دراسات

مسارات المصالحة الوطنية وبناء السلام في سيراليون و بوروندي (دراسة مقارنة) ‏12‏ آب

إعداد تاباحث في العلوم السياسية:
أحمد صدقي اليماني

ملخص الدراسة

تتناول هذه الدراسة بالتفصيل، مسارات المصالحة الوطنية في كل من سيراليون وبوروندي، والمقارنة بينهما في الآليات والوسائل المتبعة وأوجه الخلاف بينهما، والتحديات التي تواجه مثل هذه البلدان، في الفترات التي تلت المصالحات.

سيراليون، الواقعة في غرب إفريقيا، شهدت صراعًا مدمرًا استمر من عام 1991 إلى عام 2002، نتج عن غارات المتمردين وأدى إلى دمار كبير في البلاد. رغم غناها بالموارد المعدنية، إلا أن الفقر وعدم المساواة في توزيع الثروة ساهما في تأجيج الصراع. لإنهاء هذا الصراع، تدخلت الأمم المتحدة والقوات البريطانية في عملية كبيرة لنزع سلاح الميليشيات والمتمردين. لتحقيق المصالحة الوطنية، اعتمدت سيراليون على آليات متعددة تشمل اتفاق لومي للسلام وإنشاء كلاً من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون و لجنة الحقيقة والمصالحة، التي لعبتا دورًا رئيسيًا في توثيق الانتهاكات والاعتراف بالجرائم السابقة، ومحاولة إعادة بناء الثقة بين المجتمعات المختلفة والعمل على محاسبة المتمردين.

أما  بوروندي، التي تقع في منطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، شهدت صراعات عنيفة منذ استقلالها في عام 1962، بسبب النزاعات العرقية والسياسية بين الهوتو والتوتسي. جذور هذا الصراع تعود إلى القرن الرابع عشر، وتعززت خلال الحقبة الاستعمارية البلجيكية التي اعتمدت على التوتسي في الحكم. ورغم العنف المستمر، نجحت بوروندي في الفترة الأخيرة في تحقيق قدر من الاستقرار عبر عملية “بناء السلام”. اعتمدت بوروندي على آليات مثل اتفاق أروشا للسلام و إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة وإقامة حكومة مستقرة تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحد من التوترات العرقية.

وأخيرًا تُظهر تجارب المصالحة في كل من سيراليون وبوروندي أن النجاح يعتمد على تصميم آليات شاملة تتناسب مع السياق الفريد لكل دولة. في حين اعتمدت كلاً منهما على لجنة الحقيقة والمصالحة كمحور رئيسي لإعادة بناء الثقة المجتمعية، فقد عمدت سيراليون إلى إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بها لمحاسبة المخطئين والمتمردين ، في حين ركزت بوروندي على بناء حكومة مستقرة وتحقيق السلام عبر إشراك جميع الأطراف في عملية المصالحة، ورغم التقدم الملحوظ في كلا الدولتين، إلا أن التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة تستمر في التأثير على استقرار العملية الديمقراطية والمصالحة الوطنية.

:Summary

         Sierra Leone, located in West Africa, experienced a devastating conflict from 1991 to 2002, driven by rebel attacks that led to widespread destruction in the country. Despite its wealth in mineral resources, poverty and inequality in wealth distribution contributed to fueling the conflict. To end this conflict, the United Nations and British forces intervened in a significant operation to disarm militias and rebels. To achieve national reconciliation, Sierra Leone relied on multiple mechanisms, including the Lomé Peace Agreement, the establishment of both the Special Court for Sierra Leone and the Truth and Reconciliation Commission, which played key roles in documenting abuses, acknowledging past crimes, attempting to rebuild trust between different communities, and holding rebels accountable.

 Burundi, located in the Great Lakes region of Africa, has experienced violent conflicts since its independence in 1962, driven by ethnic and political tensions between the Hutu and Tutsi. The roots of this conflict date back to the 14th century and were exacerbated during the Belgian colonial period, which relied on the Tutsi to govern. Despite ongoing violence, Burundi has recently succeeded in achieving some stability through a “peace building” process. Burundi relied on mechanisms such as the Arusha Peace Agreement, the establishment of the Truth and Reconciliation Commission, and the formation of a stable government aimed at promoting national unity and reducing ethnic tensions.

 Finally, the reconciliation experiences in both Sierra Leone and Burundi demonstrate that success depends on designing comprehensive mechanisms that fit the unique context of each country. While both countries relied on the Truth and Reconciliation Commission as a central pillar for rebuilding community trust, Sierra Leone established a Special Court to hold wrongdoers and rebels accountable, while Burundi focused on building a stable government and achieving peace through the inclusion of all parties in the reconciliation process. Despite significant progress in both countries, challenges related to poverty and inequality continue to impact the stability of the democratic process and national reconciliation.

المقدمة:

تقع سيراليون في غرب إفريقيا ، و تقع بوروندي في شرق أفريقيا، وهن من الدول التي لعب المستعمر فيهن دوراً كبيراً في تشكيل وعيهن وكيانهن السياسي والجغرافي ؛ وكانتا في سنوات مبكرة مضت وخلال القرن العاشر قبل الميلاد ، قد استقطبتا إليهما جماعات بشرية من أجزاء مختلفة من القارة الإفريقية ، وهو ما جعلهن لاحقاً من الدول الإفريقية الزاخرة بالعرقيات والإثنيات والأطياف البشرية حتى اللحظة، الأمر الذي يلعب دوراً كبيراً في زيادة حدة مشكلاتها السياسية والاجتماعية والثقافية ناهيك عن المشكلات الاقتصادية والجغرافية ، تعقيداً وتوتراً .

مشكلة البحث وتساؤلاته: يهدف هذا البحث إلى تقديم دراسة مقارنة لتجربتي سيراليون و بوروندي في مجال المصالحة الوطنية من خلال الإجابة على ثلاثة أسئلة مطروحة بخصوص الوضع الراهن بهما:

1. متى بدأ الصراع في كلاً من سيراليون وبوروندي ؟ هل للاستعمار يد باشتعال فتيل الصراع؟
2. وكيف كان الصراع في كلًا من سيراليون وبوروندي؟ ماهي أسباب الصراع في كلٍ منهما؟
3. كيف عالجت سياسات قيادة الدولتين مشكلة الصراع فيهما ؟

إلى غير ذلك من أسئلة، تحاول هذه الدراسة استجلاء الخفايا من ورائها عبر قراءة بحثية للأوضاع الداخلية والخارجية ومآلاتهما في هذين البلدين .

أهمية وهدف البحث: يكمن أهمية الموضوع في التعرف على طبيعة الوضع السياسي في سيراليون وبوروندي ومعالجات القيادة السياسية في التغلب على الاحتقان السياسي، والاستفادة من التجربة السيراليونية والبوروندية في تجاوز الصراع  مع تفنيد أسبابه البادئة من الاستعمار حتى استخدام السياسيين العرقية كوسيلة للانتصار، والاستلهام من التجربتين السيراليونية والبوروندية لتطبيقها في مجتمعاتنا العربية بصورة عامة وبلادنا بصورة خاصة مع مراعاة الفروقات المجتمعية والبيئية وهذا هدف في حد ذاته يرجوه الباحث.

منهج البحث: يعد منهج البحث الأساس العلمي الذي يقوم عليه البحث، فلا يؤتي البحث ثماره إلا إذا سار وفقًا لمناهج علمية محددة، لذا اتبعت في هذا البحث المنهج المقارن، فوفقًا لهذا المنهج نستطيع أن نعطي صورة جلية لموضوع البحث.

خطة البحث: للإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه، يستعرض المبحث الأول من الدراسة الصراع في سيراليون وصولا للمصالحة الوطنية ، وينقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، يتناول بمطلبه الأول الاستعمار في سيراليون، ويعرض المطلب الثاني منه بداية الصراع في سيراليون، ويفند المطلب الثالث آليات الدولة في مقاومة الصراع أما المبحث الثاني فيستعرض الصراع في بوروندي وآليات للمصالحة الوطنية، وينقسم إلى ثلاثة مطالب، يشير بمطلبه الأول إلى الاستعمار في بوروندي، ويبرز بمطلبه الثاني بداية الصراع في بوروندي، ويركز بمطلبه الثالث إلى آليات الدولة في مقاومة الصراع أي أدوات المصالحة الوطنية، أما وعن المبحث الثالث نستعرض فيه مقارنة بين المصالحة الوطنية في سيراليون وبوروندي، وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين، يتناول بمطلبه الأول المقارنة بأسباب الصراع، ويعرض المطلب الثاني بالمقارنة بين آليات وأدوات المصالحة الوطنية في سيراليون وبوروندي، ويقدم هذا البحث أيضا دروسا للبلدان الأخرى الخارجة من النزاعات، ويشدد بشكل خاص على الجهود المتضافرة التي تتطلبها عملية التوافق الوطني الناجحة والتي تبذلها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في إطار استغلال الثقافة الملائمة للبلد، وذلك على النحو الآتي :

المبحث الأول: الصراع في سيراليون وآليات المصالحة الوطنية
المبحث الثاني: الصراع في بوروندي وآليات المصالحة الوطنية
المبحث الثالث: المقارنة بين آليات المصالحة الوطنية في سيراليون و بوروندي

المبحث الأول

الصراع في سيراليون وآليات للمصالحة الوطنية
سيراليون، رسميا جمهورية سيراليون، هي دولة تقع في غرب أفريقيا . اسم سيراليون مقتبس من الاسم البرتغالي للبلد: سيرا ليوا. المعنى الحرفي هو “جبال اللبؤة”. خلال القرن الثامن عشر الميلادي، كانت سيراليون مركزًا مهمًا لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي . تأسست العاصمة فريتاون عام 1787 كموطن للعبيد الأفارقة الذين قاتلوا إلى جانب البريطانيين في حرب الاستقلال الأمريكية .[1]

وفي الفترة من عام 1991 إلى عام 2002، عانت البلاد كثيراً من الآثار المدمرة لغارات المتمردين. ولإنهاء أنشطة المتمردين، قامت الأمم المتحدة والقوات البريطانية بنزع سلاح 17.000 من الميليشيات والمتمردين في أكبر عملية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة خلال العقد. ورغم انتهاء القتال، لا تزال سيراليون تعاني من الفقر. ورغم أنها غنية بالموارد المعدنية ، إلا أن هناك فوارق واسعة في توزيع الثروة. وتأسيسًا على ما سبق ارتأينا تقسيم المبحث إلى ثلاث مطالب وهم:

المطلب الأول: الاستعمار في سيراليون
المطلب الثاني: بداية الصراع في سيراليون
المطلب الثالث: آليات المصالحة الوطنية في مقاومة الصراع

المطلب الأول (الاستعمار في سيراليون)

نتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية ، وفق الآتي:
الفرع الأول:بداية الاستعمار البريطاني في سيراليون

الفرع الثاني: تجربة ما بعد الاستعمار

الفرع الأول (بداية الاستعمار البريطاني في سيراليون [2])

كانت سيراليون مستعمرة بريطانية تأسست في أوائل القرن 19 وكانت مركز من مراكز تجمع الرقيق، ثم أصبحت بعد ذلك مأوى للعتقاء منهم بعد إلغاء بريطانيا لتجارة الرقيق في عام [3]1807، فنقل بعض من حرر من الرقيق من زنوج أمريكا ممن حاربوا الى جانب بريطانيا خلال حرب الاستقلال الأمريكية، كذلك وفد اليها بعض زنوج جامايكا. وقد سمى نسل هؤلاء الأرقاء الذين تختلط فيهم العناصر الزنجية غير الأفريقية بعناصر أخرى بالكريول، وبالنسبة لموقع سيراليون فقد أحاط بها كل من ليبيريا وغينيا مما حال دون امتدادها للداخل، وقد أنشئ ميناء فريتاون عام 1892 وأتاح له موقعه حراسة قوافل السفن في المحيط الأطلسي ومراقبة تجارة الرقيق.

ويرجع نشاط بريطانيا في المنطقة الى القرن السادس عشر، ولكن يلاحظ أن دوافع بريطانيا في المنطقة لم تكن دوافع اقتصادية كما حدث في دلتا النيجر من حيث الاهتمام بالتجارة، وانما كان هدفها الرئيسي هو مراقبة تجارة الرقيق ومنذ عام 1808 أصبحت سيراليون مستعمرة تابعة للتاج البريطاني، وتزايد عدد سكانها بفضل تزايد العبيد المحررين.

وفي أوائل القرن التاسع عشر، عملت فريتاون كمقر إقامة الحاكم الاستعماري البريطاني للمنطقة، الذي كان يدير أيضًا ساحل الذهب (غانا حاليًا) ومستعمرة غامبيا. وتطورت سيراليون كمركز تعليمي لغرب إفريقيا البريطانية. حيث أنشأ البريطانيون كلية فوره باي في عام 1827، والتي سرعان ما أصبحت نقطة جذب للأفارقة الناطقين بالإنجليزية على الساحل الغربي. ولأكثر من قرن، كانت الجامعة الوحيدة ذات الطراز الأوروبي في غرب إفريقيا.

وبعد مؤتمر برلين 1884، قررت المملكة المتحدة أنها بحاجة إلى فرض المزيد من السيادة على المناطق الداخلية، وفي عام 1896 ضمت هذه المناطق، وأعلنتها محمية سيراليون. وأثناء الضم البريطاني لسيراليون، كان هناك العديد من الزعماء في الجزء الشمالي والجنوبي من البلاد. وأدت هزيمتي شعبي التيمني والميندي في حرب (Hut Tax) إلى إنهاء المقاومة ضد الحكومة الاستعمارية، لكن أعمال الشغب والاضطرابات العمالية استمرت طوال الفترة الاستعمارية. وكانت أكبرها هي أعمال الشغب في عامي 1955 و 1956.

وفي عام 1924، قسمت حكومة المملكة المتحدة سيراليون إلى مستعمرة ومحمية، مع أنظمة سياسية مختلفة محددة دستوريًا لكل منهما. وكانت المستعمرة هي فريتاون ومنطقتها الساحلية. تم تعريف المحمية على أنها المناطق النائية التي يسيطر عليها الزعماء المحليون. وتصاعد العداء بين الكيانين في عام 1947، عندما تم تقديم مقترحات لتوفير نظام سياسي واحد لكل من المستعمرة والمحمية. وفي عام 1951، اجتمع قادة المحمية، بما في ذلك ميلتون مارغاي، لامينا سانكوه، سياكا ستيفنز، محمد سانوسي مصطفى، ليشكلوا حزب الشعب السيراليوني. وتفاوضت قيادة الحزب الشعبي، بقيادة ميلتون مارجاي، مع البريطانيين والمستعمرة لتحقيق الاستقلال.

وبعد المفاوضات أشرف مارجاري في نوفمبر 1951 على صياغة دستور جديد، والذي وحد الهيئات التشريعية الخاصة بالمستعمرة والمحمية. وفي عام 1953، مُنحت سيراليون الحكم الذاتي وانتُخب مارغاي رئيسًا للوزراء. وكفل الدستور الجديد لسيراليون وجود نظام برلماني داخل الكومنولث.[4] وفي مايو 1957، أجريت أول انتخابات برلمانية في سيراليون. وفاز بها حزب الشعب السيراليوني، الذي كان آنذاك الحزب السياسي الأكثر شعبية في مستعمرة سيراليون، وأعيد انتخاب مارجاي رئيسا للوزراء بأغلبية ساحقة.

في 20 أبريل 1960، قاد ميلتون مارجاي وفداً سيراليونيًا مؤلفًا من 24 عضوًا في المفوضات التي عقدت مع الملكة إليزابيث الثانية ووزير المستعمرات البريطانية إيان ماكلويد في لندن.[5] وفي ختام المحادثات في 4 مايو 1960، وافقت المملكة المتحدة على منح سيراليون الاستقلال في 27 أبريل 1961.

في 27 أبريل 1961، أصبح ميلتون مارجاي أول رئيس وزراء للبلاد. واحتفظ دومينيون سيراليون بالنظام البرلماني وكان عضوا في الكومنولث. وفي مايو 1962، أجرت سيراليون أول انتخابات عامة لها كدولة مستقلة. وفاز بها حزب شعب سيراليون، وأعيد انتخاب ميلتون مارجاي رئيسا للوزراء.

بعد وفاة ميلتون مارجاي في عام 1964، تم تعيين أخيه غير الشقيق، ألبرت مارجاي، رئيسًا للوزراء من قبل البرلمان. في عام 1967، اندلعت أعمال شغب في فريتاون ضد سياسات مارجاي. ردا على ذلك أعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. واتُهم ألبرت بالفساد وباتباع سياسة التمييز الإيجابي لصالح مجموعته العرقية الميندي. وعلى الرغم من حصوله على الدعم الكامل من قوات الأمن في البلاد، فقد دعا إلى انتخابات حرة ونزيهة.

فاز بالانتخابات حزب المؤتمر الشعبي العام، مع زعيمه سياكا ستيفنز، بفارق ضئيل من المقاعد في البرلمان على حزب الشعب السيراليوني في الانتخابات العامة التي جرت في عام 1967. فأدى ستيفنز اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في 21 مارس 1967. وفي غضون ساعات بعد توليه منصبه، أطيح باستيفنز في انقلاب عسكري بقيادة ديفيد لا نسانا، قائد القوات المسلحة السيراليونية. الذي كان حليفًا وثيقًا لألبرت ما رغاي. ووضع لا نسانا ستيفنز قيد الإقامة الجبرية في فريتاون وعند إطلاق سراحه، ذهب ستيفنز إلى المنفى في غينيا.

وفي 23 مارس 1967، قامت مجموعة من الضباط العسكريين في جيش سيراليون بقيادة أندرو جوكسون سميث، بالاستيلاء على الحكومة، واعتقلوا لانسانا وعلقوا الدستور. وأنشأت المجموعة مجلس الإصلاح الوطني، مع أندرو جوكسون سميث كرئيس له ورئيس للبلاد. وفي 18 أبريل 1968، أطاحت مجموعة من الجنود ذوي الرتب المنخفضة في جيش سيراليون أطلقوا على أنفسهم اسم الحركة الثورية لمكافحة الفساد، بقيادة العميد جون أمادو بانجورا، بمجلس الإصلاح الوطني. أعادوا الدستور وأعادوا السلطة إلى ستيفنز، الذي تولّى منصب رئيس الوزراء.

الفرع الثاني (تجربة ما بعد الاستعمار [6])

كانت السنوات الأولى من الاستقلال مزدهرة. ودرّت الموارد المعدنية (خام الحديد والماس) إيرادات كبيرة، استُخدم معظمها في التنمية، ولا سيما التعليم. تأسست كلية نجالا الجامعية في أوائل الستينيات وتم دمجها في عام 1967 مع كلية فوراه باي لتصبح جامعة سيراليون.

في 19 أبريل 1971، أعلن البرلمان سيراليون جمهورية. أصبح سياكا ستيفنز، رئيس الوزراء آنذاك، أول رئيس للبلاد. كانت تتواجد قوات غينية طلبها ستيفنز لدعم حكومته في البلاد من عام 1971 إلى عام 1973. وأجريت الانتخابات البرلمانية في عام 1973؛ وفاز حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه ستيفنز بـ 74 مقعدا، بينما فاز حزب المعارضة (حزب الشعب لسيراليون بـ 15 مقعدا في البرلمان) . فيما بعد فشلت مؤامرة مزعومة للإطاحة باستيفنز في يوليو 1974. وتمت محاكمة وإعدام قادة الانقلاب الفاشل، وفي مارس 1976، تم انتخابه بدون معارضة لولاية ثانية مدتها خمس سنوات كرئيس. وفي عام 1978، تم اعتماد دستور جديد، مما أدى إلى إنشاء دولة الحزب الواحد؛ جعل دستور عام 1978 حزب المؤتمر الشعبي العام هو الحزب السياسي القانوني الوحيد في سيراليون.[7]

سياكا ستيفنز، الذي كان رئيسًا لسيراليون لمدة 18 عامًا، تقاعد من هذا المنصب في نوفمبر 1985، على الرغم من استمراره في منصبه كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. وفي أغسطس 1985، عين حزب المؤتمر الشعبي العام قائد القوات العسكرية، اللواء جوزيف سيدو موموه، وهو اختيار ستيفنز نفسه، كمرشح الحزب لخلافته. تم انتخاب موموه رئيسًا في استفتاء لحزب واحد في 1 أكتوبر 1985. وتم تنصيبه رسميًا في يناير 1986، وأجريت انتخابات برلمانية جديدة في مايو 1986. وفي أعقاب ذلك حدثت محاولة مزعومة للإطاحة بموموه في مارس 1987، بتخطيط أكثر من 60 من كبار المسؤولين الحكوميين وتم القبض على المسؤولين عن الانقلاب، بما في ذلك النائب الأول للرئيس وهو فرانسيس مينا، الذي تمت إقالته من منصبه.

في أكتوبر 1990، أنشأ الرئيس جوزيف موموه لجنة لمراجعة الدستور، لمراجعة دستور الحزب الواحد لعام 1978 بهدف توسيع العملية السياسية الحالية، وضمان حقوق الإنسان الأساسية وسيادة القانون، وتعزيز وتوطيد الأساس الديمقراطي وهيكل الدولة. الأمة. وأوصت اللجنة، في تقريرها الذي قدمته في يناير 1991، بإعادة تأسيس نظام حكم متعدد الأحزاب. وبناءً على تلك التوصية، وافق البرلمان على الدستور في يوليو 1991، وتم التصديق عليه في سبتمبر ؛ وأصبح نافذا في 1 أكتوبر 1991.[8]

المطلب الثاني (الصراع في سيراليون)

نتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية ، وفق الآتي :

الفرع الأول: بداية الصراع في سيراليون
الفرع الثاني: أسباب الصراع

الفرع الأول (بداية الصراع في سيراليون)

كان الفساد داخل الحكومة وسوء إدارة موارد الماس والموارد المعدنية من الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب الأهلية في سيراليون. ومع انهيار جميع هياكل الدولة، وما رافق ذلك من قمع فعال لجميع المعارضة المدنية، فُتحت ممرات واسعة في المجتمع السيراليوني للإتجار بالأسلحة والذخائر. كما أدت المخدرات إلى تآكل الأمن الوطني والإقليمي، فضلا عن تسهيل الجريمة .

وبالإضافة إلى هذه التوترات الداخلية، لعبت الحرب الأهلية الوحشية الدائرة في ليبيريا المجاورة دوراً في اندلاع القتال في سيراليون. وبحسب ما ورد فقد ساعد تشارلز تايلور، الذي كان آنذاك زعيم الجبهة الوطنية الليبيرية (NPFL) ، في تشكيل الجبهة الثورية المتحدة (RUF) تحت قيادة عريف سابق في جيش سيراليون، وهو فوداي سنكوه[9]. وكان سنكوه قد التقى بتايلور في ليبيا في الثمانينيات، أثناء التدريب على حرب العصابات ، وسرعان ما أقام الرجلان علاقة. وفي مقابل مساعدة سانكوه، تمت مكافأة تايلور بالماس من سيراليون.

في 23 مارس 1991، عبرت الجبهة المتحدة الثورية، بقيادة سنكوه وبدعم من تايلور، من ليبيريا وهاجمت قرى في المنطقة الشرقية. ولم تتمكن الحكومة من إبداء مقاومة كبيرة.[10] وفي غضون شهر، سيطرت الجبهة المتحدة الثورية على جزء كبير من المنطقة الشرقية. وسارع المتمردون إلى إظهار وحشيتهم تجاه السكان المدنيين؛ كان التجنيد القسري للجنود الأطفال أيضًا سمة مبكرة للتمرد.

في 29 أبريل 1992، قامت مجموعة من الضباط العسكريين الشباب بقيادة النقيب فالنتين ستراسر، المحبطين على ما يبدو بسبب فشل الحكومة في التعامل مع المتمردين، بشن انقلاب عسكري، مما أدى إلى إرسال الرئيس موموه إلى المنفى في غينيا وإنشاء المجلس الوطني الحاكم المؤقت  (NPRC)برئاسة العقيد يحيى كانو.[11] واغتيل كانو على يد مسلحين مجهولين بعد وقت قصير من توليه منصبه. تولى ستراسر في النهاية منصب رئيس المجلس الوطني الحاكم المؤقت.

أثبت المجلس الوطني الحاكم المؤقت أنها غير فعالة تقريبًا مثل حكومة موموه في صد الجبهة المتحدة الثورية. وسقط المزيد والمزيد من أراضي البلاد في أيدي مقاتلي الجبهة المتحدة الثورية، وبحلول عام 1995، سيطروا على جزء كبير من الريف وأصبحوا على أعتاب العاصمة. استأجر المجلس الوطني الحاكم المؤقت عدة مئات من المرتزقة. وفي غضون شهر تمكنوا من طرد الجبهة المتحدة الثورية إلى جيوب على طول حدود سيراليون.[12]

في يناير 1996، بعد ما يقرب من أربع سنوات في السلطة، تمت الإطاحة بالرئيس ستراسر في انقلاب قاده وزير دفاعه العميد يوليوس مادا بيو. وتم الوفاء بوعود العودة إلى الحكم المدني من قبل بيو، الذي سلم السلطة إلى أحمد تيجان كباح، من حزب الشعب السيراليوني، بعد الانتخابات الرئاسية في أوائل عام 1996. توصلت حكومة كباح إلى وقف إطلاق النار في الحرب مع الجبهة المتحدة الثورية؛ ومع ذلك، استمرت الهجمات الإرهابية للمتمردين، بمساعدة ليبيريا على ما يبدو .

في 25 مايو 1997، قامت مجموعة من الضباط العسكريين بقيادة اللواء جوني بول كروما بالإطاحة بكباح. وقاموا بتأسيس المجلس الثوري للقوات المسلحة (AFRC). علق كروما الدستور. فالمظاهرات محظورة؛ والأحزاب السياسية ملغاة؛ مع إغلاق جميع محطات الإذاعة الخاصة في البلاد؛ ودعا الجبهة المتحدة الثورية للانضمام إلى الحكومة.

وفرضت الأمم المتحدة عقوبات على الحكومة العسكرية في أكتوبر 1997، وأرسلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) قواتها بقيادة نيجيريا . وأجبرت الاشتباكات بين المتمردين وقوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في العاصمة 12 ألف من سكان فريتاون على الفرار. في فبراير 1998، طردت قوات الإيكواس المتمردين من فريتاون، وعاد الرئيس كباح إلى منصبه في 10 مارس 1998. ومع ذلك، ظلت قوات المتمردين تسيطر بقوة على المقاطعة الشمالية، وحقل ألماس كونو، والمناطق على طول الحدود الليبيرية. .

وفي يناير 1999، قُتل أكثر من 6000 شخص في القتال بين قوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والمتمردين في المنطقة الغربية. وفي مارس أعلنت نيجيريا أنها ستسحب قواتها بحلول شهر مايو من ذات العام. وفي يوليو 1999، تم التوقيع على اتفاق سلام بين الرئيس كباح وفوداي سنكوه، زعيم الجبهة المتحدة الثورية. ومنح الاتفاق المتمردين مقاعد في حكومة جديدة وعفواً عاماً عن الملاحقة القضائية. ومع ذلك، توقفت الحكومة إلى حد كبير عن العمل بفعالية، وظل نصف أراضيها على الأقل تحت سيطرة المتمردين.

وفي أكتوبر ، وافقت الأمم المتحدة على إرسال قوات حفظ السلام للمساعدة في استعادة النظام ونزع سلاح المتمردين. وبدأت الدفعة الأولى من القوة المؤلفة من ستة آلاف جندي في الوصول في ديسمبر ، وصوت مجلس الأمن في فبراير 2000 على زيادة عدد قوات الأمم المتحدة إلى 11 ألف جندي (ومن ثم إلى 13 ألف جندي). وفي مايو 2000، عندما غادرت جميع القوات النيجيرية تقريباً وكانت قوات الأمم المتحدة تحاول نزع سلاح الجبهة المتحدة الثورية في المنطقة الشرقية، اشتبكت قوات سنكوه مع قوات الأمم المتحدة وتم احتجاز نحو 500 من قوات حفظ السلام كرهائن مع انهيار اتفاق السلام فعلياً.

دخلت قوة بريطانية قوامها 800 فرد البلاد لتأمين غرب فريتاون وإجلاء الأوروبيين. كما عمل البعض أيضًا لدعم القوات التي تقاتل الجبهة المتحدة الثورية، بما في ذلك مجموعة المجلس الثوري للقوات المسلحة التابعة لكروما. بعد القبض على سنكوه في فريتاون، تم إطلاق سراح الرهائن تدريجيًا من قبل الجبهة المتحدة الثورية، لكن الاشتباكات بين قوات الأمم المتحدة والجبهة الثورية المتحدة استمرت، وفي يوليو 2000 اشتبكت فرقة ويست سايد بويز – وهي جزء من المجلس الثوري للقوات المسلحة – مع قوات حفظ السلام. وفي الشهر نفسه، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظراً على بيع الماس الخام من سيراليون في محاولة لتقويض تمويل الجبهة المتحدة الثورية. في أواخر أغسطس، أصبح سام بوكاري، أحد كبار قادة الجبهة المتحدة الثورية، رئيسًا للجبهة؛ كما تم احتجاز القوات البريطانية التي دربت جيش سيراليون كرهائن من قبل ويست سايد بويز ولكن تم إطلاق سراحهم بغارة بريطانية في سبتمبر.

تم تأجيل الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها في أوائل عام 2001، بسبب انعدام الأمن الناجم عن الحرب الأهلية. وفي مايو 2001، فُرضت عقوبات على ليبيريا بسبب دعمها للمتمردين، وبدأت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إحراز تقدم في نزع سلاح الفصائل المختلفة. واستمر نزع سلاح الميليشيات المتمردة والموالية للحكومة ببطء واستمر القتال.

الفرع الثاني (أسباب الصراع في سيراليون)

تضافرت العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الداخلي في نشأة الصراع وتأجيجيه  في سيراليون والتي كان لها في نهاية الامر انعكاسها السلبي على الدولة ككل.

هذه العوامل لم تكن وليدة اللحظة وانما تمتد إلى الفترة الاستعمارية، التي شجعت المشاعر العرقية بين الأفارقة، وجرى التأكيد على الاختلافات بين الجماعات العرقية، ولم يكشف أي شيء عن أوجه التشابه بغية صرف الانتباه عن الاستغلال الاستعماري. هكذا اصبحت الأوضاع مهيئة لنشوب الصراعات بين الجماعات والعرقيات المختلفة بل حتى داخل الجماعة الواحدة ايضا. بل يمكن اعتبارها العامل الرئيس للصراع الداخلي في سيراليون. في هذا الجزء من الدراسة سيتم تناول هذه الاسباب كل على حدة.

1 -الاسباب السياسية[13]

يعد التاريخ السياسي لسيراليون واحد من الاسباب الرئيسية للحرب الأهلية فيها. فبالإضافة للممارسات الاستعمارية التي وضعت بذور الانقسام، حيث اتسمت البيئة السياسية في سيراليون بعد الاستقلال ايضا بالفساد وسوء الإدارة.

وتعد فترة حكم الرئيس’ سياكا ستيفنز” هي الأكثر فسادا من بين الحكام الذين تولوا حكم سيراليون، فإضافة لتفشي الفساد وتمكنه من مفاصل الدولة واستغلال النخبة واستيلائها على موارد الدولة لصالحها.

هذا فضلا عن تردي الاوضاع في المناطق الريفية وبالأخص المناطق الشمالية التي شعرت بالتقصير من الحكومة تجاهها لتركيز الخدمات وقصرها فقط بمدينة “فريتاون” العاصمة.

بالإضافة لسوء الإدارة، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة، كان عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وتركز السلطة والثروة في قمة الهرم الاجتماعي للدولة، وتهميش الشباب، وعدم المبالاة بتردي أوضاعهم المعيشية في البلاد كانت كل هذه العوامل السياسية تمهيدا لبدء الحرب الأهلية في سيراليون.[14]

2- الاسباب الاقتصادية:[15]

‎-‏ دور الماس في الصراع
استقلت سيراليون عن بريطانيا في 1961؛ ثم حدث انقلاب عسكري في 1967 أنهى التعددية وأطاح الرئيس المنتخب ديمقراطيا سياكا ستيفنز عن السلطة. أعيد ستيفنز إلى منصبه في 1968 واستمر في أعلى هرم السلطة بسيراليون حتى 1985. ثم جاء خلفه جوزيف موموه ( 1985-1991) الذي استمر في تطبيق سياسة القبضة الحديدية على حقل الألماس الواقع ضمن مجال قبائل الميندي والكونو وهو حقل كونو حيث كانتا مهمشتين عندما يتعلق الأمر بتوزيع الثروة، فقد كان استغلال حقول الألماس يكرس لتهميش المجموعات الإثنيه التي تقطن شرقي البلد . حيث كانت اثنتي الميندي والكونو تحظيان بحقول تنقيب غنية لكن حقل كونو تستغله مجموعات أجنبية لصالح الحكومة دون أن تستفيد منها الإثنيات الشرقية مما سهل عملية تعبئتها للتمرد وسهل كذلك عملية استقطابها من طرف تشارلز تايلور الليبيري.

-‏ تقاسم غير متكافئ للثروة
كان للتقاسم غير المتكافئ للثروة من استغلال مناجم الألماس عاملا حاسما في نجاح فوداي سنكوه (ضابط سابق في الجيش السيراليوني) في استمالة قبائل شرق سيراليون للتمرد على الحكومة المركزية في فريتاون . وبناء عليه شهدت سراليون منذ عام 1991 حربا أهلية شرسة مع حركة التمرد الثوري والجبهة المتحدة برئاسة فوداي سنكوه، واستمر القتال على مدار ثلاث حكومات متعاقبة ،مما أدى إلى اندلاع أعمال العنف في جميع أنحاء الدولة وصولا الى الدول المجاورة ومنها ليبيريا.

-‏ تمويل الاسلحة للمتمردين
قد تكون الثروات الطبيعية سببا لثراء الدولة وفي ذات الوقت سببا في انهيارها . ينطبق هذا الكلام على سيراليون، تلك الدولة الغنية بمناجم الماس والذي اصبح سببا في معاناتها من الحرب الاهلية وطمع الاطراف الخارجية فيما لديها من ثروة طبيعية. كان الماس محفزا للعنف والاستغلال الاقتصادي . حيث تم استخدام عوائد التجارة الغير مشروعة بالماس في تمويل الحركة المسلحة المسماة “بالجبهة الثورية المتحدة ” بقيادة فودي سنكوه الذي تلقى تدريباته في ليبيا في ظل نظام الرئيس القذافي، بالإضافة لصلاته الوثيقة بالرئيس الليبيري” تشارلز تايلور” .

3- الأسباب الاجتماعية:[16]

كان سكان الريف يشكلون أكثر من 70% من سكان سيراليون ككل في السنوات التي سبقت الحرب، علاوةً على ذلك شكلت الإيرادات الزراعية في ذلك الوقت ما يقارب 40% من الأرباح الوطنية، ومع ذلك فإن معاملة (ستيفنز) للسكان الريفيين لم يعكس منحه الدور الفعال في إثراء الاقتصاد الوطني، فبدلاً من ذلك طبق نظام العزلة المشددة باستبعادهم وتهميشهم وذلك عبر تخفيض أسعار المنتجات التصديرية وفرض الضرائب المجحفة على الزراعة الريفية مع دعم الاستهلاك الحضري والحرمان التام من المناطق الريفية من الكهرباء والمياه المنقولة من الأنابيب ومرافق الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكة الطرق المتقدمة وغيرها من المرافق.

إن عزل سكان الريف زود (ستيفنز) بفرصتين: الأولى منها كان الاستفادة من الدعم الذي تمتع به في العاصمة (فريتاون)، والثانية منها والأهم أنه سمح لـ (ستيفنز) بتنفيذ سياسته المركزية، ونتيجة لذلك وجدت المناطق الريفية نفسها معزولة بشكل متزايد واستنزفت المجالس الحكومية للمقاطعات بالكامل تاركاً نظام الزعامات المحلية هو الشكل الوحيد للسلطة المحلية في المنطقة، ومع ذلك كان هذا النظام خاضعاً لهيمنة الحكومة إلى حدٍ كبير، وهذا ما دفع بسكان الريف إلى الهجرة الجماعية إلى المناطق الحضرية في محاولة لإيجاد فرص أفضل للعيش، لكن لسوء الحظ لم تكن فرص العمل متاحة في المدينة بسهولة مما أضاف خيبة أمل كبيرة وكانوا على استعداد لاتخاذ المواقف المناهضة المتمثلة بالمواجهات العنيفة في فترات الأزمات.

بالإضافة إلى أزمة سكان الريف فقد تمثلت أزمة الشباب شكلاً من أشكال الانهيار والإقصاء الاجتماعي، حيث لم تعد العمليات الحالية تُمكن الشباب من التقدم لبلوغ الأدوار المهمة فيما يتعلق بالمسؤوليات التي يجب عليهم القيام بها في المجتمع، مما جعلهم في مأزق كبير من التطلعات غير المحققة([17]).

– التعددية الإثنية
بالرغم من التواجد الاثني في سيراليون كمعظم الدول الافريقية، الا اننا لا يمكن ان نعتبر أن الصراع في سيراليون هو صراع اثني بالأساس. فبرغم تواجد كل من إثنية الميندي التي تسيطر على حزب الشعب السيراليوني، وإثنية التيمني التي تسيطر على حزب المؤتمر الوطني، فأن الانقسامات الإثنية في سيراليون لم تكن حادة للدرجة التي يمكن من خلالها وصف الصراع في سيراليون بأنه صراع إثني.

المطلب الثالث (آليات المصالحة الوطنية في مقاومة الصراع)

ونتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية ، وفق الآتي:
الفرع الأول: اتفاق لومي للسلام

الفرع الثاني: لجنة الحقيقة والمصالحة
الفرع الثالث: المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون
الفرع الرابع: لجنة بناء السلام في سيراليون لمرحلة ما بعد الصراع

الفرع الأول (اتفاق لومي للسلام[18])

هو اتفاق وقع في 7 يوليو 1999 بين حكومة سيراليون والجبهة الثورية المتحدة بهدف إنهاء الحرب الأهلية التي اندلعت في البلاد منذ عام 1991 واستمرت حتى 2002. الحرب الأهلية في سيراليون كانت واحدة من أكثر النزاعات دموية في تاريخ القارة الإفريقية، حيث تميزت بأعمال عنف شديدة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك استخدام الأطفال كجنود والاعتداءات الوحشية على المدنيين ونهب الموارد الطبيعية، خاصة الألماس الذي استُخدم لتمويل العمليات العسكرية.

الاتفاق جاء بعد جهود طويلة من الوساطة الدولية وضغوط المجتمع الدولي لإيجاد حل سلمي للنزاع. تم توقيع الاتفاق في العاصمة التوغولية لومي، واحتوى على عدة بنود رئيسية تهدف إلى إنهاء النزاع وبناء السلام في البلاد. من أبرز هذه البنود: العفو الكامل لأعضاء الجبهة الثورية المتحدة عن الجرائم التي ارتكبوها خلال الحرب، ودمج بعض قادة الجبهة الثورية المتحدة في الحكومة، بما في ذلك تعيين زعيم الجبهة فوداي سنكوه نائبًا لرئيس البلاد. كما تضمن الاتفاق التزامًا بوقف إطلاق النار الفوري وإنهاء الأعمال العدائية، وبرامج لإعادة دمج المحاربين السابقين في المجتمع من خلال توفير التدريب المهني والمساعدة الاقتصادية، بالإضافة إلى إجراء إصلاحات سياسية لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.

رغم الترحيب الدولي الكبير بالاتفاق باعتباره خطوة حاسمة نحو إحلال السلام في سيراليون، واجه تنفيذ بنوده تحديات عديدة. استمر العنف في بعض المناطق بالرغم من توقيع الاتفاق، ووردت تقارير عن خروقات لوقف إطلاق النار. كان دمج المحاربين السابقين في المجتمع تحديًا كبيرًا، حيث عانى العديد منهم من صدمات نفسية جراء الحرب. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الشكوك وعدم الثقة بين الأطراف المتحاربة، مما أثر على التنفيذ الفعلي لبنود الاتفاق.

على الرغم من هذه التحديات، ساهم اتفاق لومي في وضع حد للنزاع المسلح الكبير في سيراليون. ومع مرور الوقت، وبدعم من المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، تم تحقيق خطوات ملموسة نحو الاستقرار وإعادة البناء. تم إنشاء المحكمة الخاصة بسيراليون لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، مما مثل خطوة هامة نحو تحقيق العدالة والمساءلة. الاتفاق يمثل علامة فارقة في تاريخ سيراليون، حيث أنهى واحدة من أكثر الحروب الأهلية وحشية في إفريقيا. على الرغم من الصعوبات في التنفيذ، ساهم الاتفاق بشكل كبير في تحقيق السلام والاستقرار النسبي في البلاد وفتح الباب أمام إعادة البناء والتنمية المستدامة.

الفرع الثاني (لجنة الحقيقة والمصالحة[19])

أمام حالة الخراب التي شهدتها العاصمة سعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات من أجل التوصل إلى السلام، وتمثّلت البداية الرسمية لنهاية الصراع في اتفاق لومي للسلامLomé Peace Agreement ، بين حكومة سيراليون والجبهة الثورية المتحدة .

ولقد الزم اتفاق لومي للسلام بأن يتمّ إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحةTruth and Reconciliation Commission (TRC) في غضون تسعين (90) يوماً، وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت في سبيل إنجاز هذه المهمّة، غير أنّ برلمان سيراليون لم يعتمد القانون المشرّع لهذا الغرض حتى يوم 22 فبراير من عام 2000م.

ووفقاً للمادتين (  1 و 6  ) من القانون الداخليّ للجنة الحقيقة والمصالحة 2000 (TRC Act)؛ فإنه قد تمّ تأسيس هذه اللجنة بهدف إنشاء سجّلٍ تاريخيٍّ محايدٍ لانتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتُكبت جراء الصراع المسلح في سيراليون، وذلك منذ بدايته في عام 1991م حتى توقيع اتفاق لومي للسلام؛ كما تمّ تأسيسها بهدف التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب، والاستجابة لاحتياجات الضحايا، ومن أجل تعزيز المصالحة والتئام الجروح، والحيلولة دون تكرار دوّامة العنف والانتهاكات التي تعرّضوا لها.

وقد قام برلمان سيراليون بتأسيس (لجنة الحقيقة والمصالحة) وفقاً للتعهد الذي أوجدته المادة السادسة والعشرون )26( من اتفاق لومي للسلام، وبالرغم من كونها مؤسسة وطنية فقد كان لهذه اللجنة بُعداً دوليّاً، إذ شارك في عملية إنشائها كلٌّ من الممثل الخاصّ للأمين العام للأمم المتحدة في سيراليون، والمفوّض السامي لحقوق الإنسان، وتمثّلت مهمتهما في التوصية بتعيين ثلاثة أعضاء من اللجنة، على ألا يكونوا من مواطني سيراليون.

وعلى الرغم من أنّ المادة (6) من (قانون لجنة الحقيقة والمصالحة) تقترح الحدّ من الاختصاص الزمني للجنة، من سنة 1991م، تاريخ بداية الحرب الأهلية، حتى توقيع اتفاق لومي للسلام المنعقد في 07 يوليو عام 1999م، غير أنه من ناحية الممارسة العملية لم تكن تحقيقات اللجنة مقيدة بمدّة زمنية محدّدة. حيث عملت بالتحقيق وتقديم تقريرٍ عن سوابق الصراع؛ ما يعني النظر في حيثيات ما قبل سنة 1991م

علاوة على ذلك؛ كُلّفت (لجنة الحقيقة والمصالحة) كذلك بمعالجة ظاهرة الإفلات من العقاب، والاستجابة لاحتياجات الضحايا، وتعزيز المصالحة وتضميد الجراح، ومنع تكرار الانتهاكات والتجاوزات التي لحقت بهؤلاء الضحايا، ولم يكن هذا الجانب من التكليف محدّداً بإطارٍ زمني، ولقد نُسب للجنة – كسلطة – النظر في أحداث ما بعد اتفاق لومي للسلام.

ولقد أشار (قانون لجنة الحقيقة والمصالحة) عدّة مرات إلى «الضحايا والجناة»، مركّزاً اهتمامه على فئة الأطفال، بما في ذلك الأطفال الجناة، وكذلك ضحايا الاعتداء الجنسي ، كذلك تمّ منح اللجنة دوراً في تحديد المسؤوليات، والتعرف على الأسباب  ، والأطراف المسؤولة عن الصراع (حكومة، أو جماعة، أو فرد) ؛ مسؤوليات قد تمتد، على سبيل المثال، إلى الشركات عبر الوطنية transnational corporations ، أو المنظمات الأمنية الخاصّة private security organizations، وفي هذا الإطار؛ قدّمت اللجنة قائمةً أوردت فيها أسماء أولئك الذين يتحمّلون المسؤولية في هذا الصراع.

بينما تكفّل القسم السادس من قانون اللجنة بتقديم تقريرٍ عن: (الانتهاكات والاعتداءات لحقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدولي)، وهو مفهومٌ واسعٌ جدّاً إذا ما قارّناه بما ورد في تقرير (لجنة الحقيقة والمصالحة) في جنوب إفريقيا، الذي حدّدها بمصطلح ( الانتهاكات الجسيمة )

إنّ الاستخدام الواسع لـ «حقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدولي» كان له نتيجة أخرى؛ إذ لم يقتصر عمل اللجنة على الانتهاكات الكلاسيكية المتعلقة بالسلامة الجسدية، كالقتل والاغتصاب وغيرها من جرائم العنف، وجرائم تدمير الممتلكات أو النهب؛ بل خلصت اللجنة إلى أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان الشاملة الموجودة في صكوكٍ مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب؛ ما يعني أنّ اللجنة قرّرت الأخذ، ليس بالحقوق المدنية والسياسية وحسب، ولكن أيضاً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي التعليمات التي تمّ توجيهها لأعضاء اللجنة الذين تمّ تجنيدهم لإجراء المقابلات مع الضحايا.

اتضحت قيمة هذه المقاربة، التي تؤكد عدم تجزئة حقوق الإنسان، حين تعامل اللجنة مع الضحايا، فبالرغم من الانتهاكات التي تعرّضوا إليها من عنفٍ جسديٍّ وتدميرٍ للممتلكات، فإنهم لم يطالبوا بأي تعويضٍ مرتبطٍ بهذه الأضرار المحدّدة، وإنما طالبوا بتوفير التعليم من أجل أطفالهم، وبالرعاية الطبية، وبسكنٍ لائقٍ يأويهم، ما يعني أنّ المستقبل لدى هؤلاء الضحايا يكمن في تحقيق حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من المفهوم القانونيّ الكلاسيكيّ لإعادة إلى الوضع الذي كان قائماً من قبل.

وقد تمّ تقسيم عمل اللجنة إلى مرحلتَين أساسيتَين، ثم مرحلة ختامية للصياغة:

المرحلة الأولى: مرحلة: (جمع التصريحات):

بدأت في شهر ديسمبر من عام 2002م، حيث تمّ تجنيد حوالي سبعين عضواً لجمع التصريحات في جميع أنحاء البلاد، تمّ تجنيدهم من مختلف قطاعات المجتمع المدني، مثل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدينية، مع ضمان أن تكون نسبة كبيرة من هؤلاء المجندين من النساء. وتواصلت هذه المرحلة إلى غاية شهر مارس من عام 2003م، ولقد تمّ جمع ما يقارب 7000 تصريح، معظمها أُخذت من الضحايا.

المرحلة الثانية: مرحلة: (جلسات الاستماع:)

انطلقت في شهر أبريل من عام 2003م، واستمرت إلى غاية أواخر شهر أغسطس 2003م، تمّ من خلال العديد من هذه الجلسات جلب كلٍّ من الضحايا والجناة معاً، وقد عُقدت هذه الجلسات في جميع أنحاء البلاد، وغالباً ما كانت تتم في مدنٍ معزولةٍ لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة طائرات الهيلوكوبتر، في حين ركزت جلساتٌ أخرى على المسائل الموضوعية، مثل وسائل الإعلام والحكم والفساد.

المرحلة الثالثة: (الصياغة:)

تمثّلت المرحلة الأخيرة من عمل اللجنة في صياغة التقرير، الذي استغرق مدة سنة كاملة، حيث تطلبت هذه المرحلة وقتاً أطول بكثيرٍ من الوقت الذي استغرقته اللجنة في الوصول إلى النتائج التي تمّ تدوينها في هذا التقرير، ويرجع سبب هذا التأخير جزئيّاً إلى نقص الموظفين، فضلاً عن الرؤية الطموحة التي تمّ توقّعها من خلال هذا التقرير، ولقد تقرّر أن تتمّ كتابة هذا الأخير في عدة مجلدات، ربما اقتداءً بتقرير لجنة جنوب إفريقيا، وقد كان من الممكن أن يكون التقرير أقصر وأكثر إيجازاً لإتاحته بشكلٍ أفضل لسكان سيراليون.

نتائج وتوصيات تقرير (لجنة الحقيقة والمصالحة) في سيراليون:

ورد في المادة (17) من قانون اللجنة أنه: «ينبغي على الحكومة أن تنفّذ – بأمانة – توصيات التقرير الموجّهة إلى أجهزة الدولة، كما ينبغي عليها تشجيع وتسهيل تنفيذ التوصيات الأخرى الموجّهة إلى الآخرين»، ولقد شكّلت النتائج والتوصيات الجزء الأكبر من التقرير، وتنفيذها مثّل أهمّ اختبارٍ لفعالية اللجنة.

لا بد من الإشارة، بادئ ذي بدء، إلى أنّ أسباب الصراع لم تكن واضحةً تماماً، فقد كان هناك العديد من الروايات المتناقضة، وفي هذا الصدد تختلف لجنة سيراليون اختلافاً جوهريّاً عن تجربة نظيرتها في جنوب إفريقيا، حيث كانت جذور الصراع واضحة – نظام الأبارتهايد -، وقد تمثّلت أسس عمل اللجنة في إدانة هذا النظام العنصريّ والتحضير للانتقال السياسي.

في المقابل؛ كان اتفاق لومي للسلام، الذي وضع حدّاً للحرب الأهلية في سيراليون، وراء الدعوة لإنشاء (لجنة الحقيقة والمصالحة)، ووقف إطلاق النار بين الفصائل المتحاربة، ولم يكن بمثابة نصرٍ حاسمٍ من جانبٍ واحدٍ على الآخر، أو انتصاراً لأية أيديولوجية معيّنة، ويمكن القول بأنّ أحد المساهمات المهمّة، والمثيرة للجدل في الوقت نفسه، التي قدمتها لجنة سيراليون، هي تحليلها لخلفية الصراع ومحاولتها تحديد أسبابه.

ولقد ألقت العديد من الروايات باللوم على العوامل الخارجية، حيث اتهمت، على سبيل المثال، الزعيم الليبي “معمر القذافي” بإثارة الصراع، والزعيم الليبيري “تشارلز تايلور” بزيادة تأجيجه؛ وفي الوقت الذي لم تستبعد فيه اللجنة هذه العوامل ، ركزت من جهة أخرى على العوامل الداخلية، مثل سوء الإدارة والفساد، والخيانة التي تعرّضت لها سيراليون من قِبل قادتها في المجال السياسي، والمالي، حتى الفكري، حسبما ورد في التقرير .

وختمت اللجنة تقريرها بنتيجةٍ محبطةٍ للآمال، إذ لاحظت أنه لم يطرأ تغييرٌ على الأسباب الجذرية التي أدت للصراع في سيراليون، ناهيك عن الالتزام الضعيف أو المعدوم من طرف حكام البلاد لمعالجة هذه العوامل بجدية..

كانت اللجنة تدرك جيداً أنّ العفو الشامل الذي تضمّنته مبادئ (اتفاق لومي للسلام) هو أمرٌ غير مقبولٍ من وجهة نظر القانون الدولي، ولقد أعلن الحكم الصادر عن المحكمة الخاصّة لسيراليون، في شهر مارس من سنة 2004، أنّ العفو يشكّل خرقاً للقانون الدولي. غير أنّ اللجنة رأت أنه لا يمكن انتقاد المفاوضين في لومي، الذين اعتبروا أنّ العفو والصفح هو الطريقة المثلى والوحيدة لوضع نهاية للقتال.

لم تحمل أغلبية توصيات (لجنة الحقيقة والمصالحة) أية آثار ذات طبيعة نقدية، فإذا كانت الحكومة صادقة في التزامها بتنفيذ توصيات اللجنة، وفقاً لقانون هذه الأخيرة، فإنه لا يمكن للحكومة تجنّب مقترحاتها، وكمثالٍ على ذلك: فإنه قد ورد في تقرير اللجنة أنّ: عقوبة الإعدام كانت تُستخدم أساساً، من قِبل مختلف أنظمة ما بعد الاستعمار، كأداة سياسية من أجل قمع وإرهاب الخصوم ، لذلك دعت اللجنة إلى الإلغاء الفوري لعقوبة الإعدام، كما دعت الرئيس إلى تخفيف جميع أحكام الإعدام القائمة.

الفرع الثالث (المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بسيراليون)

اعتمدت سيراليون أيضا على آليات تجمع بين العدالة التصالحية والعدالة الجنائية والجزائية.. ففي الشق الأول كانت هناك لجنة الحقيقة والمصالحة التي نشأت بموجب اتفاق لومي، في حين اقتصر الشق الجنائي على المحاكم الوطنية، والجزائي على المحكمة الخاصة لسيراليون والتي تأسست بناء على طلب من الرئيس كباح لمجلس الأمن “12 يونيو 2000، ما دعا المجلس لإصدار قراره رقم 1315بتاريخ 14 أغسطس 2000، بإنشاء محكمة خاصة مستقلة لمحاكمة الأشخاص الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون السيراليوني والمرتكبة خلال الحرب. [20]

ووفق الفقرة الأولى من القرار، فإن المحكمة تنشأ بموجب اتفاق بين الطرفين “الحكومة والأمين العام”، وبالتالي لا تعد فرعا للأمم المتحدة عكس محكمتي يوغسلافيا 1993 ورواندا 1994.

ولقد حرصت الأمم المتحدة على عدم وجود تعارض بين عمل هذه المحكمة ولجنة المصالحة. ففي تقرير الأمين العام كوفي عنان لمجلس الأمن عام 2000، قال إنه: ( ينبغي الحرص على أنّ المحكمة الخاصّة لسيراليون ولجنة الحقيقة والمصالحة ستعملان بشكلٍ مكمّلٍ وداعمٍ لبعضهما البعض، في ظلّ الاحترام الكامل للوظائف المختلفة وذات الصلة في آنٍ لكلٍّ منهما([21]

وفيما يتعلق باختصاصها الزماني، فتم الاتفاق بين أطراف التفاوض على أن يكون قرابة خمس سنوات تبدأ من اتفاق أبيدجان 30 نوفمبر 1996 باعتباره أول اتفاق سلام يتم توقيعه بين الجانبين ، وانتهاء باتفاق أبوجا “مايو 2001” الذي أنهى رسميا الحرب في البلاد.

أما اختصاصها المكاني، فقد اقتصر على سيراليون “مقر المحكمة” بموجب المادة 9، وهو ما يجعل هناك إمكانية للجناة للهروب من البلاد وطلب اللجوء، وعدم القدرة على استدعائهم من هذه الدول حال عدم وجود اتفاق تسليم المتهمين، ما يعني في المحصلة النهائية إمكانية الإفلات من العقاب.

بينما تضمن اختصاصها الموضوعي النظر في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية∙، وجرائم الحرب التي تشكل انتهاكا للمادة ٣ المشتركة بين اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، والجرائم الخاضعة لقانون سيراليون ذي الصلة والمرتكبة ضمن أراضي سيراليون “فقرة 2”.

ويلاحظ أنه تم استبعاد فكرة الإبادة الجماعية، حيث لم يدرج مجلس الأمن جريمة الإبادة الجماعية ضمن توصياته، حيث رأى الأمين العام أنه من غير الملائم إدراج هذه الجريمة في قائمة الجرائم الدولية الخاضعة لاختصاص المحكمة، لكن ربما الجديد هو إضافة القانون الجنائي في سيراليون كمرجع قانوني، كون المحكمة مختلطة.

أما الاختصاص الشخصي فاقتصر فقط بموجب الفقرة الثالثة من القرار، على الأشخاص الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها سابقا، سواء عبر التخطيط أو التحريض أو الأمر بالتنفيذ، أو الارتكاب، أو المساعدة والتشجيع بأي وسيلة أخرى.

وقد اعتبرت هذه المحددات معيارا للمدعي العام للمحكمة يسترشد به عند اعتماد استراتيجية الملاحقة القضائية واتخاذ القرارات.[22]

 يمكن القول بأن المحكمة، فضلا عن آليات العدالة الأخرى سواء المحاكم الوطنية، أو الآليات التصالحية، ساهمت في تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي في سيراليون على نحو ما يلي:

المحاكم الوطنية: والتي لعبت دورا هاما في تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومما ساعدها على ذلك، التعاون الوثيق بينها وبين المحكمة الخاصة، لاسيما في أن الأخيرة كانت تأخذ ببعض القوانين الوطنية جنبا إلى جنب مع القوانين الدولية، فضلا عن اقتصار المحكمة الخاصة على محاكمة فئة محددة “كبار المسؤولين”، ما جعل المحاكم الوطنية تتطلع بالمستويات الأقل.
الآليات التصالحية الأخرى وأهمها لجنة المصالحة التي كان لها دور هام في الانتقال الديمقراطي وبناء السلام وتحقيق المصالحة جنبا إلى جنب مع المحكمة الخاصة.

بالإضافة إلى تضمن تقرير اللجنة الختامي أسماء المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت إبان الحرب، وهو ما يعد نهجا هاما في حفظ الذاكرة، لا سيما مع ارتباطه بتوصية تخليد الذكرى عبر إقامة النصب التذكاري ودفن الرفاة والاحتفالات، كذلك توصياتها بضرورة الإصلاح المؤسسي بما في ذلك القضاء، وتقديم تدريبات متنوعة لإكساب المهارات للمقاتلين السابقين، بالتزامن مع إجراءات التسريح وتسليم الأسلحة، والتوصية بتوظيف هؤلاء الشباب في الخدمات المجتمعية في المستشفيات وغيرها، وتقديم تعويضات في مجال السكن والتعليم والدعم الزراعي.

الفرع الرابع (لجنة بناء السلام في سيراليون لمرحلة ما بعد الصراع[23])

لقد أصبحت سيراليون مع بوروندي من أوائل البلدان التي ركزت عليها لجنة بناء السلام في يونيو من العام (2006)، وقد أعربت اللجنة في البداية عن اهتمامها برسالة البعثة الدائمة لجمهورية سيراليون لدى الأمم المتحدة في فبراير من العام (2006)، وذكرت أنه بعد استضافتها أكبر قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في العالم وأنجح عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة في الآونة الأخيرة طالبت الحكومة:

“أن تنظر لجنة بناء السلام في اختيار سيراليون من بين أول عملياتها الخاصة بكل بلد، على الرغم من التقدم الملحوظ في الانتقال من الحرب إلى السلام الدائم والتنمية المستدامة لا تزال هناك العديد من التحديات الهائلة في طريق عملية الانتعاش والتي تحتاج إلى دعم لجنة بناء السلام”.

بهدف صياغة استراتيجية مستقبلية لبناء السلام كإطار للتعاون بين لجنة بناء السلام وسيراليون تم وضع خطة عمل لمدة ستة أشهر لكل مرحلة من المراحل الثلاث الرئيسية الآتية ذكرها:

خلال المرحلة الأولى من يونيو إلى ديسمبر من العام (2006) ركزت لجنة بناء السلام جهودها مع حكومة سيراليون وغيرها من أصحاب المصلحة من أجل تحديد مجالات الأولوية لبناء السلام،[24] حيث وافق المشاركون في الاجتماع على المجالات الرئيسية التالية لأنشطة بناء السلام والتي ستقوم بها لجنة بناء السلام في المستقبل ضمن أبرز مهامها:
1. تمكين الشباب وتوظيفهم.
2. توطيد الديمقراطية والحكم الرشيد.
3. إصلاح قطاع العدالة والأمن.
4. بناء القدرات الوطنية.
واعتبرت الجهود في هذه المجالات بالغة الأهمية لتجنب الانتكاس إلى النزاع مجدداً، فمن أجل إرساء أسس السلام المستدام كان تحليل لجنة بناء السلام مرتبط بشكل واضح ببعض أهم الأسباب الجذرية للنزاع التي تم تحديدها والتي لا تزال غير معالجة إلى حدٍ كبير في البلاد إلى يومنا هذا.

استنادا إلى مجالات الأولوية المذكورة بدأت عملية تطوير استراتيجيات بناء السلام المتكاملة (IPBS) خلال المرحلة الثانية من يناير إلى يونيو من العام (2007) عندما عملت حكومة سيراليون بدعم من الأمم المتحدة وبالتشاور مع أصحاب المصلحة المعنيين في البلاد على مسودة أولى وقد نوقش ذلك خلال عدة مشاورات واجتماعات في نيويورك وفريتاون، فمنذ مشاركة لجنة بناء السلام مع سيراليون زار مندوبون من نيويورك البلاد بانتظام للحصول على المعلومات مباشرةً حول التقدم والتحديات في عملية توطيد السلام.

في المرحلة الثالثة من يونيو (2007) إلى اليوم أعقبت خطة العمل مراقبة التنفيذ المستمر لعملية تطوير استراتيجيات بناء السلام المتكاملة (IPBS)، ومع ذلك وبسبب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سيراليون في أُغسطس من العام (2007) وتغيير الحكومة لم يتم تبني إطار التعاون لبناء السلام في سيراليون إلا في ديسمبر من العام (2007)، فخلال المناقشات مع الحكومة الجديدة أبدت هذه الحكومة بقوة إدراج الطاقة كمجال تركيز للجنة بناء السلام، بالإضافة إلى الأولويات الأربعة السابقة الذكر لبناء السلام، أُدرج قطاع الطاقة في نهاية الأمر إلى النسخة النهائية للمهام التي تقع على عاتق لجنة بناء السلام.

لهذا من أجل توطيد الحكم الديمقراطي وتوفير الحكم الرشيد الشفاف في سيراليون قدمت لجنة بناء السلام ضمن مهامها مجموعة من التوصيات تتمثل هذه التوصيات بما يلي:

أولاً: التوصيات التي قدمتها لجنة بناء السلام لحكومة سيراليون:[25]

قدمت لجنة بناء السلام مجموعة من التوصيات لحكومة سيراليون وقد تمثلت هذه التوصيات بما يلي:

الاستمرار في تعزيز الجهود المبذولة والرامية إلى بناء السلام وتوطيد الحكم الرشيد، وذلك من خلال ما يأتي:
أ‌- مواصلة التعاون البناء مع جميع أصحاب المصلحة الوطنيين المعنيين ببناء السلام الوطني والوحدة الوطنية عبر الحوار والتفاهم وإبداء الرأي.
ب‌- العمل على تكوين آلية مستقلة معنية بالشكاوي التي يقدمها المواطنون ضد الشرطة.
ت‌- مواصلة توطيد وتعزيز الثقافة الديمقراطية المتعددة للأحزاب السياسية في سيراليون.
ث‌- القيام كذلك بعملية دعم للجنة الوطنية للانتخابات واللجنة الخاصة بتسجيل الأحزاب السياسية، من أجل ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة.
ج‌- القيام بتمكين النساء والشباب وتشجيع مشاركتهم تماشياً مع التوصيات المقدمة من قبل لجنة تقصي الحقائق والمصالحة.
ح‌- القيام كذلك بمواصلة العمل الجاد من أجل مكافحة الفساد عبر النهج الفعالة وعدم التسامح مع فاعليه.
خ‌- القيام بتعزيز دور البرلمان كخطوة مهمة في تحقيق التوازن بين السلطات في الدولة.

كفالة أن ينعم المواطنون في سيراليون بثمار السلام، وذلك من خلال ما يأتي:
أ‌- الاستثمار في المبادرات الوطنية فيما يتعلق بعمالة وتشغيل الشباب.
ب‌- ضمان الشفافية والنزاهة في إدارة موارد الدولة الطبيعية والمعدنية في سيراليون لما فيه الفائدة والنفع لجميع المواطنين.
ت‌- تعزيز كافة الجهود التي تستهدف توسيع نطاق العدالة من أجل جميع المواطنين.

تعزيز وتوطيد القدرات من أجل الاستجابة للتهديدات الأمنية عبر ما يأتي:
أ‌- ضمان الاستقلالية والاستدامة المالية لوحدة مكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية.
ب‌- ضمان الاستثمار في الأجهزة الأمنية التابعة لشرطة سيراليون، من أجل تمكينها في فرض إحترام القانون والنظام العام في البلاد كلها، بما يتوافق مع المعايير الدولية.

ثانياً: التوصيات التي قدمتها لجنة بناء السلام لأصحاب المصلحة الوطنيين[26]:

لقد قدمت لجنة بناء السلام مجموعة متنوعة من التوصيات لأصحاب المصلحة الوطنيين وتتمثل أبرز هذه التوصيات فيما يأتي:
حث جميع الأحزاب السياسية وقياداتها المختلفة على الاعتراف بمسؤوليتها المشتركة في تعزيز السلام في سيراليون.
حث قيام وسائط الإعلام في سيراليون بدورها الديمقراطي بطريقة مسؤولة ومهنية ومحايدة.
حث مشاركة منظمات المجتمع المدني في جميع جوانب تعزيز السلام في سيراليون.

ثالثاً: التوصيات التي قدمتها لجنة بناء السلام للشركاء الدوليين:

تتمثل التوصيات التي قامت لجنة بناء السلام بتقديمها للشركاء الدوليين في سيراليون بما يأتي:
الاستمرار في تقديم المساعدات الدولية لصالح برامج التغيير في سيراليون وتقديم المساعدة لرؤية الأمم المتحدة المشتركة لسيراليون (2009)- (2012) ورؤية الأمم المتحدة المشتركة الانتقالية (2013)- (2014).
القيام بنشر المراقبين للانتخابات حسب الحاجة وطبقاً للقواعد والإجراءات المتبعة.
دعم مواصلة إضفاء الطابع الرسمي والمؤسسي واللامركزي على اللجنة الخاصة بمكافحة الفساد.
مواصلة دعم مكافحة الإتجار بالمخدرات وبشكل خاص من خلال الجماعة الاقتصادية.
القيام بتوسيع نطاق البرامج التي تدعم الشباب وتمكينهم.
مساعدة حكومة سيراليون على تنفيذ ما تبقى من التوصيات المقدمة من قبل لجنة تقصي الحقائق والمصالحة.

من خلال ما تقدم يمكننا القول بأن مهام لجنة بناء السلام المتعلقة بتوطيد الديمقراطية والحكم الرشيد هي عبارة عن مجموعة من التوصيات المقدمة إلى حكومة سيراليون وأصحاب المصالح والشركاء الدوليين، بمعنى أنه من المحتمل القيام بها أو عدم القيام بها كونها خالية من القوة الإلزامية، وبالنظر إلى واقع سيراليون الحالي يمكن أن نستنتج أن معظم هذه التوصيات لم تنفذ على أرض الواقع، على الرغم من التقدم الحاصل في عملية بناء السلام والذي يمكن أن نعتبره تقدماً بطيئاً إلى حدٍ ما.

المبحث الثاني (الصراع في بوروندي وآليات المصالحة الوطنية)

تشكل بوروندي نقطة التقاء ما بين أفريقيا الوسطى وأفريقيا الشرقية. وهي تقع في منطقة البحيرات الكبرى. وبوروندي بلد غير ساحلي إذ أنه يبعد عن المحيط الهندي بقرابة1100 كيلومتر وعن المحيط الأطلسي بما يزيد على 2100 كيلومتر. وتحده رواندا شمالاً وجمهورية الكونغو الديمقراطية غرباً وتنزانيا جنوباً وشرقاً.

رغم المشتركات اللغوية والثقافية ، فإن بوروندي شهدت على مدى أربعة عقود صراعات عنيفة مختلفة ذات طبيعة إثنيه وسياسية منذ استقلالها عام ١٩٦٢ ، مرت بحلقات من العنف بسبب الصراع على السلطة والاحتفاظ بها ؛ وانطوى هذا العنف على استغلال المجموعات العرقية من قبل النخب السياسية في صراعاتها على السلطة .

تعود جذور الصراع في المنطقة إلى القرن الرابع عشر عندما غزت الأقليات من التوتسي المنطقة وتبنت نظام حكم استبدادي عنصري يقوم على اضطهاد الأغلبية من الهوتو، وقد تعزز ذلك مع نمط الإدارة الاستعمارية البلجيكية التي تعتمد على الحكم غير المباشر من خلال توكيل التوتسي ، في حين ظل الهوتو محرومين من كل الفرص، وطوال الحقبة الاستعمارية تعمقت الكراهية بين الجماعتين ، وقد حدث في عام ( 1972 م ) مذبحة رهيبة راح ضحيتها حوالي ( 300 ) ألف شخص في ما اصطلح عليه عام الرعب.

وضعت مملكة بوروندي ، المستعمرة الألمانية سابقاً ، تحت الانتداب البلجيكي من قبل عصبة الأمم عام ١٩١٩. لم تكن الانقسامات العرقية التي مزقت بوروندي لاحقاً موجودة في ظل الحكم الملكي، الذي كان قد طور درجة كبيرة من الاستقرار . كانت الملكية نظاماً معقداً جداً للحكم ، استوعبت قدراً كبيراً من العناصر العرقية والقبلية الذكية في آليات حكمها .

وعلى رغم أن بوروندي نالت نصيبها الوافر من القتل والتنكيل، فإنها اقترنت في الآونة الأخيرة بعملية “بناء السلام”. ولا يعني ذلك أن بوروندي قصة مكتملة النجاح، إذ مازالت البلاد ترزح تحت وطأة الفقر المدقع. لكن قدرتها على إقامة حكومة مستقرة تنعم بالسلام بعد سنوات عديدة من النزاع المسلح، قد تمنح دروساً مفيدة لإمكانية التقدم في أفريقيا، وللذين يرغبون في رؤيتها مزدهرة. وتأسيسًا على ما سبق أرتأتينا تقسيم المبحث إلى ثلاث مطالب وهم:

المطلب الأول: الاستعمار في بوروندي
المطلب الثاني: بداية الصراع في بوروندي
المطلب الثالث: المصالحة الوطنية في مقاومة الصراع

المطلب الأول (الاستعمار في بوروندي)

نتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية ، وفق الآتي :

الفرع الأول: بداية الاستعمار في بوروندي
الفرع الثاني: تجربة ما بعد الاستعمار

الفرع الأول (بداية الاستعمار في بوروندي [27])

يمكن تقسيم هذه الفترة إلى فترتين فرعيتين هما الفترة الألمانية (من 1889 إلى 1916) والفترة البلجيكية (من 1916 إلى 1962). وتميزت فترة الاحتلال الألماني أساساً بالتوقيع على معاهدة كيغاندا (1903) التي كرست فقدان سيادة البلاد. وفي عام 1916 حلت سيطرة بلجيكا محل السيطرة الألمانية وامتدت من عام 1916 إلى عام 1962، وهو العام الذي استرجعت فيه بوروندي سيادتها الوطنية.

وخضعت بوروندي من عام 1916 إلى 1923 للاحتلال العسكري البلجيكي، ومن عام 1926 إلى عام 1946 للانتداب البلجيكي. وفي عام 1946 وبموجب اتفاق عقد بين بلجيكا والأمم المتحدة وضعت بوروندي تحت وصاية بلجيكا. وتقسم فترة الانتداب والوصاية البلجيكية إلى فترتين فرعيتين، الأولى تقع بين عام 1925وعام 1960؛ والثانية تمتد من نهاية عام 1960 إلى 1 يوليو 1962.

وخلال الفترة الفرعية الأولى تولت الإدارة البلجيكية مقاليد الحكم وبدأت في إجراء سلسلة من التغييرات في الحياة السياسية والإدارية في البلاد. والواقع أن التغييرات التي أُجريت في الفترة ما بين 1925 و1933 تضمنت تقييد السلطة الملكية وإضعافها وتعزيز سلطة (الباغانوا) الذين حولوا إلى موظفين تابعين للإدارة البلجيكية، والعزل التدريجي للقادة ونوابهم من التوتسي والهوتو. وفي عام 1952، بدأت الوصاية في تنظيم الهياكل التقليدية من جديد، فقامت بإنشاء هيئات استشارية منتخبة على جميع مستويات الإدارة التقليدية ومن بينها المجلس الأعلى للبلاد.[28]

وأثناء الفترة الفرعية الثانية كانت بوروندي تستعد للانتقال من الاستعمار إلى الاستقلال. وبخلاف المؤسسات التي كانت قائمة بالفعل، اتسمت هذه الفترة بوجود أحزاب سياسية عديدة على الساحة السياسية الوطنية، وكان البعض منها، مثل “الاتحاد من أجل التقدم الوطني” يطالب بالاستقلال الفوري؛ بينما أعرب البعض الآخر، مثل الحزب الديمقراطي المسيحي، عن معارضته للتسرع في طلب الاستقلال.

وعلى الصعيد المؤسسي، اعتمد في 26 نوفمبر 1961 دستور مؤقت، وأسند هذا الدستور إلى “الموامي- الملك” سلطات هامة وكان البرلمان يشاركه في ممارسة السلطة التشريعية. وكان للملك أيضاً الحق في حل البرلمان. وكانت القرارات التي يتخذها الملك في إطار ممارسته للسلطات التي يعترف له بها الدستور لا تعتبر نافذة إلا بعد الموافقة المسبقة من ممثل الدولة القائمة بالوصاية.

وفضلاً عن ذلك، اتسمت هذه الفترة بأن الأحزاب السياسية العديدة في ذلك العهد لم يكن لديها أي برامج سياسية وكانت في الغالب ذات نزعة إثنيه أو يتلاعب بها الأجانب. وكان التنافس بين الأحزاب يتسم بالعنف والتعصب.

الفرع الثاني (تجربة ما بعد الاستعمار [29])

قبيل استقلالها، شهدت بوروندي اضطرابات سياسية كبيرة . كان هناك على الأقل ٢٦ حزباً سياسياً ، يقاتل بعضها، مثل الاتحاد من أجل التقدم الوطني ( أوبرونا ) ، من أجل الاستقلال الفوري ، في حين أن أحزاباً أخرى ، مدعومة من القوة الاستعمارية ، بلجيكا ، لم تكن مستعجلة على تحقيق هذا الهدف . أصبح حزب أوبرونا ، والذي نجح في حشد وتعبئة الهوتو والتوتسي تحت قيادة الأمير لويس رواغاسور ، الذي قاد البلاد الى الاستقلال تدريجياً تحت هيمنة التوتسي وظل في السلطة منذ الاستقلال ، الذي حصلت عليه بوروندي في 1 يوليو ١٩٦٢ ، وحتى إحداث نظام التعددية الحزبية ، الذي أفضى إليه الفوز الانتخابي للجبهة من أجل الديمقراطية ( فروديبو ) التي يهيمن عليها الهوتو عام ١٩٩٣.

 في ١٣ تشرين أكتوبر ١٩٦١ ، اغتيل الأمير لويس رواغاسور ، بطل الاستقلال . وفي ١٥ يناير ١٩٦٥ اغتيل رئيس الوزراء بيير نغيداندوموي ، وهو من الهوتو وأحد المقربين من الأمير أيضاً . بعد اغتيال هاتين الشخصيتين السياسيتين والوطنيتين الكبيرتين ، دخلت البلاد مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والكراهية العرقية . أطيح بالملكية التي باتت ضعيفة بانقلاب عسكري عام ١٩٦٦ قاده النقيب مايكل ميكومبيرو ، الذي أطاح به لاحقا العقيد جان باتيست باغازا عام ١٩٧٦. ثم أطيح بباغازا من قبل بيير بويويا عام ١٩٨٧ .

شهد عام ۱۹۷۲ اندلاع الأعمال العدائية والمجازر العرقية بين الهوتو والتوتسي على مستوى البلاد. شكلت الأحداث المأساوية ، بمدى عنفها والصدمة التي أحدثتها في عقول البورونديين ، الذين وقع كثيرون منهم ضحيتها ، وخصوصاً المثقفين من الهوتو الذين قتلوا أو أجبروا على الذهاب إلى المنفى ، وشكل ذلك العام عاملاً رئيسياً في التاريخ الحديث لبوروندي . كانت إدارة السلطات لأزمة عام ١٩٧٢ كارثية . أغرق الزخم الديمقراطي الذي كان قد أدى الى الاستقلال في الدماء بعد بضع سنوات فقط . ووسعت محاولات الإطاحة بالحكومة وغيرها من المؤامرات الحقيقية أو المتخيلة من الفجوة بين الباهوتو والباتونسي . وعلى مدى ثلاثة عقود ، وقعت البلاد تحت حكم حكام عسكريين من نفس المقاطعة ، خلفوا بعضهم بعضاً في سلسلة من الانقلابات العسكرية واعتمدوا بشكل كامل على الحزب السياسي الوحيد ، أوبرونا ، في حكم البلاد .

شكل ۲۲ أغسطس ۱۹۸۸ نقطة تحول في التاريخ الحديث البوروندي. بعد سلسلة من المجازر في الشمال، وجهت مجموعة من المثقفين الهوتو رسالة مفتوحة الى الرئيس بويويا عبروا فيها عن رغبتهم بإشراك الهوتو في الدفاع عن البلاد وفي القيادة السياسية . كان للرسالة أثر كبير داخل بوروندي وخارجها. ونتيجة لها، أطلق بويويا ما سماه سياسة الوحدة الوطنية. عين رئيس وزراء من الهوتو وأصبحت تشكيلة حكومته متوازنة من حيث التمثيل العرقي. وتمثلت الوحدة الوطنية رمزياً في العديد من الطرق المختلفة. في فبراير ( ۱۹۹۱ ) تم تبني ميثاق الوحدة وتم تأليف نشيد وطني للوحدة . وكانت حكومة الوحدة حديث الساعة، وتم إشادة (نصب الوحدة) على مرتفعات مدينة بوجومبورا ( ورفع علم الوحدة ) الى جانب العلم الوطني ، بل بات هناك قبعات الوحدة تعرض للبيع للمرة الأولى ، بدأ البورونديون بالنقاش علناً حول القضية العرقية . بفضل سياسة الانفتاح هذه ، بدأت معالجة قضايا كانت من المحرمات حتى ذلك الوقت بصراحة ( وإن كانت تلك المعالجة غير متقنة في كثير من الأحيان ) ، وبدا المناخ الاجتماعي أقل توتراً وبدأت العملية الديمقراطية بالتقدم الى الأمام . رغم الانتقادات المبررة في بعض الأحيان، لا يمكن إنكار أن هذه السياسة خففت من حدة التوترات العرقية شيئاً ما ، ولو سطحياً . لكن ، ورغم سياسة الانفتاح الجديدة ، فإن العداء ظل مستحكماً ..

المطلب الثاني (الصراع في بوروندي)

نتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية، وفق الآتي:

الفرع الأول: بداية الصراع في بوروندي
الفرع الثاني: أسباب بوروندي

الفرع الأول (بداية الصراع في بوروندي [30])

أجبرت رياح التحولات الديمقراطية التي كانت تعصف بسائر أنحاء أفريقيا في مطلع تسعينيات القرن العشرين وبعد القمة الفرانكو – أفريقية السادسة عشرة بيير بويويا على إطلاق عملية التحول الديمقراطي في بوروندي . تبنت البلاد دستوراً جديداً يقوم على التعددية الحزبية وحرية الصحافة . في حزيران / يونيو ۱۹۹۳ ، ذهب البورونديون الى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية. تنافست ثلاث مجموعات في الانتخابات ، أوبرونا وفروديبو وحزب المصالحة الشعبية ، وهو حزب جديد نسبياً للأقلية لا تهيمن عليه أي مجموعة عرقية محددة ، لكنه يتكون بشكل أساسي من الغانوا والتوتسي . فاز كيان الفروديبو بالانتخابات، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد تسلم أحد أفراد الهوتو، وهو ميلشيور ندادايه منصبه رئيساً للجمهورية . رحب العالم بأسره بهذا التبادل للسلطة وبالتجربة الديمقراطية الجديدة في البلاد. في هذه الحالة استمرت الديمقراطية بين قوسين ثلاثة أشهر فقط . اغتيل اندادايه، مع مجموعة من المقربين منه من قبل جنود توتسي في أكتوبر ۱۹۹۳، ما أدى الى حدوث مجازر عرقية على نطاق واسع . قُتِل المدنيون ، وخصوصاً التوتسي ، على أساس هويتهم العرقية، ما أدى الى مقتل 300,000 شخص، في حين تم تهجير 800,000 شخص أو أجبروا على البحث عن ملاذ آمن حوالي خارج البلاد .

شهدت بوروندي دماراً هائلاً لبنيتها التحتية الاجتماعية والاقتصادية وأزمة في القيم الأخلاقية ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، نشأ تنظيم الصراع المسلح من قبل حركتين مسلحتين للهوتو هما حزب الجبهة الوطنية لتحرير شعب الهوتو ، وقوات الدفاع الديمقراطية ، الجناح العسكري للمجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية.

في عام ۱۹۹۸ بدأت بوروندي الانخراط في المفاوضات في محاولة لوقف الحرب . بدأ الرائد بيير بويويا ، الذي كان قد استولى على السلطة مرة أخرى في يوليو ١٩٩٦، فيما سماه (انقلاب ليس كغيره من الانقلابات ) و ( مبادرة لإنقاذ البلاد ) ، بمحادثات مع جيش متمردي الهوتو، الذي كان يحقق سيطرة متزايدة على الأرض . لكن انقلابه لم يكن موضع ترحيب من قبل المجتمع الدولي. فُرِض حصار كامل على البلاد فاقمت آثاره من سوء الأوضاع التي كانت حرجة أصلاً بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي، وانعدام الأمن المتزايد وتدهور الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية .

لغايات تتعلق بالمفاوضات ، كانت الاجتماعات الأولى سرية وعقدت في روما تحت رعاية المجموعة الدينية في سان إيغيديو . أصبحت المفاوضات رسمية في تنزانيا بمشاركة الرئيس التنزاني السابق جوليوس نايريري ، وأخيراً بمشاركة نيلسون مانديلا وقعت اتفاقية أروشا للسلام والمصالحة في ۲۸ أغسطس 2000.

الفرع الثاني (أسباب الصراع في بوروندي [31])

تضافرت العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الداخلي في نشأة الصراع وتأجيجيه في بوروندي والتي كان لها في نهاية الامر انعكاسها السلبي على الدولة ككل.

هذه العوامل لم تكن وليدة اللحظة وانما تمتد إلى الفترة الاستعمارية، التي شجعت المشاعر العرقية بين الأفارقة، وجرى التأكيد على الاختلافات بين الجماعات العرقية، ولم يكشف أي شيء عن أوجه التشابه بغية صرف الانتباه عن الاستغلال الاستعماري. هكذا اصبحت الأوضاع مهيأة لنشوب الصراعات بين الجماعات والعرقيات المختلفة بل حتى داخل الجماعة الواحدة ايضا. بل يمكن اعتبارها العامل الرئيس للصراع الداخلي في بوروندي. في هذا الجزء من الدراسة سيتم تناول هذه الاسباب كل على حدة.

1 . الاسباب السياسية

في بوروندي كان هناك ميل الى التعبئة التي تقودها النخبة، حيث لجأ القادة السياسيون لتصوير غيرهم من المجموعات العرقية الأخرى على أنهم أعداء، ذلك الذي سبب مشاعر عدائية تجاه المجموعات العرقية وبعضها نتيجة التحريض على العنف واثارة المخاوف العرقية.

فعندما تستخدم النخب السياسية الحاكمة ( التوتسي ) أجهزة الدولة لحرمان أغلبية الهوتو او المتمردين من وجهة نظرها من امتيازات الدولة والسعي للسيطرة عليها فنتيجة مثل هذه العملية هي دوامة العداء والحرب العرقية. وبالتالي فإن الصراع في بوروندي يدور أيضا في المقام الأول حول صراعات النخبة من اجل السيطرة على السلطة والدولة.

فيما يتعلق بالتعيينات في المناصب الحكومية العليا، قبل 1987 كان معظم الوزراء والسفراء والمحافظين من التوتسي. تم تشديد هذه الأنواع من سياسات الفصل العنصري في بوروندي ما بعد الاستعمار أي خلال ستينيات القران العشرين، حيث سيطرت بعض عشائر التوتسي على القيادة في الدولة مما أدى الى إزاحة كل من الغانوا وعدد قليل من الهوتو الذين كانوا يتولون السلطة. كما تم اقصاء الهوتو بشكل عام من الجيش.

2- الاسباب العرقية:

‎في بوروندي ما قبل الاستعمار كانت الانقسامات العرقية موجودة ولكنها لم تكن متعارضة بطبيعتها. ثم ارتبطت الهوية العرقية بالتنافس على السيطرة على الدولة . كان العرق ولا يزال العامل الأكثر أهمية في تحديد فرص حياة الفرد في التعليم والمهنة ، وفي كثير من الأحيان في الحياة أو الموت نفسه وكانت النتيجة هي الخوف العميق والوجودي وانعدام الثقة في المجموعة الأخرى ، والذي وصل إلى مستوى الخوف المستمر من الإبادة الجماعية على جانبي التوتسي والهوتو ويمكن اعتبار أي عمل تقوم به إحدى المجموعات ضد أفراد من المجموعة الأخرى بمثابة هجوم ضد المجموعة بأكملها ، مما يؤدي إلى القتل ” الوقائي ” للمعتدين المتصورين . فالسبب في أن العنف الناتج عن الاستغلال لا يظهر في شكل حرب طبقية بين النخبة والمضطهدين هو العنصر العرقي.

إن الصراعات الفعلية على الموارد النادرة ، والتي من شأنها أن تضع فقراء التوتسي في الريف مع جيرانهم الفقراء من الهوتو في الريف ضد النخبة في المناطق الحضرية . يحل محلها صراع مميت بين المجموعات العرقية . ويستخدم من هم في السلطة هذا التصور في أوقات عدم الاستقرار من أجل حشد الدعم وتبرير وضعهم المتميز بالإضافة إلى هذا الاستخدام الذرائعي للعرق ، تطور الخوف والكراهية القائمان على أساس عرقي إلى مصدر مستقل قوي الصراع خلال دورات العنف .

3-‏ الأسباب الجغرافية:

لعبت الجغرافيا دورا مهما في الصراع في بوروندي وكانت التصورات البشرية للحقائق والإمكانيات الجغرافية لا تقل أهمية عن الحقائق الموضوعية. في بوروندي ، يُعتقد أيضًا أن الصراع اندلع لأن الهوتو شعروا بالتهميش من قبل التوتسي الذين اضطروا إلى المقاومة لحماية سيطرتهم على بعض المناطق الأساسية في الولاية .

لقد قام تيد روبرت جور بتحليل هذه النقطة في كتابه “الأقليات المعرضة للخطر” . وأظهر أنه عندما تهيمن مجموعة ( التوتسي ) على المشهد السياسي بأكمله ، تشكل مجموعة أخرى ( الهوتو ) بطريقة معينة قوة كرد فعل على المجموعة المهيمنة . ولذلك فإن العامل الجغرافي يرتبط بالصراعات في بوروندي. وكما ذكرنا سابقا، فإن عددًا من قادة بوروندي ( بما في ذلك ميشيل ميكومبيرو و جان باتیست باجازا ، وبيير بويويا ) كانوا جميعًا من الجزء الجنوبي من بوروندي ( مقاطعة بوروري ) . ومع ذلك ، فإن الفائز في انتخابات عام 1993 ندادايه كان من الجزء الأوسط ( مقاطعة مورامفيا ) . ويمكن اعتبار اغتياله أيضًا محاولة لإعادة السلطة والقيادة إلى بوروري في الجزء الجنوبي من بوروندي .

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن معظم نخب السلطة كانوا ينحدرون من بوروري ولم يستسلم هؤلاء مطلقاً لفشل مرشحهم البوروري في الانتخابات ، بسبب ثقتهم العالية. و أدى اغتيال ندادايه إلى حدوث اضطرابات في البلاد، حيث قُتل العديد من المدنيين ونزح مئات الآلاف أو أُجبروا على الخروج إلى المنفى في أعقاب الانقلاب، مما جعل تنظيم الأحزاب أمرًا صعبًا. منذ الاستقلال وحتى حدث عام 1993 كان القدوم من الجزء الجنوبي من بوروندي يعني ميزة إضافية بما في ذلك الحصول على وظائف جيدة ومناصب عالية إن ولادتك في الجزء الجنوبي من بوروندي تعني المكانة والفخر. كان الموقع الجغرافي للمرشح عنصرا هاما في الانتخابات في بوروندي. معظم المناصب الحكومية العليا كان يشغلها الجنوبيون تم منح الترقيات والمنح الدراسية والامتيازات والمزايا بنسبة كبيرة لهؤلاء الجنوبيين في بوروندي. وكان الجنوب منطقة أساسية، مما أدى بالطبع إلى صراعات.

المطلب الثالث (آليات المصالحة الوطنية في مقاومة الصراع)

ونتناول في هذا المطلب عدة محاور أساسية ، وفق الآتي :

الفرع الأول: اتفاق أروشا للسلام
الفرع الثاني: لجنة الحقيقة والمصالحة
الفرع الثالث: لجنة بناء السلام في بوروندي لمرحلة ما بعد الصراع

الفرع الأول (اتفاق أروشا للسلام [32])

اتفاقية أروشا للسلام والمصالحة في بوروندي، الموقعة في 28 أغسطس 2000 في أروشا، تنزانيا، تمثل جهداً دولياً لإنهاء الحرب الأهلية البوروندية التي اندلعت بعد اغتيال الرئيس ميلكيور ندادايه في 1993. هذه الحرب خلفت مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين والنازحين، وأحدثت انقسامات عميقة بين الهوتو والتوتسي في البلاد.[33]

عملية السلام

بدأت الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع تحت رعاية الرئيس التنزاني السابق جوليوس نايريري، الذي عمل كوسيط رئيسي. بعد وفاته في 1999، تولى الرئيس الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا دور الوساطة، حيث تمكن بفضل مكانته الدولية ونفوذه من جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.

بنود الاتفاقية

تضمنت اتفاقية أروشا خمسة بروتوكولات رئيسية تهدف إلى معالجة الجوانب المختلفة للنزاع:

1. الإصلاح السياسي والدستوري: تضمنت الاتفاقية ترتيبات لتقاسم السلطة بين الهوتو والتوتسي، بما في ذلك إنشاء حكومة انتقالية وتعديل الدستور لضمان تمثيل عادل للطائفتين.
2. الأمن: اشتملت على إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لضمان دمج الهوتو والتوتسي في هذه المؤسسات، بما يعزز من الثقة ويقلل من احتمالات العنف المستقبلي.
3. إعادة الإدماج الاقتصادية والاجتماعية: تضمنت برامج لإعادة إدماج اللاجئين والنازحين داخلياً، بالإضافة إلى توفير الدعم للمقاتلين السابقين للعودة إلى الحياة المدنية.
4. العدالة والمصالحة: إنشاء محكمة خاصة للتحقيق في جرائم الحرب والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى لجنة للحقيقة والمصالحة تعمل على كشف الحقائق وتحقيق العدالة التصالحية.
5. التنمية الاقتصادية والاجتماعية: وضعت خطط لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يشمل إصلاح النظام التعليمي والصحي، وتحسين البنية التحتية، وتشجيع الاستثمارات لخلق فرص عمل جديدة.

– التنفيذ والتحديات

واجهت عملية تنفيذ اتفاقية أروشا تحديات كبيرة، منها استمرار بعض الفصائل المسلحة في القتال، والصعوبات في دمج القوات المسلحة، والتوترات السياسية بين الأطراف المختلفة. رغم هذه التحديات، ساهمت الضغوط الدولية والمحلية في دفع الأطراف نحو تنفيذ بنود الاتفاقية تدريجياً.

في 2005، تم انتخاب بيير نكورو انزيزا كرئيس للبلاد في انتخابات ديمقراطية، مما مثل خطوة كبيرة نحو تحقيق الاستقرار السياسي. ومع ذلك، لا تزال بوروندي تواجه تحديات على صعيد حقوق الإنسان، والفساد، والتوترات السياسية التي تهدد السلام الهش في البلاد.

ساهمت اتفاقية أروشا في تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة البوروندية. كانت الاتفاقية نموذجاً للجهود الدولية في الوساطة وحل النزاعات العرقية والسياسية المعقدة، وأظهرت أهمية الحوار والتفاوض الشامل للوصول إلى حلول دائمة للنزاعات.

ومع ذلك، فإن تحقيق سلام مستدام في بوروندي يتطلب جهوداً مستمرة لتعزيز الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. اتفاقية أروشا تظل علامة فارقة في تاريخ بوروندي، ولكن العمل على تحقيق أهدافها يجب أن يستمر لضمان مستقبل أفضل لجميع المواطنين.

الفرع الثاني (لجنة الحقيقة والمصالحة[34])

لم تحظ عمليات السلام والمصالحة الجارية في بوروندي باهتمام كبير من الباحثين. وعلى غرار لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، أنشأت حكومة بوروندي لجنة الحقيقة والمصالحة الوطنية في عام 2014 بموجب مرسوم رئاسي. ومنذ عام 2021، أجرت لجنة الحقيقة والمصالحة الوطنية تحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت بين عامي 1972 و1973 وأحداث أخرى تتعلق بالاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القضاء والاغتيالات والمحاكمات غير القانونية من الستينيات حتى عام 1971.

 بالإضافة إلى التحقيقات التي أجريت في الستينيات وأوائل السبعينيات، تتمتع لجنة الحقيقة والمصالحة الوطنية بالولاية العامة للتحقيق في جميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبت بين 26 فبراير 1985 و4 ديسمبر 2008. كما كُلِّفت اللجنة بتحديد المسؤولية الفردية والجماعية للمواطنين العاديين والجهات الفاعلة في الدولة في أحداث الفظائع الجماعية. قوبل إنشاء لجنة التحقيق الوطنية بتحفظات ووجهات نظر متباينة من جانب البعض في وسائل الإعلام والأوساط السياسية في بوروندي الذين خشوا أن تخدم اللجنة مصالح النخبة السياسية الحاكمة ولا تؤدي بالضرورة إلى الحقيقة التي توحد وتصالح. وبسبب الأزمة السياسية في عام 2015، توقف برنامج لجنة التحقيق الوطنية مؤقتًا واستؤنف بزخم مستدام في عام 2018.

ومنذ ذلك الحين، أجرت لجنة التحقيق الوطنية العديد من الرحلات الميدانية في جميع أنحاء البلاد لكشف الحقيقة ومساعدة الأفراد والمجتمعات على حد سواء في التعافي من الجروح العميقة في الماضي. وقد كُلِّفت لجنة التحقيق الوطنية بإلقاء الضوء على أحداث العنف السياسي قبل الاستعمار وبعده وكيف ساهمت الأحداث المتعاقبة في الديناميكيات الاجتماعية والسياسية المعاصرة في بوروندي.

واليوم، فإن المحددات الرئيسية للسلام في بوروندي في مرحلة ما بعد الصراع والتي شكلت أيضاً أساس المفاوضات الشاقة في أروشا هي نظام الحصص العرقية، وتقاسم السلطة، وإصلاح القطاع الأمني، والعدالة الانتقالية. في عام 2000، رسم اتفاق أروشا للسلام والمصالحة 4 مسارات جديدة للمصالحة والتعايش السياسي بين المجموعات العرقية الثلاث، وهي الهوتو (يمثلون حوالي 85% من السكان)، والتوتسي (أقلية تبلغ حوالي 14%)، وشعب توا. (حوالي 1%). سمحت أحكام اتفاق السلام بمشاركة التوتسي والهوتو في السياسة بنسبة 40/60 على التوالي، في حين تم تقسيم التمثيل في فروع الجيش والاستخبارات والأمن إلى النصف. وبعد مرور اكثر من عشرين عاماً منذ توقيع اتفاقيات أروشا للسلام، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نظام إدارة الحصص سوف يستمر أو سيتم إزالته تماماً لإفساح المجال لقاعدة الجدارة.

مساهمات لجنة الحقيقة والمصالحة الوطنية: [35]

بالنسبة للناجين من الأحداث المؤلمة مثل مذبحة عام 1972 في بوروندي، فإن استخراج الذكريات والتنقيب في أكثر من 40 عامًا من الصمت القسري ونسيان الذاكرة المفروض من قبل الدولة ليس عملية سهلة. إن تذكر الأحداث يصبح أكثر صعوبة لأنه في حين يشجع الخطاب الحالي على الانفتاح وسرد أهوال عام 1972، فإنه يتعارض مع الصمت المقرر في أعقاب الأحداث المؤلمة مباشرة. لقد مُنع الناجون وأسرهم من الحداد على أحبائهم الذين قُتلوا وعدم السؤال عن العدالة أو ذكر أي شيء عن عام 1972، خشية أن يعانوا نفس المصير الذي واجهه أفراد الأسرة المختفين. إن مشاركة المواطنين والخطاب العام داخل بوروندي والمجتمعات البوروندية في الشتات هما نهجان رئيسيان يستخدمان للكشف عن الحقيقة حول ما حدث في بوروندي في عام 1972 والسنوات السابقة – كسر دائرة الصمت حول الضحايا والناجين .

ورغم أن الصراعات الصغيرة ربما كانت قائمة داخل المجتمعات ومع الممالك المجاورة، فإن دوافع الصراعات في بوروندي القديمة لم تكن تتعلق بالهوية بل كانت تدور في الغالب حول الأراضي والموارد. وكانت مجتمعات الهوتو والتوتسي والتوا تعيش في سلام ووئام تحت حكم الملك أو الموامي وحكامه، الذين كانوا أيضًا أمراء. وكان الملك يمثل رمزًا لا جدال فيه للقوة والسلطة التي توحد جميع البورونديين في تنوعهم، وقد ألغيت هذه السلطة التقليدية مع إدخال الجمهورية. وبدأت الملكية تفقد قوتها وسيطرتها مع وصول المبشرين والمستعمرين الأوروبيين اللاحقين. وسلب الاستعمار أدوات السياسة والمؤسسات التي عززت تقليديًا السلام والتماسك الاجتماعي بين البورونديين. وعلى نطاق أوسع، عزز الاستعمار الاختلافات بين مجموعات الهوية في أفريقيا والتي استمرت في مطاردة القارة حتى الآن.

على الرغم من حصول بوروندي على الاستقلال عن بلجيكا عام 1962، إلا أن “رياح التغيير” الشهيرة التي كان من المأمول أن تميز بوروندي بعد الاستقلال شابتها صراعات على السلطة وسياسات انقسامية في ظل حكم الأقلية التوتسي الذي استمر أربعة عقود. خلال الجمهورية الأولى، ارتكبت حكومة الرئيس الراحل ميكومبيرو وكبار مسؤوليه في مجلس الحرب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية الانتقائية ضد الهوتو بين عامي 1972 و1973. 6 وقد تم تصنيف أحداث عام 1972 مؤخرًا على أنها إبادة جماعية من قبل الحكومة. ومن ثم استخدم مجلس الشيوخ البوروندي والعديد من الإعلانات العامة الصادرة عن NTRC في عام 1972 مصطلح “الإبادة الجماعية”.

أثار اكتشاف مقابر جماعية تعود إلى عمليات القتل التي ارتكبها أعضاء لجنة التحقيق الوطنية في عام 1972 غضبًا وطنيًا وحاجة إلى محادثات عامة لكشف وإلقاء الضوء على الماضي المأساوي والمؤلم. من عام 2018 إلى عام 2020، أجرت لجنة التحقيق الوطنية في عام 1972 جلسات استماع في جميع أنحاء البلاد لشهود العيان والجناة والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان في عام 1972. وتحت ستار الاستجابة للتمرد المتزايد في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، ذبح عملاء الدولة والجهات شبه العسكرية بشكل منهجي أكثر من 150 ألف شخص، وألقوا بجثثهم في مقابر جماعية. واصلت اللجنة عملها طوال عامي 2021 و2022 وما زال الخطاب العام والتحقيقات في جميع أنحاء بوروندي جارية.

لقد عانى الناجون وأسرهم من العديد من الظلم الذي يحتاج إلى معالجة. لقد فقد الناجون أراضيهم وجُردوا من ممتلكاتهم القيمة. وقد نشرت لجنة حقوق الإنسان في بوروندي مؤخرًا سجلات مخفية للمركبات المصادرة وغيرها من الممتلكات خلال عام 1972. وخلال جلسات الاستماع العامة التي نظمتها لجنة حقوق الإنسان في عام 2021، روى بعض الناجين كيف نُهبت منازلهم.

وفي أعقاب المآسي الوطنية، كما كان الحال في عام 1972، هناك شعور جماعي بالخسارة يمكن أن يوحد كل البورونديين إذا تم توجيهه بشكل جيد ويدفع البلاد إلى اتخاذ خطوات كبيرة نحو التغيير المجتمعي. وتشير النتائج المتعلقة بأحداث عام 1972 إلى وقوع ضحايا من الهوتو والتوتسي، وإن كان ذلك بنسب مختلفة. لذلك، هناك حاجة إلى تشكيل ذاكرة جماعية في مواجهة الخسارة المشتركة.

الفرع الثالث (لجنة بناء السلام في بوروندي لمرحلة ما بعد الصراع[36])

تم تكليف لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة لأول مرة في عام 2005 تحت قيادة كوفي عنان. وكان الهدف من هذه اللجنة مساعدة البلدان التي خرجت من حرب أهلية حديثة أو صراع كبير ومساعدتها على إعادة بناء السلام الذي سيدوم. عندما بدأ البرنامج لأول مرة، ركز على البلدان الأفريقية مثل بوروندي وسيراليون. كانت إحدى الحالات الأولى التي تعاملت معها لجنة بناء السلام هي المساعدة في إدارة الصراع في دولة بوروندي الواقعة في شرق إفريقيا. خرجت بوروندي للتو من حرب أهلية استمرت من عام 1993 إلى عام 2005. ومثل الإبادة الجماعية في رواندا، حيث تضمنت صراعًا عنيفًا بين التوتسي والهوتو، اندلعت الحرب الأهلية في بوروندي أيضًا بين التوتسي والهوتو.

في ختام الحرب الأهلية التي دامت 11 عامًا، طلبت حكومة بوروندي من لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة التي تم تشكيلها حديثًا أن تأتي لضمان عدم حدوث حرب أهلية مرة أخرى في بوروندي. ومع اقتراب عملية الأمم المتحدة في بوروندي من نهايتها، حل محلها مكتب بناء السلام المتكامل في بوروندي. ويرجع هذا إلى حقيقة أن هدف المهمة تغير مع اقتراب الحرب الأهلية من نهايتها. تم تحديد مهمة في وثيقة تسمى آلية الرصد والتتبع للإطار الاستراتيجي لبناء السلام في بوروندي التي ألفتها لجنة بناء السلام، مع ثلاثة أهداف رئيسية:

1. انشاء فريق تنسيق بين الشركاء في بوروندي
2. اعداد مصفوفة وتقارير التقدم
3. مراجعة اجتماعات لجنة البرنامج والميزانية نفسها

لقد أحرزت لجنة بناء السلام تقدماً ثابتاً في بوروندي على مدى العقد الماضي، بما في ذلك المساعدة في إنشاء حكومة مستقرة. واعتبرت الجهود في هذه المجالات بالغة الأهمية لتجنب العودة إلى النزاع مجدداً، فمن أجل إرساء أسس السلام المستدام كان تحليل لجنة بناء السلام مرتبط بشكل واضح ببعض أهم الأسباب الجذرية للنزاع التي تم تحديدها والتي لا تزال غير معالجة إلى حدٍ كبير في البلاد إلى يومنا هذا.

وقد عزز عمل لجنة بناء السلام وصندوق بناء السلام في بوروندي تعافي البلاد من الصراع، وبالتالي عزز قدرة البلاد على تجنب الانتكاس إلى الصراع المسلح أو الفظائع الجماعية. وعلى هذا فإن جهود بناء السلام التي تبذلها الأمم المتحدة في بوروندي من شأنها أن تعزز قدرة الدولة والمجتمع في بوروندي على حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. ويكمل هذا العمل الدبلوماسية الإقليمية السابقة التي يدعمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تنسجم مفاهيمياً مع التدابير غير القسرية بموجب الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة والتي تندرج تحت الركيزة الثالثة من المسؤولية عن الحماية.

المبحث الثالث (المقارنة بين آليات المصالحة الوطنية في سيراليون وبوروندي)

المصالحة الوطنية في سيراليون وبوروندي تقدم تجربتين في معالجة آثار النزاعات وتحقيق السلام. في سيراليون، أدت الحرب الأهلية (1991-2002) إلى تأسيس لجنة الحقيقة والمصالحة ومحكمة خاصة بدعم دولي، حيث نجح برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في جمع آلاف الأسلحة وتسريح المقاتلين. ورغم النمو الاقتصادي بفضل قطاع التعدين، استمرت تحديات الفقر والفساد. في بوروندي، جاءت اتفاقية أروشا للسلام عام 2000 بعد صراع عرقي طويل. تأسست لجنة الحقيقة والمصالحة في 2014 لتعزيز العدالة وبناء الثقة، ونجحت جهود DDR في تسريح آلاف المقاتلين. لكن التوترات السياسية المستمرة والاعتماد الكبير على الزراعة زادا من صعوبة تحقيق الاستقرار الاقتصادي. تجارب المصالحة في البلدين تبرز أهمية الدعم الدولي والإصلاحات الشاملة لتحقيق السلام المستدام.

المطلب الأول: أسباب الصراع
المطلب الثاني: آليات المصالحة الوطنية

المطلب الأول (أسباب الصراع)

شهدت سيراليون وبوروندي صراعات طويلة ومعقدة تسببت في معاناة كبيرة للسكان. ومع أن الأسباب مختلفة في بعض الجوانب، هناك بعض العناصر المشتركة التي يمكن أن تسهم في فهم الصراعات في كل من البلدين. سأستعرض الأسباب بشكل مفصل ومكثف لكل من البلدين.

الفرع الأول (أسباب الصراع في سيراليون)

الثروات الطبيعية، كانت الثروات الطبيعية، وخاصة الألماس، محركًا رئيسيًا للصراع. أدى التنافس على السيطرة على مناجم الألماس إلى تمويل الفصائل المسلحة، مما زاد من حدة الصراع. كذلك الفساد وسوء الإدارة، كانت الحكومة تعاني من فساد وسوء إدارة مزمنين، مما أدى إلى تهميش قطاعات واسعة من المجتمع وخلق بيئة خصبة للتمرد. بالإضافة إلى التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، فقد كان التفاوت الكبير في الثروة والخدمات بين المناطق الريفية والحضرية سببًا في استياء شعبي واسع. علاوة على ذلك يأتي دور القوى الخارجية، حيث تم استغلال الصراع من قبل أطراف خارجية لتحقيق مصالحها، مما أدى إلى تعقيد النزاع وإطالة أمده. ولا ننسى بطبيعة الحال تاريخ من العنف وعدم الاستقرار التي شهدته سيراليون تاريخًا من الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، مما أسس لعقود من عدم الاستقرار السياسي.

الفرع الثاني (أسباب الصراع في بوروندي)

يأتي الصراع الاثني في مقدمة الأسباب، فقد كان الصراع بين مجموعتي الهوتو والتوتسي الإثنيتين سببًا رئيسيًا للصراع في بوروندي. تاريخيًا، سيطرت أقلية التوتسي على الحكم، مما أدى إلى استياء الأغلبية الهوتو. بالإضافة إلى الإرث الاستعماري فقد ترك الاستعمار البلجيكي إرثًا من الانقسامات الإثنية والتحيزات التي ساهمت في تصعيد الصراع بعد الاستقلال. وبالتأكيد لا يمكن إنكار مسألة التحكم بالسلطة، فالتنافس على السلطة بين الفصائل السياسية والاثنية أدى إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية والصراعات المسلحة، ونضف إلى ذلك الفقـــر والتهميش، فقد كان الفقر والتهميش الاقتصادي من الدوافع الأساسية للصراع، حيث لم تُحسن السياسات الحكومية من الظروف المعيشية لغالبية السكان. بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية حيث تأثر الصراع بتدخلات من الدول المجاورة، مما زاد من تعقيده وأطاله. وختامًا الافتقار إلى بنية سياسية قوية، فقد عانت بوروندي من غياب بنية سياسية قوية ومستقرة قادرة على إدارة التعدد الاثني بشكل سلمي، مما أدى إلى انهيارات متكررة للنظام السياسي.

الفرع الثالث (مقارنة بين أسباب الصراع في البلدين)

• الثروات الطبيعية مقابل الصراع الاثني: في سيراليون، كانت السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة الألماس، محركًا رئيسيًا للصراع، بينما كان الصراع الاثني بين الهوتو والتوتسي هو المحرك الرئيسي في بوروندي.
• الفساد وسوء الإدارة مقابل الإرث الاستعماري: في سيراليون، كان الفساد وسوء الإدارة دافعًا رئيسيًا للصراع، في حين أن الإرث الاستعماري كان له تأثير أكبر في بوروندي من خلال تعميق الانقسامات الاثنية.
• التفاوت الاقتصادي والاجتماعي مقابل التهميش السياسي: في كلا البلدين، لعب التفاوت الاقتصادي والاجتماعي دورًا، لكن في بوروندي كان التركيز أكثر على التهميش السياسي والاثني.
• دور القوى الخارجية والتدخلات الإقليمية: كلا البلدين شهد تدخلات خارجية، لكن في بوروندي كان للتدخلات الإقليمية تأثير أكبر، في حين أن سيراليون شهدت استغلالًا أكبر من قبل القوى الدولية.
• التاريخ من العنف وعدم الاستقرار مقابل غياب البنية السياسية القوية: التاريخ العنيف وعدم الاستقرار السياسي كانا مشتركين في كلا البلدين، لكن بوروندي عانت بشكل خاص من غياب بنية سياسية قوية قادرة على إدارة التعدد الاثني.

الخلاصة:

تعتبر الأسباب الكامنة وراء الصراعات في سيراليون وبوروندي متعددة ومعقدة، وتشمل عوامل اقتصادية، سياسية، اجتماعية وإثنية. في حين أن سيراليون كانت تركز على السيطرة على الموارد الطبيعية كمحرك رئيسي للصراع، كان الصراع الاثني هو العامل الأساسي في بوروندي. أدى الفساد وسوء الإدارة إلى تأجيج الصراع في سيراليون، بينما كان للإرث الاستعماري والانقسامات الإثنية دور أكبر في بوروندي. على الرغم من هذه الاختلافات، هناك عناصر مشتركة مثل التفاوت الاقتصادي، التدخلات الخارجية، والتاريخ من العنف وعدم الاستقرار.

المطلب الثاني (آليات المصالحة الوطنية)

للمصالحة الوطنية في الدول التي شهدت نزاعات وصراعات طويلة، مثل سيراليون وبوروندي، أهمية قصوى في بناء السلام الدائم وإعادة بناء النسيج الاجتماعي. رغم أن كل دولة تتبنى آليات وأدوات محددة بناءً على سياقها الخاص، إلا أن هناك عناصر مشتركة وأخرى فريدة في تجارب كل منهما.

الفرع الأول (آليات المصالحة الوطنية في سيراليون)

1. اتفاقية لومي للسلام: التي ساهمت في الوصول للمصالحة الوطنية في سيراليون كما هدفت إلى نزع سلاح المقاتلين السابقين، تسريحهم من الخدمة العسكرية، وإعادة إدماجهم في المجتمع المدني. تضمنت برامج التدريب والتعليم وتوفير الفرص الاقتصادية لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وأشركت المبادرات المجتمعية والمحلية حيث شاركت منظمات المجتمع المدني في جهود المصالحة من خلال تنظيم حوارات مجتمعية، ودعم الأنشطة الثقافية والدينية لتعزيز التفاهم المتبادل والتسامح.
2. لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC): تأسست في 2002، بعد انتهاء الحرب، بهدف التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال النزاع. وقد جمعت شهادات من الضحايا والجناة والشهود، ونظمت جلسات استماع علنية لتعزيز فهم الأسباب الجذرية للنزاع وتعزيز الاعتراف بالضحايا. كما أصدرت تقريراً شاملاً يتضمن توصيات حول كيفية تجنب تكرار النزاع وتعزيز العدالة الاجتماعية.
3. المحكمة الخاصة لسيراليون (SCSL): أُنشئت بالتعاون بين حكومة سيراليون والأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. و وفرت آلية قانونية لمحاسبة الجناة الرئيسيين وتعزيز العدالة الانتقالية.

في رأيي فبالرغم أن سيراليون حققت تقدماً ملحوظاً في مسيرة المصالحة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بتعزيز التنمية الاقتصادية وضمان العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، فإن تجربتها تُعد نموذجاً في كيفية توظيف الآليات الدولية والمحلية لتحقيق المصالحة الوطنية.

الفرع الثاني (آليات المصالحة الوطنية في بوروندي)

1. اتفاقية أروشا للسلام والمصالحة: وُقعت في 2000 بين الحكومة والفصائل المسلحة، وكانت نقطة تحول رئيسية في عملية السلام. و تضمنت ترتيبات سياسية لتقاسم السلطة، وإصلاحات دستورية، وضمانات لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى إشراك آليات العدالة الانتقالية المحلية فقد تم تعزيز العدالة الانتقالية من خلال إنشاء محاكم محلية وتعزيز دور المؤسسات التقليدية في حل النزاعات وتعزيز المصالحة المجتمعية.
2. لجنة الحقيقة والمصالحة (CVR): أُنشئت في 2014 بهدف التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ الاستقلال في 1962 وحتى 2008.عملت على جمع الشهادات وتنظيم جلسات الاستماع، مع التركيز على الكشف عن الحقيقة وتقديم توصيات لإصلاح النظام القضائي وتعزيز العدالة الانتقالية.
3. برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR): مثل سيراليون، هدفت برامج DDR في بوروندي إلى نزع سلاح المقاتلين السابقين وإعادة إدماجهم في المجتمع. تضمنت برامج تدريب وتأهيل لتعزيز فرص العمل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

في رأيي فمع التقدم المحرز، تواجه بوروندي تحديات كبيرة في مجالات حقوق الإنسان والاستقرار السياسي، إذ لا تزال التوترات العرقية والسياسية تشكل تهديداً للاستقرار. ومع ذلك، فإن تجربة بوروندي تُظهر أهمية الحلول الشاملة والمشاركة المجتمعية في تحقيق المصالحة الوطنية.

الفرع الثالث (المقارنة بين آليات المصالحة الوطنية في سيراليون وبوروندي)

التشابهات:
كلا الدولتين اعتمدتا على لجان الحقيقة والمصالحة كآلية أساسية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية والعدالة. برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج كانت جزءاً رئيسياً من استراتيجيات المصالحة في كلتا الدولتين. تم استخدام المحاكم الوطنية والدولية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.

الاختلافات:
في سيراليون، كانت المحكمة الخاصة هي الآلية الدولية الرئيسية لتحقيق العدالة، بينما اعتمدت بوروندي بشكل أكبر على اتفاقيات السلام المحلية وآليات العدالة التقليدية. أما السياق الاجتماعي والسياسي في كل دولة أثر بشكل كبير على تصميم وتنفيذ آليات المصالحة. ففي سيراليون، كانت الحرب الأهلية مرتبطة بشكل كبير بممارسات نهب الموارد، بينما كانت النزاعات في بوروندي مرتبطة بالتوترات العرقية العميقة.

تجارب سيراليون وبوروندي في المصالحة الوطنية تُظهر أن النجاح يعتمد على تصميم آليات شاملة ومتكاملة تتناسب مع السياق الفريد لكل دولة، مع التركيز على العدالة والمساءلة وإعادة بناء الثقة المجتمعية.

الخاتمة:

وفي ختام بحثنا توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات ، والتي تتمثل في الآتي :

أولاً : أهم النتائج

كل صراع فريد من نوعه ويتطلب حل النزاع النظر في طبيعته. ولذلك، لا توجد بشكل عام صيغة واحدة أو “طريق مختصر” لتعزيز الوئام الوطني، بل إن الأشخاص من مختلف الثقافات والخلفيات لديهم تجارب مشتركة. إذا كانوا قد تورطوا في أعمال عنف (خطيرة) في حالة صراع، فقد جربوها أو شهدوها، بغض النظر عن نوع الحرب أو العرق أو الدين هناك قواسم مشتركة في البحث عن المصالحة، وفي التجربتين السيراليونية والبوروندية يبدو أن المصالحة الوطنية تساعد الدول التي شهدت صراعات عنيفة كبيرة.
إن نجاح المبادرات المعتمدة يتطلب وجود آلية تكامل وتنسيق لتنسيق ومراقبة وتكامل كافة الجهود على المستويين الوطني والمحلي لتعزيز المصالحة. ولذلك، يجب على الجهات الفاعلة المشاركة في المصالحة الوطنية أن تكون على علم بالمصالحة الوطنية. فهي تظل عملية طويلة ومعقدة وديناميكية، ويعتمد نجاحها على اعتماد نهج شامل.
وتقع على عاتق الدولة مسؤولية تمهيد الطريق وتعزيز المصالحة الوطنية. ويتطلب تشكيل حكومة شاملة وديمقراطية بناء القدرات أو ربط الأقوال بالأفعال. وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية من الحكومة (الجديدة). – حكومة ما بعد العنف  باعتبارها الفائز الذي لا ينبغي عليه أن يحتفظ بكل شيء.
لا تعتمد الآلية التقليدية لحل النزاعات في أفريقيا فقط على العدالة الجزائية المتوخاة في نظرية العدالة الانتقالية الكلاسيكية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار تاريخ أفريقيا والمنظمات التقليدية القائمة على الشعب الأفريقي، فعندما تحدث الصراعات، فإنها عادة ما تميل إلى اعتماد تدابير التسامح والتأكيد مثل العودة إلى المجتمع. عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات، قد يتم دعم هذه الأساليب التقليدية وتأييدها من قبل البلدان التي تستخدم عمليات العدالة الانتقالية وتؤكد على تدابير المصالحة الوطنية مثل إنشاء لجان الحقيقة، والاعترافات مقابل العفو، واحتفالات التطهير، وما إلى ذلك. أرض الجرائم الماضية، الخ.

ثانياً : التوصيات

ستكون هناك دائما حاجة إلى توثيق العنف الجماعي والاعتداءات على حقوق الإنسان بالرجوع الى شهادات حية. ويمكن أن تكون لجان الحقيقة وسيلة مهمة لتحديد مسؤوليات الدولة في ظل ظروف معينة – وتحديدا بعد فترات خفية من العنف من قبل السلطة – ويمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى احياء القدرة في هؤلاء الذين كممت أفواههم ولكن من الضروري التأكد بأن يحظى عمل لجنة للحقيقة أو لجنة التقصي الحقائق والمصالحة في زمان ومكان معينين بتأييد شعبي قبل المباشرة به، ليس فقط في صفوف القادة السياسيين المحليين والمنظمات غير الحكومية ، ولكن أيضا وبصفة أساسية في صفوف عامة الناجين يمكن أن تشكل تقارير لجنة الحقيقة إطارا معنويا وتاريخيا مهما لجلسات النقاش حول فترات العنف وقمع الدولة – كما في حال تقرير لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في سيراليون وبوروندي – ويمكن أن يعزز إنشاء مؤسسات وطنية مستقرة توفر الشرعية في مرحلة ما بعد النزاع . ولكن يجب أن نبحث عن وسائل أخرى لإخراج مثل هذه التقارير حين يتعلق الأمر بنظرة الضحايا إلى لجنة لتقصي الحقائق واعتبارهم أنها اما تأتي بنتائج عكسية أو قاصرة عن تحقيق النتائج المرجوة . وفي جميع الأحوال ، استند تقرير اللجنة في سيراليون بمعظمه على الأقوال المكتوبة الخاصة .
يمكننا الاستفادة من مختلف الوسائل والآليات التي اتخذتها بها الحكومات في سيراليون وبوروندي في مجال المصالحة الوطنية، وهذه التجربة تمثل مرجعية رائدة بالنسبة لدول النزاعات والصراعات لدول مثل(اليمن، سوريا وغيرها). مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الاختلاف الاجتماعي والسياسي.
الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي ليس بالمهمة السهلة، خاصة في دول العالم الثالث. ولذلك فإن النجاح في هذه البلدان يتطلب قيادة واعية ورؤية استراتيجية مثالية، وتخطيطاً دقيقاً للانتقال من الحروب الأهلية والفقر المدقع إلى النمو وإعادة الإعمار والتنمية الشاملة والمستدامة.
الاتفاق المثمر هو اتفاق شامل، لأن الأساليب الانتقائية (على سبيل المثال، النظر بتعمد في بعض المظالم لإيذاء الآخرين) فهي أساليب محكوم عليها بالفشل. ويجب أن تؤخذ في الاعتبار جميع القضايا والعوامل المتعلقة بالصراع والعنف ويجب الاستماع إلى جميع الأطراف. (الضحايا/الناجين، الجناة، الشهود والمارة). حيث يجب تنفيذ الجهود الوطنية بمصداقية وشفافية.

المراجع:

المراجع العربية:
قاسي فوزية، تكامل آليات العدالة الانتقالية والعدالة الجزائية، الحقيقة والمصالحة في سيراليون نموذجا، مجلة حوليات كلية الحقوق والعلوم الإنسانية، جامعة وهران، مجلد رقم 6 ، العدد رقم 1 ، السنة 2010
د/مهداوي عبد القادر، و د/ يوسفات علي هاشم، مساهمة المحاكم الجنائية المدولة في تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني ( المحكمة الجنائية لسيراليون نموذجا ) المجلة الافريقية للدراسات القانونية والسياسية ، جامعة احمد دراية ، المجلد 2 العدد 2 السنة 2018
مد/ صديق صديق حامد و مد/ أمجد علي حسين و مد/ عدنان يوسف حسين ، لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة ومهامها في الدول الخارجة من النزاعات العنيفة “حالة سيراليون إنموذجاً”

الرسائل العلمية:

د/ أبو السعود سمير محمد حسين، دور المحكمة الخاصة لسيراليون في تحقيق العدالة الانتقالية، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الدراسات الافريقية، سياسة من قسم سياسة واقتصاد، جامعة القاهرة ، 2013

الوثائق:

اتفاق أروشا للسلام
اتفاق لومي للسلام
تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في سيراليون

التشريعات:

دستور بوروندي 2005

المراجع الأجنبية:

ARUSHA PEACE AND RECONCILIATION AGREEMENT FOR BURUNDI
Burundi: Ethnic Conflict and Genocide, René Lemarchand,1996
Burundi: The Biography of a Small African Country, Nigel Watt,2008
Conflict in Burundi: Religion, Ethnicity, and Resources, Heather Deegan
EXHUMED CONFLICT IN EAST AFRICA: CAUSES AND IMPLICATIONS OF ETHNIC CONFLICT IN BURUNDI, Abdallah Mpawenimana Saidi , Adam Andani Mohammed and Bassoumah Bougangue, 2017
Freedom‘s Debtors: British Antislavery in Sierra Leone in the age of revolution,Padraci X. Scanlan,2017
Sierra Leone: The land, its people and history,Bankole kamara taylor, 2014
Sierra Leone: A political history, David Harris, 2013
Sierra leone: diamonds and the struggle for democracy, john l. Hirsch, 2001
Michael Lawrence, United Nations Peacebuilding In Sierra Leone, Toward Vertical Integration, Research Published By The Center For International Governance Innovation(CIGI), Waterloo, Ontario, Canada, 2014
The struggle for power in post-independence Sierra Leone ,Jimmy D. Kandeh, 1992
The Burundi Killings of 1972 and 1993: Historiography and Memory, Lemarchand, R. and Jesús M. Yepes.
Political leadership, power and the state: generalizations from the case of sierra leone, fred m Hayward, 1984
Politicization of ethnic identities in sierra leone , Jimmy D. Kandeh 1992‏

مواقع علمية عربية وأجنبية :

https://peacemaker.un.org/sierraleone-lome-agreement99
https://www.sierraleonetrc.org/index.php/background-to-the-recommendations-matrix
https://www.accord.org.za/conflict-trends/pursuing-peace-and-reconciliation-in-a-post-atrocity-society-a-case-study-of-transitional-justice-in-burundi/
https://atjhub.csvr.org.za/burundi-truth-and-reconciliation-commission-2014-present/
https://www.nonviolenceny.org/post/history-of-the-un-peacebuilding-commission

[1] Sierra Leone: The land, its people and history,Bankole kamara taylor, 2014
[2] Sierra Leone: A political history, David Harris, 2013
[3] Freedom‘s Debtors: British Antislavery in Sierra Leone in the age of revolution,Padraci X. Scanlan,2017
[4] David Harris, (مرجع سابق)
[5] Padraci X. Scanlan,(مرجع سابق)
[6] The struggle for power in post-independence Sierra Leone ,Jimmy D. Kandeh, 1992
[7] David Harris, (مرجع سابق)
[8]David Harris, (مرجع سابق)
[9] Jimmy D. Kandeh مرجع سابق))
[10] Jimmy D. Kandeh مرجع سابق))
[11] Jimmy D. Kandeh مرجع سابق))
[12] David Harris, (مرجع سابق)
[13] Political leadership, power and the state: generalizations from the case of sierra leone, fred m Hayward, 1984
[14] fred m Hayward (مرجع سابق)
[15] Sierra leone: diamonds and the struggle for democracy, john l. Hirsch, 2001
[16] Politicization of ethnic identities in sierra leone , Jimmy D. Kandeh 1992

15 Michael Lawrence, United Nations Peacebuilding In Sierra Leone, Toward Vertical Integration, Research Published By The Center For International Governance Innovation(CIGI), Waterloo, Ontario, Canada, 2014,  P. 4.
[18] https://peacemaker.un.org/sierraleone-lome-agreement99
[19] https://www.sierraleonetrc.org/index.php/background-to-the-recommendations-matrix
[20] د/سمير محمد حسين أبو السعود، دور المحكمة الخاصة لسيراليون في تحقيق العدالة الانتقالية، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الدراسات الافريقية، سياسة من قسم سياسة واقتصاد، جامعة القاهرة ، 2013
[21] قاسي فوزية، تكامل آليات العدالة الانتقالية والعدالة الجزائية، الحقيقة والمصالحة في سيراليون نموذجا، مجلة حوليات كلية الحقوق والعلوم الإنسانية، جامعة وهران، مجلد رقم 6 ، العدد رقم 1 ، السنة 2010
[22] د/مهداوي عبد القادر، و د/ يوسفات علي هاشم، مساهمة المحاكم الجنائية المدولة في تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني ( المحكمة الجنائية لسيراليون نموذجا ) المجلة الافريقية للدراسات القانونية والسياسية ، جامعة احمد دراية ، المجلد 2 العدد 2 السنة 2018
[23] مد/ صديق صديق حامد و مد/ أمجد علي حسين و مد/ عدنان يوسف حسين

لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة ومهامها في الدول الخارجة من النزاعات العنيفة

“حالة سيراليون إنموذجاً”
[24] المرجع السابق
[25] المرجع السابق
[26] المرجع السابق
[27] Burundi: Ethnic Conflict and Genocide, René Lemarchand,1996
[28] “Burundi: The Biography of a Small African Country, Nigel Watt,2008
[29] Conflict in Burundi: Religion, Ethnicity, and Resources, Heather Deegan
[30] René Lemarchand (مرجع سابق)
[31] EXHUMED CONFLICT IN EAST AFRICA: CAUSES AND IMPLICATIONS OF ETHNIC CONFLICT IN BURUNDI, Abdallah Mpawenimana Saidi  , Adam Andani Mohammed and Bassoumah Bougangue,  2017
[32] ARUSHA PEACE AND RECONCILIATION AGREEMENT FOR BURUNDI
[33]The Burundi Killings of 1972 and 1993: Historiography and Memory, Lemarchand, R. and Jesús M. Yepes.
[34] https://www.accord.org.za/conflict-trends/pursuing-peace-and-reconciliation-in-a-post-atrocity-society-a-case-study-of-transitional-justice-in-burundi/
[35] https://atjhub.csvr.org.za/burundi-truth-and-reconciliation-commission-2014-present/
[36] https://www.nonviolenceny.org/post/history-of-the-un-peacebuilding-commission

 

تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.
زر الذهاب إلى الأعلى