يزداد استخدام الطائرات القتالية المسيرة المتطورة في النزاعات في إفريقيا، الأمر الذي قد يغير ميزان القوة العسكرية بين القوات الحكومية والمتمردين. يتناول هذا الموجز السياسي دور الطائرات بدون طيار في الصراعات الأخيرة الواقعة في مالي وتشاد والسودان ويحدد ثلاثة جوانب ذات أهمية خاصة في ذلك. أولاً: الوصول إلى التكنولوجيا، فهل يتمتع أحد أطراف النزاع بامتياز الوصول إلى الطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الاعتراض؟ ثانياً، هل القتال ذات طبيعة منتظمة أم متقطعة؟ وهل يسيطر الطرفان على الأرض ويقاتلان على جبهات محددة أم أنها حرب عصابات؟ ثالثًا، هل الموقع مفتوح أم مؤمَن؟ وهل المسافات المقطوعة ضمن نطاق الطائرات بدون طيار متاحة؟ في مناطق النزاع الإفريقية، نادرًا ما تجتمع هذه العوامل لتسمح لجانب واحد بالحصول على أفضلية استراتيجية كبيرة من خلال استخدام الطائرات المقاتلة بدون طيار.
منذ عام ٢٠١٩، شهدت إفريقيا انتشارًا سريعًا لاستخدام الطائرات المسيرة القتالية متوسطة الارتفاع وطويلة التحمُل (MALE) في النزاعات المسلحة. وكان هذا الانتشار مدفوعًا، في الأساس، من قِبل الإمارات العربية المتحدة وتركيا وإيران. وقد منح ظهور الطائرات المسيرة القتالية الرخيصة نسبيًا والمُتقدمة تقنيًا، جهاتٍ كانت تفتقر سابقًا إلى قوة جوية كبيرة، القدرة على تنفيذ غارات جوية دقيقة. ويُجسّد استحواذ العديد من الحكومات الأفريقية على طائرات (بيرقدار تي بي 2) تركية الصنع هذا التطور.
لقد أثارت الابتكارات في حرب الطائرات بدون طيار، كما هو الحال في أوكرانيا واليمن، جدلاً حول مدى تأثير الطائرات المقاتلة بدون طيار على طريقة خوض الحروب. وقد تركز الاهتمام، في المقام الأول، على المواجهات واسعة النطاق التي تنطوي على قدرات عسكرية متقدمة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتطورة. وقد دار جزء كبير من النقاش الأخير حول الطائرات بدون طيار أحادية الاستخدام من منظور الشخص الأول والطائرات التجارية بدون طيار التي أُعيد تصميمها لحمل المتفجرات، وكلاهما تقنيات يمكن للجهات الفاعلة غير الحكومية استخدامها لتحقيق تكافؤ الفرص في المواجهات مع الجيوش المتقدمة.
ولم يُولَ اهتمامٌ يُذكر للعواقب المحددة لانتشار الطائرات بدون طيار القتالية ذات الرؤوس الحربية (MALE) على الصراعات الأفريقية. في معظم مسارح العمليات الأفريقية، كانت القوة الجوية تاريخياً حكراً، على نحو كبير، على القوى الخارجية. ولم تمتلك سوى حكومات أفريقية محدودة قوات جوية فعالة قادرة على منحها أفضلية على المتمردين. ومن المحتمل أن يؤدي انتشار الطائرات بدون طيار القتالية إلى تغيير ميزان القوة العسكرية في الصراعات. وبالنظر إلى أن الحرب الأهلية هي النوع السائد من الصراعات في إفريقيا، ينطبق هذا السؤال أولاً على القوة النسبية لقوات الدولة والمتمردين. وهذه المسألة ليست ذات أهمية أكاديمية فحسب، بل أن التأثير المُفترض للطائرات المُقاتلة بدون طيار يُناقَش على نطاق واسع بين الضباط العسكريين وقادة المتمردين، ويشير اقتناؤها السريع من قِبَل الحكومات الأفريقية إلى انتشار هذا الاعتقاد.
من ناحية أخرى، يشير المتشككون إلى أن الابتكارات التقنية، مثل الطائرات المقاتلة بدون طيار، ليست ثورية في حد ذاتها. ولكن يعتمد تأثيرها على القدرات الاستراتيجية والتكتيكية، وهياكل القيادة والسيطرة، واللوجستيات اللازمة لنشرها بفعالية وعلى نطاق واسع. كما أن هناك جدل بشأن تأثير الطائرات المقاتلة بدون طيار على الصراعات في إفريقيا، وهو مرهون بثلاثة مُحددات، مع ثبات جميع العوامل الأخرى:
• التماثُل: هل يمتلك كلا الجانبين طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع جوي من طراز MALE؟
• نوع الحرب: هل الصراع، في الأساس، نظامي أم غير نظامي؟ بمعنى آخر، هل يسيطر الطرفان على أراضٍ مُحددة بجبهات، أم أنهما يخوضان حرب عصابات تميزها تكتيكات الكر والفر؟
• التضاريس: هل تتميز التضاريس بمساحات مفتوحة شاسعة، أم أنها توفر غطاءً على شكل جبال أو نباتات أو مستوطنات؟
بناءً على الصراعات الأفريقية الأخيرة والمستمرة، من المرجح أن طائرات MALE بدون طيار تقدم ميزة استراتيجية واضحة فقط في ظل مجموعة مُحددة من الظروف والأوضاع: إذا كان الخصم يفتقر إلى الوصول إلى الطائرات بدون طيار أو تكنولوجيا اعتراض الطائرات بدون طيار (والتي تتطلب عمومًا رعاية الدولة)؛ إذا كان الخصم يقاتل في العراء؛ وإذا كانت التضاريس تجعل من الصعب على الخصم الاختباء. ومن النادر أن تتوافر الشروط الثلاثة مُجتمعة.
تشير الحالات الموضحة أدناه إلى ثلاث مجموعات مختلفة: الوصول غير المتكافئ إلى الطائرات بدون طيار والتدابير المضادة والحرب غير النظامية ومزيج من التضاريس المفتوحة والمغطاة في مالي؛ الوصول غير المتكافئ والحرب النظامية والتضاريس المفتوحة في تشاد؛ والوصول الديناميكي والتنافسي إلى الطائرات بدون طيار والتدابير المضادة والحرب النظامية ومزيج من التضاريس المفتوحة والمغطاة في السودان.
أهمية الوصول ونوع الحرب والتضاريس
إن إدخال طائرات بدون طيار قتالية من طراز MALE يمكن أن يغير، بشكل كبير، توازن القوى في الصراعات الأفريقية على افتراض أنها ستكون متاحة للحكومات ولكن ليس للجماعات المتمردة. ويمكن قول الشيء نفسه عن التكنولوجيا اللازمة لمواجهتها، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتطورة ومعدات التشويش. وعلى النقيض من ذلك، تكون الطائرات بدون طيار الأصغر حجمًا في متناول الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء، ويمكن استخدامها للاستطلاع أو استهداف المدفعية أو لحمل المتفجرات. كما أنها أسهل في الإسقاط، على ارتفاع منخفض حتى باستخدام الأسلحة الصغيرة. ولكن إذا ما كانت الطائرات بدون طيار الأصغر حجمًا ستعادل تكافؤ الفرص لصالح الجهات الفاعلة الأضعف، فهذه مسألة محل خلاف وخارج نطاق هذه الورقة. كذلك تتمثل مزايا الطائرات بدون طيار العسكرية المتقدمة في قدرتها على التحمل ومداها وقابليتها للتشغيل. فعلى سبيل المثال، يمكن للطائرة بدون طيار التركية (بيرقدار تي بي 2) الطيران لأكثر من عشرين ساعة على مدى اتصالات يصل إلى 150 كيلومترًا؛ كما تمتلك الطائرة قدرات رؤية ليلية وتحمل ما يصل إلى أربعة صواريخ موجهة بالليزر. كذلك تستطيع طائرة (مهاجر-6) الإيرانية الطيران لمدة اثنتي عشرة ساعة تقريبًا، ويصل مداها إلى 200 كيلومتر؛ كما يمكنها حمل معدات استطلاع ومراقبة أو صاروخين موجهين. ويتجاوز ارتفاع تشغيل هذه الطائرات المسيرة عادةً مدى أنظمة الدفاع الجوي المحمولة (مانبادس/MANPADs)، مما يتطلب أنظمة دفاع جوي متطورة لإسقاطها، مما يجعل تكلفتها ومتطلبات تدريبها بعيدة عن متناول معظم الجهات الفاعلة غير الحكومية، على الرغم من أنها لا تزال أرخص وأسهل في التشغيل من الطائرات العسكرية المأهولة.
ومع ذلك، يبقى الأمر الحاسم هو أن القوات الحكومية ليست دائمًا الطرف الوحيد الذي يستخدم الطائرات المقاتلة بدون طيار. ففي بعض الحروب الأهلية، لا يمثل أي من الجانبين حكومة شرعية ويتمتع كلا الطرفين بدعم أجنبي كبير، كما في ليبيا (2019-2020) والسودان (منذ عام 2023). ففي هذه الحالات، يتمتع كلا الجانبين بإمكانية الوصول إلى الطائرات المقاتلة بدون طيار والتدابير المضادة. ومع تزايد عدد الدول غير الغربية التي تتدخل الآن في الصراعات الأفريقية، فقد يصبح هذا السيناريو أكثر شيوعًا في السنوات القادمة. إن مسألة ما إذا كان أحد الطرفين يتمتع بامتياز الوصول إلى تكنولوجيا الطائرات المقاتلة بدون طيار أم لا هي عامل مؤثر في توازن القوة العسكرية. فإذا كان لدى كلا الجانبين إمكانية وصول متساوية إلى الطائرات المقاتلة بدون طيار والتدابير المضادة، فمن المرجح أن يتضاءل نفوذهما النسبي.
تُصبح الطائرات المُسيّرة القتالية فعّالة عندما يتمكن مُشغّلوها من تحديد أهداف قيّمة لضرباتها أو نيران المدفعية. وخلافًا للجيوش الأكثر تطورًا، عادةً ما يتعين على القوات المُشاركة في الحروب الأهلية الأفريقية تحديد أهدافها دون اللجوء إلى القوات الخاصة أو الإشارات أو استخبارات الأقمار الصناعية. ويعتمد تحديد الهدف على مدى اختيار الخصوم – أو إجبارهم – على العمل علانية، أي ما إذا كانوا ينخرطون في حرب نظامية أو غير نظامية، بشكل أساسي. كما أن مدى سماح التضاريس للقوات بالاختباء له أهمية أيضًا.
في الحرب غير النظامية، يعمل أحد الجانبين، بشكل سري، إلى حد كبير داخل الأراضي التي يسيطر عليها الجانب الآخر. وفي حين تخفي الأطراف في الحرب الأهلية النظامية أصولها، في كثير من الأحيان، لحمايتها من القصف الجوي أو المدفعي، فإن تحركاتها وتركيزات قواتها ستكون أكثر وضوحًا بكثير من تلك الخاصة بحركة حرب العصابات. وفي الحروب الأهلية غير النظامية، حيث يحاول المتمردون في كثير من الأحيان الاندماج مع السكان المدنيين، غالبًا ما تؤدي ضربات الطائرات بدون طيار إلى وقوع إصابات بين صفوف المدنيين، مما يزيد من تأجيج موجات التمرد. لذلك من المرجح أن يكون استخدام الطائرات بدون طيار القتالية أكثر فعالية في الحروب الأهلية النظامية. ورغم ذلك، قد تستجيب القوات التي تعمل في العراء لاستخدام خصمها للطائرات بدون طيار بالتحول نحو الحرب غير النظامية.
وأخيرًا، سوف يعتمد تأثير طائرات MALE القتالية بدون طيار على التضاريس والرؤية، إذ توفر التضاريس الوعرة والمستوطنات فرصة كبيرة للإخفاء. وحتى عندما تكون التضاريس مفتوحة، كما هو الحال في المساحات الشاسعة في شمال إفريقيا، فإن الغطاء السحابي أو العواصف الرملية يمكن أن تعيق مؤقتًا استخدام طائرات الاستطلاع والهجوم بدون طيار. ولكن التفوق الجوي لا يزال يخلق ميزة واضحة في القتال في المناطق الحضرية، حيث يكون الاستطلاع مكثفًا، لأنه يركز على المناطق المجاورة مباشرة للخطوط الأمامية.
تأثير الطائرات بدون طيار القتالية في ثلاث مناطق صراع أفريقية
•مالي
منذ عام ٢٠١٢، انخرطت الحكومة الوطنية في مالي في صراع مسلح مع مجموعتين متمايزتين من الخصوم، وإن كانتا متداخلتين جزئيًا. الأولى هي الجماعات الانفصالية في الشمال التي تقاتل من أجل دولة “أزواد” مستقلة في شمال مالي، والمتمثلة حاليًا في جبهة تحرير أزواد (FLA). أما المجموعة الثانية من الجماعات تضم متمردين جهاديين مختلفين، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) ورغم أن معاقل الجماعة تقع في وسط وشمال مالي، إلا أنها تعمل، بكثافة، في جميع أنحاء البلاد.
فيما يتعلق بالطائرات المسيرة، هناك تفاوت صارخ بين القوات المسلحة المالية (FAMA) وخصومها المتمردين. في حين تتمتع القوات المسلحة المالية بتفوق جوي كبير باستخدام الطائرات الحربية والمروحيات الهجومية والطائرات بدون طيار المسلحة، تستخدم الجماعات الجهادية والانفصالية طائرات بدون طيار تجارية صغيرة للاستطلاع المحلي (وقد قامت مؤخرًا بتسليح طائرات بدون طيار لمهاجمة القوات المسلحة المالية).
استلمت القوات المسلحة التركية أولى طائراتها المسيرة من طراز (تي بي 2) في أواخر عام 2022، وتمتلك اليوم ما لا يقل عن ثماني طائرات، بينما تزعم بعض المصادر أن عددها يصل إلى سبعة عشر طائرة. كما استحوذت مؤخرًا على طائرتين مسيَّرتين على الأقل من طراز (Bayraktar Akinci)، وهما أقوى بكثير من (تي بي 2) من حيث المدى والارتفاع والتسليح.
وكما هو متوقع، تزامن مع زيادة وفرة الطائرات المسيرة ارتفاع حاد في استخدامها، حتى لو ظل العدد الإجمالي لضربات الطائرات المسيرة متواضعًا، حيث تضاعف عدد الضربات بطائرات بدون طيار خلال عام واحد، من 21 ضربة (أكتوبر 2022 – سبتمبر 2023) إلى 48 ضربة (أكتوبر 2023 – سبتمبر 2024). وقد تضاعفت الخسائر الناجمة عن ضربات الطائرات بدون طيار تقريبًا إلى 318 خلال الفترة بين أكتوبر 2022 وديسمبر 2024، مع 60% من الضحايا المدنيين حسبما ورد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قواعد الاشتباك التي وضعتها القوات المسلحة في مالي لاستخدام الطائرات بدون طيار.
تتفاوت شدة حرب الطائرات بدون طيار جغرافيًا. فقد نُفِّذت ما يقرب من ثلاث من أصل أربع ضربات جوية بهذه الطائرات في شمال مالي (مناطق كيدال، وتمبكتو، وغاو، وميناكا)، ومعظمها (32 ضربة) في كيدال. ومن المثير للاهتمام أن ميناكا، معقل تنظيم الدولة الإسلامية (ولاية الساحل)، استُهدفت بشكل نادر نسبيًا (أربع ضربات بطائرات بدون طيار). ومن المنطقي أن يكون التركيز على كيدال مرتبطًا بخيار سياسي لإعطاء الأولوية لمحاربة الانفصاليين، الذين يعدون الأقوى هناك، إذ يعتبر القوميون الماليون الانفصال الشمالي تحديًا وجوديًا. قد يعكس تركيز ضربات الطائرات بدون طيار على كيدال توقعًا في باماكو بأن النجاحات العسكرية ضد الانفصاليين ستعزز شعبية الحكومة محليًا.
من المؤكد أن تضاريس شمال مالي وديموغرافيتها تجعل المنطقة أكثر ملاءمة لحرب الطائرات بدون طيار من المنطقة الوسطى في البلاد. فهذه الأخيرة أكثر كثافة سكانية، حيث توفر النباتات غطاءً أكبر من التضاريس المفتوحة في الشمال. وقد تكيفت الجماعات الجهادية جيدًا مع الظروف في الشمال. يُعد تبنيهم للحرب غير النظامية بمثابة رد على النكسات التي تعرضوا لها قبل عقد مضى، عندما سعوا إلى فرض السيطرة الإقليمية وبناء “دول أولية”. لقد دفعت هذه المحاولات إلى تدخل عسكري فرنسي مدعوم دوليًا، تلاه حملة مكافحة تمرد لا هوادة فيها شملت ضربات بطائرات بدون طيار وقصفًا جويًا وعمليات للقوات الخاصة. وردًا على ذلك، أنشأ الجهاديون شكلاً لا مركزيًا وريفيًا بدرجة كبيرة من حكم الظل. إن التمرد الجهادي قوي سياسيًا ومتجذر في المجتمعات المحلية، وقد توسع بشكل مطرد منذ عام 2017. وفي الوقت الذي توجه القوات المسلحة المالية الكثير من جهودها لمكافحة التمرد نحو الجهاديين، نادرًا ما تُستخدَم الطائرات بدون طيار في منطقة موبتي بوسط مالي، مما يشير إلى أن فائدتها النسبية أكبر في الشمال.
في الواقع، يبدو شمال مالي خيارًا أكثر وضوحًا لاستخدام الطائرات بدون طيار. فالتضاريس مفتوحة إلى حد كبير والسكان قليلون للغاية، مما قد يجعل تحديد الأهداف أسهل من وسط مالي. كما يمكن للطائرات بدون طيار معالجة بعض الصعوبات الهيكلية التي تواجهها مكافحة التمرد البرية التقليدية. فالقوات الحكومية صغيرة نسبيًا ومنتشرة بشكل ضئيل. ومع وجود قواعد قليلة في الشمال، فإنها تكافح مع مسافات هائلة وعراقيل اللوجستيات في التضاريس المعادية، كما حدث مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي وعملية برخان الفرنسية لمكافحة الإرهاب. ويبدو نشر القوات الحاشدة والاستفادة منها بشكل فعال في الشمال أمرًا غير معقول في ظل الظروف الحالية، مما يجعل الطائرات بدون طيار خيارًا افتراضيًا لاحتواء المتمردين مُفرطي الحركة الذين يعملون في مجموعات تكتيكية صغيرة ومتفرقة.
إن الظروف ذاتها التي تجعل الطائرات بدون طيار مٌفيدة لمكافحة التمرد تفرض أيضًا قيودًا صارمة على تأثيرها. كما أن المسافات الشاسعة المعنية تحد أيضًا من قدرة طائرات القوات المسلحة المالية بدون طيار التي تعمل انطلاقًا من مدينة “غاو” على جمع المعلومات الاستخباراتية الموثوقة والرد عليها. ويمثل الجمع بين عمليات الطائرات بدون طيار والقوات البرية والقدرات الأخرى تحديًا (بغض النظر عن استخدامها أثناء هجوم القوات المسلحة المالية الناجح على كيدال في عام 2024). كذلك يميل المتمردون في مالي إلى أن يكونوا كثيري الحركة، وذلك تحديدًا، لأن التكتيكات غير النظامية تساعدهم على تجنُب الغارات الجوية. إن السيناريو الثابت التقليدي الذي حدث في كيدال نادر في مالي ويصعب تكراره. كذلك يعني الحجم الهائل للمنطقة الشمالية وتنقل وحدات العدو الصغيرة أن الطائرات بدون طيار ذات تأثير ضئيل. وأخيرًا، فإن العدد القليل من الطائرات بدون طيار المتاحة للاستخدام من جانب القوات الملحة المالية هو عامل ذو صلة. فالطائرات بدون طيار نادرة ومكلفة بالنسبة لحجم البلاد والقيود المالية المفروضة على حكومتها. كل ذلك قد يفسر لماذا، بعد نشر طائرات (تي بي 2) بدون طيار لمدة عامين، أبلغت السلطات المالية عن ضربة ناجحة واحدة فقط على هدف ذي قيمة عالية، وهو زعيم الطوارق، فهد آغ المحمود. وليس هناك ما يضمن أن معدل نجاح أعلى سيغير الوضع بشكل كبير. وعلى الرغم من أن عملية برخان كانت ناجحة للغاية في القضاء على كبار القادة الجهاديين، إلا أن ذلك لم يبطئ من تنامي هذه الجماعات. وكما اعترف الضباط الفرنسيون، لا تجد الجماعات الجهادية صعوبة في تعويض خسائرها، خاصة وأن الخسائر المدنية الناجمة عن ضربات الطائرات بدون طيار تحفز عمليات التجنيد. وما إذا كان الانفصاليون الشماليون في مالي سيثبتون مرونة مماثلة، فهذا التساؤل لم يُحسَم بعد.
وحتى الآن، لا يوجد دليل يُذكر على أن حرب الطائرات بدون طيار كان لها أي تأثير جوهري على توازن القوى العسكرية في مالي. ففي الشمال، ساعدت في تقليص الطموحات الإقليمية للحركات الانفصالية، وربما كان لها تأثير نفسي كبير على قواتها. لكن قدرة الطائرات بدون طيار على هزيمتهم هي مسألة أخرى، حتى لو بدت في موقف دفاعي حاليًا. قد تُكيّف ببساطة تكتيكاتها واستراتيجياتها، كما فعلت الجماعات الجهادية بنجاح ملحوظ منذ عام 2013. وفي ضوء جغرافية مالي وتضاريسها، والطبيعة غير الثابتة للصراعات، تُعدّ الطائرات بدون طيار سلاحًا إضافيًا للجيش المالي، ولكن ليس أكثر من ذلك. تُعزز الطائرات بدون طيار شعبية وشرعية الحكومة العسكرية في مالي من خلال تجسيد تحديث الجيش واحتمال قيادة الجيش لمالي للخروج من أزمتها الوجودية.
• تشاد
على مدى عقدين، لم تتمكن الجماعات المتمردة التشادية من ترسيخ موطئ قدم لها داخل الأراضي التشادية. وبدلاً من ذلك، تمثل التهديد الذي تشكله على النظام – بقيادة “إدريس ديبي” من عام 1990 إلى عام 2021 وابنه محمد منذ عام 2021 – في هجمات خاطفة تسعى للوصول إلى نجامينا، انطلاقًا من قواعد في الدول المجاورة. وقد أثبتت القوة الجوية أهميتها في وقف أو ردع مثل هذا التوغل، على سبيل المثال في عام 2019 عندما ألحقت الطائرات الحربية الفرنسية خسائر فادحة على فصيل من اتحاد قوى المقاومة (UFR) دخل تشاد من ليبيا. وفي غياب تدخل القوات الجوية الفرنسية، وصلت هجمات المتمردين التي شُنت من دارفور مرتين إلى نجامينا (في عامي 2006 و2008). ووصل توغل عام 2021 من ليبيا إلى مسافة ثلاثمائة كيلومتر من العاصمة ولم يتوقف إلا بقتال بري قُتل فيه “إدريس ديبي”.
لقد حصلت تشاد على أولى طائراتها القتالية المُسيّرة التركية في منتصف عام ٢٠٢٣، وقررت في أواخر عام ٢٠٢٤ إنهاء الوجود العسكري الفرنسي. من الواضح أن امتلاكها لقدراتها الخاصة على شنّ غارات جوية دقيقة كان شرطًا ضروريًا للحكومة للاستغناء عن القوات الفرنسية. والسؤال هو: هل تستطيع الحكومة الآن ردع هجمات المتمردين بنفس فعالية سلاح الجو الفرنسي؟ بناءً على المعايير المذكورة أعلاه، يبدو أن معايير التفاعل بين الدولة والمتمردين في تشاد تُوفّر ظروفًا مثالية للاستخدام الفعال للطائرات المُسيّرة القتالية.
أولاً وقبل كل شيء، ينطبق ذلك على عدم التكافؤ في الوصول إلى تكنولوجيا الطائرات بدون طيار بين الحكومة والمتمردين. تاريخيًا، كان اقتناء الحكومة للطائرات المقاتلة مقيدًا بمواردها المالية المحدودة والحاجة إلى الطيارين والفنيين والصيانة. لقد سقطت طائرات سوخوي القديمة في حالة سيئة. كما سمحت التكلفة المنخفضة نسبيًا للطائرات بدون طيار التركية لتشاد الآن بالحصول على طائرتين على الأقل من طراز (أنكا-إس/ Anka-S) وواحدة من طراز (أكسنجور/ Aksungur) إن الطائرات بدون طيار من طراز MALE ذات مدى وحمولة أكبر بكثير من طائرات (بيرقدار تي بي 2)، وبالتالي فهي أكثر ملاءمة للمسافات الشاسعة المعنية. ومن المرجح أن تؤدي علاقة “محمد ديبي” الوثيقة مع الإمارات العربية المتحدة إلى تحسين وصوله إلى التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. وقد سهّل “ديبي” تقديم المساعدة العسكرية الإماراتية لقوات الدعم السريع في السودان، بما في ذلك تشغيل الإمارات العربية المتحدة لطائرات “وينج لونج 2/ Wing Loong2” بدون طيار صينية الصُنع من مطار أم جرس في تشاد، بالقرب من الحدود مع السودان. وقد كافأت الإمارات العربية المتحدة تعاونه بقروض ميسرة سخية.
على النقيض من ذلك، افتقر المتمردون التشاديون إلى رعاة من دول أجنبية منذ تقارب “إدريس ديبي” مع السودان عام 2010، وبالتالي يفتقرون أيضًا إلى الوصول إلى الطائرات بدون طيار العسكرية وتقنيات الاعتراض. وعقب طردهم من السودان، وجدوا ملاذًا وعملًا كقوات مساعدة في ليبيا، مما سمح لهم أيضًا بإعادة تسليح أنفسهم. ومع ذلك، وعلى حد علمنا، لم ترعى أي من الفصائل الليبية توغلات المتمردين في تشاد. ومنذ هجوم أبريل 2021 الذي شنته جبهة التناوب والوفاق في تشاد (FACT)، والذي قُتل فيه إدريس ديبي، سعت قوات “خليفة حفتر” إلى إصلاح العلاقات مع ابنه محمد من خلال قمع وجود المتمردين التشاديين في جنوب ليبيا. لكن المتمردين التشاديين السابقين والحاليين والمحتملين يراقبون، عن كثب، مسار الحرب في السودان، ويحسبون أن القوات المسلحة السودانية قد ترد في مرحلة ما على دعم “ديبي” لقوات الدعم السريع من خلال دعم قوات المتمردين التشاديين. ولكن ما إذا كان ذلك من شأنه أن يفتح المجال أمام الوصول إلى أسلحة متطورة، فهذا، بطبيعة الحال، مسألة مختلفة.
من الواضح أن هجمات المتمردين المباشرة التي اتسم بها الصراع التشادي مُعرَضة للقصف الجوي. وما دام المتمردون التشاديون عاجزين عن تنظيم صفوفهم داخل تشاد، فإن خيارهم العملي الوحيد هو شن هجمات مباغتة بعيدة المدى من معاقلهم في الدول المجاورة. ويبدو أن الحسابات تشير إلى أن أي فشل للقوات الحكومية في صدّهم سيُضعف مقاومتهم ويُثير انشقاقات في الصف، مما سيؤدي في النهاية إلى انهيار النظام.
ومنذ رحيل القوات الفرنسية، تعتمد الحكومة التشادية الآن على طائراتها المسيرة التركية التي حصلت عليها حديثًا للردع – وقد روجت الحكومة بفخر لطائراتها المسيرة وغيرها من معدات الدفاع الجديدة. بعد فترة وجيزة من حصولها على أولى طائراتها المسيرة، نفذت ضربات بطائرات مسيرة على قواعد المتمردين عبر الحدود في ليبيا، لإظهار قدراتها الجديدة. وتفرق الفصيل التشادي الرئيسي المتمرد المتمركز في ليبيا، المعروف باسم FACT، بعد ذلك بوقت قصير. وعلى الرغم من أن تشتت الفصيل يُعزى جزئيًا إلى الهجمات والاعتقالات التي شنتها قوات حفتر، إلا أن تهديد ضربات الطائرات المسيرة ساهم على الأرجح أيضًا. ولا يزال بعض المراقبين متشككين في أن الطائرات المسيرة يمكن أن تكون بنفس فعالية الطائرات الحربية الفرنسية في وقف هجمات المتمردين المستقبلية، لكونها لا تستطيع إطلاق سوى عدد قليل من الصواريخ قبل أن تضطر إلى العودة إلى قواعدها.
إن المساحات الشاسعة القاحلة والمفتوحة لجزء كبير من أراضي تشاد تٌفاقِم من ضعف صفوف المتمردين الذين يتجهون نحو العاصمة من قواعد في الدول المجاورة. علاوة على ذلك، لا يمكن شن مثل هذه الهجمات إلا خلال موسم الجفاف، لأن الأمطار تجعل العمليات البرية بعيدة المدى غير ذي جدوى. كما تُعتبر الهجمات التي تُشن من ليبيا، والتي تتطلب من المتمردين عبور أكثر من ألف كيلومتر من الصحراء المفتوحة، عرضة للخطر الداهم.
• السودان
تختلف الحرب في السودان عن الصراعات في مالي وتشاد، إذ نشأت داخل قطاع الأمن في البلاد. منذ 15 أبريل 2023، تتقاتل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الأرض والسلطة والشرعية السياسية. لقد كانت قوات الدعم السريع في الأصل قوة شبه عسكرية وليست جماعة متمردة. في الواقع، اعتمدت القوات المسلحة السودانية سابقًا على قوات الدعم السريع وميليشيات أخرى في مكافحة التمرد، ومراقبة الحدود، ومهام أخرى تتطلب قوات مشاة ثقيلة.
لعبت حرب الطائرات بدون طيار دورًا متزايد الأهمية في الصراع. وعلى الرغم من أن المخزونات الأولية كانت صغيرة إلى حد ما، فقد تمكن كلا طرفي الصراع الرئيسيين من الحصول على طائرات بدون طيار ومعدات ذات صلة من خلال رُعاتهم الأجانب، ولا سيما روسيا وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة. في الواقع، كان ما يقرب من نصف جميع الضربات المسجلة بطائرات بدون طيار في إفريقيا منذ عام 2019 في الحرب في السودان. ومع ذلك، يجب رؤية تأثير الطائرات بدون طيار فيما يتعلق بالتكتيكات والاستراتيجيات والقدرات الشاملة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. حتى الآن، استخدمت القوات المسلحة السودانية طائرات بدون طيار من طراز MALE بشكل متكرر أكثر من قوات الدعم السريع. ووفقًا لقاعدة بيانات للتقارير المتاحة للجمهور، كانت القوات المسلحة السودانية مسؤولة عن 373 ضربة بطائرات بدون طيار، بينما كانت قوات الدعم السريع مسؤولة عن 31 ضربة فقط.
اتسم الصراع بالحرب المنتظمة بين الأطراف. وتتمثل الميزة الرئيسية لقوات الدعم السريع في قدرتها على حشد ونشر المشاة الآلية بسرعة وبأعداد كبيرة، والتي تعززت بعد بضعة أشهر بالمدفعية وقاذفات الصواريخ المتعددة والأسلحة المضادة للطائرات. وكان أعنف القتال في البيئات الحضرية، حيث تعرضت مدن معينة مثل الفاشر، عاصمة شمال دارفور، لحصار فعلي لعدة أشهر.
تعلمت قوات الدعم السريع بسرعة كيفية تشتيت قواتها، والاحتماء من الغارات الجوية للقوات المسلحة السودانية في المناطق السكنية. السودان بلد شاسع، مع مسافات هائلة بين مراكز القتال الرئيسية في الغرب والوسط. وتبلغ المسافة بين الفاشر والخرطوم حوالي 800 كيلومتر في خط مستقيم. لذا، فإن استخدام طائرات بدون طيار من طراز MALE، التي يبلغ مداها الأقصى عادةً حوالي 200 كيلومتر، يعني استخدام المطارات القريبة نسبيًا من خطوط المواجهة. وقد أصبح هذا الأمر يشكل تحديًا للقوات المسلحة السودانية في دارفور بعد أن فقدت أربع عواصم من أصل خمس عواصم للولايات في أواخر عام 2023، بالإضافة إلى أراضٍ في كردفان الكبرى.
كذلك امتلكت القوات المسلحة السودانية مخزوناً كبيرًا من الأسلحة التقليدية، فضلاً عن واحدة من أهم صناعات الأسلحة المحلية في إفريقيا. كما تشمل أسلحتها التقليدية الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة والمروحيات وعدد محدود من الطائرات بدون طيار الصينية والإيرانية التي تم تسليمها إلى القوات المسلحة السودانية قبل بدء الحرب بوقت طويل (في عامي 2017 و2008 على التوالي). في غضون ذلك، تمكنت القوات المسلحة السودانية من الحصول على طائرات بدون طيار إيرانية من طراز (مهاجر-6) وطائرات بدون طيار تركية من طراز (بيرقدار تي بي 2)، وقد نشرت كلتاهما في قتال نشط. ومن غير المعروف إجمالي عدد الطائرات بدون طيار من طراز MALE التي اشترتها القوات المسلحة السودانية.
وكانت قوات الدعم السريع تمتلك أسلحة ثقيلة أقل عند اندلاع الحرب. وقبل الصراع، كانت في الأساس قوة مشاة سريعة الحركة. ورغم سيطرتها على عدة مطارات، إلا أنها لم تتمكن من نشر طائرات حربية أو طائرات شحن أو حتى مروحيات. تمتلك قوات الدعم السريع نوعين من الطائرات المسيرة الأصغر حجمًا، على الرغم من أن كلا النوعين يستخدم معدات لا تتوفر عادةً إلا للجهات الفاعلة التي تتلقى دعمًا أجنبيًا: طائرات رباعية المراوح مزودة بقذائف إسقاط جوي عيار 120 ملم، وطائرات صينية الصنع من طراز “صن فلاور 200” انتحارية، تُعرف أيضًا باسم الذخائر المتسكعة. لقد تمكنت قوات الدعم السريع من ضرب أهداف بعيدة عن خطوط المواجهة في شمال وشرق السودان. كما استفادت من المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها الإمارات العربية المتحدة باستخدام طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز “وينج لونج 2/ Wing Loong2” يتم تشغيلها من قاعدة عبر الحدود في تشاد. وفي الآونة الأخيرة، تم استخدام طائرات بدون طيار من طراز Wing-Loong 2 لمهاجمة أهداف في الفاشر، بما في ذلك ضربة مدمرة على آخر مستشفى متبقٍ في المدينة المحاصرة. وتزعم مصادر القوات المسلحة السودانية أن قوات الدعم السريع تدير الآن أيضًا هذا النوع من الطائرات بدون طيار. وفي الوقت نفسه، حصلت قوات الدعم السريع أيضًا على ما لا يقل عن ثلاث طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز ( FH-95 MALE)، والتي تم رصدها في مطار نيالا في ديسمبر 2024 (على الرغم من أنها لم تدخل نطاق الخدمة بعد).
كان تفوق القوات المسلحة السودانية في الوصول إلى طائرات بدون طيار من طراز MALE وغيرها من الطائرات بدون طيار عاملاً حاسماً وراء مكاسبها الإقليمية منذ أوائل عام 2024، ولا سيما استعادة أجزاء كبيرة من أم درمان من مارس 2024 واستعادة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في يناير 2025. بعد سقوط ود مدني، اعترف قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” بأن الطائرات بدون طيار الإيرانية كانت فعالة في هزيمة قواته.
وبحسب ما ورد، تستخدم القوات المسلحة السودانية طائراتها بدون طيار لمراقبة تحركات قوات الدعم السريع واستهدافها بدقة أكبر من الطائرات الحربية المستخدمة في بداية الحرب. وكانت معظم ضرباتها بطائرات بدون طيار قريبة نسبيًا من الخرطوم، مما يؤكد محدودية مدى الطائرات بدون طيار عند نشرها من قاعدة “وادي سيدنا” الجوية. وقد اعتمدت القوات المسلحة السودانية على الضربات الجوية والعمليات البرية – بدلاً من الطائرات بدون طيار – لاستهداف خطوط إمداد قوات الدعم السريع في غرب وجنوب البلاد. ويمكن للطائرات بدون طيار توفير معلومات استخباراتية مفيدة واستهداف تجمعات قوات الدعم السريع في البيئة الحضرية الكثيفة للمدن الرئيسية في السودان حيث دارت بعض أعنف معارك الصراع. لكن استعادة المدن لا تزال تتطلب هجمات برية واسعة النطاق.
استخدمت قوات الدعم السريع طائراتها المسيرة (الأصغر حجمًا عمومًا) في القتال داخل المدن، كما في مدينة الفاشر، على سبيل المثال، وفي استهداف مدن بعيدة عن خطوط المواجهة التي لم تشهد قتالًا مباشرًا، مثل شندي ومروي والقضارف. وحتى مع اعتراض معظم هجماتها، فإنها لا تزال تسبب ذعرًا بين السكان، وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية الحيوية مثل محطة كهرباء سد مروي، وحاولت إبعاد قوات الجيش السوداني عن ساحات القتال الرئيسية. وقد أظهرت قوات الدعم السريع حتى الآن قدرة أقل على استخدام الطائرات المسيرة بالتنسيق مع قدراتها الأخرى.
يعكس تأثير حرب الطائرات المسيرة هذه على ديناميكيات الصراع الطرق التي تتنافس بها أطراف الصراع على التفوق في ساحة المعركة من خلال الحصول على قدرات تكنولوجية متفوقة من جهات راعية أجنبية. على الرغم من حصول كلا الجانبين على أسلحة من دول أجنبية، إلا أن القوات المسلحة السودانية تمكنت من الحصول على طائرات مسيرة MALE أكثر تطورًا، بما في ذلك التدريب اللازم لنشرها، بينما استخدمت قوات الدعم السريع، بشكل رئيسي، ذخائر صغيرة محمولة جوًا وطائرات مسيرة تكتيكية مزودة بقذائف إسقاط جوي. وقد عزز تفوق القوات المسلحة السودانية في الوصول إلى الطائرات المسيرة تفوقها الجوي. بفضل قدراتها الكبيرة المضادة للطائرات، تمكنت القوات المسلحة السودانية من إسقاط معظم طائرات قوات الدعم السريع بدون طيار، بينما استخدمت قوات الدعم السريع أنظمة الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS) لإسقاط طائرات القوات المسلحة السودانية في دارفور وطائرات بدون طيار بما في ذلك طائرة (مهاجر-6) في يناير 2024 وطائرة (زاجل 3) بعد ثلاثة أسابيع. كما استخدمت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية أجهزة تشويش على الطائرات بدون طيار تم تصنيعها في الصين.
في السودان، كان للوصول غير المتكافئ إلى الطائرات بدون طيار القتالية المتقدمة ونشرها الفعال تأثير مهم على ديناميكيات الصراع، لا سيما وأن الأطراف تعتمد على الحرب النظامية. وقد توسطت التضاريس في هذا التأثير إلى حد ما. ونظرًا لمداها القصير نسبيًا، لم يتم نشر طائرات MALE بدون طيار التابعة للقوات المسلحة السودانية إلا في البيئات الحضرية في الخرطوم ووسط السودان، ولكن ليس ضد خطوط إمداد وقواعد قوات الدعم السريع في غرب وجنوب السودان (حيث كان بإمكان القوات المسلحة السودانية الاعتماد على الغارات الجوية التقليدية على أي حال). ونظراً للهيمنة الجوية التقليدية للقوات المسلحة السودانية، فقد يصبح من الصعب على قوات الدعم السريع الحفاظ على خطوط إمداد طويلة وفرض سيطرة إقليمية فعالة خارج دارفور. يمكن لطائرات MALE بدون طيار أن تُكمل قدرات المشاة الآلية لقوات الدعم السريع، إذا تمكنت من تنسيقها بفعالية مع عملياتها البرية. كما ستسمح طائراتها بدون طيار لقوات الدعم السريع بالتوغل في عمق الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، حتى لو فقدت قوات الدعم السريع السيطرة الكاملة على الخرطوم، وهو ما يبدو مرجحاً. ولكن، ستظل قوات الدعم السريع تواجه صعوبات في مواجهة الهيمنة الجوية الكبيرة للقوات المسلحة السودانية، ما لم تتمكن من الحصول على أنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً أو طائرات مقاتلة، أو تعديل تكتيكاتها للاختباء من أنظار الطائرات بدون طيار.
خاتمة
نادرًا ما نجد في الصراعات الأفريقية مزيجًا من الظروف والأوضاع التي تُمكّن طائرات MALE القتالية من تغيير ميزان القوة العسكرية، بشكل كبير. يمكن للطائرات القتالية المسيرة، كتلك التي تُنتجها تركيا وإيران، أن تُساعد الحكومات على تحييد المتمردين وإبعادهم، ولكن فقط إذا افتقر هؤلاء إلى إمكانية الوصول إلى الطائرات المسيرة والتدابير المضادة الخاصة بهم، وإذا كانت التضاريس مفتوحة نسبيًا، وإذا كان المتمردون يقاتلون أيضًا كقوة نظامية. عندما يتمكن المتمردون من الانتشار والاختباء، يمكن للطائرات المسيرة منع الأرتال الكبيرة من التقدم نحو مدن رئيسية، لكنها لا تستطيع منع الجماعات المسلحة من السيطرة على السكان الذين تتواجد بينهم. لذا، يجب دائمًا النظر إلى تأثير الطائرات القتالية المسيرة المتقدمة من خلال القدرات الاستراتيجية والخصائص الأوسع للأطراف المتحاربة. في حين أن الوصول المتكافئ إلى الطائرات القتالية المسيرة المتطورة أو تكنولوجيا الاعتراض لا يزال استثناءً، فإن الحروب في ليبيا والسودان تُشير إلى أنه قد يصبح أكثر شيوعًا مع تدخل مجموعة متزايدة من الدول الأجنبية في الصراعات الأفريقية. عندما تجد حركات التمرد التي تفتقر إلى تقنيات الطائرات المُسيرة نفسها في مواجهة حكومات قائمة، فإنها تلجأ عادةً إلى حرب العصابات، مما يُضعِف فعالية الطائرات المُسيرة ويجعل استخدامها ذا نتائج عكسية مُحتملة. على النقيض من ذلك، عندما تُعطي التضاريس المفتوحة ميزة واضحة للحكومات التي تُشغّل طائرات مسيّرة قتالية، فقد يُثني هذا خصومها عن شنّ هجمات مباشرة. لذا، قد يكون التأثير الأكبر على توازن القوة العسكرية محسوسًا في الردع وغياب الحرب المفتوحة، وليس في ديناميكيات ساحة المعركة.
من بين الحالات الثلاث المعروضة هنا، تُقدم تشاد أفضل الظروف الملائمة لحرب الطائرات بدون طيار. في الواقع، يشير قرار الحكومة التشادية بطرد الفرنسيين إلى أن انتشار الطائرات بدون طيار قد غيّر ميزان القوى – والعلاقات الخارجية – في هذه الحالة. قد يكون مزيج تشاد من عدم التماثل الواضح في وصول الطائرات بدون طيار والحرب النظامية والتضاريس المفتوحة محددًا للغاية. لكن بيئات الصراع الأخرى في شمال إفريقيا قد شهدت تركيبات مماثلة. وخلال الحرب الأهلية الليبية (2019-2020) عملت الطائرات بدون طيار الإماراتية – ولاحقًا – الطائرات الحربية الروسية المتمركزة في الجفرة، كرادع فعال. وكانت أي محاولة من جانب القوات الليبية الغربية للاستيلاء على هذه القاعدة الحيوية في وسط الصحراء تتطلب منهم عبور مئات الكيلومترات من الأراضي المفتوحة، بعيدًا عن أنظمة الدفاع الجوي التركية التي حيدت ميزة “حفتر” في القوة الجوية. وفي عام 2008، قامت حركة العدل والمساواة المتمركزة في دارفور بمحاولة جريئة للاستيلاء على الخرطوم، وعبرت مئات الكيلومترات من الصحراء “مسافرة بسرعة ليلًا ومتفرقة نهارًا”. ومن المشكوك فيه ما إذا كانت مثل هذه المحاولة قد تمت، ناهيك عن الوصول إلى العاصمة، لو كانت الحكومة السودانية تمتلك طائرات بدون طيار من طراز MALE اليوم.
ولكن لا ينبغي المبالغة في تقدير هذه القضية، حيث تظل الفائدة الإضافية لطائرات MALE بدون طيار محدودة حتى في المواقف التي أفادت التقارير بأنها أثرت فيها على ديناميكيات ساحة المعركة. وفي إثيوبيا في عام 2021، ربما تكون الطائرات بدون طيار قد “قلبت الميزان” في القتال بين قوات دفاع تيغراي (TDF) وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية (ENDF) – ويرجع ذلك أساسًا إلى أن قوات دفاع تيغراي كانت تقاتل بشكل تقليدي، وكان من السهل رصدها حيث تقدمت قواتها عبر تضاريس مسطحة نسبيًا، وقد تجاوزت خطوط إمدادها، فيما لم يكن التكتيك نفسه لينجح لو انسحبت قوات دفاع تيغراي إلى جبال تيغراي ولجأت إلى حرب العصابات غير النظامية. وإدراكًا لذلك، صدرت أوامر لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية بوقف هجومها المضاد على حدود تيغراي في ديسمبر 2021. أما في مالي والسودان ونزاع أمهرا في إثيوبيا، مكنت طائرات MALE بدون طيار القوات المسلحة الحكومية من مهاجمة تجمعات قوات المتمردين فقط، حيث كان المتمردون يعملون علانية. لكن تحقيق النصر هنا مسألة مختلفة.
هذه الملاحظات تعطي لمحةً عن عملية انتشار وتكيف ديناميكية للغاية. إن العدد القليل نسبيًا من طائرات MALE المُسيّرة المُتاحة حاليًا للأطراف المتحاربة في إفريقيا يحدّ من تأثيرها في ساحة المعركة. سيتغير هذا الوضع سريعًا في السنوات القادمة مع ازدياد شراء الحكومات للطائرات المُسيّرة، وتسارُع وتيرة الابتكار التكنولوجي، واحتمالية تحسّن وصول المتمردين إلى الطائرات المُسيّرة القتالية وأنظمة الاعتراض. ومع ازدياد حجم القوة الجوية المُتاحة، قد يصبح استخدامها أكثر فعالية أو عشوائية، مع وجود عواقب غير متوقعة مُحتملة قد تؤثر على توازن القوة العسكرية وأساليب الحرب في النزاعات الأفريقية.
مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية
بقلم: د. جيريت كورتس، باحث مشارك في قسم أبحاث أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية SWP.
د. فولفرام لاخر، مدير مشروع Megatrends Afrika وزميل أول في قسم أبحاث أفريقيا والشرق الأوسط في SWP.
د. دينيس إم. تول، مدير مشروع Megatrends Afrika وزميل أول في قسم أبحاث أفريقيا والشرق الأوسط في SWP.• ترجمة: شيرين ماهر
رابط التقرير الأصلي
تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)