انعقدت القمة الثالثة والعشرون لرؤساء دول وحكومات السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في العاصمة السابقة لبورندي بوجومبورا (1962-2019)، في الفترة من 28 إلى 31 أكتوبر 2024، مما يمثل لحظة مهمة في تاريخ المنظمة ويحمل العديد من الرمزيات في ظل العديد من التحديات الدولية والاقليمية. وقد أكد موضوع القمة، “تسريع التكامل الإقليمي من خلال تطوير سلاسل القيمة الإقليمية في الزراعة والتعدين والسياحة والمقاومة للتغييرات المناخية”، على التزام الكوميسا المستمر بتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء البالغ عددها 21 دولة، مع التركيز على المرونة المناخية والتنمية المستدامة عبر القطاعات الرئيسية.
نظرة عامة على الكوميسا:
الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا) هي جماعة اقتصادية إقليمية تأسست عام 1994. وتتمثل مهمتها الرئيسية في تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون والتنمية في منطقة شرق وجنوب إفريقيا من تونس شمالا حتى إسواتيني جنوبا. تهدف الكوميسا إلى إنشاء سوق واحدة موحدة للدول الأعضاء فيها، وتشجيع التجارة والاستثمار والازدهار المشترك. مع 21 دولة عضوا، تمثل الكوميسا جزءا كبيرا من سكان أفريقيا ونشاطها الاقتصادي، مما يجعلها لاعبا رئيسيا في التجارة الإقليمية والعالمية.
وتعمل هذه الدول معا لتحقيق تكامل اقتصادي أكبر، بما في ذلك توحيد إجراءات الجمارك وتطوير البنية التحتية وحرية حركة السلع والخدمات.
النتائج والقرارات الرئيسية لقمة الكوميسا الثالثة والعشرين (31 أكتوبر 2024):
تتضمن النتائج السياسية الرئيسية للقمة ما يلي:
انتقال القيادة:
سلم الرئيس هاكيندي هيشيليما من زامبيا رسميًا رئاسة الكوميسا إلى الرئيس إيفاريست ندايشيمي من بوروندي. وكان هذا الانتقال لحظة ذات أهمية سياسية، حيث يتولى الرئيس ندايشيمي الآن قيادة الكتلة الاقتصادية الإقليمية للعام المقبل.
تم افتتاح مكتب جديد للكوميسا، حيث تولت بوروندي دور الرئيس، وكينيا نائبة الرئيس، وزامبيا مقررة. ويهدف هيكل القيادة الجديد هذا إلى تعزيز أجندة التكامل وتنفيذ المبادرات الرئيسية في جميع أنحاء المنطقة.
التركيز على التكامل الإقليمي:
كان موضوع المناقشة الرئيسي هو تطوير سلاسل القيمة الإقليمية في الزراعة والتعدين والسياحة، والتي تم تحديدها كقطاعات رئيسية لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في بلدان الكوميسا.
ركز الحوار السياسي على كيفية تعزيز التجارة داخل المنطقة وتحسين القدرة التنافسية للدول الأعضاء في الكوميسا في الأسواق العالمية.
كما برزت المرونة المناخية في هذه القطاعات كأولوية، حيث أقرت القادة بالتحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ على الإنتاج الزراعي وعمليات التعدين وصناعات السياحة في جميع أنحاء المنطقة.
الأمن والسلام:
كما تناولت القمة القضايا المتعلقة بالسلام والأمن الإقليميين، وخاصة في سياق التوترات الجيوسياسية المتزايدة والضعف الناجم عن المناخ في المنطقة.
سلط السفير كلود موريل من سيشل، الذي مثل الرئيس رامكالاوان، الضوء على التحديات الأمنية التي تواجه الدول الجزرية. وعلى وجه الخصوص، أكد على أهمية معالجة الأمن البحري والقرصنة من خلال المبادرات التعاونية، مثل مجموعة الاتصال المعنية بالأنشطة البحرية غير المشروعة.
تم تدشين لجنة حكماء الكوميسا رسميًا، مع إعادة تأكيد السفيرة ماري بيير لويد لولاية ثانية، مما يشير إلى التركيز المستمر للمنطقة على حل النزاعات وبناء السلام.
التقدم الاقتصادي والتجاري:
كان تيسير التجارة داخل المنطقة موضوعًا مهمًا، مع الإعلانات حول تحسين إدارة الحدود الجمركية، وأدوات التجارة الرقمية، وإجراءات التخليص المبسطة المصممة لتسهيل تدفقات التجارة داخل منطقة الكوميسا.
كان أحد الإعلانات الرئيسية هو إطلاق برنامج الطاقة النظيفة الذي يهدف إلى ربط 100 مليون شخص بمصادر الطاقة المستدامة في غضون السنوات السبع المقبلة. وتؤكد هذه المبادرة على التزام الكوميسا بالتنمية المستدامة ومعالجة فجوة الوصول إلى الطاقة في المنطقة.
الحضور الرسمي:
حضر القمة عدد من القادة الأفارقة البارزين، بما في ذلك الرئيس فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، والرئيس ويليام ساموي روتو من كينيا، والرئيس أندريه نيرينا راجولينا من مدغشقر، والرئيس تاي أتسكي سيلاسي أمدي من إثيوبيا.
مثلت الرائد (متقاعد) جيسيكا ألوبو أوغندا، بينما قدم الرئيس هيشيليما من زامبيا مساهمات ملحوظة في المناقشات حول التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي.
الصراعات داخل المنظمة ونقاط الضعف:
على الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعتها المنظمات الإقليمية مثل الكوميسا، فإن الصراعات الداخلية والضعف البنيوي غالبًا ما يعيق تحقيق إمكاناتها الكاملة. أحد التحديات الشائعة هو التباعد في الأولويات السياسية والاقتصادية بين الدول الأعضاء. في حين قد تعطي بعض الدول الأولوية لتحرير التجارة والتكامل الاقتصادي، وقد تركز دول أخرى على السيادة الوطنية، أو المخاوف الأمنية، أو التنمية الخاصة بالقطاعات، مما يؤدي إلى خلافات في السياسات. يمكن لمثل هذه الاختلافات أن تؤخر أو تعقد عمليات صنع القرار وتقوض العمل الجماعي.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يكون تنفيذ الاتفاقيات الإقليمية غير متسق. في حين قد يتم إبرام الاتفاقيات على مستوى القمة، فإن إنفاذها وتطبيقها عبر الدول الأعضاء يمكن أن يختلف، وخاصة عندما تواجه البلدان عدم الاستقرار السياسي المحلي، أو البنية الأساسية غير الكافية، أو مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية. وهذا يؤدي إلى فوائد غير متساوية من التكامل الإقليمي وقد يعمق التفاوت بين الأعضاء الأكثر ثراءً والأقل نمواً.
التحدي الآخر هو عدم كفاية التمويل والموارد لدعم المشاريع طويلة الأجل. ورغم أن المنظمات مثل الكوميسا لديها أهداف طموحة، فإنها غالبا ما تكون مقيدة بالموارد المالية المحدودة، وهو ما قد يؤدي إلى إبطاء تنفيذ المبادرات الرئيسية، وخاصة في قطاعات مثل الطاقة النظيفة، وتطوير البنية الأساسية، والقدرة على التكيف مع المناخ.
وأخيرا، يمكن أن تؤدي عدم الكفاءة البيروقراطية والافتقار إلى التنسيق بين الهيئات الإقليمية والحكومات الوطنية إلى تأخير تنفيذ المشاريع والحد من الفعالية الإجمالية للمنظمة في تحقيق أهدافها.
مستقبل المنتدى في ضل الصراعات بين الدول الأعضاء ونقاط الضعف:
ستنعقد قمة الكوميسا القادمة في كينيا في عام 2025، لمواصلة زخم التعاون الإقليمي. وبينما تستعد الكوميسا لهذا التحول، سيتطلع القادة السياسيون والاقتصاديون إلى تعميق العلاقات في التجارة والبنية الأساسية والطاقة لإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للتكامل الاقتصادي في المنطقة.
سوف يعتمد مستقبل منتدى أعمال الكوميسا إلى حد كبير على مدى فعاليته في معالجة الصراعات الداخلية ونقاط الضعف التنظيمية التي أعاقت تاريخيا التكامل الإقليمي. وبينما يواصل المنتدى العمل كمنصة لأصحاب المصلحة من القطاعين الخاص والعام لوضع استراتيجيات بشأن النمو الاقتصادي الإقليمي، فإن الاختلاف المستمر في الأولويات السياسية والاقتصادية بين الدول الأعضاء يشكل تحديا كبيرا. إن المصالح الوطنية المختلفة – مثل التفاوت في مستويات التنمية، والمخاوف الأمنية، وسياسات التجارة – يمكن أن تقوض الجهود الجماعية لتنسيق المبادرات والسياسات الإقليمية. وإذا لم يتم حل هذه الصراعات، فقد تحد من قدرة المنتدى على توليد حلول مؤثرة للقضايا الأكثر إلحاحا في المنطقة، مثل تيسير التجارة، والقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، وتطوير البنية الأساسية.
لتعزيز أهميته المستقبلية، سيحتاج المنتدى إلى إعطاء الأولوية لبناء الإجماع وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، ربما من خلال حوار أكثر شمولاً وأطر سياسية مرنة تأخذ في الاعتبار السياقات الوطنية المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الشفافية والتواصل بين الهيئات الإقليمية والحكومات الوطنية سيكون أمراً بالغ الأهمية في تخفيف التوترات ومواءمة الأولويات.
ويكمن مفتاح آخر لنجاح المنتدى في معالجة نقاط الضعف البنيوية داخل الكوميسا، مثل الموارد المالية المحدودة والتنفيذ غير المتسق للاتفاقيات. ومن خلال تبسيط العمليات وتأمين آليات التمويل المستدامة ــ ربما من خلال الشراكات مع القطاع الخاص والتعاون الدولي ــ يمكن للمنتدى أن يدعم بشكل أفضل المبادرات الرامية إلى التغلب على العجز في البنية الأساسية وتعزيز الرخاء المشترك.
وفي نهاية المطاف، يعتمد مستقبل منتدى أعمال الكوميسا على قدرته على التكيف مع تحديات منطقة متنوعة، وتعزيز التماسك الداخلي، وتحقيق فوائد ملموسة على مستوى المنطقة.
الخلاصة:
قبل القمة، كان منتدى أعمال الكوميسا السابع عشر في 28 أكتوبر 2024 بمثابة حدث رئيسي لأصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص. ركز المنتدى على تسريع تطوير سلاسل القيمة الإقليمية في الزراعة والتعدين والسياحة المقاومة للمناخ، كما أتاح الفرصة لقادة الأعمال وصناع السياسات للتعاون في وضع استراتيجيات لتعزيز النمو الاقتصادي الإقليمي وجذب الاستثمار.
نجحت قمة الكوميسا الثالثة والعشرون في تسليط الضوء على الالتزام السياسي المستمر لدولها الأعضاء بالتكامل الاقتصادي وتيسير التجارة والقدرة على الصمود في مواجهة المناخ والأمن الإقليمي. ومع اكتمال انتقال القيادة الآن، فإن رئاسة الرئيس ندايشيمي تمثل بداية مرحلة متجددة من التعاون الإقليمي، حيث من المقرر أن تبني القمة القادمة في كينيا على القرارات المتخذة في بوجومبورا. إن التركيز المستمر على الزراعة والتعدين والسياحة والطاقة النظيفة يضع الكوميسا كلاعب رئيسي في التحول الاقتصادي في أفريقيا في السنوات القادمة.
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات