محمد صالح عمر | مدير آفروبولسي
مقدمة
أصدر الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية قرارات خلطت أوراق الساحة السياسية السودانية، في توقيت وظروف كانت تتجه فيه الأوضاع إلى الانسداد الكامل والمفضي إلى الانفجار، ما أجبر الأطراف المحلية والإقليمية والدولية إلى إعادة قراءة المشهد السوداني ومحاولة تفسيره ومعرفة مآلات الأوضاع وعلاقات الأطراف ومواقفها بعد هذه القرارات فما هي دلالات هذه القرارات وإلى اين ستقود السودان وكيف قرأتها القوى السياسية المختلفة ومن الرابح ومن الخاسر فيها ؟!
وقائع ما قبل القرارات:
1. التصعيد على الحدود مع إثيوبيا
على خلفية قتل أطراف إثيوبية لثمانية سودانيين كانوا أسرى لديها 7 منهم عسكريين وعرضهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يتهم الجيش السوداني إثيوبيا في قتلهم سادت حالة من الغضب تطورت فيها الأحوال إلى شن الجيش السوداني هجوما عسكريا استخدم فيها كل أنواع الأسلحة انتقاما لجنوده حاولت إثيوبيا امتصاصه بلغة دبلوماسية اعترفت فيها بالحدث وحملتها المليشيات الإقليمية، مع تأكيد عمق العلاقات التي تربط الطرفين وانهما قادران على تجاوزها، وختم بلقاء في نيروبي أكد فيه ابي احمد أن علاقة البلدين تتجاوز أي نزاع.
في واقع الأمر خلق هذا التصعيد فرصة للجيش والقوى السياسية المساندة له في تعزيز موقفهما ومحاولة التخفيف من حملة القوى المناوئة لها في الاعداد للثلاثين من يونيو الذي توعدت فيه بإسقاط العسكر عبر إجراءات مضادة تقلل من حجم التجمعات وخفض سقوفات الأطراف المباشرة أو التي تقف خلفها.
2. فشل لقاءات فندق روتانا ومنزل السفير السعودي
بدعوة من مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية السيدة، مولي في، والسفير السعودي بالخرطوم، علي بن حسن جعفر، عقدت لقاءات في بيت الأخير بغرض إيجاد مخرج للأزمة، وفي الاتجاه الآخر عقد لقاء توسطت فيه الآلية الثلاثية وممثل الإيغاد وقوى سياسية تختلف في المقاربات مع التيار المناهض للجيش، فشل اللقاءين بسبب مقاطعة الأطراف حضور لقاء مشترك إضافة إلى تطرف بعض الأطراف ( قوى الحرية والتغيير ) تجاه المكون العسكري الذي ترى فيه سبب المشكلة وتصر على تسليمه السلطة لما تصفه بأنه انقلاب عليها في 25 اكتوبر 2021.
3. احتجاجات 30 يونيو ومقاربة الخلاص
أعدت القوى المعارضة للجيش والقوى السياسية المساندة لها وعلى راسها قوى الحرية والتغيير لاحتجاجات أشبه باحتجاجات 30 يونيو 2019 بغية خلخلة موقفه وإضعافه كخطوة في طريق الاسقاط، مع رفع بعض القوى سقف توقعاتها إلى ضمان إسقاط الانقلاب، إضافة إلى وضع خارطة طويلة من الاعتصامات تتطور إلى العصيان المدني تمهيدا لزعزعة موقف الجيش وصولا إلى اسقاط هيمنتة على مقاليد الأمور، وهو ما تصنفه بعض القوى السياسية وبعض مراكز القرار في الجيش توجه لإشعال حرب أهلية سيؤدي إلى تقسيم السودان الموحد، بدعم من قوى إقليمية ودولية تتربص اللحظة المناسبة لتنفيذ المخطط.
قرارات البرهان المفاجئة
جاءت قرارات الفريق البرهان في هجمة مفاجئة ما توقعها الجميع، سحب الجيش من الميدان السياسي، ودعوة القوى الوطنية لتكوين حكومة تكنوقراط مستقلة يعقبها حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة، كان مفاجئاً ومربكاً وقذف بالكرة في ملعب المدنيين والقوى السياسية الأخرى، كما أقال المدنيين من مجلس السيادة، ما بين مؤيد ورافض ومتشكك ومرتبك يرى أن ما جرى ما هو إلا مناورة لكسب الوقت والالتفاف على مطالب القوى المطالبة بتسليم الجيش للسلطة.
دلالات وابعاد القرارات
ألقى البرهان حجرا في وسط اهداف عديدة لا يتبين حتى الآن من المقصود بهذه الرمية، فمن قصدت قرارات البرهان وما هو المدى الذي تفكر فيه قيادة الجيش من حيث المرونة وتحمل المشاكسات مع عدد من الأطراف الممسكة بتلابيب الشأن السوداني:
• يأتي في مقدمة الأهداف ضرب مبادرات الآلية الثلاثية التي كانت تحمل في أجندتها الرئيسية التوسط بين القوى السياسية والجيش ولكن بهدف تسليم الجيش لمقاليد السطلة لقوى الحرية والتغيير وبانسحاب الجيش من المشهد ولو مؤقتا يكون قد خلط كل أوراق فولكر والأجندة التي يحملها.
• إحراج القوى السياسية السودانية المتشاكسة وعلى رأسه تحالف قوى الحرية والتغيير وتجمعات ما يعرف بشباب المقاومة ووضعهم أمام مسؤولياتهم في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بعد انسحاب الجيش من المشهد.
• إيقاف التدخلات الخارجية في الشأن السوداني خاصة تلك التي تخطط لتفكيك الجيش والقوات الأمنية الأخرى.
• إحراج المؤسسات الدولية والقوى الغربية التي تخطط لفرض عقوبات على الجيش وإفساح المجال لتدفق المساعدات الاقتصادية والانسانية المتوقفة
• تعميق الخلافات بين القوى السياسية ولجان المقاومة الشبابية وبعض الحركات الموقعة على السلام في جوبا من خلال وضعها في مواجهة بعضها البعض.
• أراد البرهان أن يثبت أن أزمة السودان أزمة قوى سياسية ولا ترتبط بالجيش وبقراره هذا يثبت ذلك عمليا، ما يرفع رصيده لدى عدد من القوى السياسية والمجتمعية في السودان.
• تضييق فرص المناورة السياسية للقوى الرافضة لإجراء الانتخابات بعد الفترة الانتقالية المحددة وفرض الانتخابات كضرورة ملحة وضمانة لمنع الانفلات نحو الفوضى وهو الخيار الأصعب والذي قد يكون حلا لتجاوز عنق الزجاجة.
مواقف القوى المختلفة من قرارات البرهان
على الرغم من الضغوط التي مارستها الأطراف المختلفة على الجيش لتسليمه مقاليد الأمور إلا أن بعض القوى ابدت استغرابا لترك الجيش القوى السياسية دون راع كما جاء على لسان بعض القيادات السياسية:
1. قوى الحرية والتغيير: اعتبرت قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي، ، قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مناورة مكشوفة وتراجعا تكتيكيا، ولن تنطلي على الشعب السوداني الذي سيستمر في مقاومته السلمية. وبذا ستعمل قوى الحرية والتغيير من أجل الدفع والاستمرار في الضغط على الجيش حتى تتضح بعض خفايا قرارات البرهان.
2. قوى الحرية والتغيير ” مجموعة التوافق الوطني” وصفت قرارات البرهان بأن فيها جوانب إيجابية وأخرى غامضة تحتاج إلى استجلاء مؤكدة أنها مع السلام الشامل والتحول الديمقراطي في البلاد.
3. لجان المقاومة والقوى الثورية الشبابية: بدت مواقف هذه المجموعات متضاربة ما بين مؤيد للقرارات ومعارض لها حسب الأطراف المؤثرة فيها إذ يتمتع اليسار السودان وعلى رأسه الحزب الشيوعي بتأثير كبير على طيف واسع منها وبينما بدأت بعض العناصر تتحدث عن ضرورة استغلال الفرصة لتجاوز الخلافات قبل أن يتخذ الجيش قرار بالإعلان عن انتخابات أو تقوم قوى سياسية بعينها دعوته مرة أخرى للشراكة والتفاهم وهو أمر وارد الحدوث.
4. التيار الاسلامي العريض: تبرز مواقف التيار الإسلامي العريض كثيرا في تأييده للجيش باعتباره صمام أمان البلاد من التمزق والتقسيم، فقد اقام مهرجانا مؤيدا وداعما للجيش في أعقاب حادثة قتل الجنود السودانيين في الحدود مع إثيوبيا وهو ما يعتبره البعض تحالفا مع العسكر يتجدد في ظل التنافس بين التيار الإسلامي واليسار، وبالتالي فإن قرارات البرهان تجد ترحيبا ولو غير معلن من هذا التيار.
5. قوى سياسية أخرى ترحب بالقرارات: حزب الأمة القومي بقيادة مبارك الفاضل المهدي، وهو أحد مكونات التحالف، قد سارع إلى الترحيب بخطاب البرهان، وكذلك فعل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
خاتمة
كشفت قرارات البرهان القوى السياسية السودانية المعارضة للجيش والآلية الثلاثية الغطاء عن كثير من الدعاوى التي كانت تتذرع بها في استمرار الاحتجاجات وتسويق رفض تواجد الجيش في أي صيغة وطنية ما عدا ثكناته، فبدا موقفها ضعيفا ذلك لمعرفتها الوثيقة في استحالة التوافق السياسي الذي اشترطه البرهان، فشعاراتها الثلاث لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة أصبحت بعد القرارات الأخيرة بلا معنى، فهل سيتمكن فولكر من لملمة شعث القوى السياسية وصولا بها إلى صيغة تعبر بها المرحلة الانتقالية، أم تعود الكرة لملعب البرهان فيسجل هدف الفوز ويتخذ هو قرارات العبور إلى المرحلة الدستورية، يصعب التفاؤل في ظل السيولة الهائلة في الأوضاع السودانية على كافة الأصعدة كما نستبعد حدوث مفاجآت من العيار الثقيل تغير اتجاه السياسة ومناوراتها كما كان يحدث في السابق، أم يظل الجيش ثابتا في المعادلة السياسية بسبب الصراعات الصفرية بين القوى السياسية.