تتجه الأزمة السياسية في الصومال إلى منعطف حاسم مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو 2026، في ظل تغيرات وتحولات جذرية أدت إلى تصاعد التوترات بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة السياسية، وتزايد الشكوك حول قيام ومصداقية العملية الانتخابية، واستمرار الخلافات بين المركز والولايات، خاصة ولايتي بونتلاند وجوبالاند.
يتناول هذا التقدير أبرز مؤشرات الأزمة الانتخابية و من ثم تأثيراتها على تصاعد وتيرة الصراعات السياسية، والمبادرات المحتملة لتسويتها، والسيناريوهات المتوقعة لتطورها خلال المرحلة المقبلة.
ومن المرجّح أن تنزلق الأزمة نحو مجموعة من السيناريوهات المحتملة، والتي تتراوح ما بين التصعيد السياسي المؤسسي أو الحوار المشروط، أو ربما إعادة تدوير وإنتاج الأزمة بانتخابات متنازع عليها وفق النظام الانتخابي القديم.
ويبدو أن السيناريو المرجح على المدى القريب هو استمرار التوتر مع احتمال تصعيدات محسوبة، لا سيما في ظل التنافس الشخصي بين الرئيس حسن شيخ محمود والمعارضة السياسية بقيادة الرئيسين الشيخ شريف شيخ احمد كرئيس للتجمع المعارض ومحمد عبدالله فرماجو ورؤساء الحكومات السابقين، عمر عبدالرشيد شارماركي وساعد شردون وحسن علي خيري ومحمد حسين روبلي بجانب أبرز المرشحين وعلى رأسهم عبدالرحمن عبد الشكور والخليفة الدكتور عبدالقادر معلم نور وتزايد تحركات الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف الصومالي، وارتباط الانتخابات القادمة بتوازنات ومصالح إقليمية ودولية متشابكة.
ولكن في حال تدهورت الأوضاع الأمنية، أو تصاعدت الخلافات مع الولايات الفيدرالية، وخاصة إذا قاطعت بعض الولايات العملية الانتخابية، فإن الدولة الصومالية قد تدخل مجدداً في أزمة شرعية دستورية، تُعيد تدوير وإنتاج نمط الانتخابات غير المباشرة، بما ينزع عنها المصداقية الشعبية، ويؤسس لمرحلة من الجمود السياسي.
وقد جرت الملاحظة، بأنه رغم تسارع وتيرة هذا التصعيد، فقد ظهرت بوادر انفراج نسبي عبر دعوات متكررة لحوار وطني شامل، سواء من قبل القوى السياسية أو من جانب المجتمع المدني والدولي، بالإضافة إلى إشارات مشروطة من بعض الولايات بإمكانية الانخراط في حوار لإعادة صياغة المسار الانتخابي. كما دعت بعض الأطراف الإقليمية والدولية إلى ضرورة تهيئة بيئة توافقية تشاركية تحظى بقبول الجميع، وتستند إلى قاعدة دستورية واضحة، بما يذكر بتجارب التسوية السابقة التي عرفتها الصومال، مثل حوار 2021 بين الحكومة والمعارضة.
إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من إعادة إنتاج الأزمة من خلال انتخابات متنازع عليها، خاصة إذا أصرّت الحكومة الصومالية على تنفيذ خريطة الطريق الانتخابية بشكل أحادي دون التوافق مع الولايات، لا سيما بونتلاند وجوبالاند، اللتين أبدتا اعتراضاً صريحاً على مجمل العملية. ويمثّل هذا المسار خطراً مباشرةً على شرعية المؤسسات المنتخبة المقبلة، خصوصاً مع غياب الإطار الدستوري الدائم، واستمرار العمل بدستور مؤقت غير مكتمل البنود الحاكمة والمشرعنة للعملية الانتخابية المباشرة.
وفي ذات السياق، ورغم أن السيناريو المرجح حالياً هو استمرار الوضع القائم، فإن تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد الضغط الدولي مع اقتراب موعد الانتخابات، فقد يفرضان في النهاية على الحكومة الصومالية السير في اتجاه الاحتواء المشروط كخيار اضطراري. و تأسيساً على كل ما سبق ، تبقى كل السيناريوهات مرهونة بدرجة تماسك الفاعلين في الداخل الصومالي، وحجم الانخراط الإقليمي والدولي في دفع الأطراف إلى طاولة التسوية، قبل أن تتفاقم الأزمة إلى ما هو أبعد من مجرد خلاف حول الانتخابات.
مقدمات وخلفيات إطارية:
بينما تتجه أنظار الصوماليين نحو الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2026، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية متصاعدة، عنوانها فقدان التوافق الوطني، وتآكل الثقة بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة، واستمرار الشروخ بين مقديشو والولايات الفيدرالية، في ظل تحديات سياسية وأمنية عسكرية واقتصادية معقدة، وانقسام داخلي متنام حول شكل النظام السياسي وآليات تداول السلطة.
يهدف هذا التقدير حول واقع ومستقبل الأزمة السياسية في الصومال، إلى تحليل محددات الأزمة الحالية، وتقييم احتمالات الخروج منها أو تصعيدها، في ضوء تطورات العملية الانتخابية وتحركات الفاعلين المحليين والدوليين.
أولاً: نشأة الأزمة ومؤشراتها.
في ظل حالة من الاستقطاب الحاد، تفاقمت الأزمة السياسية في الصومال، وبرزت مؤشرات عديدة تدل على تحولها إلى أزمة بنيوية في مسار التحول الديمقراطي. فقد شكّل إعلان الرئيس حسن شيخ محمود، في مايو 2025، عن تأسيس “حزب العدالة والتضامن” خطوة مثيرة للجدل، خصوصاً أنه جاء بعد إقرار تعديلات دستورية جوهرية في مارس 2024 غيّرت شكل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، ومنحت الرئيس صلاحيات موسعة. هذا التوقيت فسّره المراقبون باعتباره محاولة مبكرة لتأمين استمراريته في السلطة عبر أداة حزبية جديدة، في ظل غياب توافق وطني.
وتتجلى أبرز مؤشرات الأزمة في تمرير تلك التعديلات الدستورية دون مشاورة شاملة، بما في ذلك تمديد الولاية الرئاسية، وتقييد التعددية السياسية بثلاثة أحزاب، واعتماد انتخابات مباشرة دون وجود بنية قانونية وإدارية مؤهلة لذلك. وقد قوبلت هذه التعديلات برفض صريح من ولايتَي بونتلاند وجوبالاند، وتعليق مشاركتهما في الاجتماعات الوطنية، فضلًا عن اعتراض المعارضة السياسية بقيادة الرئيسين السابقين شريف شيخ أحمد وفرماجو، وبقية أطياف المعارضة التي وصفت ما حدث بأنه “تفصيل دستوري على مقاس الرئيس”.
كما شكّلت إعادة هيكلة لجنة الانتخابات مؤشراً إضافياً لفقدان الثقة، إذ رأت المعارضة أن التعديل هدفه ضمان السيطرة الحكومية على العملية الانتخابية، خاصة مع غياب آليات شفافة لاختيار أعضائها. وقد زاد من تعقيد المشهد غموض مصير الانتخابات المباشرة المقررة في 2026، حيث يُنظر إليها باعتبارها مشروعًا مؤجلاً أو أداة سياسية لتبرير تأجيل الانتخابات، في ظل غياب الاستعدادات اللوجستية والتقنية اللازمة، وانعدام التوافق بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم.
وقد جاءت ردود الأفعال الداخلية والخارجية لتعزز الشعور بعمق الأزمة؛ حيث رفضت بونتلاند رسمياً التعديلات، وهددت المعارضة بمقاطعة الانتخابات وناشدت المجتمع الدولي عدم الاعتراف بأي مسار أحادي. وبينما لم تصدر مواقف حاسمة من الشركاء الدوليين، فإن بياناتهم أجمعت على ضرورة التوافق والاشتمال السياسي.
تأسيساً عليه، يتبلور جوهر الأزمة حول افتقاد العملية السياسية للتشاركية، وتحول مشروع الإصلاح السياسي إلى أداة لتعزيز تمركز السلطة، بدلاً من أن يكون مدخلاً لبناء نظام ديمقراطي توافقي. وفي حال استمرت هذه المؤشرات، فإن الحزب الجديد للرئيس قد يتحول من أداة انتخابية إلى عبء سياسي، يفاقم الانقسام ويهدد الاستقرار المؤسساتي في الصومال.
ثانياً: محددات وأنماط الأزمة ومؤشراتها الحالية.
هناك العديد من المحددات والأنماط التي تحكم طبيعة وشكل التفاعلات بين أطراف الأزمة، وقد أكدت المشاهد والشواهد أنها قد أخذت تتشكل فقط كمحددات وأنماط صراعية، وذلك على النحو التالي:
1. الانقسام السياسي بين الرئاسة والمعارضة.
يعتبر التوتر القائم بين الرئيس حسن شيخ محمود، والمعارضة، من أبرز عوامل الانسداد السياسي، وسط اتهامات متبادلة بين الفريقين بمحاولة تقويض المسار الانتخابي، وتوظيف المؤسسات الدستورية لتعزيز النفوذ الشخصي.
وفي المقابل، نجد أن المعارضة، ممثلة بتحالفات سياسية تضم رموزاً من الإدارات السابقة، ترى أن الحكومة الحالية أخفقت في فرض الاستقرار، وتتعمد تهميش خصومها، بينما يتهمها الفريق الحاكم بالسعي لإجهاض الإصلاحات ومفاقمة الاستقطاب الأمني والسياسي.
2. خلافات المركز مع الولايات الفيدرالية.
تُعد العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، لا سيما جوبا لاند وبونت لاند ، مصدراً دائمًا للتوتر السياسي، إذ ترفض الأخيرة المشاركة في العديد من الاجتماعات الوطنية، وتتهم مقديشو بتقويض مبدأ الفيدرالية، واحتكار القرار السيادي.
هذا التوتر حتماً يُضعف من شرعية العملية الانتخابية المنتظرة، ويهدد بتحولها إلى استحقاق شكلي لا يحظى بإجماع الداخل الصومالي.
3. غياب الإجماع أو التوافق على صيغة الانتخابات.
لا تزال الخلافات قائمة بشأن طبيعة الانتخابات المقبلة، بين من يدعو إلى إجراء انتخابات مباشرة لأول مرة منذ عقود، وبين من يصر على العودة إلى النموذج غير المباشر القائم على اختيار النواب من قبل شيوخ القبائل والعشائر.
وفي ذات السياق، تعلن الحكومة الصومالية نيتها الانتقال إلى انتخابات مباشرة بحلول 2026، لكن المعارضة تشكك في جاهزية البنية التحتية والأمنية لذلك، وتعتبر هذا الطرح محاولة للالتفاف على مبدأ الشفافية والتعددية.
4. استمرار التهديدات الأمنية.
رغم العمليات العسكرية الأخيرة ضد حركة الشباب الإرهابية، إلا أنها لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من جنوب ووسط الصومال، وتشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار البلاد، كما تعيق تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في عدد من الولايات، وقد تقوم بعمليات تستهدف المدنيين.
ثانياً: مبادرات التسوية المطروحة.
1. محاولات الوساطة الإقليمية والدولية:
تسعى بعض الدول والمنظمات وعلى رأسها الاتحاد الأوربي، والاتحاد الإفريقي، إلى الدفع نحو توافق سياسي، عبر تقديم تسهيلات لفتح قنوات تفاهم بين الحكومة والمعارضة. لكن لا تزال هذه الجهود تعاني من محدودية التأثير، نتيجة تشظي النخب الصومالية، وتداخل الأجندات الخارجية، وتباين مواقف الفاعلين المحليين.
2. دعوات المجتمع المدني:
برزت دعوات من مؤسسات المجتمع المدني، لإعادة إطلاق “مؤتمر مصالحة وطنية شامل”، يُعيد صياغة العقد الاجتماعي الصومالي، ويضمن إشراك جميع الفاعلين في القرار الوطني، بمن فيهم المجموعات المقاطعة كالولايات المتحفّظة.
ثالثاً : السيناريوهات المحتملة.
السيناريو الأول: التصعيد والتعطيل المؤسسي.
يرجّح هذا السيناريو استمرار التوتر القائم، مع احتمالات تصعيد أكبر كلما اقترب موعد الانتخابات، خاصة إذا فشلت الحكومة في إقناع الولايات بالمشاركة. تزداد احتمالية هذا السيناريو في حال تمسك الرئيس حسن شيخ محمود النظام الانتخابي المباشر، والطعن في كيفية تشكيل مفوضية الانتخابات ومصداقية أعضائها.
النتائج المتوقعة:
- انقسامات حادة داخل البرلمان الفيدرالي.
- دعوات لتأجيل الانتخابات أو مقاطعتها.
- مزيد من التوتر بين الحكومة والولايات الفدرالية.
السيناريو الثاني: الاحتواء النسبي من خلال حوار مشروط.
في حال تجاوبت الحكومة مع الضغوط الداخلية والخارجية، ووافقت على شروط المعارضة والولايات، قد يتم التوصل إلى صيغة توافقية، تضمن إجراء الانتخابات بمشاركة أوسع.
لكن فرص نجاح هذا السيناريو يتوقف على عدد من المشروطيات:
- إشراك زعماء العشائر وممثلي الولايات في صياغة نموذج انتخابي معدل.
- تحييد الأجهزة الأمنية عن الصراع السياسي.
- تعهدات إقليمية بضمان نزاهة الانتخابات.
لكن الموانع التي يمكن أن تعوق تحقيق هذا السيناريو تتمثل في:
- عدم الثقة بين الأطراف.
- ارتباط بعض الفاعلين المحليين بأجندات خارجية متعارضة.
- ضعف القدرات اللوجستية لإجراء انتخابات مباشرة.
السيناريو الثالث: إعادة إنتاج الأزمة بانتخابات متنازع عليها
في حال أصرت الحكومة على المضي قدماً في نموذج انتخابي أحادي دون توافق وطني، فإن الانتخابات قد تجرى بشكل محدود أو شكلي، ما يعيد إنتاج أزمة الشرعية، ويفتح الباب أمام جولات جديدة من النزاع السياسي والأمني.
النتائج المحتملة:
- رفض المعارضة للنتائج.
- دخول البلاد في حالة فراغ دستوري أو شبه دولة.
- تصاعد تدخلات إقليمية ودولية تحت غطاء “حماية الاستقرار”.
خاتمة:
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية في مايو 2026، يبدو أن مستقبل الصومال السياسي لا يزال مرهونا بتوافق داخلي هش، وسط سيولة أمنية وخصومات سياسية و قبائلية عشائرية متجذرة.
ورغم أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الوضع الحالي بالتصعيد والتعطيل المؤسسي، مع توترات محسوبة، إلا أن الاستقطاب الحاد، ورفض التنازلات، قد يدفع الصومال نحو مأزق سياسي يصعب الخروج منه، إلا بضغط خارجي أو انفجار شعبي.
وفي ظل هذا السياق، يبقى نجاح الانتخابات القادمة مرهوناّ بمدى قدرة النظام السياسي الصومالي حكومة ومعارضة على تقديم “تنازلات سيادية ذات موضوعية ومسؤولية ومعقولية” تُعلي المصلحة العامة على رؤية المكاسب القصيرة الأمد ومن أجل تحقيق الاستقرار، والسلام الاجتماعي، قبل فوات الأوان.
تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات