من قبل الناخبين حيث أصبحت عمليات نقل السلطة السلمية هي القاعدة منذ العودة إلى الحكم الديمقراطي في عام 1992.

السياق السياسي

منذ انتقالها إلى الديمقراطية في عام 1992، تناوبت غانا على القيادة بين الحزب الوطني الجديد (NPP) والمؤتمر الوطني الديمقراطي. ومع ذلك، تميز العقد الماضي بانتكاسات اقتصادية شديدة، بما في ذلك سوء الإدارة والصدمات الخارجية والتباطؤ الاقتصادي العالمي. ساهمت هذه العوامل في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والديون العامة، مما أدى إلى تآكل الدعم الشعبي للحكومة الحالية بقيادة الرئيس نانا أكوفو أدو. وبينما واجه مرشح الحزب الحاكم، محمدو بوميا، تحديا قويا من ماهاما، الرئيس السابق (2012-2017)، الذي كان يسعى إلى العودة السياسية، أبرزت الانتخابات التوتر الكبير بين الركود الاقتصادي ومطالبة الناخبين بالتغيير. وفي ظل إقليم متقلب يشهد العديد من الانقلابات العسكرية تبقى غانا آخر قلاع الديمقراطية الصامدة في منطقة غرب إفريقيا.

المرشحون وبرامجهم السياسية

محمدو بوميا (NPP)
خاض بوميا، الخبير الاقتصادي ونائب الرئيس منذ عام 2017، حملته الانتخابية على وعد بالإصلاح الاقتصادي، مع التركيز بشكل خاص على الرقمنة. وعلى الرغم من جهوده لتصوير نفسه كزعيم تقدمي، إلا أن ترشيحه واجه صعوبات بسبب فشل الحزب الوطني الجديد في معالجة التحديات الاقتصادية المستمرة مثل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. وفي نهاية المطاف، أدى عجزه عن حل الأزمة الاقتصادية إلى تقليص جاذبيته، حيث ألقى العديد من الناخبين باللوم على الحزب الوطني الجديد في الحالة الحالية التي تعيشها الأمة.

جون ماهاما (الحزب الوطني الديمقراطي)
عاد جون ماهاما، الذي شغل منصب الرئيس من عام 2012 إلى عام 2017، كمرشح للحزب الوطني الديمقراطي بوعود بالتعافي الاقتصادي والوحدة الوطنية. وركزت حملته على الملف الاقتصادي على خلق فرص العمل والاستثمار في البنية الأساسية ومعالجة الفساد. وتكمن جاذبية ماهاما في تعهده باستعادة الاستقرار الاقتصادي في غانا، وقد تعزز ترشيحه برغبة في التغيير في مواجهة المشاكل الاقتصادية المتزايدة في غانا ومن أبرزها تفشي البطالة. وكانت زميلته في الترشح، جين نانا أوبوكو أجييمانغ، جزءا مهما من برنامجه وواجهة له، حيث ترمز في الحملة إلى تمكين المرأة وتحسين جودة التعليم.

المناخ الانتخابي العام والمشاركة:

ظل الناخبون الغانيون منقسمين بشدة بين الحزب الوطني الجديد والحزب الديمقراطي الجديد. وعلى الرغم من عدم قدرة الحزبين على معالجة القضايا الحرجة مثل الفقر وعدم المساواة وخلق فرص العمل بشكل كامل، فقد حافظا على قواعد قوية من الولاء. وكان تصويت الشباب، الذي يشكل 56٪ من السكان، حاسمًا بشكل خاص. وسلطت حركات مثل Fix The Country الضوء على الإحباط العام من الفساد والتدهور البيئي، وخاصة التعدين غير القانوني (Galamsey) والتلوث. ومع ذلك، لم تعالج الأحزاب السياسية الرئيسية هذه المخاوف بشكل كاف، وهو ما أدى إلى زيادة عزلة أجزاء من الناخبين.

كل هذه العوامل تفسر نسبة المشاركة في الانتخابات والتي بلغت قرابة 60%، ويرجع المراقبين إلى أن النسبة الأغلب التي عزفت عن المشاركة في الانتخابية هي من أنصار الحزب الحاكم الغير راضيين عن أداء الحزب الحاكم وغير واثقين في المعارضة، مما دفع بهذه الشريحة لمقاطعة العملية الانتخابية وهو ما يفسر نتائج الانتخابية.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية

لعبت المشاكل الاقتصادية في غانا دورا محوريا في الانتخابات. أدت أزمة الديون في البلاد، والتضخم المرتفع، وانخفاض قيمة السيدي الغاني إلى تآكل ثقة الجمهور بشكل كبير. فشلت استجابة الحكومة، بما في ذلك الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، في تخفيف الضائقة الاقتصادية التي يواجهها الغانيون العاديون. كان الشباب المحبطون من نقص فرص العمل والاستقرار الاقتصادي، محركا رئيسيا للمناخ السياسي. وعلاوة على ذلك، أشعلت القضايا البيئية، وخاصة التعدين غير القانوني وتلوث الأنهار، احتجاجات واسعة النطاق لكنها ظلت دون معالجة إلى حد كبير من قبل النخبة السياسية.

التداعيات الإقليمية والعالمية

إن انتخابات غانا لعام 2024 لها تداعيات إقليمية وعالمية. ويشكل الانتقال السلمي للسلطة مثالا قيما للدول المجاورة في غرب إفريقيا والقارة ككل، حيث واجهت المعايير الديمقراطية تحديات. وتقدم قدرة غانا على محاسبة القادة والحفاظ على الاستقرار السياسي والانتقال السلمي للسلطة عبر آليات الانتخابات وسط الاضطرابات الاقتصادية نموذجا للدول الأفريقية الأخرى. وعلاوة على ذلك، تشير هذه الانتخابات على أهمية الإدارة الاقتصادية الفعالة لتعزيز الديمقراطية، وتعزيز فكرة أن الاستقرار السياسي والحكم الرشيد يعززان بعضهما البعض. وعن توجه الحالي في القارة الإفريقية على معاقبة الأحزاب الحاكمة عبر عدم تصويته لها واختيار أحزاب المعارضة في السلطة وهو ما حدث خلال هذا العام في العديد من الدول الإفريقية (جنوب افريقيا، السنغال، بوتسوانا، موريشيوس)، وذلك بسبب عجز الأحزاب الحاكمة عن حل المشاكل الاقتصادية ومكافحة الفساد.

الخاتمة

أكدت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في غانا التزام البلاد بالمبادئ الديمقراطية ومكانتها كديمقراطية رائدة في أفريقيا. ويؤكد الانتقال السلمي للسلطة، وعلى مرونة المؤسسات الديمقراطية في غانا. وبينما يستعد جون ما هاما لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، فإن الدروس المستفادة من هذه الانتخابات تقدم رؤى قيمة حول الديناميكيات التي تدعم وتعزز الديمقراطية في غانا وفي جميع أنحاء القارة الأفريقية، وخاصة التوجه الحالي للناخب الإفريقي والمتمثل في معاقبة الاحزاب الحاكمة التي حكمت لعقود وتعويضها بالأحزاب المعارضة، هو نوع من العقاب والاحباط الذي يسلطه خاصة الجيل الجديد على هذه الأحزاب بالرغم من تاريخها سواء في كفاحها للاستقلال أو غيرها. وقدمت غانا نموذج على امكانية التغيير بالآليات الديمقراطية ضمن مناخ مليء بالانقلابات العسكرية بالمنطقة.

تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى