حدث وتعليق

هل ستنجح رئاسة ماهاما الثالثة في إعادة غانا إلى الاستقرار المنشود؟

في السابع من يناير 2025م بدأتْ رئاسة ماهاما الثالثة عندما أدى اليمين الدستورية كرئيس لغانا للمرة الثالثة، في خطوة تعكس تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي للبلاد. وُلد ما هاما في 29 نوفمبر 1958، وهو سياسي غاني ذو مسيرة طويلة في خدمة البلاد.

وجاء فوز ما هاما في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في ديسمبر 2024 ليؤكد قدرته على التكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية، ويعكس الدعم الواسع الذي يحظى به من قبل الشعب وحزبه، الحزب الوطني الديمقراطي.

سبق وأن تولى ما هاما منصب الرئيس لأول مرة في عام 2012م بعد وفاة الرئيس الراحل جون أتاه ميلز، ثم شغل المنصب مجددًا بين 2012م و2017م.

وبعد فترة من الخسارة في انتخابات 2016م، عاد ما هاما في هذا العام (2025م)؛ ليحقق فوزًا جديدًا، مما يشكل فصلًا جديدًا في تاريخ غانا. وتأتي هذه العودة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى قيادة تتمتع بالخبرة والقدرة على مواجهة التحديات الكبرى، سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي.

ولتسليط الضوء أكثر عن هذا الحدث واستشراف فترة جون دراماني ما هاما الرئاسية الجديدة، يضع فريق المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفرو بوليسي) بين يدي القراء تحليلا لأبرز خمس نقاط مفصلية قد تشكل المشهد السياسي الغاني، وهي:

1. استقرار ديمقراطي ودور قيادي مؤثر

رغم التحديات السياسية التي شهدتها غانا، تظل البلاد واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في إفريقيا. ويعود جزء كبير من هذا الاستقرار إلى قدرة قياداتها من بينهم “ما هاما” على الحفاظ على التوازن السياسي وقيادة البلاد من خلال فترات من التوترات الانتخابية والأزمات الاقتصادية. وتولى ما هاما رئاسة غانا لأول مرة في 2012 بعد وفاة الرئيس ميلز كما أسلفنا، ثم أُعيد انتخابه في نفس العام.

وفي فترته الثالثة هذه، يتوقع أن يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الثقة في المؤسسات السياسية وتعميق المشاركة الشعبية في الحياة السياسية، خاصة في ظل الحاجة إلى معالجة الانقسامات الداخلية وتوسيع قاعدة الدعم الشعبي.

لكن التحديات السياسية لا تقتصر فقط على الداخل الغاني؛ بل تشمل أيضًا التعامل مع المعارضة وتقديم حلول فعالة للأزمات الحزبية. في ظل الانقسامات التي قد تشهدها الساحة السياسية، فإن قدرة ما هاما على تعزيز الوحدة الوطنية ستظل مفتاح نجاحه.

2. التحديات الاقتصادية والفرص المتوقعة

شهدت غانا فترة من النمو الاقتصادي في عهد ما هاما خلال فتراته السابقة؛ لكنه اصطدم بتحديات كبرى مثل ارتفاع الديون العامة والتضخم. ومن أبرز التحديات التي سيواجهها في فترته الحالية إدارة العجز المالي والتعامل مع النمو غير المتوازن في قطاعات الاقتصاد. لكن عودة ما هاما تقدم فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، حيث سيتعين عليه تنفيذ إصلاحات كبيرة تشمل دعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، بالإضافة إلى تعزيز استثمارات البنية التحتية.

وفي المقابل، سيكون من الضروري لمهارات ما هاما الاقتصادية تعزيز الابتكار ودعم القطاع الخاص، مما يفتح الباب أمام فرص تنمية مستدامة. وسيكون من المهم تحقيق التنوع الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد الكبير على صادرات السلع الأساسية، مما يعزز قدرة غانا على الصمود أمام الأزمات العالمية.

3. معالجة القضايا الاجتماعية والحد من الفوارق

لقد واجهت غانا في فترات سابقة تحديات اجتماعية كبيرة، مثل: الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب. ومن أهم أولويات ما هاما في فترته الثالثة ينبغي أنْ يكون تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين، خاصة في المناطق الريفية التي لا تزال تعاني من نقص الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. وستظل قضايا الفقر والبطالة محورية في مناقشات السياسة الاجتماعية في غانا، ولهذا فإن التركيز على تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة سيكون أمرًا حيويًا في الحكومة المقبلة.

وستعتمد نجاحات ما هاما على كيفية توجيه الإصلاحات الاجتماعية لتلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفًا، حيث يتطلب الأمر توسيع نطاق الخدمات العامة وتوفير فرص متكافئة لجميع المواطنين، وخاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشباب في سوق العمل.

4. التحديات الأمنية والتعاون الإقليمي

تقع غانا في قلب منطقة غرب إفريقيا، وهي معرضة لتحديات أمنية في ضوء التوترات الإقليمية، خاصة في منطقة الساحل وتهديدات الجماعات المسلحة. ففي فترة رئاسته الثالثة، سيتعين على ماهاما أنْ يُعزز قدرة غانا على مواجهة هذه التهديدات من خلال تعزيز أمن الحدود والتعاون مع جيران غانا في مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية (إيكواس). وسيكون الأمن، أيضًا، موضوعا محوريّاً لضمان استقرار الاقتصاد الوطني، والحد من أي اضطرابات قد تؤثر سلبًا على حياة المواطنين.

فمن خلال تعزيز التعاون الإقليمي ودعم جهود حفظ السلام، سيكون لغانا تحت قيادة ما هاما دور فعال في ضمان استقرار غرب إفريقيا، مما يعزز سمعتها كداعم رئيسي للسلام في القارة.

5. دور غانا في السياسة الإقليمية والدولية

على المستوى الإقليمي والدولي، قد تتزايد التحديات التي تواجهها غانا في ظل تصاعد التوترات بين القوى الكبرى في إفريقيا. ويُتوقع من ما هاما أن يستمر في تعزيز دور غانا كداعم للاستقرار في غرب إفريقيا، مع توسيع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية على الساحة الدولية. كما يجب على غانا أن تستفيد من الاتفاقيات التجارية الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) لتعزيز مكانتها الاقتصادية. وفي الوقت ذاته، فإنّ الحفاظ على علاقات قوية مع الاتحاد الإفريقي والشركاء الدوليين مثل الصين والولايات المتحدة وتركيا سيكون أمرا بالغ الأهمية لتعزيز مصالح غانا الاستراتيجية.

ماذا ينتظر غانا في رئاسة ماهاما الثالثة؟

يتطلع العالم بشغف كبير، مع بداية رئاسته الثالثة، إلى كيفية قيادة جون ماهاما لغانا في هذه المرحلة المعقدة، التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والمرونة. إنّ غانا، التي تُعد واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في إفريقيا، تحتاج اليوم إلى معالجة مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أي تحول في البلد.

في ظل الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كوفيد-19، وتعاظم الدين العام، يتطلب الوضع، في فترة رئاسة ماهاما الثالثة، معالجة سريعة وفعالة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني. لكن التحديات لا تقتصر فقط على الاقتصاد؛ بل تمتد إلى القضايا الاجتماعية، مثل البطالة، والفقر، والنقص في الخدمات الأساسية، التي طالما كانت مصدر قلق كبير للغانيين.

غير أن التحديات، رغم ضخامتها، تفتح أيضًا أمام غانا فرصًا جديدة على المستوى الإقليمي والدولي. في وقت يزداد فيه التوتر الإقليمي في غرب إفريقيا، يمكن لغانا تحت قيادة ماهاما أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال العمل المشترك مع دول الجوار في مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية (إيكواس). كما أن غانا قد تجد فرصًا في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القوى العالمية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة وتركيا وغيرها، بما يضمن مصالحها الاستراتيجية.

ومع كل هذه الفرص التي قد تلوح في الأفق، تبقى التساؤلات الجوهرية حول رئاسة ماهاما الثالثة عالقة في الذهن، مثل: هل سيتمكن ماهاما من تحقيق التوازن بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ومواكبة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد؟

وهل سيستطيع غانا أن تعيد بناء ثقة شعبها في الحكومة بعد فترات من الإحباط؟ وما هي السياسات التي سيتبناها ماهاما لمواجهة الأزمات الإقليمية المتزايدة في غرب إفريقيا؟ وفي النهاية، هل ستتمكن غانا تحت قيادته من أن تصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة، قادرًا على مواجهة التحديات العالمية بعزيمة ومرونة؟

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى