تحليلات

الصومال والحرب المشتعلة في الشرق الأوسط

تأثيرات مباشرة وتداعيات محتملة

يضع اعتداء إسرائيل المباغت، وموجات هجماتها التدميرية المستمرّة حتى الآن على دولة إيران مقابل ردها التلقائي على ذلك، المنطقة كلها على أعتاب مرحلة فاصلة في استقرار المنطقة بأكملها ويخلق اصطفافات جديدة في دول الإقليم، وستؤدي حتما إلى تغيرات كبيرة في خريطة الشرق الأوسط الكبيرة. والهجمات المتبادلة المباشرة بين الطرفين بدأت في شهر أبريل من العام الماضي دون أن تستمر واستأتفها في الوقت الحالي عوامل متشابكة متأرجحة بين مخاوف إسرائيل الأمنية المصطنعة من اقتراب إيران على إنتاج سلاحها النووي ووصول رئيس ترامب إلى البيت الأبيض فضلا عن إعلان إيران الأخيرة نجاحها بسرقة ملفات حسّاسة في برنامج إسرائيل النووي، وغياب آلية دولية أو إقليمية قادرة على وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ أكتوبر في عام 2023. وبين الدولتين عداء سابق ناجم من دعم الولايات المتحدة وعلاقة أسرائيل القديمة ضد نظام الشاه في إيران، وكانتا في مسار تناقضي منذ ميلاد الثورة في إيران عام 1979م، واختارتا سابقا خوض حرب غير مباشرة في ميادين دول مختلفة وفترات متقاطعة. وبسبب ذلك العداء المتبادل، تنظر إسرائيل إلى برنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً على دولتها، ومن ثمّ اغتالت علماء نوويين كبار من بينهم مسعود محمدي ومجيد شهريازي ومصطفى أحمد روشن في عام 2010، و2012، ومحسن فخري زادة عام 2020م، كما سرقت في 2018م وثائق ثمينة عن الأرشيف النووي الإيراني تصل إلى 50 ألف وثيقة و163 فرصا تمّ نقلهم بالشاحنة نتيجة كثرتهم العددية، وتعتبر إيران من جابنها إسرائيل بأنها مشروع احلالي من القوى الاستعمارية في الغرب  ومصدر عدم استقرار رئيسي في المنطقة.

ومنطقة القرن الإفريقي واحدة من المناطق الستة التي يتكون منها إقليم الشرق الأوسط الكبير وتقع ضمن امتداده الجنوبي التي يوصف بها بأنه الحديقة الخلقية لمنطقة الخليج، وسماه العالم الكيني الأصلي على المزروعي (1933-2014م) سابقا بمنطقة ” آفرابيا-Afrabia ” تشبيها  بمنطقة” أوراسيا-Eurasia ” الجامعة بين أوربا وآسيا، وذلك بعد تداركه لطبيعة الارتباط بين المنطقتين المتقابلتين والتداخل بين القرن الإفريقي والقرن العربي كما سماه د. محمد الشنقيطي. ووفق رؤية د. الشنقيطي، فإن الدول الرئيسية في القرن العربي هم: سلطنة عمان والسعودية واليمن بينما الصومال وجيبوتي وإريتريا هم الدول الرئيسية المقابلة في القرن الإفريقي. والقرن معروف على أنه القرن الصومالي بامتياز من الناحية الجغرافية والديموغرافية ويعرف في بعض الأحيان بشبه جزيرة الصومال في الكتابات القديمة، والصومال تحديداً تشكّل الركيزة الأساسية في منطقة القرن الإفريقي نتيجة وقوعها في نقطة الالتقاء بين بحرب العرب وخليج عدن مع المحيط الهندي واحتفاظها على سمة التناسق بين سواحلها البحرية الطويلة ومساحتها الأرضية وسكانها النامي الممتد الجذور إلى جميع دول منطقة قرن إفريقيا الأربعة الرئيسية باستثناء إريتريا. ووفق رؤية الولايات المتحدة الرسمية، فإن الصومال تدخل ضمن خريطة الدول الشرق الأوسطية الكبيرة وموقعها الجغرافي يقع في حجر الزاوية الجنوبية على خريطة تلك الدول، وتوجد احتمالات واردة في الانتهاك على سيادتها الإقليمية مع توسع رقعة الحرب جغرافيا، وذلك لاستخدامها كقاعدة انطلاق للوصول إلى جنوب إيران في المنطقة أو اتخاذها كنقطة مراقبة للتنسيق القائم بين إيران وبين حلفائها الإقليميين.

تأثيرات الحرب على  الصومال

والصومال مرشحة أن تكون من ضمن أوائل الدول المتأثرة سلبا في الحرب التي دخلت في أسبوعها الثاني بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط لأنها واقعة في الحافة الجنوبية المواجهة على منطقة الخليج وقريبة جغرافيا إلى ممرّ مياه الخليج الذي تشاطئه إيران من الناحية الجنوبية وأن المسافة بين مياهها الإقليمية ومياه إيران تبقى في أقل من 1700كم، مما يعني أنها هي أقرب إلى الصومال من دولة الإمارات ولا يوجد دولة خليجية في مياه الخليج أقرب منها إلى الصومال باستثناء سلطنة عمان.  ويعتمد اقتصاد الصومال في منطقة الخليج بشكل كبير حيث تعبر بها السفن المحملة بالمواد الضرورية المتجهة من وإلى الموانئ  الصومالية المختلفة بمضيق هرمز بانتظام كما أن كثيراً من الطائرات المتجهة من وإلى الأجواء الصومالية تمرّ أيضا عبر منطقة الخليج التي تجوب فيها الطائرات الحربية وتحوم بها الصواريخ الباليستية المتبادلة بين الطرفين، مما يعني أن استمرار الهجمات على وتيرتها الحالية سوف تسببّ تضخما غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية وارتفاعا قياسيا في أسعار الطاقة بشكل عام  وستضعف دعائم الاقتصاد الوطني المعتمد بالدرجة الأساسية على الملاحة البحرية استيرادا وتصديرا وستؤخر معدل النمو الاقتصادي المتعافي من  الصدمات والأزمات الماضية .

ومع توسع رقعة المواجهات بين إسرائيل وإيران، قد تواجه الصومال وضعا جيوسياسيا أكثر تعقيدا وعبئا اقتصاديا إضافياً  في كيفية إدارتها على ميزانها التجاري المتحكم في حياتها الاقتصادية والحفاظ على سيادتها الإقليمية حيث أنها  تستورد من الخارج بالمواد الغذائية والوقود ومواد البناء والمواد المصنعة أو الأجهزة الصناعية وكذلك الأدوية التي تأتي معظمها من دول الإمارات والهند والصين وباكستان، وفي مقابل ذلك، تصدر الصومال المواشي الحية واللحم المبرّد إلى جانب المنتجات البحرية والزراعية بكميات مختلفة إلى معظم دول الخليج، أو بمعنى آخر، فإن الصومال تستورد من الخارج الضروريات الأساسية في احتياجاتها اليومية وتصدر بما يمكن إدراجه في الكماليات إلى الخارج التي يمكن أن يجد المعتمدين عليها مصدراً بديلا عنها بسهولة من مصادر أخرى في حالة توقفها  المفاجئ. والتوتر المتصاعد بين الدولتين مرتبط بآخر قائم في منطقة القرن الإفريقي أو المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بدأ من التوتر الجيوسياسي الناجم من تنامي قدرات الحوثيين العسكرية في الهجمات على السفن العابرة  في مياه البحر الأحمر وتبادل القصف العنيف بينها وبين إسرائيل في عمق أراضيهما واندفاع إثيوبيا المتزايد بالسعي إلى انضمام الدول المشاطئة لمياه البحر الأحمر واستمرار حرب السودان المستمرة منذ عامين تقريبا ، وارتفاع منسوب التوتر بين إريتريا وإثيوبيا واقترابه من حافة الانفجار، وتعزيز دولة إلإمارات نفوذها السياسي في المنطقة و حضور تركيا المتنامي في منطقة القرن الإفريقي إلى جانب رفع صومال لاند جهدها الحثيث للحصول على الاعتراف الدولي وسعيها من استغلال التوتر الجيوسياسي القائم والمتصاعد لصالحها السياسي.

ومؤخراً، كانت إسرائيل تسعى إلى الحدّ من تمدّد نفوذ إيران في منطقة شرق إفريقيا ومنع وصول دعمها النوعي إلى الحوثيين تحديداً ووقف نقل خبرتهم الحربية إلى خارج حيزهم الجغرافي كما أنها تعمل مع دول أخرى في المنطقة على إيجاد مراكز استخباراتية وقاعدة عسكرية قرب مياه اليمن تستخدمها لمواجهة الحوثيين ودرء التهديد الخاص ضد ملاحة السفن الحاملة لعلمها في المرور في مضيق باب المندب أو المعروفة بأنها المتجهة إلى منافذها في البحر الأحمر (ميناء إيلات). وأعلن وزير خارجية إسرائيل في الزيارة الأخيرة التي قام بها في الـخامس من شهر مايو الماضي في أديس أبابا على: ” أن الإرهاب يمثل تهديداً مشتركا بين إثيوبيا وإسرائيل… وإن حركة الشباب التي تهاجم إثيوبيا تتعاون مع الحوثيين المدعومين من إيران”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تعتبر إثيوبيا بوابتها الرئيسية في الدخول إلى  قارة إفريقيا وتؤيد بقوة  طموحات أديس أبابا في الحصول على المنفذ البحري في مياه محيطها المجاور وتراه مسعى شرعيا  على حد قول إبراهام نيجوشي الذي هو سفير إسرائيل في أديس أبابا في أبريل الماضي ، وهو مسعى لا يكون– في حالة تحقيقه – إلا في مياه البحر الأحمر عن طريق إريتريا أوفي خليج عدن عن طريق شمال الصومال ومن ثمّ ليس مستبعدا التعاون فيما بينهما قريبا لإيجاد منفذ بحري في مياه البحر الأحمر أو خليج عدن يحقق لهما أهدافا مزدوجة  في الآماد المختلفة.

تداعيات ومآلات

والحرب يمكن أن تطول أكثر من الخطط الزمنية المقررة من قبل إسرائيل وداعميها الأساسيين لأنها تراهن على إسقاط النظام في البلاد، ومستهدفة إلى تدمير فعالية البرنامج النووي الإيراني والدفع بانتفاضة الشعب الإيراني ضد النظام وعازمة على تغيير خريطة الشرق الأوسط بشكل عام من خلال هذا الحرب، ومن الممكن أن تتطور الهجمات إلى حرب شاملة تتعدد مسارحه العملياتية، وذلك مع تحول موقف الولايات المتحدة  من موقف داعم لإسرائيل إلى شريك فعلي معها في الحرب وذلك بعد قصفها العنيف على ثلاثة من منشأت إيران النووية، ووعد إيران من جانبها  بالتعامل العسكري مع  التطور المستجد  واحتمالية دخول بعض القوى الموالية لها إلى الحرب في مناطق خارج إيران وقريبة إلى إسرائيل مثل لبنان أو العرق واليمن واعلانها بإغلاق مضيق هرمز بطريقة يمكن أن يكون متزامنا مع تعطيل الحوثيين  على مضيق باب المندب  في البحر الأحمر، وفي حينها تتأثر الملاحة البحرية والجوية بشدة بحيث تكون تلك الناقلات تكون مضطرة بأن تأخذ إلى مسارات بديلة أوبعيدة عن المسارات الاعتيادية المباشرة  وتتعطل سير سلاسل التوريد والإمدادات وخطوط الملاحة البحرية في مياه بحر العرب والبحر الأحمر المترابطين وربما تتوقف نشاط الموانئ المحلية في المنطقة وهوما يجعل المخاوف الناجمة من الحرب أمراً ينبغي الأخذ به على محمل الجد.

وإلى جانب ذلك، فإن استمرار الحرب سوف تؤدي إلى ارتفاع موجة الكراهية والاحتقان الشعبي في البلاد ضد الغرب، و تزداد حدة الخطاب المعادي ضد عدوان إسرائيل المزدوج في فلسطين وإيران والداعمين لأجندتها التدميرية في الإقليم برمته، مما يعني إمكانية تزايد  فرص التنسيق بين الحوثيين وحركات داعش والشباب الإرهابيتين في عملياتهم العسكرية وارتفاع مستويات التجنيد من المقاتلين والانضمام إلى صفوف المجموعات المسلحة الخارجة على الدولة وتدفقهم إلى المناطق المختلفة في البلاد للعمل على نشاطاتهم التدميرية وإمكانية تسللّهم إلى خارج البلاد، مما يعني ارتفاع كلفة حرب الدولة  على محاربة الإرهاب ودول المنطقة بشكل عام على مواجهة تلك المجموعات المسلحة في القترة المقبلة .

ومن الملفت للنظر أن إسرائيل هي من بدأت العدوان على إيران وتعلن الجدول الزمني لضرباتها العسكرية وحدّدت الأهداف التي تسعى لتحقيقها من الحرب وتصرّ لسعيها بالقضاء على المرشد العام في إيران ورغبتها في إحراق مدينة طهران، ودول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا ليس مع إسرائيل في العمليات القتالية كما تقول ولكنها تبارك ما تقوم به إسرائيل من الضربات الجوية على إيران وتضغط عليها للتفاوض تحت ضغط النيران وتقدم  إلى أكثر من دعم حيوي بما في ذلك  العمل معها في صد الصواريخ  للوقوع على أرضها، وتقديم الأسلحة القتالية وتوفير الغطاء الدبلوماسي لها في المحافل الأممية والمنصات الدولية وترسل رسائل تهديد مختلفة إلى إيران ودول المنطقة بشكل عام، ويعبر بعض  منها مثل المانيا دون حياء بأن ما تقوم به إسرائيل تقوم بالنيابة عنهم، وذلك في وقت أكدت فيه مديرة الاستخبارات الوطنية  الأمريكية السيدة تولسي غارباد في شهادتها أمام الكونجرس بـ” أن طهران ليست قريبة من امتلاك سلاح نووي، وإنها لا تعمل لذلك في الوقت الراهن… ويعلن فيه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضا السيد غروسي  بأنه : ” لا تأكيد لجهد إيراني لتصنيع سلاح نووي ولكن توجد عناصر تثير القلق”

إلى أين تأخذ الحرب المنطقة

ويبدو أن الحرب تدشن مرحلة جديدة متسمة بالاصطفافات الإقليمية  والحروب المتجددة ، وتنهي موقف السكون الإقليمي السائد في المرحلة الماضية وتحوّل مسارات التعاون السائدة في القترة الماضية إلى تحالفات وتكتلات معينة قائمة على المعطيات المتوافرة من تداعيات انهيار النظام الإقليمي وانفراط عقد النظام الدولي المعتمد بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا مع تبني  إسرائيل سياسية استخدام القوة وحدها سبيلا للتعامل مع دول المنطقة غير المتقبلة لأجندتها واحتقار شعبها بالتسوية والحوار مع المناوئين لخططها الاستراتيجية ولوم حكوماتهم في القصور على استخدام القوة اللازمة في حربها على غزة.  والحرب قد تشجع إثيوبيا على اعتبار استمرار الحرب فرصة مواتية لفرض رؤيتها الإقليمية حيث أنه يمكن أن تشن حربا خاطفة على إريتريا للوصول إلى مياه البحر الأحمر مبرّرة بذلك  باستعادة حقوقها التاريخية الضائعة وفق تصورها الحائر أوالدفع بقوة من أجل فصل شمال الصومال عن جنوبه سريعا للوصول إلى مياه خليج عدن وخلق واقع جيوسياسي جديد  بناء على مقتضيات مصالحها القومية وذلك بتنسيق مباشر بينها وبين إسرائيل ومباركة من الولايات المتحدة واستناداً على دعم دول من بينها فرنسا وأخرى في المنطقة مناصرة على مساعي إثيوبيا الجامحة في المنطقة.

وقد يلاحظ المرء وجود بعض من التشوهات المقلقة  في الرأي العام في المنطقة وبعده على المستوى الذي يفترض أن يكون، حيث يوجد فيه قطاع كبير سائرا مع الرأي العام  في إسرائيل أكثر من إيران المظلومة ومشدود نحو الرغبة في هزيمتها العاجلة وغير واع بما يكفي  للسبب الذي تعلن فيه مجموعة الدول السبع  باتفاقها على منع إيران بامتلاك سلاح نووي في قمتهم المنعقدة في كندا في يوم 17 من هذا الشهر وتتجاهل عمدا على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي  ترتكبها إسرائيل في غزة أو الضحايا المدنيين الذين تقتلهم الضربات الإسرائيلية في أراضي إيران.

والحرب كشفت وجود اختراق إسرائيلي مسبق ونافذ على أراضي إيران مكّنها  بالمعرفة الدقيقة لمواقعها العسكرية وأماكن تواجد القيادة المركزية ومواضع حياة العلماء الكبار العاملين في برنامجها النووي وعجزا مشهودا في  فعالية منظومة الدفاع الإسرائيلية على للتصدي ضد  الضربات على أراضيها وحماية مواطنيها من الاحتماء في الملاجئ البالغة إلى أكثر من مليون ملجأ وأثبتت تداعي النظام الدولي وشلل أدواته الفاعلة المخولة بالحفاظ على الشرعية الدولية بما في ذلك مجلس الأمن ومنع الاستباحة  لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، حيث لم يصدر بعد لا بيانا يدين اعتداء اسرائيل الفاضح ولا قرارا يدعو إلى وقف الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، حوّلت الحرب الدول الواقعة ما بين إسرائيل وإيران إلى مسرح صراع أو ساحة حرب مفتوحة الحدود، وقسّمت الدول الإسلامية أو القريبة لإسرائيل المعتدية على دول متعاطفة مع إيران وأخرى غير قادرة على منع اسرائيل من الانتهاك الصارخ لسيادتها إلى أخرى شبه مبتهجة للألم الذي يحدث على إيران تشفيا لصدورها من آلام سابقة سببتها إيران لهم أو اعتقادا منها على أن هزيمتها أو تغيير نظام إيران الحالي سوف تكون بالنسبة لهم فرصة جديدة لتعزيز دورها الإقليمي.

والغريب في الأمر أن هذا الرأي العام المشّوه ينسى المواقف غير المنسية والدعم السياسي الذي فعلته إيران للصومال سواء في عهد الشاه أو ما بعدها في عهد الثورة وذلك حين مواجهتها لمواقف سياسية حرجة وأوضاع إنسانية صعبة، وغير مدرك على تراجع مدّ الارتباط العاطفي بين إسرائيل وبين شعوب الغرب، ولا يريد السمع على ما تقرّه إسرائيل بالألم الموجع الذي لحق بها من جراء ضربات إيران المتتالية، وإصابة بعض منها لأهداف حيوية تشمل مقرات عسكرية وأمنية ومصفاة بترول ومعاهد ومراكز بحثية وموانئ بحرية وبرية ، ولا يرى بأعينه ما فرضته تلك الضربات من فرار جماعي  لمواطنيها وما خلّفته من دمار واسع غير مسبوق على أراضيها، فضلا عن ما أسقطته من قتلى وجرحى غير معلن بعد لحجمها الحقيقي من إسرائيل بسبب الرقابة العسكرية المفروض عليها والمليارات الدولارات التي تدفع  خزينتها يوميا . ويسير هذا الرأي  المشوّه عكس اتجاه أو قناعة  كثير من الاسرائيليين وغيرهم الذين يرون بأن ما قامت به حكومتهم هو خطأ استراتيجي فادح وخطوة متهورة، ويؤكدون صعوبة تغيير إسرائيل لنظام إيران واستحالة القدرة لمحو المعرفة النووية التراكمية في إيران التي سبقت ميلاد الثورة بكثير جدا ويؤمنون على أن ما تقوم به إسرائيل سوف يعطي لإيران دوافع جديدة لإنتاج أسلحة نووية  ويقوي دور المحافظين على حساب الإصلاحيين ويذيب الفوارق المذهبية بينها وبين الكتلة السنية سواء على المستوى الشعبي والرسمي ويعطي بينها وبين كثير من الدول هامشا واسعا من التعاون في مجالات حيوية ويرفع مجالات مستوى التعاضد بينها وبين الصين وروسيا الاتحادية في الفترة المقبلة.

ختاماً

ينبغي على الصومال والصوماليين أن ينظروا إلى الحرب القائمة بين إسرائيل وإيران من زاويتين:

الأولى: تأثيرها المباشر على أوضاعها الاقتصادية والجيوسياسية ومن ثمّ اتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها بثبات وحذر دائمين
والثاني: موقف دولة إيران السابق من القضايا  الوطنية والحالات الصعبة التي مرّت بها الصومال سواء على المستوى السياسي أو الانساني وعلى اعتبار أنها أيضا دولة مظلومة ومعتدية عليها  وكذلك موقفها  الثابت من قضية فلسطين المركزية على مستوى الدول الإسلامية باعتبارها الجامعة بين المجتمعات المسلمة والدول المناصرة على الدول والشعوب المقهورة والمحتلة والتي لا تكون بالضرورة أن تكون مسلمة.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر كاتبه، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز Afropolicy.

تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

سيد عمر معلم عبد الله

مؤرخ ودبلوماسي صومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى