يُنظَر إلى العلاقات الفرنسية الأمريكية في إفريقيا على صعيد المجتمع الدولي على أنها علاقات تكاملية أو تشاركية خاصة في منطقة الساحل؛ حيث كلاهما عضو في حلف النيتو فضلا عن التنسيقات رفيعة المستوى في مقابلة العدو المشترك روسيا والصين، ومكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في المنطقة. لكن على المستوى الجيوسياسي؛ فكل دولة تضع مصالحها القومية نصب أعينها، وتتعامل مع الحليف أو الشريك المتعاون معها في إطار تحقيق المصلحة الشخصية أو الوطنية.
في هذا المضمون، تتمحور الرؤية الفرنسية لأنشطة واشنطن -وغيرها من القوى العظمى- داخل القارة الإفريقية على أنها مجرد خطط استراتيجية لتعزيز احتياطاتها من المعادن والماس، وتأمين احتياجها من المواد الأوّلية الأخرى، وأنّها تهدف إلى تشديد القبضة على منطقة الساحل الإفريقي ووسط إفريقيا خاصة للتحكم بالقارة شمالاً وجنوباً، ومن ثمّ السيطرة على ثرواتها عبر إشعال حروب نشطة، تحت مبررات مختلفةٍ بِغَضِّ النظر عن مصالح حلفائها الآخرون، ومن ضمنهم فرنسا، وبالتالي ستخرج الولايات المتحدة وحدها من هذه الحروب والصراعات غانمة من غير غُرْمٍ كبيرٍ.
في واقع الأمر، ما ذُكِر آنفا هي الرؤية الفرنسية نفسها تجاه أمريكا وغيرها من الدول التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لأن يكون لها موضع قَدَمٍ ونفوذ في القارة الإفريقية. هذه الرؤية تُحَتِّم علينا أن نؤكد على كلام بعض الخبراء والمحللين لحرب النفوذ بين باريس وواشنطن في القارة الإفريقية التي لم يتفطنّ إليها الكثيرون، وما زالوا يعتبرون العلاقة بين باريس وواشنطن علاقة تكاملية.
لقد وضعت الإدارة الفرنسية، مُنذُ عهد الرئيس شارل ديجول(1)، خطة واضحة ليكون لها دور محوري في المجتمع الدولي، وأن تكون أحد الأطراف ذات النفوذ في وضع السياسات الدولية، وهذا يتحتم عليها أن تحافظ على مركزها ضمن مقاعد الدول العظمى. هناك ثلاث عوامل شكلت مركز فرنسا كدولة عظمى تتمتع ببعض المزايا في النظام الدولي رغم خسارتها في الحرب العالمية الثانية، وهي:
- مقعدها الدائم في مجلس الأمن،
- القدرة النووية؛
- إرثها الاستعماري في إفريقيا، أيْ تحكّمها في موارد القارة الطبيعية والبشرية.
وتُعْتَبَرُ فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمتلك قدرة واسعة على التحرّك داخل إفريقيا عسكريا، دبلوماسيا، ومدنيّاً. فمنذ 2011م وحتى الآن، تدخلت فرنسا بشكلٍ مباشر شؤون القارة عسكريا أربع مراتٍ على الأقلّ، في كوت ديفوار، وليبيا، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى. السؤال العفوي الذي يمكن أن يُطْرَح هنا هو: لماذا تحافظ فرنسا على بقائها في إفريقيا وتسعى للتوسع أكثر فأكثر؟
بغض النظر عن اعتماد فرنسا على إفريقيا كركيزة أساسية داعمة لقوتها في المجتمع الدولي، هناك أسباب أخرى تجعل فرنسا تسعى دائما للحفاظ على مراكزها في إفريقيا؛ بل وتسعى إلى التوسع كلما أمكن ذلك. ويمكن إجمال أسباب التوسع الفرنسي في القارة الإفريقية في ثلاث نقاط رئيسة، وهي:
- تَوَفُّر الموارد الاقتصادية المهمة للتصنيع والإنتاج في القارة الإفريقية بشكل مهول.
- محاولة القوى العظمى الأخرى زيادة نفوذها في القارة الإفريقية كالولايات المتحدة والصين وروسيا، الأمر الذي يَضُرُّ بمصالح فرنسا ويحدّ من حركتها داخل القارة ما يجعلها تضاعف جهودها في الحفاظ على نفوذها الحالي على الأقل.
الشعور بأحقيتها لإفريقيا كونها المكتشف لكثير من مناطقها -حسب الرواية الفرنسية- والمستعمر التاريخي لها، وتُبَرْهِنُ على هذه الأحقية بتقديم أموال ضخمة لدعم البنى التحتية والعسكرية في العديد من الدول الإفريقية؛ لكنها تُخْفِي ما تأخذه من مواردها وخيراتها.
ولتحقيق ذلك، تَنسُجُ فرنسا سياساتها لتثبيت تواجدها شبه الدائم في إفريقيا على ركيزتين أساسيتين، هما: الركيزة الثقافية، والركيزة العسكرية. ولتدعيم الركيزة الأولى أُسِّسَت المنظمةُ الدوليةُ للفرانكفونية، وتضمّ الدول الناطقة بالفرنسية أو التي تعتبر اللغة الفرنسية منتشرة فيها، وتتكون من 55 عضواً، منهم 30 دولة إفريقية. ولتعزيز الركيزة الثانية أنشأت فرنسا قواعدَ عسكرية في بعض الدول الإفريقية، وأبْرَمَتْ اتفاقيات أمنية وعسكرية مع العديد من دول القارة مُنذ فجر الاستقلال وما زالت سارية حتى يومنا هذا، وهو ما ستركز عليه هذه الدراسة.
هذه الاتفاقيات العسكرية والأمنية المبرمة، تسمح لفرنسا استباحة الأراضي الإفريقية وأجوائها البرية والبحرية، والتحرك فيها كيفما تشاء، ووقتما تشاء. ومن ضمن هذه الدّول جمهورية تشاد التي تقع في وسط القارة الإفريقية، وتتربّعُ بين ليبيا والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان ونيجيريا والكاميرون. موقع تشاد يُشَكِّلُ موقعا استراتيجيا لفرنسا والولايات المتحدة في الحرب ضد المسلحين الإسلاميين عبر منطقة الساحل، وبوكو حرام في نيجيريا، وكذلك لرصد المعلومات الاستخباراتية والتعرف على الأوضاع السياسية في الدول المجاورة.
وبناء عليه، تهدف هذه الورقة إلى التعرف على مستوى الوجود الفرنسي العسكري في تشاد، وأنواع الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين البلدين، وكيف نُفِّذَتْ على مدى عقود من الزمن. ولتحقيق هذا الهدف، بعد هذه المقدمة، ناقشت الورقة أربعة نقاط رئيسة، وهي: مُسَوِّغات الوجود العسكري الفرنسي في تشاد، أنواع العمليات العسكرية الفرنسية في تشاد ومبرراتها، دواعي الانتفاضة الشعبية الأخيرة ضدّ الوجود العسكري الفرنسي، مستقبل الوجود الفرنسي العسكري في تشاد، ومن ثَمَ الخاتمة.
أولا: مُسَوِّغَات الوجود العسكري الفرنسي في تشاد
منذ فجر الاستقلال، انضمت جمهورية تشاد إلى اتفاقية عسكرية متعددة الأطراف بقيادة فرنسا سُمِّيتْ بإفريقيا الاستوائية الفرنسية Afrique Équatoriale française (A.E.F.). وتضم هذه الاتفاقية إلى جانب تشاد، كلٌّ من جمهورية إفريقيا الوسطى، والغابون، والكونغو الشعبية (برازفيل)؛ فضلا عن فرنسا ذاتها. ولقد مَنَحَتْ هذه الاتفاقية فرنسا حقّ استخدام قاعدة عسكرية كبيرة خارج العاصمة التشادية أنجمينا التي كانت تسمى آنذاك بـ “فورلامي” Fort-Lamy تخليدا لذكرى القائد العسكري الفرنسي الذي قتل في مدينة “كُسري” الكميرونية إثر معارك ضارية مناهضة للاستعمار، ثم غُيّر اسم العاصمة لاحقا لتصبح أنجمينا.(2)
لم يقتصر الأمر على استخدام قاعدة عسكرية فحسب؛ بل توسع ليشمل امتلاك فرنسا حقوق النقل والتحليق المطلق على أجواء جميع الدول الموقعة على الاتفاقية، ومقابل ذلك يتوجب على فرنسا توفير الأمن الداخلي لها، وردع التهديدات الخارجية؛ بل تعدى الأمر إلى توفير الحماية الخاصة للنخب والسلطات الحاكمة لكل بلد حسب ما تقتضيه الحاجة.
وبموجب هذه الاتفاقية يحق لأيّ دولة من الدول الأربعة أن تطلب تلقائيا التدخل الفرنسي المباشر في أيّ لحظة تريدها السلطة الحاكمة لضمان أمنها في مواجهة التمرد الداخلي أو محاولات الانقلاب من أيّ جهة. ولكن فرنسا حافظت على حقها في تلبية طلبات التدخل التي تقدمها الحكومات الموقعة على هذه الاتفاقية أورفضها حسب ما تراه مناسبا ويتسق ومصالحها القومية.(3)
والجدير بالذكر، أنّ تشاد، إلى جانب هذه الاتفاقية العامة، وقّعتْ اتفاقية ثنائية مع فرنسا بغرض الحصول على الدعم الفني العسكري الفرنسي. وبموجب هذه الاتفاقية انخرطت فرنسا في تقديم المعدات العسكرية، والقيام بتدريب الجيش وقوات الأمن المختلفة، ويرتدي المستشارون والضباط الفرنسيون الزيّ التشادي الرسمي معتبرين أنفسهم جزء من المكون الأمني الوطني.(4) تلك القاعدة العسكرية سابقة الذكر، استخدمت -على مرّ العقود- كمنشأة فرنسية عسكرية رئيسة في إفريقيا والتي من خلالها يمكن نشر القوات العسكرية الفرنسية في أيّ بقعة من دول المستعمرات الفرنسية الأخرى، والتحليق في أجوائها دون حسيبٍ ولا رقيبٍ.
تفعيل الاتفاقيات العسكرية وتنفيذ بنودها
بدأ مفعول هاتين الاتفاقيتين فعليا في عهد الرئيس فرانسوا تومبالباي (1918م–1975م)(5)- أول رئيس لدولة تشاد بعد الاستقلال- عندما واجه تحديات داخلية كثيرة، أهمها التمرد الذي اندلع في عام 1965م في كثير من المدن الشمالية والذي هدد عرشه بشكل مباشر. الرئيس تومبالباي ينحدر من عرقية السارا التي تقطن جنوب البلاد، وهي قبائل ذات أغلبية مسيحية ووثنية. بينما التمرد الشرس الذي أقلق تومبالباي قادته مجموعات مسلمة تقطن شمال البلاد تنتمي إلى قبائل عديدة، ومن أبرزها آنذاك حركة فرولينا (FROLINAT)، وهي حركة تمردّ نشطة في تشاد بين عامي 1966م و1993م.(6)
تكوّنت حركة فرولينا نتيجة للاتحاد السياسي بين الاتحاد الوطني التشادي، Union Nationale Tchadienne (UNT)، ذو توجه يساري زعيمه إبراهيم أباتشا، والاتحاد العام لأبناء تشاد Union Générale des Fils du Tchad، الذي يختصر بـ (UGFT) بقيادة أحمد حسن موسى الذي يُنسب إلى الحركة الإسلامية. وظلّ الاتحاد العام لأبناء تشاد مستقلاً داخل المجموعة الجديدة تحت راية جبهة تحرير تشاد، وكانت الحركة تضم شماليين مسلمين حصرا، ولم تحاول في تلك الفترة إنشاء روابط مع المغتربين الجنوبيين خارج البلاد خاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى والكاميرون.(7)
وتنطلق الجبهتين سابقتا الذكر من رؤية رافضة انفصال البلاد، ونابذة للسياسة الطائفية والتمييز العرقي، ونَصَّ بيانهما الرسمي على ضرورة محاربة الاستعمار الجديد، من أجل استعادة الاستقلال الوطني وسيادة البلاد. في الوقت ذاته دعوا إلى تشكيل حكومة ائتلافية وطنية وديمقراطية، ومناشدين بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ومطالبين بمغادرة جميع القوات الأجنبية البلاد، وتقديم الدعم لحركات التحرير الوطنية بشكل كامل. على الرغم من الزخم الذي حظيا به قبل اتحادهما في نهج السياسة الخارجية التي اتسمت بالحياد الإيجابي؛ إلا أن الأهداف الاقتصادية كانت غائبة عن برنامجهما أو غامضة تمامًا.(8)
في واقع الأمر، بعد اتحاد الجبهتين وأصبحتا تعرفتان باسم “فرولينا” لم تُضاف أهداف جديدة، فقط اعتمدت الاستراتيجية على حقيقة أن الدولة التشادية كانت بالفعل في حالة فوضى، وانتقدوا بشدة الحكومة التي يسيطر عليها الجنوبيون، وتجاوزت الزعماء المسلمين التقليديين بقيادة تومبالباي. نتيجة لذلك، قام تومبالباي بحملة اعتقال واسعة النطاق، شملت أهم السياسيين الشماليين والقيادات الاجتماعية، وحلّ نظام السلطنة التقليدية. وفي الوقت نفسه، شغل الجنوبيون غير المسلمين جميع المناصب المهمة في القوات المسلحة التشادية والحكومات المحلية، وذلك في عام 1963م.
ثانيا: أنواع العمليات العسكرية الفرنسية في تشاد ومبرراتها
كردة فعل مغايرة لممارسات تومبالباي وتوجهاته، خاضتْ حركة فرولينا، ومعها حركات أخرى، أيضا حروباً عتيدة، وسيطروا على مدن كثيرة في مناطق المسلمين الشمالية، واستمروا في الزحف نحو العاصمة الأمر الذي أربك حكومة تومبالباي وخلط أوراقها.(9) حينها انفلتت الأمور من يدي تومبالباي، وانزلقت البلاد في حروب شبه طائفية واختلطت بالتطهير العرقي تقريبا في بعض المناطق، طلب تومبالباي التدخل الفرنسي لمساعدته في استعادة قوة نظامه وردع التمردّ.
وافقت فرنسا على التدخل فوراً، واستعدت لخوض المعركة نيابة عن جيش تومبالباي الممزق، شريطة القيام بسلسلة من الإصلاحات في تركيبة الجيش ومكوناته، وتغييرات في الحكومة والخدمة المدنية وإلغاء الضرائب التعسفية التي فرضها نظام تومبالباي سابقا. والأهم من ذلك كله، إلغاء كل القوانين التي سنّها تومبالباي عند توليه السلطة، ومن ضمنها النظام الضريبي الذي وُصِف بالتعسفي، واستبداله بنظام السَّلطنات التقليدية (شيوخ القبائل) المعمول به في فترة الاستعمار.
يقتضي نظام السلطنة التقليدي على استعادة السلاطين التقليديين وتفعيل أدوارهم القديمة وخاصة تحصيل الضرائب والجبايات مع منحهم نسبة 10 في المئة من الدخل السنوي الذي يحصلون عليه، وبإمكانهم ممارسة أدوار الشرطة والقضاء على مستوى القبيلة أو المنطقة التي تقع في نطاق نفوذهم.(10) هذه الممارسات ما زالت تمثل السمة البارزة في دولة تشاد حتى لحظة تسطير هذه الأحرف، الأمر الذي يضعف سلطة الدولة ونفاذ قوانينها؛ حيث الأفراد والجماعات يدينون بالولاء المطلق لسلطة القبيلة ومشايخها أكثر من ولائهم للوطن.
وافق تومبالباي على كل هذه الشروط -طامعاً أو مُرغما- دون تردُّدٍ، وسلَّم زمام الأمور كلها تقريبا لفرنسا مرة أخرى. ,بعد التنازلات التي قدّمها تومبالباي بموافقته على شروط فرنسا في عام 1969م، تدخلت فرنسا عسكريّاً، وحلّتْ له بعض المشاكل التي كانت تهدد عرشه.
ففي أبريل 1969م وحتى سبتمبر 1972م، قام الفيلق الأجنبي والوحدات الفرنسية الأخرى بتزويد حكومة تومبالباي بنحو 2500 جندي، شاركوا في العمليات العسكرية المختلفة ضدّ المتمردين في أكثر من جبهة داخل تشاد. فضلاً عن تشكيل وَحدات عسكرية تشادية نظامية تلقت تدريباً فرنسياً مكثفا. في نهاية المطاف، اتخذ فوج عسكري فرنسي مختلط قاعدة دوبوت العسكرية (Camp Dubut) قرب العاصمة أنجمينا مقرا له، وأصبح يقدم دعما محدودا من الطائرات الهجومية والهليكوبتر، ووسائل نقل برية، وخدمات لوجستية للجيش التشادي ويستخدمها بشكل متكرر ضدّ التمرد الذي يهدد السلطات المتعاقبة كما سيتضح معنا لاحقا.(11)
ومن الأهمية بمكان، ذِكْرُ موقف العقيد نويل ميلاريو أودينجار (1932م-2007م)(12) الذي حكم تشاد لمدة 48 ساعة فقط (يومين)، وذلك بعد الإطاحة بتومبالباي عام 1975م، وكان من الأعضاء التسعة في المجلس العسكري الأعلى، وهو المجلس العسكري الذي حكم تشاد بين عامي 1975م و1978م بقيادة فيليكس مالوم (1932م–2009م). عندما استنجد تومبالباي بفرنسا لمواجهة التمرد الذي قادته مجموعات مسلحة من شمال البلاد (مسلمة). اعترض العقيد أودينجار والوزير بانغي -هما الوحيدان- على القرار واعتبراه مساس لسيادة تشاد، ولا مجال لتنفيذه؛ لكن تومبالباي طرح رأييهما عرض الحائط ولم يبال به.(13)
من هنا أصبح العقيد أودينجار من كبار معارضي تومبالباي ومنتقديه بشدة، واتهمه بأنه يسعى إلى تقسيم تشاد من خلال توسيع الفجوة بين الجنوبيين والشماليين على أساس عرقي أو ديني. استطاع تومبالباي استعادة نظامه بفضل الدعم الفرنسي السخيّ الذي حصل عليه؛ لكن الخلافات بين قيادات الجيش الوطني، وقوات الدرك، وحتى الشرطة أصبحت أكثر عمقا وتتوسع بتقدم الزمن والوقت.(14)
ففي صباح يوم 13 أبريل عام 1975م، هاجمت وحدات من الدرك القصر الرئاسي، وأثناء تبادل النيران مع حرس الرئيس، وصل العقيد أودينجار حاملاً تعزيزات عسكرية ضحمة، وتولى القيادة. انتهت جميع المعارك بحلول الساعة 8:30 صباحًا؛ حيث وردت أنباء تفيد بمقتل تومبالباي متأثرا بالجروح التي أصيب بها في المعركة، واستولى الانقلابيون على القصر منتصرين. لم تكن هناك مقاومة أخرى تُذْكَر، وفي الساعة 6:30 صباحا من اليوم التالي ألقى أودينجار خطابا عبر الإذاعة الوطنية معلنا أنّ القوات المسلحة “مارست مسؤولياتها أمام الله وأمام الأمة (الشعب)” للحفاظ على وحدة الشعب والبلاد.(15)
برَّرَ العقيدُ أودينجار والجيشُ أفعالَهم الانقلابية في بيان عسكري، متهمين تومبالباي بسعيه إلى تقسيم البلاد، ووضع القبائل في مواجهة بعضها البعض، وإهانة الجيش الوطني وما إلى ذلك. في الوقت ذاته، تدفقت جماهير غفيرة من الشعب التشادي إلى شوارع العاصمة والمدن الكبرى محتفلة بوفاة تومبالباي، ومرحبين بالانقلاب العسكري. في غضون ذلك، قام أودينجار -بصفته القائد ورئيس الدولة المؤقت- بإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى العاصمة، وفرض حظر تجول على المدينة، وأطلق سراح فيليكس مالوم، الذي حبسه تومبالباي، والضباط الآخرين المسجونين.(16)
وفي 15 أبريل من العام نفسه، شُكِّل المجلس العسكري الأعلى Conseil Superieur Militaire، ويُخْتَصَر بـ (CSM)، وهو مجلس عسكري يتكون من تسعة أعضاء من بينهم العقيد أودينجار، ونُصِّب فيليكس مالوم رئيسا للمجلس، ومن ثمّ سلّم أودينجار السلطة لرئيس المجلس، مالوم، بترحاب وسلام. وبهذا يمكن القول بأن أودينجار حكم البلاد لمدة يومين فقط؛ لكن هذا لم يشفع له وللمجلس العسكري بامتصاص غضب الجماعات المسلحة وإرضاء فرنسا كشريك عسكري استراتيجي منذ سنوات.
استمرت الأزمات الواحدة تلو الأخرى، واتسعت رقعة الخلافات بين فرنسا وحكومة مالوم الجديدة ما أدّى إلى انسحاب عدد كبير من القوات القتالية الفرنسية، مع الاحتفاظ بعدد ليس بالقليل مقارنة بالأعداد الكلية، وكان عدد المتبقين أكثر من 300 مستشار للقوات البرية والجوية. وفي عام 1976م، أُجْرِيت مفاوضات جديدة بين السلطات التشادية والفرنسيين، وانتهت بسلسلة أخرى من الاتفاقات العسكرية التي غطّت المساعدات العسكرية الفرنسية المستقبلية، ونقل المعدات التي خلفها الفرنسيون. (17)
ولكن الرئيس مالوم لم يستطع حَلْحَلَتِ الخلافات المعقدة بين المكونات التشادية المختلفة، كما أنه ما استطاع الوصول إلى توافق مع النخب التشادية الأخرى على نظام الحكم وشكله طوال سنوات حكمه. ففي عام 1978م، رضَخَ الرئيس مالوم إلى شرط الضمان في الاتفاقيات مع فرنسا المتعلق بطلب المساعدة الفرنسية المتجددة في استقرار نظامه ضدّ حركات التمرد خاصة، ولا سيما حركة فرولينا. نُشِّط بند التدخلات السريعة، وعادت قوات المظلات الفرنسية ووحدات الفيلق الأجنبي إلى تشاد استجابة لطلب مالوم؛ ولكنه لم يمكث طويلا، فبعد حكم استمر 3 سنوات و342 يومًا؛ استقال عن منصبه تحت ضغوطات مختلفة، وذلك في 23 مارس 1979م، وخَلَفَه جوكوني ودّايي (مواليد 1944م).(18)
1. جوكوني ودّايي ومزاعم الوحدة مع ليبيا
بعد الانتصارات المتكررة لحركة فرولينا ومحاصرتها لحكومة فيليكس مالوم، استقال الأخير، وتولى جوكوني ودّايي زمام السلطة كمرشح لحركة فرولينا التي حظيت بدعم ليبيّ سخيّ. وأصبح جوكوني رئيسا للحكومة الائتلافية الانتقالية الجديدة التي سميت بـ “حكومة الوحدة الوطنية للفترة الانتقالية” أو حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، (Gouvernement d’Union Nationale de Transition-GUNT).(19)
وبموجب شروط اتفاق لاغوس، التي أهَّلَتْ زميله ومنافسه في قيادة التمرد حسين حبري (1942-2021م) لتولي منصب وزير الدفاع؛ اتّبع جوكوني سياسة مؤيدة لليبيا بشكل مستميت، وطالب بمغادرة الجنود الفرنسيين، وأصرّ على ذلك حتى تم إجلاؤهم. من الناحية الأخرى، كان وزير الدفاع، حسين حبري، ينتقد بشدة تدخل ليبيا في شؤون البلاد، وأعلن معاداته لليبيا وحكومة جوكوني على حدّ سواء، ما أدّى إلى حدوث خلافات مستمرة بينه وجوكوني؛ لكنه الآخر متهم بولائه لفرنسا وحلفائها الغربيين على الأقلّ في تلك الفترة.(20)
ومن هنا، أصبح المعسكران يتعاركان انطلاقا من هذه الولاءات الموزعة بين فرنسا وحلفائها، وليبيا وأنصارها. وفي نهاية المطاف، أُطيح بجوكوني من قبل قوات حسين حبري في عام 1982م. ثم أصبح بعد ذلك الخصم الأول لحكومة حبري الجديدة، وقاتل ضده خلال الصراع الليبي التشادي كزعيم متمرد مدعوم من ليبيا. استطاع جوكوني وحركات التمرد الأخرى حسم معارك كثيرة، وسبّبَ ارتباكا سياسيا وأمنيا لحبري بفضل الدعم الليبي المفتوح، الأمر الذي دفع حبري للاستنجاد بفرنسا وطلب تدخلها سريعا لإنقاذه.
وكان الفرنسيون في البداية مترددين في الاستجابة لطلب حبري العاجل بالتدخل المباشر؛ ولكن بعد المناشدات المتكررة من رؤساء دول فرنكوفونية أخرى في إفريقيا التي حركتها الدبلوماسية التشادية، والولايات المتحدة -حسب الروايات الفرنسية- قررت فرنسا التدخل، وأطلقت عملية مانتا (MANTA).(21)
اتخذت عملية مانتا معسكر دوبوت (Camp Dubut) الذي يقع بالقرب من العاصمة أنجمينا مقرا لها. اعترف العقيد معمر القذافي بجوكوني ودايي كرئيس شرعي لتشاد بعد سقوط حكمه مباشرة، وأكّد أن له الحق في استعادة السلطة. وبناء عليه، شكل قوة عسكرية مشتركة من الوحدات الليبية ومتمردي حكومة الوحدة الوطنية التشادية الانتقالية بقيادة جوكوني، وذلك في يونيو 1983م. وبينما كانت فرنسا مترددة في البداية في المشاركة، كان القصف الجوي الليبي لمدينة فايا-لارجو مستمرا، وهي واحة استراتيجية بالنسبة لتشاد، الأمر الذي استفز فرنسا في واقع الأمر، وجعلها ترسل 3500 جندي فرنسي إلى تشاد في فرقة مكونة من القوات البرية مصحوبة بطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي، وهو أكبر تدخل فرنسي منذ نهاية الحقبة الاستعمارية.(22)
فبدلا من أن تنهي فرنسا المعركة وتطرد المتمردين والكتائب الليبية المشاركة معها، اكتفت برسم “خط على الرمال، وتمركزت القوات الفرنسية على خط العرض الخامس عشر، الذي سُمِّي بـ “الخط الأحمر”، ثم انتقل لاحقًا إلى خط العرض السادس عشر وذلك في محاولة لصدّ تقدم ليبيا وحركة التمرد التشادية نحو أنجمينا، وهي محاولة لإنقاذ الرئيس التشادي حسين حبري ونظامه فقط وليس لإنقاذ تشاد من هذه الأزمة، حسب كثير من التشاديين. كما تجنبت القوات الليبية والمتمردين معاً تجاوز الخط الأحمر واستفزاز الفرنسيين، الأمر الذي أدى إلى التقسيم الفعلي لتشاد مع الليبيين وحركة GUNT في الشمال، وحسين حبري والفرنسيين في وسط البلاد وجنوبها، كما هو موضّح في الشكل 1.(23)
الشكل 1: مناطق النفوذ الموزعة بين الحكومة التشادية وحركات التمرد والجيش الليبي (1983-1986م)
استمر الوضع على ما هو عليه لبرهة من الزمن، ثم في سبتمبر 1984م قرر الفرنسيون إنهاء هذه الأزمة، وتفاوض الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران مع الزعيم الليبي معمر القذافي على الانسحاب المتبادل لقوات بلديهما من تشاد. وقد احترم الفرنسيون الاتفاق، وبالتالي وقّعوا على نهاية عملية مانتا رسميا؛ ولكن الجانب الليبي ظلت قواته في تشاد حتى عام 1987م، مع استمرارها لاحترام الخط الأحمر المرسوم من قبل فرنسا.
يبدو أنّ الأمر شبيه باتفاق خفي بين فرنسا وليبيا؛ حيث يسمح للأخيرة بالبقاء في مركزها والسيطرة على المناطق التي استولت عليها، كما يمكن الاحتفاظ بالحركات المتمردة لتستخدم كورقة ضغط على السلطة الحاكمة وتحركها متى ما ارتأت فرنسا ذلك ضروريا لبقائها في البلاد، ومبررا لأيّ تدخل محتمل.
وسرعان ما انتهكت ليبيا خطّ العرض السادس عشر (الخط الأحمر) في عام 1986م، تجدد التدخل الفرنسي وجاء الردّ بشكل فوري عبر إطلاق عملية عسكرية أخرى سُمّيت بـ إبيرفييه Épervier التي قضت على الوجود الليبي في جميع الأراضي التشادية باستثناء شريط أووزو(24) الذي تُرِك كقنبلة مؤقتة لتجدد الصراع التشادي الليبي في أيّ نقطة زمنية قد تكون فرصة سانحة لإعادة التدخل الفرنسي وتمركزه في تشاد إذا ما طُردوا أو أجبروا على الانسحاب!
إنّ من أبرز المعارك التي سطّرها التاريخ، معركة وادي الدوم التي وقعت بين القوات المسلحة الليبية والقوات المسلحة التشادية وحركات التمرد معا. دارت رحى هذه المعركة في يوم 22 مارس 1987م، وقتل فيها 1,269 جندياً ليبيا، وأُسِر 438 كان من بينهم العقيد خليفة حفتر والمقدم عبد الله الشيخي.(25) (ينظر الشكل 2)
وفي معركة فايا-لارجو قتل حوالي 274 جنديا ليبيا، وأُسِر 16 آخر، وذلك في يوم 27 مارس 1987م، أيْ بعد 5 أيام من معركة وادي الدوم. إلى جانب هاتين المعركتين، دارت معارك في مناطق مختلفة قتل فيها أعدادا كبيرة من الجنود الليبيين وأسر بعضهم، والبعض الآخر مات عطشا بسبب التِّيهِ في الصحراء المترامية الأطراف. ومات بعض الجنود مسمومين من جراء شربهم لمياه كانوا قد وضعوها في دانات المدافع الفارغة.(26)
الشكل 2 :الضباط الليبيون الذين أسروا في معارك منطقة وادي الدوم – مارس 1987م.
تكونت عملية إبيرفييه في البداية من 1400 جندي فرنسي مدعومين بوحدات جوية؛ ولكن التحديث المستمر أدّى إلى رفع العدد الإجمالي إلى حوالي 2500 جندي في أوائل عام 1987م، وفي أواخر العام نفسه، جُمِّعتْ معظم القوات الفرنسية المتبقية حول العاصمة وفي مدينة أبشي. كانت القوات الفرنسية الوحيدة المتبقية في محافظة بوركو-إينيدي-تيبستي وهي عبارة عن مجموعة من 150 مهندسًا يعملون في إزالة الألغام الأرضية في فايا لارجو، وكانت الطائرات الفرنسية متمركزة في أنجمينا من أجل حمايتها من أي هجوم جوي أو بريّ، عن طريق نصب صواريخ كروتالي وهوك أرض-جو، وأيضا تركيب وحدات رادارات في أبوش وموسورو لتوفير الإنذار المبكر.(27)
جدول 1 :قائمة رؤساء تشاد منذ الاستقلال وفترات حكمهم
2. أطول عملية عسكرية فرنسية في تشاد، عملية إبيرفييه
بدأت عملية إبيرفييه، والتي تعني “عملية الصّقر” (Operation Épervier)، ليلة 13 و14 فبراير 1986م، بموجب اتفاقية الدفاع المشترك بين فرنسا وتشاد.(28) إذْ حُضِّرَ للعملية خلال اجتماع في أنجمينا جمع الرئيس التشادي حسين حبري ووزير الدفاع الفرنسي بول كويلس. الهدف من العملية هو احتواء الغزو الليبي المشترك مع قوات جوكوني والذي أدّى إلى خسارة جُلّ الأراضي التشادية شمال خط العرض السادس عشر وكان يهدد العاصمة. في العشر من فبراير شنّ الزعيم الليبي معمر القذافي هجوما على تشاد مجدداً، واخترق الاتفاق المسبق بينه وبين فرنسا بتجاوزه الخط الأحمر معتقدا أنه لن يكون هناك رد فعلي فرنسي.(29)
في تاريخ 16 فبراير، ألحقت غارة فرنسية جوية على وادي دوم أضرارًا بالغة بقاعدة وادي دوم الجوية، وهي قاعدة جوية استراتيجية تشادية اختلتها ليبيا ومن خلالها يمكن للطائرات الليبية أن تهاجم أنجمينا وتعيق انتشار القوات التشادية الحكومية. وكردت فعل سريعة من ليبيا، في 17 فبراير 1986م، هاجمت طائرة LARAF Tu-22B مطار أنجمينا؛ لكنها واجهت مشاكل فنية في رحلة العودة.
في هذه الأثناء، راقبت طائرات الاستطلاع الأمريكية المتمركزة في السودان نداءات الاستغاثة التي أرسلها طيار الطائرة Tu-22 والتي ربما تحطمت قبل أن تصل إلى قاعدتها في أوزو، ورجحت بعض التقارير الأمنية أنها قد تكون قد اصطدمت بأنبوبين أُطلقا في مطار أنجمينا.(30)
في 18 فبراير، وصل 200 كوماندوز فرنسي لتأمين معسكر دوبوت للقوات الجوية لبعثة إبيرفييه. المعسكر استخدم سابقا كمقر فرنسي خلال عملية مانتا (1983م-1984م). وصلت القوة الجوية ليلة الثامن عشر، وكانت مؤلفة من ست طائرا ت ميراج إف 1، وأربع قاذفات مقاتلة من طراز جاكوار، وبطارية من صواريخ كروتالي منخفضة الارتفاع (المضادة للطائرات).
ومن أجل الدفاع عن العاصمة والمعسكر ضد الهجمات الجوية على ارتفاعات عالية، وصلت بطارية من صواريخ الدفاع الجوي للجيش الفرنسي MIM-23 هوك في 3 مارس، وبعد ذلك بوقت قصير وُضِع رادار في مدينة موسورو، وأُسْنِدت مهمة الدفاع عنه لـ 150 جنديا فرنسيا. وبذلك وصل العدد الإجمالي للقوات في تشاد إلى 900 جندي فرنسي.(31)
لعدة أشهر، ظلت القوات الفرنسية غير نشطة ميدانيا إلى حد كبير، واكتفت القوات الجوية بمهام استطلاع للجيش التشادي فقط، وظلت حريصة على مراقبة الجيش الليبي من عدم عبوره خط العرض السادس عشر. لكن بعد عدة أشهر تغيرت الأوضاع عندما تمرد زعيم حزب الاتحاد الوطني التشادي، جوكوني ودايي ضد القذافي، فاندلع قتال شرس في تيبستي بين جيش جوكوني الذي لم يتجاوز تعداده 2000 رجل، والجيش الليبي الذي كان يبلغ عدده 8000 رجل. كانت قوات جوكوني التي تتمتع بمهارات قتالية عالية في خطر عندما حاصرها الجيش الليبي الأمر الذي دفع بفرنسا إلى التخطيط لمهمة لمساعدة جيش جوكوني.(32)
ففي ليلة 16 و17 سبتمبر من العام نفسه، قامت طائرتا نقل ترانزال بتزويد جيش جوكوني المحاصر في تيبيستي بـ 6000 لتر من البنزين والذخيرة والمؤن والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات. وذكرت صحيفة لوموند، آنذاك، أنّ عددًا من الجنود الفرنسيين دخلوا سرا تيبستي لدعم رجال جوكوني وإنقاذهم. هذه الحادثة جعلت جوكوني وجيشه ينسون الخلافات بينهم وحسين حابري، الرئيس التشادي، أو تناسوها وركزوا في تصفية حساباتهم مع العدو المشترك، وهو الجيش الليبي.(33)
وبعد بضعة أشهر، شنّت قوات حبري هجوما واسعا على الجيش الليبي مبتدئة بمدينة فادا عاصمة إنيدي، كما واصلت قوات جوكوني قتالها ضد القوات الليبية في أماكن متفرقة. سجل الجيش التشادي وقوات جوكوني، كلاهما مدعوم فرنسيا، انتصارات متكررة، واضطر الجيش الليبي أن ينسحب من مراكزه إلى الشريط الحدودي، منطقة أووزو، وقلص عدد جنوده إلى 781 جنديا فقط. في واقع الأمر، لعبت الإمدادات الفرنسية دورًا حاسما في حسم هذه المعارك، وخاصة صواريخ ميلان المضادة للدبابات والطائرات الهجومية.(34)
انتهى النزاع التشادي – الليبي رسميًا في أكتوبر 1988م، عندما استأنفت تشاد العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع ليبيا، ووفقًا لتوصيات منظمة الوحدة الإفريقية. ونتيجة للتقارب الليبي-التشادي، بدأ حجم الوجود الفرنسية ودوره في تشاد يتناقص. كما أنّ التكلفة التي كانت تتحملها فرنسا في تمويل جيشها أيضا تعتبر سببا في تخفيض التواجد العسكري الفرنسي. على سبيل المثال، عمليةُ إبيرفييه وحدها كلّفت فرنسا 1,700,000 (واحد مليار وسبعمئة ألف) فرنك سيفا في عام 1987م وحده. ففي عام 1989م، انخفض عدد الجنود الفرنسيين في تشاد إلى 1000 جندي فقط، وفُكِّكت العديد من القواعد الثانوية؛ لكن العملية العسكرية لم يُحَدَّدُ موعد انتهائها، واستمرت حتى التسعينيات.
3. الإطاحة بحسين حبري والإتيان بالبديل المطياع
تميزت فترة حكم حسين حبري بالصراعات الداخلية المعقدة، والخارجية غير المستقرة والتي اتسمت بالحدة مع دول الجوار، والمواجهة الخشنة أحياناً كما حصل مع ليبيا التي تبنت مشروع تقسيم تشاد وضمّ شمالها إلى ليبيا، مستفيدة من التصدعات الداخلية والتمرد الذي قاده جوكوني خاصة.
حينها أصبح حبري أكثر دكتاتورية وتسلُّطاً على الشعب؛ حيث اتبع أسلوبا أشبه بمحاكم التفتيش في جميع ربوع البلاد، وأعطى صلاحيات موسعة لجهاز الأمن والمخابرات الذي مارس بدوره التعذيب والتغييب القسريّ والتهجير لكثير من أبناء البلد حتى شكلّ صورة سيئة لحقوق الإنسان في تشاد.(35)
في الوقت ذاته، أصبحت فرنسا تضيق الخناق على حسين حبري وتريده أن يكون قطعة على طاولة الشطرنج تحركها وتثبتها وقت ما تشاء، وبدأت تنتقد سجل حبري السيئ في حقوق الإنسان، الأمر الذي حرك حبري ليسعى إلى تحرر نفسه من الوصايا الفرنسية عن طريق التقرب إلى الولايات المتحدة. هذا التوجه، سبّب توتّرا في العلاقات الفرنسية التشادية، وأغاظ الفرنسيين أكثر، فقرروا البقاء على الحياد في الصراعات الداخلية. ونتيجة لذلك، دبّ خلاف بين الرئيس حبري وإدريس ديبي (1952-2021م)(36) الذي شارك في الحروب التشادية الليبية سابقاً، فتمرد على حبري واتخذ السودان منطلق عملياته العسكرية، وذلك في أبريل عام 1989م.(37)
وعد إدريس ديبي بعدم مهاجمة القاعدة الفرنسية في أبّيشي، وفي مسيرته إلى العاصمة تبعه ضابط فرنسي في المديرية العامة للأمن الداخلي، وهو بول فونتبون(38). احتل ديبي العاصمة التشادية في 3 ديسمبر 1990م، وحافظ الفرنسيون على تقديم الدعم اللازم له، واستمرت العلاقات بينهم وديبي جيدة لسنوات متلاحقة. كما ظلت العلاقات التشادية الليبية أيضا جيدة، وحُلّت القضية العالقة (شريط أوزو) بين البلدين في عام 2004م من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي أعطت شريط أوزو لتشاد.(39)
والجدير بالذكر، أن إدريس ديبي لما فرّ من حسين حبري اتجه أولاً إلى دارفور، ثم إلى ليبيا؛ حيث استقبله معمر القذافي في طرابلس.(40) وتذكر التقارير المخابراتية أن ديبي قدّم لليبيين معلومات مفصلة عن عمليات وكالة المخابرات المركزية (CIA) في تشاد آنذاك، وفي الوقت ذاته عرض القذافي مساعدة عسكرية على ديبي للاستيلاء على السلطة في تشاد مقابل الإفراج عن أسرى الحرب الليبيين.(41) بعدها انتقل ديبي إلى السودان، وفي عام 1989م شكل حركة الإنقاذ الوطني (MPS)، وصُنّفتْ جماعة متمردة وقت ذاك،(42) مدعومة من ليبيا والسودان؛ لكنها لاحقا أصبحت الحزب الحاكم لتشاد لثلاثة عقود على التوالي وما زالت.(43)
ويعتبر الرئيس إدريس ديبي من أكثر رؤساء تشاد بقاء على السلطة؛ بل من بين أطول رؤساء إفريقيا تعميراً على سدة الحكم. كما تميزت فترة حكمه بالاستقرار السياسي النسبي، دون تحقيق تنمية اقتصادية تتماشى ومستوى دخل البلاد. خلال حكم ديبي استغلت فرنسا الجيش التشادي ووُظِّفَ في صراعات لا ناقة له فيها ولا جَمَل، إلا اللهم إرضاءً لفرنسا وحفاظا على عرش إدريس ديبي، مثل تدخلات تشاد المتكررة في جمهورية إفريقيا الوسطى،(44) وتدخل الجيش التشادي في الكونجو الديموقراطية وأخيرا في مالي ونيجيريا.
وعوداً إلى عملية إبيرفييه، كانت الأدوار الرئيسة للعملية منذ ذلك الحين تتمثل في الدعم اللوجستي في إعادة هيكلة الجيش التشادي وتقليصه، والذي تم تخفيضه من 40.000 إلى 25.000 رجل، وفي جعل الانتخابات الرئاسية لعام 1996م ممكنة. وقد ساعد إجراء الانتخابات السلطات الفرنسية على تبرير وجودها في تشاد عندما استجوبتهم منظمة العفو الدولية في أبريل 1996م بشأن هذا الوجود المستمر، كان الجواب الرسمي هو أن عملية إبيرفييه كانت تُستخدم لمساعدة العملية الديمقراطية في تشاد، وأيضًا كرادع داخلي وخارجي من أجل ضمان انتقال السلطة بشكل سلسل.(45)
نظريًّا، يجب أن تنتهي عملية إبيرفييه -التي كان إنشاؤها في الأصل يهدف إلى احتواء التوسع الليبي ودحره- بتسوية جميع القضايا بين البلدين؛ لكن أصبحت فرنسا تنظر إلى تشاد على أنها “حاملة الطائرات الفرنسية للصحراء الإفريقية”، ذات الأهمية الاستراتيجية الرئيسة كواحدة من الدول الخمسة (جيبوتي وساحل العاج والسنغال والجابون) التي يجب أن يستمر الوجود الفرنسي فيها. في تلك الفترة، استطاعت عملية إبيرفييه الاعتماد على 951 جنديا، نُشِروا في قاعدة حاجي كوسي بالقرب من أنجمينا وقاعدة كروشي المجاورة لأبيشي.
4. التهديدات السودانية وحجة البقاء
على الرغم من العلاقات الودية بين تشاد والسودان؛ فضلا عن الروابط الاجتماعية والاقتصادية رفيعة المستوى؛ إلا الحكومات التشادية المتعاقبة تعتبرُ السودان الجار الداهية الماكر، الذي لا يمكن أن تثق فيه أبدا. وذلك بدعمه المتكرر للمعارضة المسلحة ودوره الفعال في تغيير حكومات وأنظمة تشادية منها مساهمته في تغيير نظام حسين حبري ودعمه المتكرر للحركات المعارضة لنظام إدريس ديبي.
حيث كان التهديد الذي يمثله السودان ووكلاؤه قد دفع بالفعل القوات الفرنسية إلى زيادة وحداتها، في نهاية التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين، إلى 1200 جندي متمركزة بالقرب من أنجمينا لحماية إدارة الرئيس التشادي إدريس ديبي في حالة هجوم واسع النطاق من قبل متمردي الجبهة المتحدة للتغيير الديمقراطي، أو غزو من قبل داعميهم التكتيكيين والماليين، الجيش السوداني.(46)
في عام 2006م، توترت العلاقات بين السودان وتشاد على خلفية دعم الحركات المسلحة ضدّ ديبي، ما أدى إلى تدخل فرنسي مساند لعملية إبيرفييه، فازداد عدد الجنود الفرنسيين ليصل إلى 300 جندي بحلول أبريل 2006م؛ لكنه لم يزد الصراع السوداني التشادي إلا تعقيدا وتصعيدا مستمرا. تألّف الدعم الجوي في ذلك الوقت من ستّ مقاتلات ميراج F1، وثلاث طائرات نقل تكتيكية، وطائرتا استطلاع بريجيه، وثلاث طائرات هليكوبتر من طراز بوما، وشاركت الطائرات الفرنسية في مهمات استطلاع لتحديد نطاق التورط السوداني.(47) وقدم الفرنسيون دعما لوجستيا للحكومة؛ ولكن دون الانخراط في عمليات القتال، كما زودوا الجيش التشادي بمعلومات استخباراتية عن
تحركات المتمردين، وأطلقوا طلقات تحذيرية بالقرب من رتل المتمردين.(48)
لسنوات لاحقة، استمر الفرنسيون لعب الأدوار المزدوجة المتمثلة في تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للحكومة، وفي الوقت ذاته تتعامل مع الحركات المتمردة تارة، وتوجه لهم ضربات تأديبية أو تحذيرية تارة أخرى. تتدخل قوات عملية إبيرفييه المتمركزة حول أنجمينا والتي في أبشي لإنقاذ حكومة أنجمينا إذا دعا الأمر، كما حصل في عام 2001م. وهكذا استمرت عملية إبيرفييه تبرر وجودها في تشاد حتى تاريخ 1 أغسطس 2014م، استبدلت بعملية برخان التي اتخذت تشاد نقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي. (49)
5. عملية برخان ودور تشاد فيها
عملية برخان (Barkhan) هي عملية عسكرية بدأت في 1 أغسطس 2014م، يقودها الجيش الفرنسي ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي.(50) في بداية الأمر، تكونت العملية من قوة فرنسية قوامها 5000 فرد تقريبًا، ويقع مقرها الرئيسي بشكل دائم في العاصمة أنجمينا، تشاد.(51) تتم العملية بالتعاون مع خمس دول، جميعها مستعمرات فرنسية سابقة تمتد عبر منطقة الساحل الإفريقي، وهي: بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر. تعرف هذه الدول مجتمعة باسم “G5 Sahel”، أي مجموعة الساحل الخمس. سُمِّيَت هذه العملية على اسم كُثبان على شكل هلال في الصحراء الكبرى.(52)
كجزء من تداعيات الحرب الأهلية الليبية، اُسْتُغِلَّتْ وضعية عدم الاستقرار في شمال مالي الناجمة عن تمرد الطوارق ضد حكومة مالي المركزية من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على النصف الشمالي من البلاد تقريبا، وبدأت الزحف نحو جنوب مالي، وهي الآثار المباشرة لسقوط نظام القذافي على القارة الإفريقية. ردّتْ فرنسا على ذلك سريعا، فأطلقت عملية عسكرية في يناير 2013م لوقف هجوم الإسلاميين من الإطاحة بالحكومة المالية واستعادة شمال مالي.(53) انتهت العملية، التي تحمل الاسم الرمزي عملية سيرفال، بإعادة السيطرة الكاملة تقريبا على جميع الأراضي التي يسيطر عليها الإسلاميون مع نهاية العملية في 15 يوليو 2014م.
حسب الرواية الرسمية الفرنسية، بعد انتهاء عملية سيرفال أدركت فرنسا الحاجة إلى توفير الاستقرار في منطقة الساحل الأوسع من خلال مساعدة مختلف حكومات المنطقة في مكافحة الإرهاب. جاء هذا على لسان وزير الدفاع الفرنسي السابق، جان إيف لودريان، قائلا: “الهدف هو منع ما أسميه الطريق السريع لجميع أشكال التهريب من أن يصبح مكانا للعبور الدائم؛ حيث يمكن للجماعات الجهادية بين ليبيا والمحيط الأطلسي إعادة بناء نفسها، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على أمننا”. واستخدمت فرنسا مصطلح “الشراكة” لشرح نشر القوات الفرنسية في المنطقة، وتعني بالشراكة مع الدول الخمس سابقة الذكر.(54)
عملية برخان هي مجرد دمج لعمليتي سيرفال، البعثة العسكرية الفرنسية في مالي،(55) وعملية Epervier، البعثة الفرنسية العسكرية في تشاد. وهي محاولة من فرنسا لبسط نفوذها أكثر على منطقة الساحل، وتبرير وجودها شبه الدائم في مستعمراتها عن طريق الاتفاقيات والتدخلات العسكرية السريعة تحت الطلب حسب ما تقتضيه بنود تلك الاتفاقيات التي وُقِّعتْ أصلا في ظروف غامضة وغير شفافة، الأمر الذي جعل وجهات النظر تختلف في مشروعية التدخل العسكري الفرنسي في شؤون الدول مهما كان مبرره.
6. وجهات نظر مغايرة
لم يحظ التدخل العسكري في كل البلاد التي سجل حضورا فيها بترحاب واسع، وغالبا ما تؤيده الأحزاب الحاكمة وأبواقها من أجل ضمان عروشهم ومصالحهم الشخصية فحسب. بينما نجد السواد الأعظم من الأحزاب الأخرى ومؤسسات الدول المدنية والشعوب رافضة للتدخل العسكري الفرنسي، وخاصة استمرار بقائه طويلا في البلاد.
هذا التباين في وجهات النظر في حد ذاته أصبح فجوة تستغله فرنسا وتوظفه لصالحها؛ إذْ تدعم فريقا وتسانده ليصل إلى السلطة، ثم إذا بدأ يفكر في التحرر من وصاياها استبدلته بآخر مستعد لتقديم عروض أكثر، وإعطاء فرنسا صلاحيات أوسع تتيح لها التصرف التام بشؤون البلاد، وهذا ما اتضح معنا جليا خلال الفقرات السابقة في هذه الورقة فيما يخص الشأن التشادي، وهو نموذج مصغر لجميع الدول التي تقع تحت الوصاية الفرنسية.
ففي مالي مثلا، منذ بداية عملية سيرفال عام 2013م، وحتى عملية برخان في عام 2014م التي جاءت خلفا لعملية سيرفال، انقسمت الآراء حول شرعية التدخل الفرنسي. وفقًا لرئيس بعثة السلام في مالي في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام Aurélien Tobie، “بين عامي 2013م و2015م، أدركنا بسرعة، بعد اتفاقات السلام في واغادوغو والجزائر لمالي، أنّ الرأي المالي تجاه الوجود الفرنسي كان يتغير. الناس كانوا يدعمون عملية سيرفال؛ لكنهم لم يفهموا سبب إطالة أمد الوجود الفرنسي مع عملية برخان”.(56)
وفي عام 2017م، استطلعت دراسة “Mali-Meter”،(57) التي أجرتها مؤسسة فريدريش إيبرت في مالي، مستوى الرضا عن عملية برخان بين سكان مالي. وأعرب أقل من نصف المستجيبين عن رضاهم عن التدخل الفرنسي. كما أظهرت الدراسة تفاوتات جغرافية في الموافقة على عملية برخان.(58) نتج عن ذلك تنظيم مظاهرات متكررة ضد الوجود الفرنسي وكانت تُجْرَى بشكل منتظم منذ 2013م في مالي وما زالت مستمرة.(59)
وظهرت جماعات وطنية تسعى جاهدة لإنهاء الوجود الفرنسي، والبعض يدعو إلى التدخل الروسي في مقابل التخلص من فرنسا. تدور الكثير من الانتقادات الموجهة للتدخل الفرنسي حول مفهوم Françafrique، وهو مصطلح ازدرائي يستخدم لوصف الممارسات الاستعمارية الجديدة المزعومة لفرنسا في مستعمراتها الإفريقية.(60)
المهم، تسارعت الأحداث، وحصل انقلابان في مالي، آخرها انقلاب 2021 في مالي بقيادة نائب الرئيس عاصمي غوتا. تزامنا مع هذه الأحداث، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يونيو 2021م أنّ العملية ستنتهي قريباً، وأن القوات الفرنسية ستنسحب على مراحل، بسبب عجز فرنسا عن العمل مع الحكومات الوطنية في منطقة الساحل.
لكنه أضاف أن القوات الفرنسية ستبقى في المنطقة كجزء من مهمة دولية أكبر.(61) ولكن في 18 مارس 2022م، باغتت الحكومة المالية فرنسا، وطلبت منها سحب قواتها “دون تأخير”. انسحبت فرنسا من مالي؛ لكنها أعادت تمركز قواتها في بعض دول الجوار، كالنيجر وتشاد منطلق عملية برخان.
ثالثا: دواعي الانتفاضة الشعبية الأخيرة ضدّ الوجود العسكري
في الرابع عشر من شهر مايو 2022م، اندلعت مظاهرات في العاصمة أنجمينا وكثير من المدن التشادية مناهضة للوجود الفرنسي خاصة بعد إعادة تمركز قوات فرنسية عائدة من مالي في بعض المدن التشادية، وفي الوقت نفسه متهمين باريس بدعم المجلس العسكري الحاكم الحالي في تشاد.
وأطلق المتظارهون هاشتاق “تشاد حرة.. فرنسا برّه”، ورددوا أيضا هتافات من بينها “فرنسا ارحلي!” و”لا للاستعمار” وأحرقوا العلم الفرنسي، وخربوا عددا من محطات الوقود التابعة لمجموعة توتال الفرنسية. وبعض المتظاهرين رفعوا العلم الروسي نكاية بفرنسا ومناصريها.
لم تكتف السلطة التشادية بالتفرج على هذا الحدث، فأطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع، واستخدمت مدافع المياه لتفريق مئات المحتجين. هذه الاحتجاجات تعددت دوافعها وأسبابها؛ ولكنها نتيجة لتراكمات طبعية من عدم الرضا بأداء الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال التي سمحت باستباحة فرنسا للأراضي التشادية واختراق أجوائها، وضمنت لها استمرارية البقاء مقابل أن تظل هي الحاكمة والمتنعمة بخيرات البلاد دون السواد الأعظم من الشعب التشادي.
ومع ذلك، يُعْتقَد أن إنهاء عملية برخان والانتشار الروسي العسكري حول تشاد من أبرز الأسباب في تأجيج الوضع الداخلي. الشكل 3 يبين أماكن توزيع القواعد العسكرية الفرنسية الرئيسة والانتشار العسكري داخل الأراضي التشادية.
الشكل 3: أماكن توزيع القواعد العسكرية الفرنسية والانتشار العسكري داخل تشاد
أ. الانتشار الروسي حول تشاد ودواعي إعادة نشر قوات فرنسية
إلى وقت ليس ببعيد، كانت فرنسا تُحْكِم قبضتها، وتَفْرِض نفوذها على جميع دول الساحل وبقية مستعمراتها الأخرى، وكانت تشاد بمثابة شرطيّها في المنطقة؛ لكن نفوذها اليوم بدأ ينحصر تدريجيا. فروسيا تحيط بالنفوذ الفرنسي بتشاد من مختلف الجوانب، وذلك عبر مستشاريها العسكريين ومرتزقة شركة فاغنر المنتشرين في جمهورية إفريقيا الوسطى من الجنوب، وإقليم فزان الليبي من الشمال، وإقليم دارفور السوداني من الشرق، ومالي من الغرب؛ حيث لا يفصلها عن الحدود التشادية سوى دولة النيجر (ينظر الشكل 3).
وسبق أن اتَّهَمَت الولايات المتحدة الأمريكية شركةَ فاغر الروسية بتورطها في هجوم المتمردين التشاديين على أنجمينا، في أبريل 2021م، والذي انتهى بمقتل الرئيس إدريس ديبي، وانسحاب المتمردين التشاديين إلى الأراضي الليبية، بعد دعم باريس “لوجيستيا” القوات التشادية، بحسب إعلام فرنسا نفسها. فإذا ما انسحبت فرنسا من تشاد في هذا التوقيت -وهو أمر مستبعد- فإن ذلك يهدد بسقوط نظام ديبي الابن، بدعم روسي للمعارضة المدنية والمسلحة، أو تحالفه مع موسكو، وفي كلا الحالتين لن يخدم ذلك مصالح باريس في المنطقة. وهذا ما يفسر إصرار فرنسا على إبقاء قواعد عسكرية لها في الساحل، مع تقليص تدخلها في الحرب على الجماعات المسلحة، ما يقلص حجم خسائرها البشرية والمادية، ويعزز وجودها في تشاد.
الشكل 4: الانتشار الروسي العسكري حول تشاد يحاصر القواعد العسكرية الفرنسية
ب. إنهاء عملية برخان وتأجيج الوضع الداخلي في تشاد
على الرغم من محاولة فرنسا إعادة تموضعها في منطقة الساحل من خلال وضع منظومة أمنية ذات أسطول عسكري يمتد من وسط القارة الإفريقية (تشاد) وإلى أقصى غربها (مالي)؛ إلا أنّها أصبحت تتهاوى تلك المنظومة وبدأت تتساقط عناصرها شيئا فشيئا بدأً من مالي، مروراً ببوركينا فاسو، النيجر وانتهاءً بتشاد، وذلك بانتقال المظاهرات المناوئة لتواجدها في المنطقة إلى تشاد، وانسحاب مالي من مجموعة الساحل، وإعلان رئيس النيجر موت تحالف مجموعة الخمس للساحل.
قرار فرنسا في يونيو 2021م بإنهاء عملية برخان العسكرية، وسحب نحو نصف قواتها من المنطقة والمقدرة بـ 5100 عنصر، دون التشاور مع باماكو، دفع المجلس العسكري الحاكم في مالي، لاتخاذ عدة خطوات تصعيدية، منها إلغاء الاتفاقيات الأمنية الموقعة مع فرنسا، ومطالبتها بسحب كامل قواتها من أراضي مالي، وانسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمسة، ومن قوتها العسكرية المكلفة بقتال الجماعات المسلحة في المنطقة. هذه القرارات أثلجت صدور كثير من الأفارقة الوطنيون، وأعطت المستضعفين منهم بصيص أمل في التخلص من فرنسا وإنهاء وجودها العسكري في البلاد؛ لكنه في المقابل صدم الكثير من عملاء فرنسا وأذرعها في المنطقة.
في العادة، كانت مالي والنيجر وبوركينا فاسو أكثر دول الساحل التي شهدت مظاهرات شعبية واسعة النطاق، منددة بتواجد القوات الفرنسية على أراضيها، باعتبارها الأكثر تضررا من هجمات الجماعات الإرهابية؛ بينما لم تَعتَدْ تشاد على مثل هذا النوع من المظاهرات على الرغم من عدم رضا السواد الأعظم من الشعب التشادي بالتواجد الفرنسي، والكره الشديد الذي يضمرونه له. فالوجود العسكري الفرنسي في تشاد ليس حديثا؛ بل امتد لعقود طويلة؛ ولكن إعادة باريس نشر قواتها المنسحبة من مالي، والمقدرة بنحو 2400 عنصر، إلى مناطق مختلفة بينها تشاد، لفت انتباه الشعب التشادي، وزاده غيظا.
وتجدر الإشارة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في انتشار الوعي الكبير بين جميع فئات الشعب التشادي من خلال التدوين والنشر والتغريد في الصفحات الخاصة والعامة، شمل صورا وفيديوهات وأخبار عن القوات الفرنسية العائدة من مالي خاصة، مبينة سعي فرنسا لإقامة قاعدة عسكرية بمنطقة “وُور”، بإقليم تيبستي، في الشمال على الحدود مع ليبيا، وآتيا البطحاء؛ فضلا عن مشاهد لبعض الجنود الفرنسيين في مدينة أبشي، بحسب جريدة “الرأي” التشادية. على الرغم من التوفر المحدود لشبكة الإنتيرنيت في منطقة الساحل وخاصة تشاد؛ إلا أن الجيل الجديد يبدو أكثر تفاعلا وحضورا على منصات التواصل الاجتماعي خاصة منصة الفيسبوك وتويتر.
هذه الخصوصية التي يتميز بها الجيل الصاعد، انتبهت لها فرنسا وروسيا وغيرهما مبكراً، فاستغلوها في ترويج الشائعات والمعلومات المضللة؛(62) لكن في هذه المرة انقلب السحر على الساحر، واستُخْدِمتْ منصات التواصل الاجتماعي في نطاق واسع في تتبع القوات الفرنسية العائدة من مالي، ومعرفة أماكن توزيعاتها داخل تشاد، وفضح المخطط الخفي الذي يراد تمريره في الخفاء.
وفي تاريخ 14 مايو 2022م، انفجر الوضع بتشاد في مظاهرات تدعو لرحيل القوات الفرنسية من البلاد، ورفع المحتجون شعار “تشاد حرة وفرنسا على برا”، وحطموا النصب التذكاري للجنود الفرنسيين، الذي له رمزيته الخاصة، وتوعد منظمو هذه الاحتجاجات بالخروج كل أسبوع، لرفع نفس المطالب حتى انسحاب القوات الفرنسية من تشاد؛ لكن المجلس العسكري في تشاد، الذي يُعد أكبر حليف لفرنسا وصاحب موثوقية عالية في المنطقة، لم يتساهل مع هذه المظاهرات، حاول قمعها ووضع بعض الشخصيات البارزة السجون.
ومن المفارقات، ناصبت باريس الانقلابَ العسكريّ في مالي العداء؛ إلا أنها تعاملت بمرونة مع سيطرة الجنرال محمد ديبي على الحكم خارج الإطار الدستوري، بعد مقتل والده إدريس ديبي. وهذا أحد الأسباب التي دفعت المتظاهرين المناوئين لديبي الابن، بالخروج للشارع والمطالبة بمغادرة فرنسا لبلادهم، ليس فقط بسبب إخفاقها في ضمان الاستقرار في المنطقة؛ بل أيضا لدعمها المستميت للمجلس العسكري وماضيها الاستعماري الأسود.
فمع تصاعد الرفض الشعبي للتواجد العسكري الفرنسي في الساحل، من شأنه التعجيل برحيل معظم القوات الفرنسية من المنطقة، خاصة مع قدرة السلطات الانتقالية في مالي على تحدي باريس وحلفائها في غرب إفريقيا، باستثناء تشاد التي قد يستمر الوجود الفرنسي فيها لعقود من الزمن.
رابعا: مستقبل الوجود الفرنسي العسكري في تشاد
العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين فرنسا وتشاد ليست جديدة كما سبق معنا؛ فإنّها جزء من تاريخ طويل يتجاوز بكثير السياق الأمني العسكري المرتبط بقوات برخان أو مجموعة الساحل الإفريقي. منذ عقودٍ من الزمن، اعْتَبَرَتْ فرنسا الشريطَ الساحليّ موقعا استراتيجياً حقيقياً يتطلب وجودًا عسكريّاً كبيراً ومستمراً.
وعلى هذا الأساس، عزّزَتْ فرنسا وجودها في تشاد، منذ وقت استقلالها عام 1958م-1960م وحتى الآن، من خلال التعاون العسكري المستمر وحماية الأنظمة القائمة. لذلك، فإن مستقبل الأنظمة الرئاسية التشادية المختلفة لن يتوقف أبدا عن الارتباط بالإرادة السياسية لفرنسا ومصالحها في منطقة الساحل؛ لذا يعتبر الرئيس الراحل، إدريس ديبي، أكثر الرؤساء التشاديين انسجاما مع هذا التوجه، وأكثرهم فهما لتغيرات المنطقة الأمر الذي شفع له بالبقاء طويلا على السلطة حتى اغتياله في عام 2021م.
الإرادة السياسية الفرنسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمصالح فرنسا في إفريقيا في الدرجة الأولى، وعلى ضوئها تتعامل مع السلطة الحاكمة في أي دولة إفريقية تخضع للنفوذ الفرنسي والحركات المسلحة على حدٍّ سواء؛ بل وحتى التهديدات الخارجية التي تأني من دول الجوار. ففي عهد رئاسة فرانسوا تومبالباي، خاصة بين عامي 1966م و1968م، ألزمت فرنسا قواتها العسكرية بمحاربة قوات فرولينا (جبهة التحرير الوطني لتشاد)، التي أنشأها إبراهيم أباتشا والتي كانت تهدد بانتظام شمال تشاد بدعم من الزعيم الليبي معمر القذافي.
وفي تلك الفترة كانت المصالح الفرنسية تقتضي دعم السلطات الحاكمة لمواجهة خطر حركات التمرد التي يدعمها القذافي عسكريا وماديا ومعنويا، وفي سبيل ذلك تم تغيير الأنظمة التي لا تنسجم مع هذا التوجه مع ضمان استمرار أنشطة الحركات المسلحة والمتمردة كورقة ضغط على الحكومات المتعاقبة.
ولكن سرعان ما اكتشفت فرنسا أنّ الخطر الليبي أصبح يتفاقم بشكل كبير، اصطَفّتْ مع حركة فرولينا ضدّ ليبيا وأنقذت الحركةَ من الفناء المحتمل؛ ولكنها أبقتها خارج سياق السلطة الحاكمة، واحتفظت بنظام إدريس ديبي الذي وجدت فيه مبتغاها وضالتها. فمنذ فجر الاستقلال وقّعتْ باريس عقود سياسية وأخرى عسكرية فريدة من نوعها مع أنجمينا التي تعتبر بمثابة رأس الخيط الي يمكن تتبعه للتوغل في العمق التشادي عسكريا.
في واقع الأمر، كانت فرنسا بحاجة إلى تشاد لضمان استمرار وجودها العسكري في منطقة الساحل، وتشاد أيضا -متمثلة في السلطات الحاكمة- بحاجة إلى فرنسا لتحافظ على بقائها في البيئة الجيوسياسية المهددة بشكل دائم.
وبالتالي، فإن العلاقة المتميزة الحالية بين السلطات الفرنسية والنظام التشادي الذي خلفه ديبي الأب ليس من السهل فكّ ارتباطها، حتى ولو حاول أفراد النظام الحالي التغريد خارج السرب الفرنسي لاستبدلوا بمجموعة أخرى تكون أكثر مرونة واستجابة للمطالب الفرنسية. لأنّ أيّ محاولة لتغيير النظام التشادي الحالي ستكون لها تكلفة جيوسياسية باهظة الثمن لا يمكن تصورها بالنسبة لباريس.
هذا الوضع هو أكثر استراتيجية بسبب تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل في أعقاب عملية “سيرفال” ومن ثم برخان في مالي منذ عام 2013م. خلال هذه العمليات واسعة النطاق كان الجيش الفرنسي اعتمد بشكل أساسي على القوات التشادية لتنفيذها.
كحقيقة مُرَّة، إنّ المرونة الكبيرة والقدرة الهجومية العالية التي يتمتع بها الجيش التشادي، كانت موضع تقدير كبير، لا سيما خلال القتال العنيف ضد الجماعات المسلحة التابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الدين في تمبكتو وغاو وكيدال تلك الفترة، أهّلَتْ تشاد لتكون حاملة الطائرات الفرنسية للصحراء الإفريقية، وشرطيها في منطقة الساحل ودركيها في عموم مستعمراتها السابقة. فالتعاون العسكري الفرنسي-التشادي جزء أساسي من هيكل إدارة الأمن في منطقة الساحل، وتعزيز الوجود الفرنسي في دول إفريقية أخرى.
هذا الوضع يتناقض بشكل كبير مع النهج الإقليمي والجماعي الجديد الذي بدأته مجموعة الساحل الخمس. والذي يهدف بشكل رئيس إلى تطوير سياسة تكامل أمني إقليمي تعود بالفائدة على الدول الأعضاء، وتستند إلى نهج صُنْع القرار الشّفَّاف. كما أنه مُصَمّم لتلبية احتياجات الحماية والتنمية للسكان المتضررين من النزاعات، والعنف المستمر في المنطقة.
في هذا السياق، يظل التعاون بين فرنسا وتشاد، رغم أنه لا يزال قويا، مرتبطا بتمثيل جيوسياسي تقليدي لسياسة فرنسا الإفريقية، والتي تواصل تفضيل علاقاتها الثنائية مع بعض الأنظمة الإفريقية الرئيسة لتقويض أي إصلاحات حقيقية، وخطط استراتيجية يمكن أن تَجْني ثمارها دول منطقة الساحل. لقد أدركت هذه الدول أنّ عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة لا يمكن الحدّ منه إلا من خلال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة لسكان المنطقة، وهذا يتعارض والمصالح الفرنسية.
ولا يُتَوَقَّعُ أنّ فرنسا ستُخَفِّض مستوى العلاقة الثنائية الوثيقة مع تشاد ولا تفضل تعديلات جوهرية تطرأ على بنود الاتفاقيات المبرمة لأكثر من نصف قرن مضى. وهذا الفهم قد يساع في تفسير سلوك القوات الجوية الفرنسية في شنّ غارات على رتل من الشاحنات الصغيرة تقل مقاتلي اتحاد قوى المقاومة (UFR) الذين كانوا يهاجمون جنوب البلاد في الفترة ما بين 3 و6 فبراير 2019م، على الرغم من أنّ هذه العملية لم تكن بأيّ حال من الأحوال متوافقة مع تفويض عملية برخان، التي تهدف إلى مكافحة انتشار الإرهاب في منطقة الساحل وليس التدخل في الصراعات الداخلية لتشاد، فقد قامت فرنسا مرة أخرى بحماية النظام التشادي من أيّ زعزعة محتملة للاستقرار الذي تريده.
خامسا: الخاتمة
تُعْتَبَرُ العاصمة التشادية، أنجمينا، مركز القيادة العسكرية لعملية برخان الفرنسية التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا؛ إذْ يتمركز هنالك ما لا يقل عن 1000 جندي إلى جانب عدد لا بأس به من طائرات ميراج 2000 المقاتلة.
كما يقع مركز قيادة مجموعة دول الساحل الخمس، التي تضم قوات من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، في المقر نفسه، وهو المقر السابق لبعثة إبريفييه الفرنسية من الثمانينيات، عندما دعمت باريس تشاد ضد هجوم ليبي على تشاد. غير هذه القاعدة المهمة، فإنّ فرنسا تمتلك قاعدتي عمليات أخرى في فايا-لارجو في وسط البلاد مع عين واحدة على الحدود الشمالية مع ليبيا، وأبيشي بالقرب من الحدود مع السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.
فضلا عن ذلك، هناك وجود عسكري صغير للولايات المتحدة الأمريكية في تشاد الذي يبرر وجوده يهدف المساعدة في التدريب والتجهيز وبناء قدرات الجيش التشادي. وحسب مسؤول أمريكي، إنه كان هناك أقل من 70 عسكريا أمريكيا في تشاد. الوجود العسكري الأمريكي هذا، غالبا ما لا تسلط عليه الأضواء، ولم تكن له أنشطة تذكر، وفي الأغلب أنشطته تنسجم مع التوجه الفرنسي ويكمل بعضهما البعض لا سيما فيما يخص تبادل المعلومات الاستخباراتية وغيرها؛ ولكنهما يختلفان عندما تتقاطع مصالحهما القومية أو الخاصة.
من هنا يمكننا القول، إن المطالبة برحيل فرنسا أو طردها من تشاد قد ترفع معنويات الشعب المقهور لأكثر من نصف قرن من الزمن، كما أنها قد تُسْهِم في إجراء بعض الإصلاحات في شكل الحكم واستيعاب بعض الفئات أو الشخصيات النشطة، وتقليص عدد القواعد العسكرية الفرنسية مع استمرار الوجود العسكري الفرنسي في البلاد على الأقل خلال السنوات القادمة والتي قد تمتد لعقود من الزمن.
الهوامش والمراجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شارل ديغول Charles de Gaulle (1890م – 1970م) جنرال ورجل سياسة فرنسي، ولد في مدينة ليل الفرنسية. تخرج في مدرسة سان سير العسكرية عام 1912م من سلاح المشاة. ألف عدة كتب حول موضوع الإستراتيجية والتصور السياسي والعسكري. عين جنرال فرقة، ونائبا لكاتب الدولة للدفاع الوطني في يناير 1940 قاد مقاومة بلاده في الحرب العالمية الثانية وترأس حكومة فرنسا الحرة في لندن في 18 يناير. وفي سنة 1943م ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني والتي أصبحت في حزيران (جوان) 1944م تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية. أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة، عرف بمناوراته الاستعمارية تجاه الجزائر، منها مشروع قسنطينة، القوة الثالثة، الجزائر جزائرية، مشروع فصل الصحراء الجزائرية سلم الشجعان. توفي في كولمبي لدو إغليز عام 1970م. ينظر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%84_%D8%AF%D9%8A%D8%BA%D9%88%D9%84 (2) The French Military Role in Chad, (1988). Nations Encyclopaedia: http://www.country-data.com/cgi-bin/query/r-2377.html (3) المصدر نفسه (4) France, the Military, and Strongman Politics in Chad: https://africanarguments.org/2021/04/france-the-military-and-strongman-politics-in-chad/ (5) فرانسوا تومبالباي François Tombalbaye (1918–1975)، المعروف أيضًا باسم نجارتا تومبالباي، كان مدرسًا وناشطًا نقابيا، ثم أول رئيس لتشاد. كان رئيس الحكومة الاستعمارية التشادية، وحزبه الحاكم هو الحزب التقدمي التشادي، في عام 1959م، عُيِّين تومبالباي رئيسا للحكومة بعد استقلال البلاد، ومنذ 11 أغسطس 1960م حكم البلاد بقبضة ديكتاتورية حتى يوم عزله واغتياله على أيدي أفراد الجيش التشادي عام 1975م. (6) The French Military Role in Chad, (1988). Nations Encyclopaedia (مصدر سابق) (7) Nolutshungu, S. C. (1996). Limits of anarchy: Intervention and state formation in Chad. University of Virginia Press.(ص 58) (8) المصدر نفسه، صفحات 58-59. (9) المصدر نفسه، ص 57 (10) François Tombalbaye: https://en.wikipedia.org/wiki/Fran%C3%A7ois_Tombalbaye#cite_note-2 (11) The French Military Role in Chad, (1988). Nations Encyclopaedia (مصدر سابق) (12) ولد العقيد نويل ميلاريو أودينجار عام 1932 في مدينة Dowalé-Béboto في منطقة لوغون الشرقية، وانضم إلى الجيش الاستعماري في وقت مبكر جدًا. رجل شجاع ومنضبط ونشط للغاية، ترقى بشكل سريع في صفوف الجيش الاستعماري ومن ثم الجيش الوطني لاحقا حتى أصبح رئيس أركان الجيش التشادي، ثم رئيس جمهورية تشاد؛ لكن حكمه لم يستمر سوى بضعة أيام فقط. وهو أحد الرؤساء والزعماء الذين لم يتلقوا تعليما على الإطلاق. ينظر: Top – Ces Chefs d’États africains qui n’ont jamais fait les bancs: https://www.teledakar.net/2017/09/25/top-chefs-detats-africains-nont-jamais-bancs/ (13) Durez, A. (2018). From Operation Manta to Operation Serval: Two Socialist presidents and the role of guardian of the African “backyard”. Relations internationales, (4), 125-142. (14) المصدر نفسه (15) Nouzille, Vincent, 1959, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010, vol. 2, A. Fayard-Pluriel, dl 2012 (ISBN 978-2-8185-0284-6 et 2-8185-0284-5, OCLC 820654680 (16) المصدر نفسه (17) Nouzille, Vincent, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010, (مصدر سابق) (18) المصدر نفسه (19) Lentz, H. M. (2014). Heads of states and governments since 1945. Routledge. (20) المصدر نفسه (21) عملية مانتا هي عملية عسكرية فرنسية في تشاد بين عامي 1983م و1984م أثناء الصراع التشادي الليبي. كان الدافع وراء العملية هو إنقاذ تشاد من الغزو الذي قامت به قوة مشتركة من الوحدات الليبية وحكومة الوحدة الوطنية التشادية الانتقالية بقيادة جوكوني ودايي في يونيو 1983م. ينظر: Smith, William E. (1983-08-29). "France Draws the Line". Tim: https://web.archive.org/web/20081222012019/http://www.time.com/time/magazine/article/0,9171,949768,00.html (22) The French Military Role in Chad, (1988). Nations Encyclopaedia (مصدر سابق) (23) Nouzille, Vincent, 1959, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010 (مصدر سابق) (24) شريط أوزو هو الأرض الممتدة في شمال تشاد بمحاذاة الحدود الليبية؛ حيث يصل طول الشريط إلى 600 كلم، ويمتد في عمق الجنوب إلى نحو 100 كلم وتبلغ مساحته قرابة 80000 كيلومتر مربع من المنطقة المحاذية لجبال تيبستي الغنية باليورانيوم والمنجنيز. (25) Nouzille, Vincent, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010 (مصدر سابق) (26) Lentz, H. M. (2014). Heads of states and governments since 1945. Routledge. (مصدر سابق) (27) Nouzille, Vincent, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010 (مصدر سابق) (28) Operation Épervier: https://en.wikipedia.org/wiki/Operation_%C3%89pervier#cite_note-1 (29) Nouzille, Vincent, Les dossiers de la CIA sur la France, 1981-2010 (مصدر سابق) (30) The Ottawa Citizen, Page A7, 18 February 1986: https://archive.md/20120714163821/http://news.google.com/newspapers?nid=2194&dat=19860218&id=XDg0AAAAIBAJ&sjid=efUIAAAAIBAJ&pg=1356,3416676 (31) "The French army helped the Chadian government". Le Figaro. 19 April 2006: http://www.lefigaro.fr/english/20060419.WWW000000388_the_french_army_helped_the_chadian_government.html (32) المصدر نفسه (33) المصدر نفسه (34) Behrends, A. (2008). Fighting for oil when there is no oil yet: The Darfur-Chad border. Focaal, 2008 (52), 39-56. (35) The Ottawa Citizen, Page A7, 18 February 1986 (مصدر سابق) (36) تولى إدريس ديبي رئاسة تشاد في عام 1991م. وأعيد انتخابه كل خمس سنوات حتى مقتله في عام 2021م، أي ما يعادل 30 عامًا في السلطة. وخلفه ابنه محمد إدريس إتنو. ينظر: https://www.bbc.com/news/world-africa-13164688 (37) المصدر نفسه (38) بول فونتبون عضو في المخابرات الأجنبية الفرنسية المهتمة بالتوثيق الخارجي وخدمة التجسس المضاد (SDECE)، ثم انتسب إلى المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE). وبعد إقامته في ليبيا أصبح رئيسًا للوظيفة نفسها في الخرطوم، قبل أن يصبح مستشارًا خاصًا للرئيس إدريس ديبي في أوائل التسعينيات، والذي أيّده في انقلابه على حسين حبري. كان يلقب بالسيد بول، ووُصِفَ دوره في تشاد في السنوات التي تلت ذلك بالتفصيل في كتاب بيير داركورت، "تشاد بعد 15 عامًا: حسين حبري، ليبيا والنفط". ينظر: d'Ersu, L. (2014). Antoine Glaser. AfricaFrance. Quand les dirigeants africains deviennent les maîtres du jeu. Afrique contemporaine, (1), 123-125. (39) d'Ersu, L. (2014). Antoine Glaser. AfricaFrance. Quand les dirigeants africains deviennent les maîtres du jeu. Afrique contemporaine (مصدر سابق) (40) Chad: The Victims of Hissène Habré Still Awaiting Justice: Historical Background: https://www.hrw.org/reports/2005/chad0705/3.htm (41) Akyeampong, E. K., & Gates, H. L. (2012). Dictionary of African biography (Vol. 1). Oxford University Press. Volumes 1-6 (42) Chutel, Lynsey. "Why the World Won't Criticize Chad". Foreign Policy: Why Chad President Idriss Déby Escapes Criticism (foreignpolicy.com) (43) "Profile: Idriss Deby". Al Jazeera. 3 February 2008: https://www.aljazeera.com/news/2008/2/3/profile-idriss-deby (44) تشاد وتدخلاتها المشبوهة في أزمات جمهورية إفريقيا الوسطى، محمد عبد الباسط إبراهيم، الإفريقي للمعرفة: https://alifriqi.com/%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A8%D9%88%D9%87%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A/ (45) المصدر نفسه (46) "The French army helped the Chadian government". Le Figaro. 19 April 2006 (مصدر سابق) (47) Behrends, A. (2008). Fighting for oil when there is no oil yet: The Darfur-Chad border. Focaal, (مصدر سابق). (48) Lacey, Marc (13 April 2006). "Rebels Are Repelled in Capital of Chad". New York Times. Retrieved 20 May 2010. Rebels Are Repelled in Capital of Chad - The New York Times (nytimes.com) (49) Lacey, Marc (15 April 2006). "After Battle in Capital, Chad Threatens to Expel Sudanese". New York Times. Retrieved 20 May 2010. Rebels Are Repelled in Capital of Chad - The New York Times (nytimes.com) (50) France sets up anti-Islamist force in Africa's Sahel, BBC: https://www.bbc.com/news/world-europe-28298230 (51) François Hollande’s African adventures, The Economist: https://www.economist.com/europe/2014/07/21/francois-hollandes-african-adventures (52) Hollande announces new military operation in West Africa, France 24: https://www.france24.com/en/20140719-hollande-announces-new-military-operation-west-africa (53) France Rafale jets target Gao in eastern Mali, BBC: https://www.bbc.com/news/world-europe-21002918 (54) Welcome to France's New War on Terror in Africa: Operation Barkhane, 2014. The Natinal Interest: https://nationalinterest.org/feature/welcome-frances-new-war-terror-africa-operation-barkhane-11029 (55) Hollande announces new military operation in West Africa, 2014. France 24 Africa: https://web.archive.org/web/20171008130153/http://www.france24.com/en/20140719-hollande-announces-new-military-operation-west-africa/ (56) Belsoeur, Camille (17 August 2017). "Au Sahel, la colère sourde des populations contre les troupes françaises". Slate.fr (in French). Retrieved 10 August 2020. (57) Mali-Mètre (6 June 2017). "Etude : Les maliens méconnaissent la mission de l'UE et se divisent sur barkhane". MaliWeb. Retrieved 14 May 2020. (58) Etude : Les maliens méconnaissent la mission de l’UE et se divisent sur barkhane, 2017. Mali Web: https://www.maliweb.net/armee/etude-maliens-meconnaissent-mission-de-lue-se-divisent-barkhane-2301602.html (59) Reportage: Au Mali, le refus du «néocolonialisme», 2019. Liberation: https://www.liberation.fr/planete/2019/12/19/au-mali-le-refus-du-neocolonialisme_1770254/ (60) Au Mali, le sentiment antifrançais gagne du terrain, 2020. Le Monde: https://www.lemonde.fr/afrique/article/2020/01/10/au-mali-le-sentiment-anti-francais-gagne-du-terrain_6025466_3212.html (61) Macron announces France's Sahel military force will end in early 2022, 2021. France 24: Macron announces France's Sahel military force will end in early 2022 (france24.com) (62) محمد زكريا، الصراع الروسي الفرنسي على إفريقيا: حرب الجيل الرابع وتضليل الرأي العام، الإفريقي للمعرفة: https://alifriqi.com/en/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/