جرت الانتخابات الرئاسية في تونس عام 2024 على خلفية التشرذم السياسي والاضطرابات الاقتصادية والاستياء العام الواسع النطاق. منذ حل البرلمان المنتخب في عام 2019 واعتماد دستور جديد في عام 2022، ركز الرئيس قيس سعيد السلطة في الرئاسة، مما أدى إلى تهميش السلطة التشريعية. وقد رافقت هذه التحولات موجة من الاعتقالات استهدفت شخصيات سياسية ورجال أعمال وشخصيات إعلامية، مما ساهم في تعقيد المشهد السياسي. كانت العملية الانتخابية نفسها غارقة في الجدل، مع اتهامات بالتلاعب والتكتيكات الإقصائية التي تهدف إلى تهميش مرشحي المعارضة، مما أدى إلى زيادة التوترات في بلد يعاني بالفعل من أزمات اجتماعية واقتصادية.
1. سياق الانتخابات:
أُجريت الانتخابات على خلفية من التفتت السياسي والاضطرابات الاقتصادية والاستياء العام الواسع النطاق من الحكم. وقد اشتدت قبضة الرئيس قيس سعيد على السلطة منذ إلغاء البرلمان التونسي المنتخب في سنة 2019 واعتماده لدستور جديد سنة 2022 عوضا عن دستور سنة 2014، و عملت كل هذه الاجراءات والتغييرات على تركيز السلطة في الرئاسة وقوضت السلطة البرلمانية. كما رافقت هذه التغييرات والتحولات موجة كبيرة جدا من الاعتقالات التي طالت العديد من الشخصيات السياسية ورجال أعمال ووجوه إعلامية كبيرة، وقد أدى هذا التحول إلى احتجاجات عامة كبيرة، كل هذه الأحداث تتنزل تحت وضع اقتصادي واجتماعي سيء جدا ومشهد سياسي في غاية التعقيد.
حيث تعاني المعارضة السياسية من انقسام كبير بسبب تراكمات الصراعات السياسية والايدولوجية التي خلفتها السنوات التي تلت ثورة سنة 2011، وفي ظل فقدانها اي استراتيجية واضحة او بدائل يجتمع حولها الرأي العام الذي هو نفسه عازف عن الشأن السياسي العام للبلاد.
2. جدل الترشيحات:
بدأ الجدل حول الانتخابات منذ اللحظة الأولى عن إعلان موعدها، اذ تأخر هذا الإعلان ودبت الشكوك حول احتمالية حدوثها في العام الحالي من عدمه وذلك بسبب التغييرات والتعديلات التي أدخلها الرئيس التونسي الحالي سعيد على المنظومة السياسية والتشريعية التونسية.
وعندما تم الإعلان عن الموعد الانتخابي، أعلنت العديد من الشخصيات السياسية التي لعبت دوراً هاماً في المشهد السياسي التونسي سواء منذ سنوات عديدة أو حتى ما بعد الثورة إلى الإعلان عن ترشحها للسباق الرئاسي. ولكن فوجئ أغلب هؤلاء المترشحين بالشروط الجديدة التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، وهو ما تم اعتباره من قبل المعارضة بأنها حركة تهدف لاستبعاد المرشحين عن الانتخابات وانفراد الرئيس الحالي وحده بالسباق الرئاسي، ومن الجهة المقابلة اعتبرت الهيئة أن هذه الشروط الجديدة ترمي لجعل العملية الانتخابية أكثر نزاهة وشفافية.
ومن جهة أخرى لم تكتف السلطات التونسية بوضع هذه المنظومة القانونية الجديدة للانتخابات، بل قامت أيضا بسجن جلّ المترشحين واصدار أحكام في حقهم بالسجن من مدة تتراوح بين 6 أشهر وسنة مع منعهم من الترشح للانتخابات مدى الحياة، بتهم تتعلق بالفساد وتبيض الأموال.
وبعد أن قام بعض المترشحين باستكمال الشروط وايداعهم لملفاتهم لدى الهيئة (قرابة 17 ملف)، تم قبول ثلاث ملفات فقط، من بينهم الرئيس التونسي قيس سعيد، والعياشي زمال وهو مرشح مستقل وعضو في البرلمان السابق المحلول عن حركة ‘تحيا تونس” (حزب ليبرالي وسطي منشق عن حزب نداء تونس)، والمرشح الثالث زهير المغزاوي رئيس حركة الشعب (حزب قومي ذو توجه ناصري، الديمقراطية الاشتراكية).
وبعد توجه بقية المترشحين الذين تم رفض ملفاتهم للمحكمة الادارية في تونس، قامت المحكمة بالطعن في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأعلنت عن قبول ثلاث ملفات لكل من منذر الزنايدي وهو وزير سابق زمن حكم زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف مكي وزير الصحة سابق و قيادي سابق في حركة النهضة استقال من الحزب يعد تعليق البرلمان في 25 جويلية 2021، وعماد الدايمي الذ شغل رئيس الديوان الرئاسي في فترة رئاسة المنصف المرزوقي (2011-2014).
وبالرغم من قرار المحكمة الادارية إلا أن الهيئة المسؤولة عن الانتخابات في تونس لم تنفذ قرار المحكمة، بحجة أن المحكمة أرسلت قرارها بعد فوات الآجال القانونية التي وضعتها الهيئة، وقامت الهيئة بالإعلان عن المرشحين الثلاثة فقط الذين سيقومون بخوض السباق الانتخابي.
3. نتائج الانتخابات والمرشحون:
قبيل الانتخابات بأسابيع تم اعتقال المرشح الرئاسي العياشي زمال بتهمة افتعال وثائق وتدليس تزكيات، وتم اصدار حكم نهائي يقضي بسجنه لمدة سنة وتسعة أشهر قبل ثلاث ايام من الانتخابات.
وقد أسفرت الانتخابات الرئاسية في تونس، التي عقدت يوم 6 أكتوبر، عن فوز حاسم لقيس سعيد، الذي حصد ما يقرب من 90.96% من الأصوات. خاض سعيد، وحصل العياشي زمال، على 7.35% من الأصوات، وأما زهير المغزاوي تحصل على نسبة 1.97%.
وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات 27.7% أي 2.808.548 مليون ناخب من جملة 9.753.217 مليون وهو ما يعني عدم مشاركة 6.944.669 مليون وهو ما يعادل 72.3% من جملة الناخبين المسجلين في قوائم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
4. ردود الفعل وقراءة في نتائج الانتخابات:
بالرغم من الإعلان الأولي عن نتائج الانتخابات والتي قوبلت برفض من قبل المعارضة وتم اتهام الهيئة فيها بالتزوير إلا أن الهيئة الانتخابية طيلة أسبوع من الإعلان الأولي إلى غاية الإعلان النهائي عن النتائج لم تتلقى أية طعون في نتائج على حسب إعلانها.
ويمكنك قراءة النتائج الانتخابية من خلال ثلاث أوجه مختلفة:
القراءة الأولى وهي عملية التزوير والتلاعب بالنتائج التي تتبنها قوى المعارضة في تونس
أما القراءة الثانية في النتائج والنسبة الضخمة التي تحصل عليها الرئيس قيس سعيد والتي يمكن ارجاعها لعدة عوامل، أولا استبعاد المرشحين ذوي التجارب السياسية الكبيرة وقواعد جماهيرية محترمة كانت تؤيدهم من الممكن أن يكون منافسين جديين في السباق الانتخابي.
ثانيا صعود مترشحين لسابق الرئاسي لا يمتلكون شعبية كبيرة، فعلى سبيل المثال العياشي زمال لم يكن معروف لدى الجمهور التونسي إلا بعد أن تم الإعلان عن ترشحه.
ثالثا عدم توحد المعارضة حول مرشح واحد أو دعمه، فالأحزاب اليسارية المتوحدة تحت مسمى تنسيقية القوى الديمقراطية التقديمية دعت إلى مقاطعة الانتخابات، كما أن الأحزاب ذات الامتدادات الشعبية كحركة النهضة والتي لم تدعوا لا للمقاطعة أو دعوة للمشاركة في الانتخابات اكتفت ببيان أصدرته قبيل أيام قليل من الانتخابات يكتفي بتحليل الوضع السياسي للبلاد، وأما الحزب الحر الدستوري لم يدعوا لا للمقاطعة أو حتى المشاركة أيضا، كما أن الشريحة العظمى من الشعب التونسي لم تعد تهتم بالشأن السياسي العام للبلاد.
كلها هذه المعطيات تفسر الأسباب الرئيسية التي تقف خلف النسبة المرتفعة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وتفسر أيضا النسبة العالية التي تحصل عليها رئيس قيس سعيد والتي يمكن مقارنتها بنتائج الاستفتاء الدستوري الذي تم في يوليو 2022، والتي كانت خلاله دعوة كامل الطيف السياسي التونسي لمقاطعته ولم يتوجه له إلا الموالون للرئيس الحالي وبلغت نسبة المشاركة فيه 30.5% ما يناهز 2.830.094 مليون ناخب من جملة 9.278.541 مليون ناخب مسجل أي نسبة 69.5% بعدد 6.448.447 مليون ناخب لم يشارك في الاستفتاء، وتم تصويت بنعم على الاستفتاء بنسبة 94% وهي أرقام نفسها تقريبا في أعداد المشاركة والتصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وتعكس كل هذه المعطيات والأرقام عجز المعارضة عن ايجاد حلول سياسية أو حتى ضبط الاستراتيجية والتوحد ضمن جبهة واحدة في ظل القوانين الاقصائية والممارسات التعسفية التي تضعها السلطات الحالية وتواجد أغلب القيادات الحزبية والرموز السياسية التونسية في السجن، والعزوف الشعبي الكبير عن الشأن العام والحياة السياسية.
5. الآفاق المستقبلية:
إن تداعيات الانتخابات تشير إلى مواصلة الرئيس قيس سعيد في بناء منظومته السياسية التي انطلق في وضع لبناتها عشية 25 يوليو 2021، ولكن هذه التداعيات تمتد أيضا إلى ما هو أبعد من النتائج السياسية المباشرة، فعلى غرار ترسيخ السلطة في الرئاسة والذي يثير تساؤلات حول مستقبل التطلعات الديمقراطية في تونس. فسوف تتطلب التحديات المستمرة المتمثلة في الإصلاح الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية والحوكمة نهجا سياسيا معادا معايرة ينخرط بشكل حقيقي مع المجتمع المدني ويعزز الحوار. وهو امر مستبعد في ظل المشهد السياسي الحالي، كما أن توحد المعارضة ضمن جبهة واحدة وايجادها لحلول وبدائل سياسية مستبعد وذلك بسبب الصراعات الأيدولوجية وتراكمات الصدمات التي حدثت بين هذه المكونات بعد ثورة 2011.
الخلاصة:
إن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس تشير إلى مزيد من تعزيز السلطة في عهد الرئيس قيس سعيد، مما يثير تساؤلات بالغة الأهمية حول مستقبل الحكم الديمقراطي في البلاد. ومع وجود معارضة مقسمة، وخيبة أمل سياسية واسعة النطاق، ومقاطعات انتخابية كبيرة، يظل المشهد السياسي مستقطبا بشدة. ويشير النهج الإقصائي تجاه الشخصيات المعارضة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة، إلى أن تونس عند مفترق طرق. وفي المستقبل، ولكي تتم معالجة هذه التحديات يتوجب القيام بحوار وطني حقيقي وإصلاحات لاستعادة الثقة العامة في العملية الديمقراطية، وهو احتمال يبدو بعيدا بشكل متزايد في ظل النظام الحالي. وبدون معارضة موحدة أو بدائل قابلة للتطبيق، قد تستمر تونس في السير على مسار المركزية السياسية وانخفاض المشاركة المدنية.
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات